منظمات المجتمع المدني... بين النشاط الانساني والاتهام السياسي

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعكس قرار الرفض من قبل الحكومة المصرية بعدم السماح لمنظمات غير حكومية أميركية استمرار المناخ المتوتر تجاه المنظمات الأجنبية مما يجعله جانبا جديدا من حملة مستحدثة لقمع للمجتمع المدني، بل تمثل كذلك محاولة يقوم بها المجلس العسكري الأعلى لاستعادة مصداقيته المفقودة، في الوقت الذي أزالت فيه منظمة الشرطة الدولية انتربول إشعارات اعتقال صادرة من مصر لعشرات من موظفي منظمات أمريكية مؤيدة للديمقراطية من قاعدة البيانات الخاصة بها على المستوى الدولي، حيث عدت إنتربول هؤلاء موظفين في المقام الأول حظر مفروض لتورطهم في القضايا السياسية، في حين فيما أعربت نافي بيلاي مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مشروع القانون في مصر بأنه يمكن أن يوجه ذاك القرار ضربة خطيرة لحقوق الإنسان والحريات في البلاد ويقوض روح الحريات اصلا.

 وفي سياق ذاته قامت الإمارات بإغلاق مركزي الأبحاث الغربيين سببه مخالفة شروط الترخيص في خطوة جديدة لها في هذا المجال، وعلى غير المهود أمرت السودان منظمات مساعدات بمغادرة شرق البلاد متخلية عن مساعداتها المالية والإنسانية وتأيدها السياسي، بحيث أصبحت تلك القرارات من الحملات الرقابية وقمعية للمنظمات الأهلية مسجل خطر على منظمات حقوق الإنسان ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني ايضا خاصة في البلدان العربية.

