شبكة القاعدة خلافات وانشقاقات

انحراف "دولة العراق الاسلامية" وانصار الشريعة وجند الشام

جاسم محمد

أن المزاج العربي والاسلامي اخذ يدرك النتائج السلبية لفكر وايدلوجية القاعدة وخاصة الاقليات العربية والاسلامية التي تعيش في الغرب لما جائت تلك العمليات من سياسات اوربية وغربية متشددة ضدها. فرغم جهود الجاليات بالاندماج في تلك المجتمعات الغربية لكنها باتت ما بين فكي السياسات الاوربية المتشددة، والتيار السلفي الجهادي.اليمين المتطرف الذي بدأ يصعد بشكل متسارعا على المسرح السياسي نقل المواجهات الى الشارع الاوربي مباشرة.

وتثير قضية مقتل بعض قيادات تنظيم القاعدة جملة استفسارات حول مستقبل التنظيم والجماعات الجهادية المتطرفة في اعقاب مقتل ابن لادن العام الماضي 2011 وابو عبد الرحمن الليبي في 04.06.2012، والتي اجمع عليها المراقبون بانها اضعفت التنظيم ووصفها البعض بالنزيف الداخلي.

أن تنظيم القاعدة المركزي يعاني من موت سريري منذ عام 2005.

انحراف مسار التنظيم

عاد الكثير من العرب الافغان والمقاتلين أواخر ثمانينات القرن الماضي، بعد انتصارهم على الاتحاد السوفيتيي السابق في أفغانستان إلى بلدانهم، وهم معبئين بالفكر الجهادي، وظلت فكرة العنف والقتال مسيطرة على الكثير منهم.

وخلال الفترة التي تلت معارك أفغانستان على مدى تسعينيات القرن الماضي، حقق هؤلاء نجاحاً في إعادة صياغة فكرة استمرار الجهاد، بشكل منظم في أفغانستان من خلال إمارة طالبان التي أتاحت المجال لنشاط القاعدة ولتكون طالبان ووزيرستان الرحم التي ولدت منه القاعدة.

ان واقع عمليات تنظيم القاعدة وفروعها الحالية لا تمت بصلة الى مسار عمليات تنظيم القاعدة الرئيسي مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ففكرة القاعدة التي كانت اساسها تتحد في اخراج السوفيت و باهداف محلية داخل افغانستان، بدأت تاخذ مسار اخر بعد خلافات ابن لادن مع الادارة الاميركية، لتتحول القاعدة الى تنظيم عالمي يحمل "راية الجهاد "السوداء ضد الولايات المتحدة والغرب.

لقد احدث احتلال اميركا لافغانستان نقلة نوعية في تنظيم القاعدة وهي تقع تحت ضغوطات "الحرب على الارهاب"، حيث تحول التنظيم من تنظيما مركزيا الى تنظيمات اقليمية محلية اكثر دموية وغير من خطابه الاعلامي ليقاتل الانظمة العربية والاسلامية والمذاهب، وليتحول قياداته الى وزراء حرب وفصائل مسلحة تعلن القتل والتكفير ضد كل من يخالفها. وبدأ التنظيم يستهدف المسلمين خصوصا اكثر من الغرب.

وقد كشفت رسائل بن لادن التي عثرت عليها الاستخبارات المركزية الاميركية في منزله في عملية تابو اباد/الباكستان في الخامس من شهر مايس 2011 بمناسبة الذكرى السنوية لمقتل بن لادن ـ عن الخلافات والانشقاقات داخل التنظيم ومنها ماجاء برسالة بن عثمان إلى بن لادن تؤكد انحراف القاعدة في فهم مبادئ الإسلام حيث يرى بن عثمان أن صورة الإسلام في الغرب عموماً باتت مشوهة بسبب تصرفات القاعدة، إذ أن المسلمين بات يُنظر إليهم عناصر ارهابية كامنة.

ويراهن بن عثمان على أن انتقاداته لتصرفات القاعدة يشاركه فيها كثيرون حتى من قادة الجهاديين انفسهم، في إشارة إلى "المراجعات" التي قام بها عدد كبير من القيادات التي أعلنت خلال السنوات الماضية وقوفها ضد "الغلو" في تفسير المفاهيم "الجهادية" على يد القاعدة وبعض فروعها.

ضعف التنظيم المركزي

إن التنظيم لم يعد قادرا على القيام بأي عمليات نوعية ضد الولايات المتحدة والغرب بعد 11سبتمبر 2011 وتمحورت عملياته بجذب انتحاريين جدد عبر الانترنت وغرف الدردشة ومواقع الجهاد القاعدية خاصة في البلدان التي تشهد الفوضى وضعف الرقابة او الحكومة المركزية.

