زيارة الامام الكاظم... مسيرة التحدي والصمود امام الفتن الطائفية

 

شبكة النبأ: مع استمرار الخلافات السياسية في العراق تستمر اعمال القتل والارهاب التي تسهم بحصد ارواح الابرياء الذين يدفعون اليوم ضريبة تلك الاحقاد والخلافات المعلنة بين الكتل والاحزاب السياسية التي انشغلت بتحقيق المكاسب والامتيازات الخاصة وتناست هموم ومشاكل المواطن العراقي، ويرى بعض المراقبين ان اثار تلك الخلافات قد اثرت بشكل سلبي على الشارع العراقي وكان احدى اهم الفرص للمجاميع الارهابية التنفيذ مخططاتها الاجرامية وبدوافع طائفية لأجل اثارة الفتنة بين ابناء هذا الوطن وبناء حالة عدم ثقة بين الطوائف والاديان لأجل الوصول الى الهدف المنشود واشعال فتيل الحرب الاهلية التي تراهن عليها العديد من دول المنطقة وتسعى الى تقديم كل اشكال الدعم والمساعدة بقصد اثارتها.

وإثر سلسلة من الهجمات التي استهدفت زوّار مولانا الإمام الكاظم صلوات الله عليه، في مناطق مختلفة من البلاد، وبشكل خاص في مدينتي بغداد، والكاظمية المقدّسة التي تضمّ الضريح الطاهر للإمامين الكاظمين صلوات الله عليهما، صدر من مكتب المرجع الديني الكبير آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في النجف الأشرف، بيان جاء فيه: إنّ الله سبحانه وتعالى امتحن شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم بأن جعلهم عرضة لأخسّ الناس ليكونوا حجّة عليهم في الدنيا والآخرة، ولا شكّ إنّ النصر للمؤمنين قريب.

وفي البيان أيضاً: إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم لينالوا أعلى مراتب الجنّة وتصافحهم الملائكة ويهنّؤهم بهذه الدرجة العليا، وفي جوار الأئمة الطاهرين، متباركين برضوان من الله أكبر.

وختم البيان: فهنيئاً للشهداء الذين تحمّلوا الأذى في طاعة الله، وأثبتوا لأعداء أهل البيت صلوات الله عليهم بأن الصبر على عنف العنيف أهنأ عاقبة من مواجهته بالعنف، وصبراً وشرفاً لذويهم لينالوا الجنّة أيضاً بصبرهم وتحمّلهم في ذات الله، والله نعم الشاهد والحكم.

وبرغم من محاولات تلك الجهات الارهابية وتوسيع حملاتها العدوانية فلايزال التحدي والاصرار متواصل فقد احيا مئات آلاف الشيعة في بغداد ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم، وسط اجراءات امنية مشددة لم تمنع استهداف الزوار بسيارتين مفخختين قتل فيهما 19 شخصا على الاقل واصيب العشرات بجروح. وبعدما سارت مراسم احياء الذكرى بهدوء في الصباح، انفجرت سيارة مفخخة عند حوالى الساعة 12،15في منطقة الشعلة في شمال بغداد مستهدفة زوارا كانوا في طريق عودتهم الى مدنهم. واعلن مصدر في وزارة الداخلية ان "14 شخصا قتلوا في الهجوم بينما اصيب 32 بجروح"، فيما اكد مصدر طبي رسمي ان اربع مستشفيات تلقت "تسعة قتلى و47 جريحا". وبعد نحو ساعتين من الهجوم الاول، انفجرت سيارة مفخخة ثانية في ساحة قريبة من الكاظمية، ما ادى الى مقتل 18 شخصا واصابة 32 بجروح وفقا للمصدر الامني، بينما ذكر المصدر الطبي ان عشرة اشخاص قتلوا واصيب 95 بجروح.

وكانت المراسم بدأت منذ ساعات الصباح الاولى مع سرد احد رجال الدين قصة الامام موسى الكاظم، نجل الامام جعفر الصادق، وسابع الائمة المعصومين لدى الشيعة الاثني عشرية. ثم سارت الحشود انطلاقا من جسر الائمة في شمال بغداد خلف نعش رمزي مغطى بقماش اخضر باتجاه المرقد في الكاظمية، وهم يبكون ويرددون اناشيد خاصة بالمناسبة فيما كان بعضهم يلطم صدره.

واكتظت شوارع الكاظمية بالمشاركين الذين اتشحوا بالسواد وبينهم اطفال ونساء اتوا من مناطق مختلفة في العراق سيرا على الاقدام، فيما كانت انابيب ترش الماء وتبعث هواء فوق رؤوسهم وسط طقس حار جدا. وبينما كانت تزداد اعداد الحشود، واصلت عشرات الخيم المنتشرة على الارصفة تقديم مختلف انواع الاطعمة والمشروبات للزوار. وانتشرت رايات خضراء واخرى سوداء في كل مكان فيما ارتفعت اصوات الاناشيد الدينية عبر مكبرات الصوت متحدثة عن حياة الامام الكاظم.

وقال المسؤول الاعلامي عن الروضة الكاظمية عامر الانباري "تم احياء ذكرى وفاة الامام الكاظم بمشاركة جميع اطياف الشعب العراقي الذين اكدوا تمسكهم بمبادئ الانسانية التي اكدها الامام في حياته". واضاف ان "بين الزوار عدد كبير من المسلمين الذين جاؤوا من داخل العراق ودول عربية واسلامية مجاورة واخرى اوروبية". وتحدث عن "ملايين الزوار الذي توافدوا خلال الايام الماضية لأداء مراسم الزيارة". وجرت المراسم وسط اجراءات امنية مشددة شملت نشر فرق لمكافحة الارهاب بين المشاركين، فيما كانت مجموعة من المروحيات تحلق في سماء المدينة، بعد ايام من موجة تفجيرات قتل فيها 72 شخصا واصيب العشرات بجروح واستهدفت معظمها الزوار الشيعة، وقد تبناها تنظيم القاعدة.