منظمات غير حكومية

فقد قالت وكالة أنباء الشرق الاوسط ان مصر رفضت الترخيص بالنشاط لثماني منظمات أمريكية غير حكومية وحذرتها من الوقوع تحت طائلة القانون -مثل منظمات أخرى يحاكم عاملون فيها- اذا خالفت، وقالت الوكالة ان وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية التي تتولى الترخيص للجمعيات الاهلية عزت الرفض الى أن نشاط المنظمات ينتهك سيادة البلاد، ونقلت الوكالة عن مسؤول بالوزارة قوله "بعد التدقيق في الية تنفيذ هذه الانشطة تبين للجانب المصري تعارضها مع سيادة الدولة على أراضيها... ستقع (المنظمات) تحت طائلة القانون (اذا مارست نشاطا)، وتحاكم مصر 43 مصريا وأجنبيا بينهم 16 أمريكيا يعملون لدى منظمات غير حكومية تعرضت لحملة بعد أن وجهت اليها تهم تتصل بتلقي أموال أجنبية دون موافقة حكومية وممارسة نشاط دون ترخيص، وأثارت القضية التي عرفت اعلاميا بقضية التمويل الاجنبي أول أزمة في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة منذ اسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي، وتقدم واشنطن تمويلا للمنظمات التي تقول انها تعزز الديمقراطية في مصر، ونقلت الوكالة قول المسؤول في وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية ان من بين المنظمات التي تم رفض الترخيص لها مركز كارتر لحقوق الانسان وهو المنظمة التي تحمل اسم الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر والتي تنشط في مجال مراقبة الانتخابات حول العالم، وستبدأ انتخابات الرئاسة في مصر جولة اعادة في يونيو حزيران اذا لم تحسم النتيجة من الجولة الاولى، ونسبت الوكالة الى المسؤول القول ان قرار رفض النشاط شمل منظمة الحقوق والحريات العالمية والكنيسة الانجيلية الناصرية العالمية ومنظمة بذور السلام ومنظمة الاقباط الايتام، ولم يتضح على الفور ان كان بين المنظمات التي لم تحصل على تراخيص بالنشاط منظمات استهدفت من قبل، وقال محامي منظمة الاقباط الايتام نجاد البرعي انه لا يفهم كيف أن جمعية خيرية مثل الاقباط الايتام التي قال انها تعمل مع أكثر من 35 كنيسة في مصر لتقديم مساعدة طبية واجتماعية لا تحصل على ترخيص، وقالت سان فان دن بيرج مديرة المكتب الميدانية لمركز كارتر في مصر ان المركز لم يتلق اخطارا رسميا بالقرار الاخير برفض الترخيص له "لكننا على علم بالتقارير الاعلامية الخاصة به ونتفحصها، ومن بين المنظمات التي استهدفت في السابق منظمات تابعت الانتخابات التشريعية الاخيرة التي بدأت أواخر نوفمبر تشرين الثاني، وكان قاضيا تحقيق منعا سفر المتهمين الاجانب في قضية التمويل الاجنبي لكن محكمة أخرى سمحت بسفرهم مما أثار انتقادات للحكومة وقضاة من جانب مجلسي الشعب والشورى وأحزاب سياسية، واتهم معارضو سفر الاجانب الحكومة بالرضوخ لضغوط الولايات المتحدة التي تقدم للقاهرة مساعدات عسكرية سنوية تبلغ 1.3 مليار دولار، وتسبب سفر المتهمين الاجانب وأغلبهم أمريكيون في تخفيف حدة الازمة، وقالت واشنطن انها ترى أن القضية لم تنته برفع حظر السفر عن المتهمين الاجانب والذي تم مقابل كفالة تبلغ مليوني جنيه (330 ألف دولار) لكل متهم دفعتها واشنطن التي تطالب القاهرة بالسماح بالنشاط للمنظمات، ومن بين المنظمات التي يحاكم عاملون فيها المعهد الديمقراطي الوطني وهو منظمة أمريكية تربطها صلات غير وثيقة بالحزب الديمقراطي الامريكي ومقرها في الولايات المتحدة، وتقول مصر ان الجمعيات الاهلية التي تصرح لها بالنشاط لا يحق لها النشاط السياسي. وخلال التحقيق مع العاملين في المنظمات قالت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة أبو النجا ان نشاط تلك المنظمات انطوى على تقويض لوحدة مصر الاقليمية، وفي تطور منفصل قالت الامانة العامة للشرطة الدولية (الانتربول) انها رفضت طلبا من السلطات المصرية لاصدار مذكرات اعتقال بحق 15 فردا لهم علاقة ببضع منظمات غير حكومية قائلة ان مثل هذا الاجراء لا يتماشى مع قواعدها التي تمنع التدخلات "السياسية او العسكرية او الدينية او العرقية، وفي واشنطن قال تشارلز دن وهو أحد هؤلاء الخمسة عشر انه يشعر بالامتنان لجهود الحكومة الامريكية التي اقنعت الانتربول برفض الطلب المصري لكنه اشار الي ان القضية الجنائية ضد منظمات المجتمع المدني لم يتم اسقاطها في مصر، وأبلغ دن -وهو دبلوماسي سابق عمل في مصر من 1999 الى 2002 ويعمل الان مديرا لقسم الشرق الاوسط بمنظمة فريدما هاوس التي تدافع عن الديمقراطية وحقوق الانسان حول العالم- "الجميع ما زالوا قيد الاتهام واجراءات القضية مستمرة. المصريون يبذلون كل ما في وسعهم للتصعيد والمجابهة مع المجتمع المدني. بحسب رويترز.

وقال الانتربول في بيانه ان من بين الاشخاص الخمسة عشر الذين طلبت مصر مذكرة توقيف بحقهم 12 امريكيا ولبنانيان واردني، وكان محققون داهموا مكاتب منظمات المجتمع المدني في ديسمبر كانون الاول وصادروا أجهزة كمبيوتر ومعدات أخرى وأموالا ووثائق. وأحيل المتهمون الى محكمة جنايات القاهرة في الخامس من فبراير شباط، وكان من بين الممنوعين من السفر سام لحود مدير المعهد الجمهوري الدولي في مصر وهو ابن وزير النقل الامريكي، وقال حافظ ابو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان ان قرار توجيه الاتهام الى 43 شخصا بينهم 16 امريكيا هو تحرك ضد المنطق ويتعارض مع مسار التاريخ والعالم كله في التشديد على اهمية المجتمع المدني. وأضاف ان الحكومة تصر على خنق العمل المدني في مصر، ورأى نشطاء مصريون يدعون للديمقراطية أن القضية دليل على أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر منذ الاطاحة بمبارك يحاول اسكات أصوات معارضيه الاكثر انتقادا، وخلال حكم مبارك سمحت الحكومة لمنظمات أهلية بالعمل لكنها امتنعت مرارا عن منحها التراخيص اللازمة. ويرى بعض النشطاء أن حجب التراخيص كان مقصودا لابقاء المنظمات تحت رحمة السلطات، ويأمل نشطاء في توافر حرية عمل أكبر مع نقل السلطة لرئيس منتخب منتصف العام بعد فترة انتقالية اتسمت بعدم الاستقرار سياسيا والتراجع اقتصاديا، وقال المحامي الحقوقي جمال بركات "أظن أن الوضع كله سيتغير بعد وجود رئيس للجمهورية، وأضاف قائلا "نرجو أن تكون هناك نظرة جديدة لمؤسسات المجتمع المدني.