لقد خسرت القاعدة قياداتها خلال عام 2011 والعام الحالي 2012 بشكل متسارع من خلال تركيز ادارة اوباما والاستخبارات المركزية بالتنسيق مع البنتاغون بشن عمليات مركزة بطائرة بدون طيار على منطقة وزيرستان عند المنطقة الحدودية الباكستانية الافغانية وكذلك في اليمن. هذه العمليات قوضت قيادات القاعدة وذكرت تقارير استخبارية وشهود عيان بان قيادات القاعدة في وزيرستان خسرت شعبيتها وخسرت انصارها بعد تجفيف تمويل التنظيم في اعقاب مقتل اسامة بن لادن. وذكرت نفس المصادر بان القيادات الميدانية بدأت تختفي من الاماكن العامة، وبدأت تستخدم الدراجات النارية بدل استخدامها السابق العجلات ذات الدفع الرباعي المترفة. وبمقتل عبد الرحمن الليبي، المسؤول الاعلامي للتنظيم بواسطة طائرة بدون طيار داخل وزيرستان /باكستان تكون القاعدة قد تلقت ضربة موجعة كونه كان بمثابة الرابط مابين التنظيم المركزي والتنظيمات الاقليمية والمحلية من خلال سيطرته على الماكنة الاعلامية لتنظيم القاعدة المعتمدة ابرزها الفجر وسحاب، وبغيابه تكون ضاعت حلقة الربط الهامة في شبكة القاعدة.

ووصف الدكتور سعيد الجمحي، رئيس مركز الجمحي للدراسات والأبحاث، تنظيم القاعدة قائلا : "إن نسيج القاعدة أصبح في مرحلة الشيخوخة لأن قادة التنظيم الحاليين ليسوا مؤثرين بنفس الدرجة التي كان عليها القادة السابقون.

لقد خسرت القاعدة التأييد في الشارع العربي بل ساهمت في تعميق الشرخ بينها وبين الشارع العربي وفي تعميق الهوة بينها وبين قادة التيار السلفي غير الجهادي.

ويرى محللون في شؤون القاعدة أن حالة الضعف في التنظيم / في شبه الجزيرة العربية، دفعته مؤخر الاعلان على شبكة الإنترنت يطلب فيه تجنيد مقاتلين وانتحاريين جدد!. وجاء الإعلان في بيان حمل توقيع "اللجنة العسكرية - تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية"، ونشر على عدد من المواقع الجهادية في الخامس من حزيران/يونيو. 2012.

وأضاف الجمحي "إن أسلوب الانتحاريين هو الأسلوب القديم للقاعدة، لكنه سيعود عليهم بنتائج عكسية،

عندما انتفض الجيش والمواطنين واللجان الشعبية والقبائل بعد مجزرة ميدان السبعين في صنعاء / اليمن بتاريخ 21.05.2012 على غرار الصحوات في العراق. ويبدو ان التعاون العراقي اليمني بعد رحيل صالح في مواجهة القاعدة اتى بنتائجه مستغلا تجربة العراق بالتعامل مع مقاتلي القاعدة الاجانب ومن اليمن على الاراضي العراقية.

الخلافات والانشقاقات داخل التنظيم

ويتفق عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور عبدالمعطي بيومي قائلا :" على أن أي فكر يخرج عن وسطية الإسلام مردود عليه وأن احتكار القاعدة للفكر الجهادي لن يحقق لها وجودًا خاصة أن الإسلام هو دين الوسطية ".

أن الفكر الجهادي بدأ فعلا بالتراجع في اعقاب ربيع الثورات العربية التي وجد فيها المواطن العربي الطرق السلمية في محاولة التغيير بدلا من التنظيمات الجهادية، لذا فقدت القاعدة وهجها في الربيع العربي وفقدت تأييد الشارع العربي رغم وجودها كأفراد او خلايا صغيرة.

فقد كانت القاعدة تروّج خلال حقبة التسعينات أنها تحمل لواء الدفاع عن علماء سلفيين موقوفين، لكن قيام القاعدة بهجمات 11 سبتمبر ثم بدء قتلها الأجانب في السعودية وقيام فرعها في العراق بعمليات قتل مروّعة تشمل أهل العراق أنفسهم، دفع بكثير من هؤلاء العلماء السلفيين إلى النأي بأنفسهم عن القاعدة.

