أخطاؤنا

محمد سيف الدولة

قطعت القرارات الاخيرة للمحكمة الدستورية، الشك باليقين، في النوايا الحقيقية للمجلس العسكري المناهضة للثورة : فقرار حل البرلمان استنادا الى عدم دستورية قانون الانتخابات الذي اصدره المجلس العسكري بيده، ليس سوى عدوان صارخ ومبيَّت منه على السلطة التشريعية المنتخبة، باستخدام مطرقة عناصر من السلطة القضائية خاضعة لسيطرته.

وكذلك قرار تحصين احمد شفيق، بشرعية قانونية باطلة، ضد الثورة وكل ما تمثله. وهو ما تم ايضا من خلال لجنة الانتخابات الرئاسية التي اصبحنا نعتبرها جزء لا يتجزأ من السلطة التنفيذية.

بالاضافة الى الاعلان الدستوري المكمل الذي جرد رئيس الجمهورية من عديد من صلاحياته لصالح المجلس العسكري، وايضا اعطاء الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية حق الضبطية القضائية للمدنيين.

كل هذا وغيره الكثير ادى الى ان يتيقن كل من كان لا يزال متشككا، من اننا نتعرض منذ بداية الثورة لخطة مدروسة منهجية و منظمة، بقيادة المجلس العسكري للقضاء على الثورة واجهاض مشروعها وتصفية قواها، و لينتهي بنا المطاف بعد كل هذه الجهود والتضحيات الى الوضع البائس الذي نعيش فيه اليوم من حل للبرلمان المنتخب، واستعادة العسكر للسلطة التشريعية، ومشاركة شفيق في جولة الاعادة بغطاء قانوني غير مشروع وتزوير متقن لم نسبر اغواره بعد، مصحوبا بحالة تحريض رسمي ضد الثورة والثوار، مع انقسام حاد في صفوفنا.

***

وحيث ان هذا أمر متوقع من النظام القديم، وسيستمر فيه الى ان ينتصر او ينهزم، فان الاجدر بنا الآن ان نركز على اخطائنا نحن التي ساعدت الثورة المضادة وسهلت لها مهمتها وأمدتها بالوقود اللازم في اوقات كادت ان تتعثر فيه مخططاتها :

• الخطيئة الأولى بلا شك كانت هي الصفقة الكبرى التي عقدناها جميعا، بدون استثناء، مع المجلس العسكري حين ارتضينا تفويضه لادارة المرحلة الانتقالية.

• غياب التنظيم الثوري الموحد لقيادة الثورة الذي يمتلك مشروعا وطنيا ثوريا علميا ضد التبعية والطبقية والاستبداد، ويمتلك خطط عمل واضحة وتفصيلية.

• تحول مواقفنا في كثير من الاحيان الى ردود فعل تلهث وراء الاحداث المتعاقبة والمفاجئة بدون امتلاك رؤية استراتيجية واضحة.

• صمت القوى الوطنية على عدم تقديم مبارك ورجاله الى المحاكمة عن الجرائم الاخطر التي ارتكبوها والتي تمس السيادة الوطنية والامن القومي ونهب الثروة وافقار الشعب وافساد الحياة السياسية وتزوير الانتخابات وغيرها، بما اضفى شرعية على استمرار ممارسة ذات الجرائم بعد الثورة.

• التنازل عن الثوابت الوطنية لحساب المصالح السياسية الحزبية والتباري في نسج الجسور مع الولايات المتحدة الامريكية والتعهد لها بمواصلة الالتزام بذات السياسات الخارجية لنظام مبارك.

• قبولنا بالتعديلات الدستورية على الوجه الذي صدرت به والتي اكتشفنا فيما بعد، ما فيها من كمائن والغام خاصة فيما يتعلق بالمادة 28 التي حصنت قرارات اللجنة الرئاسية والمادة 60 التي اهملت معايير انتخاب الجمعية التأسيسية.

• انقسامنا الى تيارات اسلامية وغير اسلامية، الذي بدأ مع الاستفتاء ولايزال مستمرا، والذي تم استدراجنا له جميعا، ليبعدنا عن التصدي للقضايا الحقيقية في مواجهة الخصم المشترك.

• السماح لانصار النظام القديم من رجال الاعمال باختراق صفوف الثورة بأموالهم واحزابهم وصحفهم وفضائياتهم، بالاضافة الى تساهل بعض المؤسسات السياسية و المدنية في تلقي وقبول التمويل الاجنبي الغربي او الخليجي، مما أشاع اجواء من الفساد و الشكوك الحادة بين القوى الوطنية.

• صمت الاغلبية على تضليل المجلس العسكري واعلامه وتبريراته لجرائم ماسبيرو وما بعدها مما فتح الباب على مصراعيه لمزيد من المذابح بهدف تخويف الناس من التظاهر والاعتصام.

• الامتناع عن اعداد قائمة وطنية موحدة في الانتخابات المختلفة، وما تبع ذلك من استئثار الاغلبية الاسلامية من اخوان وسلفيين بأغلبية المقاعد النقابية والبرلمانية والسيطرة على الجمعية التأسيسية وتقديم مرشحهم الخاص للرئاسة، مما زاد من حالة الاستنفار والاستقطاب المضاد، ووضعهم، للأسف الشديد، في موقع الخصم الرئيسي لدى غالبية القوى الأخرى بدلا من النظام القديم ومجلسه العسكري.

• مع انقسام التيارات غير الاسلامية فيما بينها الى عشرات الاحزاب والائتلافات، وبروز النزعة الذاتية لدى غالبية القيادات والشخصيات العامة والشبابية على حساب قيم وروح العمل الجماعي.

• تزاحم القوى السياسية على تصدر المشهد السياسي والاعلامي على حساب التواصل مع الجماهير في مواقعها وتوعيتها وتسييسها وتنظيمها.

• سقوط الجميع في خطأ عدم التوافق على مرشح رئاسي موحد في مواجهة مرشح الدولة.

 كانت هذه بعض اخطائنا التي ارتكبناها فأدت الى هزيمتنا في الجولة الاولى من الثورة، فهل نعترف ونتعظ ونراجع ونتدارك ؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/حزيران/2012 - 30/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م