إنتربول

في سياق متصل قالت منظمة الشرطة الدولية "انتربول" إنها أزالت إشعارات اعتقال صادرة من مصر لعشرات من موظفي منظمات أمريكية مؤيدة للديمقراطية من قاعدة البيانات الخاصة بها على المستوى الدولي، وجاءت إزالة الأسماء عن قوائم إنتربول بعد أن قررت المنظمة إن إدراج أسماء هؤلاء في المقام الأول كان انتهاكا للحظر المفروض من قبل الانتربول على التورط في القضايا السياسية، وبالإضافة إلى ذلك، قالت المنظمة الدولية في بيان صدر إنها رفضت إصدار إشعارات حمراء للموظفين المؤيدين للديمقراطية بناء على طلب من مصر، وطلبت مصر إصدار إشعارات اعتقال لبعض موطفي منظمات أمريكية مؤيدة للديمقراطية اتهموا بالعمل لمنظمات غير مرخص لها، واستخدام الأموال الأجنبية للقيام بعملهم، وأعلن إنتربول إنه قرر عدم السماح لتلك الإشعارات بالبقاء في قاعدة بياناته، بعد مراجعة قانونية أكدت أن طلب مصر انتهك قواعد إنتربول بشأن الحالات ذات الدوافع السياسية، وقالت المنظمة الدولية إن مصر طلبت إدراج أسماء 12 موظفا أمريكيا، فضلا عن اثنين من اللبنانيين ومواطن أردني. بحسب سي ان ان.

تقوض الحريات

من جهة أخرى قالت نافي بيلاي مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن مشروع قانون في مصر يشدد الرقابة على المنظمات غير الحكومية يمكن أن يوجه ضربة خطيرة لحقوق الإنسان والحريات في البلاد، وأضافت بيلاي أن مشروع القانون يمكن أن يقوض روح الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي، وقالت إن هذا التحرك ضد المنظمات الاهلية جاء تزامنا مع هجمات شخصية وتهديدات وتخويف لنشطاء لاسيما النساء منهم، وتابعت قولها "الناشطات في عدد من البلدان معرضات بشكل خاص لحملات تشويه شديدة تهدف دائما لافقادهن الفاعلية، واضافت القاضية السابقة في جنوب افريقيا "الاعتداءات اللفظية والبدنية على الناشطات بالمجتمع المدني هي أحد المؤشرات الاولى على أن عملية الاصلاح بدأت تتأزم، ومن المتوقع ان يشدد مشروع القانون الذي انتقدته بقوة العديد من الدول الغربية اللوائح المنظمة لعمل المنظمات غير الحكومية ويمنعها من الحصول على تمويل أجنبي أو العمل في مشاريع تمثل تهديدا لسيادة الدولة. بحسب رويترز.

وقالت بيلاي إن مشروع القانون اذا نفذ قد يشكل "ضربة خطيرة لتطلعات حقوق الانسان الخاصة بالحريات الاساسية التي ناضل كثير من المصريين من أجلها لفترة طويلة وبتكلفة كبيرة، وقالت إن الجهود الرامية الى تشديد الرقابة على المنظمات غير الحكومية لم تقتصر على مصر، وأضافت أن الحكومات التي تشارك في ذلك تشمل إسرائيل وروسيا البيضاء واثيوبيا بينما علقت زيمبابوي عمل المنظمات غير الحكومية واصدرت فنزويلا قانونا جديدا لم يطبق يضع هذه المنظمات تحت المراقبة الدائمة من قبل هيئة حكومية.