وكانت عملية انشقاق الملا ناظم عن تنظيم القاعدة / الجهاد في بلاد الرافدين في اعقاب العمليات والممارسات التسلطية للتنظيم ضد العشائر العراقية وابنائها، احدى افضل الامثلة للانشقاقات التي شهدتها القاعدة في قياداتها.

وضمن رسائل بن لادن التي نشرت في ذكرى مقتله ووفقا للرواية الاميركية،ذكر في رسالة كتبها آدم غادان، المتحدث باسم القاعدة ومستشارها الإعلامي، في أواخر كانون الثاني/يناير 2011 إلى جهة غير معلومة، انتقد ممارسات دولة العراق الاسلامية وحركة طالبان الباكستانية، ودعا التنظيم إلى النأي بنفسه علنا عن الجماعتين. وشكلت علاقة القاعدة مع الجماعات المرتبطة بها محط خلاف بين قادة التنظيم. وأضافت تلك الرسائل إن هذا يظهر أن هناك عصيانا للقادة وهو مظهر من مظاهر ضعف التنظيم المركزي.

وتصف الوثائق التي نشرها مركز مكافحة الارهاب، ويبلغ عددها 175 صفحة باللغة العربية و197 صفحة مترجمة إلى الانجليزية، آليات عمل التنظيم الداخلية ومنها خلافات داخلية ونصائح للجماعات المرتبطة بالتنظيم ومخاوف لقادة بارزين.

اجيال القاعدة

وعلى ضوء مراحل التنظيم تكونت ثلاثة أجيال قاعدية، بحسب بعض المحللين: فالجيل الاول هو من حارب في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي سابقا نهاية عقد الثمانينات من القرن المنصرم.

أما الجيل الثاني فقد جاء بعد أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 اما الجيل الأخير الثالث فقد جاء في اعقاب تراجع القاعدة في بلاد الرافدين عام 2006 مع تصاعد استخدام شبكة الانترنيت.

وفي ضوء الحملة الاميركية في افغانستان والعراق وتوقيتات الانسحاب الاميركي من العراق نهاية عام 2011 وتوقيتات الانسحاب الاميركي من افغانستان المقررة في 2014 وحملات اصطياد قيادات القاعدة بطائرات دون طيار في وزيرستان / دفعت الى تغيير خارطة تواجد قيادات القاعدة لتلجأ الى الصومال والقرن الافريقي و اليمن وسوريا وايران وغيرها من الدول.

أن قيادات القاعدة بدأت تبحث عن ملاذ اكثر من الحواضن، هذه الظروف دفعت قيادات التنظيمات الفرعية او الاقليمية والمحلية الى استغلال وانتهاز الظرف وابتعادها عن التنظيم المركزي لظروف استخبارية وامنية لان تنفذ سياساتها المحلية الداخلية وتنفرد بقراراتها وعملياتها ومنها مايسمى " دولة العراق الاسلامية" في العراق وانصار الشريعة وتنظيم جند الشام، لتفرز قيادات ميدانية اكثر طائفية واكثر دموية ولتتحول قياداتها الى فتوة اتاوات اكثر من دعاة عقيدة او ايدلوجية.

المعنيون بشأن شبكة القاعدة وصفوا دور التنظيم المركزي بانه اصبح رمزيا وماجاء في حديث وزير الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون في مؤتمر اسطنبول بتاريخ 07.06.2012 الخاص في مواجهة الارهاب التي وصفت فيه ايمن الظواهري بالزعيم الاسمي لتنظيم القاعدة.

اما رسائل ايمن الظواهري التي ترد على وسائل الاعلام بين فترة واخرى وخاصة حول التطورات في سوريا 2012 فممكن اعتبارها بانها محاولة من الظواهري لسرقة جهود المتظاهرين والمعارضة السورية، بل وصفها البعض بعلامة ضعف وتراجع متسائلة ان كانت رسائل الظواهري تغير الانظمة، اين كانت من تغيير الاوضاع في مصر وتونس وباقي الدول العربية.

الجيل الثالث هو جيل الانترنيت الذي تميز بمرونته وسرعة حركته اكثر من الجيل الاول والثاني. هذا الجيل اغلبه من الشباب الذي يستخدم التكنلوجيا الحديثة عبر الانترنيت واستخدام خرائط بحث محرك الانترنيت بالوصول الى الاهداف وتميز بالعمليات الفردية ذات التمويل الذاتي تماشيا مع نقص التمويل لينطبق عليه اسم الجهاد الالكتروني، فهو الاوسع انتشار لكنه الاقل فاعلية تنظيميا.

