الكيلو 160... ونواب سحب الثقة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ليس الانسان وحده من يتمتع بما تعارف عليه في اوساط البحث النفسي او الاجتماعي بـ(الشخصية) والتي تمتاز بعدد من المقومات والتوصيفات، ولها انواعها وعللها وامراضها وتقلباتها وامزجتها المختلفة، تبعا لعوامل عديدة ثقافية وفسيولوجية بالدرجة الاساس.

للاماكن ايضا شخصياتها التي تستمدها من التاريخ والجغرافيا، وقد تكون هذه الاماكن مدنا او جبالا او شوارع او ساحات عامة.

وربما لهذا السبب كتب المصري جمال حمدان مؤلفه الشهير (شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان)، وقد تعود تلك الشهرة الى حدث ما او الى شخصية تاريخية معينة او الى فائدة اقتصادية او الى تظاهرة ثقافية، ويمكن ايراد الكثير من الامثلة على تلك الاماكن.

خذ مثلا (مثلث برمودا) المعروف أيضا باسم مثلث الشيطان وهي منطقة جغرافية على شكل مثلث متساوي الأضلاع (نحو 1500 كيلومتر في كل ضلع) ومساحته حوالي مليون كم²، يقع في المحيط الأطلسي بين برمودا، وبورتوريكو، وفورت لودرديل (فلوريدا).

هي منطقة شهيرة بسبب عدة مقالات وأبحاث نشرها مؤلفون في منتصف القرن العشرين تتحدث عن مخاطر مزعومة في المنطقة. ولكن إحصاءات خفر السواحل للولايات المتحدة لا تشير إلى حدوث كبير لحالات اختفاء سفن وطائرات في هذه المنطقة أكثر من مناطق أخرى. العديد من الوثائقيات أكدت مؤخراً زيف الكثير مما قيل عنه وكذلك تراجع العديد من التقارير بحجة نشرها لأحداث بصورة خاطئة كما أن العديد من الوكالات الرسمية اعترفت بأن عدد وطبيعة الاختفاءات في مثلث برمودا كانت كغيرها في باقي المحيط لا أكثر.

أحد النظريات العلمية المقترحة أن طبقة من ثلج الميثان التي تكاد تكسو كل قاع البحر في منطقة برمودا تصبح غير مستقرة، وبالتالي فإنها تُنشئ حالة من عدم الاستقرار في البحر. هذا بالإضافة إلى أن خليط الميثان والهواء يُؤدي إلى حدوث انفجار، الأمر الذي يجعل السفن والطائرات المارة بهذه المنطقة عرضة للغرق والاحتراق. وإحدى النظريات تؤكد السبب في ذلك إما أعمال التدمير المتعمد أو أخطاء بشرية أو أخطاء في البوصلة. وهناك نظريات أخرى كثيرة، فحتى الآن لم يحل اللغز بعد.

ولعل القاريء الكريم يذكر جسر التنهدات والمعروف باسم (بونتي دي سوسبيري بالايطالية) وهو واحد من أشهر جسور البندقية (إيطاليا). يقع على مسافة قريبة من ميدان بلازا دي سان ماركوس ويصل بين قصر البندقية وسجن سابق لمحاكم التفتيش، عابراً نهر ريو دي بلازو.

صمم جسر التنهدات المهندس المعماري الإيطالي أنطونيو كونتينو. استكمل بناؤه نحو عام 1600م. وقد أشار لورد بيرون إلى الجسر في قصيدة شعرية بعنوان شيلد هارولدز. أطلق اسم جسر التنهدات على المبنى لأن المساجين كان ينبغي عليهم عبوره. كان المساجين يرحلون من السجن إلى القصر للمحاكمة، خلال مرورهم فوق الجسر، وإذا كان المساجين مذنبين يتم إرسالهم لتنفيذ حكم الإعدام فيهم من خلال ممر آخر من الجسر.

وخذ مثلا اخر وهو (التسع جحيم) فى مدينة بابو في جزيرة كيوشو في اليابان وفيها أكثر من 2800 ينبوع، ويسمى الجحيم الأول بجحيم البحر.

والثانى الجحيم الأصلع، والثالث بركة الجحيم البيضاء وهى مملؤة دائماً بالمياه البيضاء بسبب التركيز العالي للكالسيوم في الماء، والرابع جبل الجحيم وهو مكون من طين بركاني ساعد على تكوين الجبل والمحاط بحمامات سباحة، والخامس يسمى جحيم قدرة الطهى.

