النظام الانتخابي وترسيخ الدولة المدنية

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة علاقة طردية تصاعدية بين ترسيخ نظام الانتخابات الحرة النزيهة، وبين ترسيخ بناء الدولة المدنية وتدعيم مؤسساتها، لذلك يعد نظام الشورى من أهم أركان سياسة الدولة الاسلامية منذ بزوغها ابان البعثة النبوية الشريفة، حيث أصبحت الشورى آنذاك منهج تسير وفقه الحياة السياسية وتنتظم في اطاره الانشطة المتعددة في الميادين كافة.

لهذا السبب نجحت الحكومة الاسلامية في بناء دولة متحضرة تمكنت أن تضم تحت خيمتها أراض شاسعة وشعوب كثيرة، لأن نظام الشورى ونظام الانتخاب يتسق مع الفطرة الانسانية ويحمي كرامة الانسان ويثبّت دوره الانساني في المشاركة السياسية وغيرها فيما يتعلق ببناء الدولة التي ينتمي إليها.

عمر القلم اطول من الطغاة

لهذا السبب كان قلم الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، قويا وحاضرا في المحافل الفكرية والسياسية من اجل ترسيخ منهج الانتخابات الحرة ضمن نظام الشورى الذي أكد عليه الامام الشيرازي في أكثر من مجلد عبر البحوث والطروحات والمحاضرات التي وضحَّت بما لا يقبل الشك الدور الكبير لمنهج الشورى في بناء حياة سياسية متوازنة تسهم بقوة في بناء الدولة المدنية المأمولة.

لذلك جاء في مقدمة كتاب الامام الشيرازي الموسوم بـ (الشورى في الاسلام): (لقد كان الامام الشيرازي  - رحمه الله- وما يزال نصيراً قوياً للشورى حتى عرف في الأوساط العلمية ب‍ ‍ - صاحب نظرية الشورى- واستطاع أن يُوجِد في الأمة تياراً مؤمناً بهذه الفكرة، ولأجل هذا تعرض وما يزال يتعرض للقمع الفكري وللحصار والمضايقة ويواجه قلمه الحراب والبنادق، وكلّما اشتدت عليه الحراب أمسك القلم هنيئة حتى تهدأ العاصفة ثم يبدأ مسيرته مرة أخرى، لأنه يعي حكمة الحياة: إنّ عمر القلم أطول من عمر الطغاة).

وقد تم التأكيد على الانتخابات وضرورة التزام جميع الحركات والاحزاب السياسية بها، من اجل أن يكون التنافس حرا وشريفا ومفضيا الى النتائج الصحيحة، من حيث اختيار الشخصيات القيادية الناجحة لقيادة البلد، لذلك لابد لجميع الاحزاب التي تدخل ضمن الحراك السياسي للبلد أن تشترك بقوة في اداء الانتخابات على النحو الذي يؤكد منهج الحرية في الاختيار، ووصول القيادة التي يريدها الشعب فعلا، ولا يمكن أن يتم تحقيق هذا الهدف من دون اللجوء الى صناديق الاقتراع لكي تكون الفيصل بين جميع الساسة، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن: (إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فانّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وانّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة).

الانتخابات والاحزاب السياسية

في مجال الانتخاب وترسيخه ضمن الحركة السياسية على نحو دائم، هناك دور قوي وفعال للاحزاب السياسية، يتمثل بالدرجة الاولى بنجاح هذه الاحزاب في كسب الجماهير الى جانبها، من خلال نجاحها بتمثيل الجماهير على النحو الامثل، فكلما كانت الاحزاب أكثر قربا من الجماهير، تكون أكثر قدرة على تحقيق تطلعاتها في الحياة اللائقة، وبهذا تكون العلاقة بين الطرفين (الحزب/ الجماهير) وطيدة تسودها الثقة والاحترام، وبهذا يتحرك الناس جميعا بقوة للاشتراك في الانشطة السياسية خاصة التوجّه الى صناديق الاقتراع ابان التنافس بين الاحزاب لقيادة البلد، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: (إذا ما كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيراتها في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فأنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على انهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح مرشحي تلك الأحزاب).

وهكذا يتضح الدور الحاسم للاحزاب في دفع الجماهير الواسعة للمشاركة في تحريك المشهد السياسي وتفعيله ودفعه الى الامام، يحدث هذا بسبب ايمان الجماهير بالاحزاب كونها تمثلها وتحقق لها تطلعاتها، أما اذا حدث العكس، فإن قطيعة كبرى ستحدث بين قطاعات واسعة من الجماهير وبين الاحزاب السياسية، الامر الذي يقود الحراك السياسي الى الشكلية والآلية الرتيبة، هي أقرب الى الفبركة من الفعل السياسي الحقيقي المؤثر.

التنافس ونظام الأكثرية

لم يكتف الامام الشيرازي بإبداء آرائه العامة حول أهمية مبدأ الانتخاب في بناء الدولة المدنية المعاصرة، بل غالبا ما يقدم في افكاره جوانب عملية تطبيقية، تساعد الآخرين على التطبيق الفعلي لأهمية الانتخابات في الحياة السياسية، كما نقرأ ذلك في قول الامام (رحمه الله) وتفصيله الواضح بشأن نظام الاكثرية، وكيفية استثمارها سياسيا على النحو الصحيح: (في نظام حكم الأكثرية يتم انتخاب مرشحين لعضوية البرلمان فيما لو فاز هؤلاء بأصوات أكثر، وفـي النظم الحزبية يتم توزيع المقاعد البرلمانية بنسبة الأصوات التي تفوز بها الأحزاب السياسية، وعلى سبيل المثال إذا كانت أصوات الناخبين في منطقةٍ تقدر بمائة ألف صوتٍ لصالح عشرة مرشحين، وإذا كانت أصوات حزب المحافظين خمسين ألف صوتاً والحزب الليبرالي ثلاثين ألف صوتاً والحزب الراديكالي عشرين ألف صوتاً، فانّ حزب المحافظين يحظى بخمسة نواب والحزب الليبرالي بثلاثة نواب والحزب الراديكالي بنائبين).

ويؤكد الامام الشيرازي على اهمية اشراك الرأي العام في عملية التفضيل بين الاحزاب السياسية المتنافسة، من خلال اختيار الافضل منها، الامر الذي يدعم تثبيت اركان الدولة المدنية ومؤسساتها القائمة على حرية الانتخاب ضمن نظام الشورة او الديمقراطية المعاصرة، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيها بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم ، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

وهكذا تتجه البلدان التي تنتهج مبدأ الانتخاب في حياتها السياسية، الى التوازن والاستقرار والتقدم، من خلال تعدد الرؤى السياسية المطروحة من لدن الاحزاب، اذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه (الشورى في الاسلام): (فـي مثل هذه البلدان تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/حزيران/2012 - 27/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م