الامارات

على الصعيد نفسه اكدت الامارات انها اوقفت عمل "عدد من المؤسسات الاجنبية في الدولة" بسبب مخالفة شروط الترخيص في اشارة على ما يبدو الى مركزي ابحاث اجنبيين اثنين على الاقل يعنيان بالديمقراطية اغلقا، وقال مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية عبدالرحيم يوسف العوضي في بيان نشرته وكالة الانباء الاماراتية تحت عنوان "ايقاف عمل عدد من المؤسسات الأجنبية في الدولة" ان "بعض المؤسسات الاجنبية التي كانت تعمل في الدولة خالفت شروط ترخيصها"، واشار ايضا الى ان "بعضها كانت تعمل دون ترخيص مما اضطر الجهات القانونية الى اصدار قرار وقف عمل هذه المؤسسات في الدولة"، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش اعربت عن قلقها لاغلاق مركزي ابحاث اجنبيين حول الديموقراطية في الامارات، واغلقت السلطات الاماراتية مكتب مؤسسة كونراد اديناور الالمانية في ابوظبي، ومكتب المعهد الوطني الديمقراطي (أميركي) في دبي. بحسب فرانس برس.

وقال الباحث حول الامارات في منظمة هيومن رايتس ووتش سامر مسقطي ان "السلطات لم تدل باي تفسير حول قرار اغلاق مكتبي هاتين المؤسستين لكنه من الواضح ان ذلك يندرج في اطار حملة ضد الذين يطالبون بتغيير ديمقراطي"، وهو اول تعليق رسمي من قبل السلطات على اغلاق المركزين، واستدعي السفير الاماراتي في المانيا الجمعة الى وزارة الخارجية في برلين للبحث في الموضوع فيما تطرقت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى المسالة مع نظيرها الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد السبت في الرياض.

السودان

الى ذلك قال مسؤولون حكوميون ومسؤولو اغاثة ان السودان أمر بطرد اربعة منظمات مساعدات اجنبية من شرق البلاد في احدث قيود على وكالات الاغاثة في السودان، وقال مسؤول رفيع في الخرطوم ان السلطات طلبت من المنظمات الاربع وقف كل مشروعاتها في الشرق الذي يفتقر للتنمية وهو احد افقر مناطق السودان لكن بإمكانها البقاء في السودان، وقال المسؤول في مفوضية الشؤون الانسانية دون توضيح "لم ينفذوا المشروعات التي طلبناها منهم، واضاف ان من بين المنظمات الاربع منظمة جول اوف ايرلند والقسم السويدي من منظمة انقاذ الطفل، وجاءت هذه الخطوة وسط مخاوف بشأن الوضع الانساني في بعض مناطق السودان وبشأن قدرة المنظمات الانسانية على الوصول إلى المحتاجين للمساعدات في المناطق النائية او مناطق القتال، وعبر مجلس الامن التابع للامم المتحدة عن قلقه بشأن عدم قدرة جماعات الاغاثة ووكالات الامم المتحدة على الوصول إلى بعض مناطق ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق الحدوديتين حيث يقاتل الجيش جماعات متمردة منذ العام الماضي، وقالت منظمة اطباء بلا حدود ان القيود التي فرضتها الحكومة السودانية اجبرتها على وقف إمدادات طبية هامة في اقليم دارفور حيث حمل المتمردون السلاح ضد الحكومة المركزية عام 2003 متهمين اياها باهمال الاقليم الغربي، وانتهى تمرد في الشرق تقريبا باتفاق وقع عام 2006 مع حركة جبهة الشرق المعارضة. لكن هذا الاتفاق لم يقض على المعارضة والغضب تجاه ما يراه نشطاء المعارضة فشلا من جانب الخرطوم في توفير المساعدات الاقتصادية التي تضمنها الاتفاق، واكدت كل من منظمة جول اوف ايرلند والقسم السويدي من منظمة انقاذ الطفل ان السلطات طلبت منهما مغادرة شرق السودان خلال شهر، وقال اريك استرون المتحدث باسم منظمة انقاذ الطفل في السويد "لم نتلق اي إشارة من قبل ... نحاول معرفة الاسباب. بحسب رويترز.

ولم يعرف على الفور المنظمتان الاخريان اللتان تم طردهما. وقال المسؤول الحكومي ان منظمة ايرلندية اخرى ومنظمة يابانية طلب منهما انهاء مشروعاتهما في الشرق لكنه لم يذكر اسميهما، وواجه السودان إدانة دولية عندما طرد 13 من المنظمات الانسانية الكبيرة بينها منظمة اوكسفام والفرع الامريكي لمنظمة انقاذ الطفل في مارس آذار 2009 متهما اياها بتقديم معلومات للمحكمة الجنائية الدولية، ويلزم السودان وكالات الامم المتحدة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق بالاستعانة بموظفين سودانيين غالبا حيث يصعب استخراج تصاريح سفر للاجانب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/حزيران/2012 - 26/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م