والسادس يسمى بجحيم جبل الشيطان، والسابع يسمى بجحيم التنين الذهبي وهو على شكل تنين ملئ بكميات كثيرة من البخار، ويعطينا الأنطباع بأنه فى وقت الشروق أن التنين يطير، والثامن يسمى جحيم بركة الدم ويسمى بذلك بسبب لون المياه الأحمر حيث تحتوى المياه على ترسبات حديدية شديدة، والتاسع يسمى بجحيم الصنوبر وتصب المياه فيه بصورة منتظمة ودرجة حرارته تكون مرتفعة دائماً.

وهناك ايضا ساحة البيكاديلي، او شارع الشانزليزية، او ديزني لاند، او ساعة بيغ بين، او جبال الهملايا، وغيرها الكثير جدا من الاماكن المتنوعة على امتداد مساحات العالم الشاسعة.

بعد العام 2003 والذي حمل الكثير من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليس المجال لذكرها، اكتسبت بعض المناطق تسميات واوصاف جديدة، بسبب احداث جرت فيها لازالت طرية في الذاكرة. فكان هناك مثلث الموت، وهناك ما عرف بمنطقة الشيشان، والمنطقة الخضراء، اضافة الى الكيلو 160 الذي حاز شهرة واسعة طيلة سنوات عديدة، ولازال يعود الى واجهة الاحداث والاعلام مرة تلو الاخرى. وهي سميت بهذا الاسم لانها تبعد عن محافظة الرمادي 160 كيلو مترا.ومن هنا يتفرع الطريق الدولي نحو منطقة النخيب التابعة لمحافظة كربلاء المقدسة ويتجه جنوبا نحو منطقة عرعر المحاذية للحجاز.

واطلق العراقيون على هذا الطريق اسم (مثلث برمودا) حيث تضيع فيه حياة ومركبات المسافرين وينتشر فيه المتطرفون والعصابات والمجموعات المسلحة... وتؤكد تقارير وزارة الداخلية العراقية انه في خلال الشهور الستة من العام 2006 شهدت نحو 200 حادث سلب او اختطاف على الطريق الدولية وادت عمليات الى قتل للمسافرين حيث الوجود الامني معدوم لصالح العصابات والمسلحين. ولعل اخر حادثة شهيرة وقعت على هذا الطريق هي حادثة النخيب.

تذكرت الكيلو 160 حين سمعت اقطاب اجتماعات اربيل والنجف ودوكان يؤكدون وصول 160 توقيعا الى السيد جلال طالباني رئيس الجمهورية، لاجل سحب الثقة عن رئيس الوزراء نوري المالكي. وتذكرت جميع التصريحات السابقة والتي تكشف عن مدى الذهاب بعيدا في المطالب وحدودها القصوى، انا اريد القضية الفلانية، نحن نريد المنصب الفلاني، اذا لم يتحقق ما اريده فان العنف سينفجر، او ان الحرب الاهلية على الابواب، وغيرها، وكانت تلك التصريحات تتلطى خلف شعارات من الوطنية والمواطنة وحقوق المواطن المسكين وغيرها.

كما كان يصرح قادة عمليات الكيلو 160 عند السلب والنهب والقتل، وان اعمالهم تلك هي لمقاومة الوجود الامريكي والمتعاونين معه، وايضا الوجود الفارسي، وشيعة العراق.

وكان احد اقطاب الداعين الى سحب الثقة، قد اكد ان الحكومة غير مقصودة بهذا الاجراء، بل المقصود هو شخص رئيس الوزراء تحديدا، وقبلها صرح احد النواب ال 160 ان التصويت على قانون العفو العام سوف ينهي الازمة السياسية في العراق.

وغيرها من تصريحات يمكن ان تلقي الكثير من الضوء على التشابهات بين مسرحين، مسرح الكيلو 160 ومسرح النواب ال 160 الموقعين على سحب الثقة، وايضا تلقي الضوء على ثقافتين تحيلان اليهما، ثقافة المكان النائي، وثقافة العقلية السياسية البعيدة عن المفاهيم الديمقراطية الحقيقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/حزيران/2012 - 25/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م