وقال عبد الله الكيتاوي (42 عاما) الآتي من مدينة الكوت (160 كلم جنوب) والذي سار لأربعة ايام ان "الامام الكاظم مذهبنا ورمز الاستشهاد لدى المسلمين عامة والشيعة خاصة". واضاف "شعورنا اليوم شعور شريف ومقدس، ومهمتنا ان نحافظ على هذه الذكرى طالما حيينا". وقال كريم محمد ( 52 عاما) الآتي من سامراء (110 كلم شمال بغداد) ان "اعداد الزوار زادت هذا العام لان وقوع الانفجارات يحول الامر الى تحدي بالنسبة للشيعة"، مضيفا "من لم يكن يريد ان يأتي، غير رايه واتى". وقالت الحاجة سنية وطن نعمة (60 سنة) وهي تضرب على رأسها بديها "هل ان روحي اعز من روح الامام الكاظم او اعز من ارواح هؤلاء الزوار؟".

وقال حسين مراوح (17 عاما) "هذه السنة السادسة التي اتوجه فيها الى هنا واشعر بالراحة الآن". واضاف مراوح وهو يمشي في الكرادة وسط بغداد آتيا من الصويرة (60 كلم جنوب شرق بغداد) "ناتي الى هنا لنقول للإرهابين اننا ضدكم، واننا لا نخشى التفجيرات والارهاب". من جهته، اكد سلام جابر (27 عاما) الآتي من الموفقية (180 كلم جنوب شرق بغداد) والذي يسير منذ خمسة ايام انه "حتى وان انفجرت 20 سيارة مفخخة كل يوم، فهل يعني ذلك اننا سنوقف السير نحو مرقد الامام؟ كلا". وقال العقيد ضياء الوكيل المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد ووزارة الدفاع ان "الجميع يعمل على انجاح الخطة الامنية، وتامين الحشود المليونية المشاركة في احياء ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم". واضاف الوكيل "لدينا رصد جوي مسلح لكافة المحاور التي يسلكها الزوار"، اضافة الى عشرات حواجز التفتيش.

وولد الامام الكاظم في منطقة تعرف بالأبواء بين مكة والمدينة وتوفي في سجن السندي ابن شائك حيث كان يعتقل في بغداد، علما ان الادبيات الشيعية تتهم الخليفة العباسي هارون الرشيد بقتل الامام عبر دس السم له بينما كان في السجن. وكانت الذكرى نفسها شهدت احداث عنف خلال الاعوام الماضية، بينها مقتل نحو الف شخص جراء تدافع على جسر الائمة المؤدي الى الكاظمية في 31 اب/اغسطس 2005، هو اليوم الاكثر دموية منذ اجتياح العراق عام 2003. وفي عام 2010، خلال ايام احياء الذكرى نفسها، قتل ما لا يقل عن 70 شخصا واصيب المئات من الزوار في هجمات استهدفتهم.

في السياق ذاته قتل ثمانية اشخاص ينتمون الى عائلة عراقية واحدة بينهم ستة اولاد، في هجوم نفذه مسلحون مجهولون يرتدون زيا عسكريا داخل منزلهم في منطقة المحمودية جنوب بغداد. وقال مصدر في وزارة الداخلية ان "مسلحين مجهولين يرتدون زيا عسكريا داهموا منزل عائلة في منطقة الزنبرانية في المحمودية (30 كلم جنوب بغداد) واغتالوا الاب والام واطفالهم".

واكد مصدر طبي في مستشفى المحمودية "تلقي جثث افراد عائلة شيعية مؤلفة من ثمانية اشخاص قتلوا عبر اطلاق الرصاص على رؤوسهم داخل منزلهم". واضاف ان "اصغر الاولاد فتاة عمرها اربعة اعوام، واكبرهم صبي عمره 14 عاما". وكانت المحمودية تعتبر احدى معاقل تنظيم القاعدة في العراق على مدى اعوام اعقبت اجتياح العراق عام 2003. وفي اعمال عنف اخرى، اعلن مقدم في شرطة خانقين (150 كلم شمال بغداد) "مقتل عضو في الحزب الشيوعي يدعى محسن حسن وزوجته داخل منزلهما في منطقة السعدية" الواقعة جنوب خانقين. واكد الطبيب احمد ابراهيم من مستشفى بعقوبة (60 كلم شمال بغداد) تلقي جثتي الضحتين. ويشهد العراق منذ عام 2003 اعمال عنف متواصلة قتل فيها عشرات الآلاف. بحسب فرنس برس.

هذا وقد تبنى تنظيم دولة العراق الاسلامية الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، الهجمات التي وقعت في انحاء العراق وقتل واصيب فيها العشرات، بحسب ما افاد موقع سايت الاميركي. واطلق التنظيم اسم "غزوة الاربعاء المباركة" على سلسلة الهجمات المنسقة التي شملت تفجير 18 عبوة ناسفة و18 سيارة مفخخة وشن ست هجمات مسلحة في الحلة والموصل وكربلاء وكركوك وديالى وصلاح الدين والانبار وبغداد ومناطق محيطة بها. وقتل 72 شخصا واصيب اكثر من 250 بجروح في الهجمات التي استهدفت في معظمها مناطق تسكنها غالبية شيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/حزيران/2012 - 27/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م