ويفتقد هذا الجيل الى عامل الالهام التي كانت تعتمده القاعدة في حلقاتها المغلقة وادارة الحلقات الدراسية في مساجدها فقد غابت عنه هذه اللغة، التي تنتهجها قيادات القاعدة في حلقاتها الدراسية، وكان انور العولقي اكثر القيادات الهاما وتأثيرا في تلاميذه من الجيل الثاني والثالث حتى وصفه المراقبون بانه ابن لادن الجديد. أما التربية العقائدية او فهم ايدلوجية القاعدة فقد غابت عن هذا الجيل بسبب تشديد الرقابة الاميركية وحلفائها على شبكة القاعدة وضعف الحلقات الدراسية، لتأخذ جهود هذا الجيل بتعلم تقنية التفخيخ والانتحار والتفجير اكثر من العقيدة.

فروع التنظيم المحلية

تنظيم دولة العراق

أن تراجع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ومقتل ابو مصعب الزرقاوي عام 2006 ادى الى تشكيل " دولة العراق الاسلامية " لتكون بديلا محليا عنه.

ابرز قياداتها العراقي حامد داود خليل، ( ابو عمر البغدادي) قتل بتاريخ 19.04.2010.

 وباتت العمليات الارهابية التي تتبناها " دولة العراق الاسلامية " تأخذ الخطاب الطائفي محاولة منها لبث الطائفية والرعب.واصبحت عملياتها مرتبطة مع الازمات السياسية مستغلة الفوضى السياسية التي يعيشها العراق وكانها اشارة الى لي الاذرع و نصرة كتل سياسية على حساب الاخرى.

تنظيم انصار الشريعة

ظهرت انصار الشريعة تماما مع تصاعد ثورة التغيير الشعبية في اليمن مطلع عام 2011 وتأتي تسمية انصار الشريعة. أبرز قياداتها طارق الذهب. أغلب مقاتليها من الشباب غير المتعلم.

وقال الدكتور فارس السقاف، رئيس مركز دراسات المستقبل، في حديث للشرفة "إن القاعدة في شبة جزيرة العرب وصلت إلى درجة كبيرة من الضعف والانكسار واليأس، خصوصا بعد انتصارات الجيش اليمني وقضائه على الإمارات الإسلامية التي أقامها التنظيم في عدد من المدن" منها في زنجبار ولودر وشبوة وابين خلال الشهر الحالي حزيران 2012. ولفت إلى أن حادثة السبعين في 21 أيار/مايو والتي راح ضحيتها قرابة 100 جندي يمني أضرّت بصورة التنظيم، "فالناس بحاجة للأمن والاستقرار والحياة الكريمة وليس القتل المجاني".

تنظيم القاعدة في بلاد الشام

برز اسم "جند الشام" كتنظيم جديد يضاف إلى التنظيمات والحركات الإسلامية المعروفة مثيراً علامات استفهام وتساؤلات حول أهدافه وهيكليته وخصوصاً بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2005.

تعود تسمية جند الشام إلى المجموعة الأولى التي تزعمها الزرقاوي في أفغانستان في العام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم للتدريب كان يضم متطوعين من بلاد الشام، أي لبنان وسورية والأردن وفلسطين، وفيما يتولى الشأن التنظيمي عماد ياسين، تعود المسؤولية العسكرية الى غاندي السحمراني، وهو ممن شاركوا في أحداث الضنية في شمال لبنان مطلع العام 2000.

فقد قام المدعو "أبو يوسف شرقية" بإعلان تشكيل جند الشام، وتولي "إمارته" في مايو/أيار 2000 بالاضافة الى الداعية السوري ابو القعقاع كان من ضمن عناصر التنظيم.

أن مقاتلو القاعدة واخواتها لا يتعدون بضعة خلايا وهنالك عدد من السلفيين والجماعات الاسلامية المسلحة وبضمنهم اعداد من الاجانب،دخلت الاراضي السورية بمساعدة اقليمية، وهي خلايا صغيرة او افرادا وليس على شكل غزوات او تنظيما. اما مايعلن عنه عن جماعة النصرة /القاعدية فهي محدودة وليس لها تأثير.

أن الجهود التي تبذلها الامم المتحدة والمجتمع الدولي اقليميا ودوليا بتقويض الارهاب من خلال عقد المؤتمرات الدولية على هامش اجتماعات الامم المتحدة تعتبر وسيلة لتقويض التنظيم اعلاميا واستخباريا وعسكريا. اما التحالفات الاقليمية والتعاون والتزاوج الاستخباري والعسكري مابين الدول المتضررة فتعتبر اكثر فاعلية وتأتي بنتائجها على الارض من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية المصنفة وتعقب المطلوبين.

* كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/حزيران/2012 - 30/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م