أهوار العراق تحلم بالعودة الى ماضيها المزدهر

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعد بيئة الأهوار من اكبر البحيرات في الشرق الأوسط وهي اقدم مأوى طبيعي في العالم، إذ تذكر المصادر التاريخية أن أولى حضارات بلاد الرافدين انبثقت في أهوار جنوب العراق التي عرفت إبان العصر السومري بـ"جنات عدن" نظراً لسحر طبيعتها، وبعدما كانت في الماضي السحيق تشكل حوضا طبيعيا، أدت اليوم التغيرات الطوبوغرافية الكبيرة التي طرأت عليها في العقدين الآخيرين، الى جفافها من المياه وتقلصت مساحتها إلى 760 كيلومترا مربعا فقط بحلول عام 2002، بعدما كانت هذه المستنقعات تغطي مساحة 9000 كيلومتر مربع في جنوب العراق في السبعينات، وادى ذلك التجفيف الى تشكيل عواصف رملية كثيفة لها مخاطر صحية جمة على الإنسان ونذير كاثة للاقتصاد أيضا، فيما يروي اشهر صحافي بريطاني كيفن يونغ مؤلف كتاب "العودة الى الاهوار" الطبيعة الخلابة لجنوب العراق في ظل ابتعاد الكتاب العراقيين عن عالم الأهوار السحري الذي يتيه بين الحقيقة والخيال، حيث تعد مناطق الاهوار في العراق من ابرز القطاعات الرطبة على مستوى الكرة الأرضية، كما تعد من أهم مراكز التنوع الإحيائي في العالم لما تحتويه هذه المناطق من ثراء بايولوجي زاخر بمختلف أنواع الأحياء المائية والبرية والتنوع النباتي والطيور النادرة، حيث تعد هذه الاماكن من مواقع سياحية ذات جودة عالية، فقد كان السائحون الاجانب يزورون الاهوار في جنوب العراق في الستينات والسبعينات. لكن السياحة توقفت خلال الحرب العراقية الايرانية. وانهار قطاع السياحة في العراق في التسعينات عندما كان البلد يخضع لعقوبات دولية وحتى يومنا هذا، ويبقى السؤال قائما هل ستستعيد هذه المستنقعات الخلابة بريقها وبالتالي عودتها الى الحياة البيئة أم ستستمر معاناتها وبالتالي تشكل كارثة على الاقتصاد وصحة الإنسان في العراق؟.

العودة الى الاهوار

في سياق متصل يبذل المسؤولون العراقيون جهودا مضنية لاستعادة الأهوار (المستنقعات) التي تم تجفيفها عمدا خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وقد ترتب على تجفيفها عواصف رملية كثيفة تشكل مخاطر صحية جمة، وقال نائب وزير البيئة كمال لطيف إنه على الرغم من الجهود المبذولة لاستعادة الأهوار سيعاني العراق على الارجح من العواصف الترابية معظم العقد المقبل، وفي الوقت الحاضر لا يكاد يمر أسبوع بلا أيام متربة مع هبوب عواصف رملية متكررة قوية بدرجة تكفي لعرقلة القيادة والتسبب في حوادث السيارات ووقف الرحلات الجوية واكتظاظ المستشفيات بالمرضى الذين يعانون من صعوبات في التنفس، وقال لطيف في مقابلة إنه كان المعتاد هبوب ما بين 10 و15 عاصفة رملية في أواخر السبعينات لكن هذه العواصف بدأت تزداد عددا وقوة بعد تجفيف حكومة صدام حسين للأهوار في اوائل التسعينات لطرد المتمردين منها، واضاف لطيف ان عام 2008 شهد 283 يوما متربا بما في ذلك 122 عاصفة رملية، وقال انه يتوقع وصول عدد الأيام التي تشهد أجواء متربة الى 300 يوم سنويا خلال العقد القادم إذا استمرت الاحوال على ما هي عليه مشيرا الى ان ارتفاع درجات الحرارة وعدم هطول الامطار ستبقي الأهوار جافة. بحسب رويترز. 

وقال لطيف انه تمت استعادة نحو 50 في المئة من المساحة الأصلية حتى الآن لكن ذلك ليس كافيا لحل المشكلة، واضاف ان هناك حاجة لاستعادتها بنسبة مئة في المئة، وأوضح أن هناك أيضا حاجة لخلق غطاء نباتي في المناطق الصحراوية بشمال غرب العراق لتقوية التربة ومنع العواصف الرملية التي تهب من هناك، وبالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالبشر قال لطيف إن للعواصف الرملية تأثيرا كبيرا على الزراعة كما تلحق الضرر بالمحركات المستخدمة في توليد الكهرباء، وأكد أن تعرض العراق لنحو 300 يوم مترب سنويا يعني كارثة للاقتصاد وصحة الإنسان.

