العراق... بين البناء المجتمعي ومراكز استطلاع الرأي

 

شبكة النبأ: من العلامات الواضحة التي تدل على تطور المجتمع، إعتماد المسؤولين فيه على ما تقدمه لهم مراكز استطلاع الرأي من نتائج وحلول تتعلق بمجالات الحياة المختلفة، وكلما ضعف أو غاب دور هذه المراكز، كلما كان هذا مؤشرا قويا على تخلف المجتمع وعدم اعتماده الاساليب والوسائل الحديثة في معالجة الازمات الاجتماعية، وذلك بسبب إهمال المسؤولين والمخططين لدور مراكز الاستطلاع التي تأخذ على عاتقها تقديم التصورات الدقيقة والصحيحة لكثير من المشكلات الاجتماعية الصعبة والكبيرة، ثم في ضوء الاستطلاعات تتوفر إمكانية مدروسة لوضع المعالجات الصحيحة، وفقا لمعرفة حجم المشكلات وحيثياتها.

لذلك مطلوب من الدولة والجهات الرسمية المعنية بتأسيس وتطوير ودعم مراكز استطلاع الرأي، أن تعي أهمية الدور الذي تلعبه هذه المراكز، وأن تضع ضمن برنامجها التطويري للمجتمع، ميزانية مالية تتكفل القيام بهذه المهمة، فالتخطيط وحده لا يكفي، إذ هناك مقومات داعمة مثل إقامة منشآت وقاعات وخطوط اتصال وشبكات اعلامية، وتوفير اموال تكفي لقيام هذه المراكز بعمليات استطلاع رأي واسعة في الميادين كافة.

ويمكن أن تتحدد الجهات المعنية بمسألة الاستطلاعات والاستبيانات، بالجامعات إذ يبرز هنا دورها الواضح والكبير في هذا المجال، كذلك الحال بالنسبة للحكومات المحلية، حيث يقع عليها العبء الاكبر في توفير البنايات والموارد المالية والبشرية لهذه المراكز، والتعامل معها على أنها ذات اهمية بالغة في رصد المشكلات المجتمعية ومن ثم تقديم المقترحات المناسبة لمعالجتها، وهكذا تصبح هذه المراكز قواعد معلوماتية شاملة ودقيقة، لكل المشكلات الكبيرة التي يعاني منها المجتمع.

هناك على سبيل المثال حالات طلاق واسعة في العراق، تقف وراؤها اسباب كثيرة ينبغي رصدها وتوثيقها بدقة، وهذا هو دور مراكز الاستطلاع التي تقدم المساعدة المعلوماتية للمسؤولين، من اجل وضع التصورات والحلول المناسبة، فقد ورد في احد التقارير حول مشكلة الطلاق في العراق، أن الإحصائيات  تشير إلى ازدياد هذه الظاهرة، بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعتبر تهديداً كبيرا للبنيان الأسري والمجتمعي عموما، إذ بلغت نسبة هذه الظاهرة في العام الماضي 65%، بواقع 820 ألف و453 حالة. حدث هذا كنتيجة لجملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق في السنوات الأخيرة، حيث تفاقمت ظاهرة الطلاق وتعرضت الكثير من الأسر للتفكك مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار في المجتمع وبنيانه، ويعزو مختصون السبب في تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق إلى الانفتاح الذي بدأ يشهده هذا البلد بعد عام 2003، والذي قاد بدوره لتبدل الكثير المفاهيم المجتمعية، إذ بات المجتمع مثلاً لا يعتبر الطلاق عيباً، إضافة إلى دخول الفضائيات والمسلسلات الأجنبية لبيوت العراقيين، وما تتضمنه من أفكار وأحداث تؤكد على أن الطلاق ظاهرة عادية. وهو ما دفع العراقيات لتقبل أمر الطلاق كحادثة عابرة. يقول المحامي حسام الغراوي: "إن العراق شهد ارتفاعا هائلا في نسبة حالات الطلاق. حيث تقع في محاكم بغداد الرصافة في الكرادة والمحاكم التابعة لها ملحقا بها الزعفرانية قرابة 20 إلى 50 حالة طلاق يوميا!"، ولفت العزاوي إلى صعوبة الحصول على أرقام وإحصائيات دقيقة حول العدد الكلي لحالات الطلاق. لكن ارتفاع حالات الطلاق أصبحت ظاهرة خطيرة لها تهديداتها حال مشكلة الأرامل.

إن مواجهة هذه المشكلة وسواها كالبطالة، والفقر، وتعاطي المخدرات، والسرقة وما شابه، تتطلب دورا متواصلا للرصد والمتابعة، وهو الدور الذي ينبغي أن يُناط بمراكز الاستطلاع، فحين يتم ملاحظة ظاهرة خطيرة، وتصاعد وتيرتها، من دون معلومات دقيقة عنها، تصبح قضية التصدي لها غير ذات جدوى، وتصاب الجهات المعنية بعشوائية الحلول، التي لا تقود الى الحد او القضاء على الظواهر الخطيرة او المدمّرة للبناء المجتمعي.

بهذا يتبيّن للجميع سواء المسؤولين أو غيرهم، أهمية الاعتناء بهذه المراكز، وأهمية اعتمادها كبؤر لتجميع المعلومات الدقيقة عن الازمات والمشكلات المجتمعية، لكي تسهل عملية حلّها، الامر الذي يدل على عصرية المجتمع والدولة ككل، والسير في المسارات الصحيحة بما يواكب ما يستجد في عالم اليوم من اجراءات تتعلق بالبناء المجتمعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/حزيران/2012 - 29/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م