ففي الوقت الذي ابتعد به الكتاب العراقيون عن التعاطي مع الطبيعة الخلابة لمناطق الاهوار في جنوب العراق، رصدت العيون الاجنبية تلك الطبيعة ووثقتها عبر اسماء عدة بينها كيفن يونغ مؤلف كتاب "العودة الى الاهوار"، واقيم في بيت المدى الثقافي في بغداد بحضور عدد من المثقفين والكتاب العراقيين احتفال لتوقيع الطبعة العربية الثانية من الكتاب الذي يقع في اكثر من 200 صفحة من القطع المتوسط ونقل الى العربية بواسطة الكاتب والمترجم حسن الجنابي، وصدر الكتاب بالانكليزية للمرة الاولى العام 1977 عن دار "وليام كولينز" وضم عشرات الصور الملونة التي لا تقل قيمة عن النص، وصدرت الطبعة الثانية العام 1983 خالية من الصور عن دار "هاتشنسن" واعادت طبعها دار "بنغوين" العام 1989، لكن الطبعة العربية الاولى صدرت العام 2005 ومن ثم الثانية في 2012، ويعتبر الكاتب كيفن يونغ اشهر صحافي بريطاني زار العراق في بداية خمسينيات القرن الماضي بتشجيع من الرحالة الانكليزي ثيسغر الذي عمل في احدى الشركات البريطانية في البصرة وترك عمله من اجل التفرغ للكتابة عن اهوار العراق التي غادرها قبل ثورة العام 1958، ومكث يونغ في منطقة الاهوار من العام 1952 ولغاية العام 1957 وعاد اليها العام 1973 لتفقد الشخصيات التي تعرف عليها في الخمسينيات، ويقول الكاتب العراقي علي حسين ان "الكتاب واحد من اهم المراجع في مجال تاريخ هذه المنطقة وشكل اهمية لكونه سجلا اجتماعيا لحياة الاهوار"، واضاف "ابدع مؤلفه في عكس صورة حية لحياة هؤلاء الناس الذين أهملتهم الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية"، وتابع "استطاع المؤلف يونغ ان ينقل ادق التفاصيل عن حياة اهل الاهوار ووقائع عن قضاياهم ووقف الى جانبهم كما يبدو في وقت لم يكتب كتاب عراقيون عن تلك المنطقة الساحرة". بحسب فرانس برس.

ويعد الكاتب والمترجم حسن الجنابي الذي نقل هذا الكتاب الى العربية واحدا من ابرز المختصين في مجال المياه والتغذية في العالم ويعمل الان سفيرا للعراق في منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) وقد انيطت له مهمة برنامج احياء منطقة الاهوار بعد العام 2003، ويقول الجنابي "وجدت في هذا الكتاب جمالية خاصة لم يستطع الكتاب العراقيون التصدي لها، والكاتب سبر غور هذه المناطق الساحرة بكل شيء وعرف العادات الاجتماعية وطبائع سكانها ومشايخها وعكس صورة حية للطبيعة وكيف كان السكان هنا يعتمدون في العيش على ثرواتهم الحيوانية وخصوصا الجاموس"، ويضيف الجنابي "الكتاب اعتبره منجزا حضاريا ولو انه جاء بعيون اجنبية لكنه يمثل اكتشافا لجمال العراق ومناطقه التي لم نلحق ان نكتشف جمالها واسرارها بسبب ملاحقة النظام السابق لنا وهذا شيء مؤسف"، وكان حسن الجنابي غادر العراق العام 1979 وتنقل بين بلدان عدة مثل روما واستراليا والامارات، ولفت الجنابي الى ان اهتمامه بعالم الاهوار جاء لكونه نشأ في مدينة الديوانية الجنوبية "المعروفة بزراعة الشلب (الارز) التي تتحول فيها الارض الى شبه مسطح مائي، فتنامى لدي حب الاهوار وكان واحدا من اسباب ترجمة هذا الكتاب"، وتابع "المساحة الكلية لمنطقة الاهوار تساوي مساحة لبنان او مساحة الضفة الغربية وهذا شيء لافت فليس من المعقول ان نصرف النظر عن هذه البقعة الكبيرة"، وكان النظام السابق عمد الى تجفيف الاهوار فهلكت على اثر ذلك ثروة حيوانية مهمة واعتبر المجتمع الدولي ذلك جريمة منظمة في حق الإنسان والحيوان، وبعد العام 2003 عاد سكان الاهوار الى مناطقهم الاصلية واعادوا الحياة لها مجددا لكن ليس بالمستوى الذي كانت عليه في السابق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء26/حزيران/2012 - 5/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م