الازمة العراقية... مخاض في عنق زجاجة

 

شبكة النبأ: لاتزال الازمات المتتالية تلقي بضلالها على المشهد السياسي في العراق بسبب الخلافات المستمرة بين بعض الكتل والاحزاب المتصارعة الباحثة عن المكاسب والامتيازات, ويرى بعض المراقبين ان الصراع السياسي اليوم قد ابتعد كل البعد عن الخطاب الوطني والمصلحة العامة واصبح عداء شخصي بين بعض القادة بهدف لي الذراع واخضاع الاخر، وهذا ما يثبته اصرار بعض الكتل على المضي بمشروع سحب الثقة عن الحكومة الحالية التي يقودها نوري المالكي والتي تعتبر خليط متجانس لجميع الاطراف السياسية المشاركة مشددين تمسكهم ببعض الاتفاقات الجانبية ورافضين متجاهلين بذلك كل الحلول الوطنية والدعوات المتزايدة للاحتكام الى التشريعات الدستورية او عقد مؤتمر مصارحة وطني لتلافي ما لا يحمد عقباه خصوصا في مثل هكذا ظروف واوضاع صعبة، وفيما يخص الازمة العراقية الحالية فقد اعلن رئيس الوزراء العراقي فشل خصومه في سعيهم لسحب الثقة منه داعيا اياهم بلهجة المنتصر الى الحوار، فيما اتهم هؤلاء ايران بممارسة ضغوط سياسية للإبقاء على نوري المالكي رئيسا للحكومة. وقال المالكي في بيان وزعه مكتبه الاعلامي "اتقدم بالشكر والتقدير الى كل من ساعد على وضع الامور في نصابها الصحيح وعدم السماح بالانزلاق الى مسارات اخرى". واضاف "اجدد الدعوة الى جميع الشركاء السياسيين للجلوس الى مائدة الحوار والانفتاح لمناقشة كل الخلافات". وتابع رئيس الوزراء "اني على ثقة اكيدة باننا قادرون على تجاوز كل التحديات والمصاعب التي تعترض طريقنا، اذا ما خلصت النوايا وجعلنا العراق وشعبه العزيز نصب اعيننا".

وبلغت الازمة السياسية في العراق مؤخرا مستوى غير مسبوق منذ ان بدأت فصولها عشية الانسحاب الاميركي قبل ستة اشهر باتهام المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 بالتفرد بالسلطة، في تطور بات يشل مؤسسات الدولة ويهدد الامن والاقتصاد. وتحاول كتلة "العراقية" بزعامة اياد علاوي وقوى كردية يدعمها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر جمع الاصوات الكافية داخل البرلمان (164 صوتا من بين 325) لسحب الثقة من حكومة المالكي.

وارسلت هذه القوى مؤخرا رسالة الى طالباني اعلنت فيها عن اسماء اكثر من 164 نائبا وافقوا على التصويت لسحب الثقة من المالكي، وطالبته بتحويل هذه الرسالة الى طلب لسحب الثقة في البرلمان. الا ان مكتب الرئيس العراقي اعلن "عدم اكتمال النصاب" للمضي بطلب سحب الثقة، وذكر ان رسالة سحب الثقة "ورغم جاهزية نصها، لم تبلغ الى مجلس النواب الموقر ومودعة لدى رئيس اقليم كردستان". واوضح البيان ان اللجنة التي كلفها طالباني بالتعامل مع هذه المسالة "استلمت تواقيع 160 نائبا واضيفت اليهم لاحقا قائمة بأسماء عدد من نواب الاتحاد الوطني الكردستاني"، من دون ان يحدد العدد الفعلي لهؤلاء.

غير ان "11 من النواب الموقعين سابقا قاموا بإبلاغ مكتب رئيس الجمهورية بسحب تواقيعهم بينما طلب نائبان اخران تعليق توقيعيهما"، ما افقد رسالة سحب الثقة نصابها القانوني وهو نصف اعضاء البرلمان زائد واحدة. وناشد طالباني "القوى السياسية كافة حصر الخلافات في هذا الاطار وتفادي كل ما من شأنه زيادة الاحتقان"، ودعاها "الى دراسة مقترحاته ودعوته للاجتماع الوطني الذي لابد من عقده، سواء تم سحب الثقة او فشل". واضاف ان "التأزم السياسي الراهن" بات "يسبب احتقانا اجتماعيا وامنيا ويعطل سير البناء الاقتصادي". واشار البيان الى ان "الرئيس طالباني كان يعتزم القيام برحلة علاجية مطلع الشهر الحالي لكنه اثر تأجيلها ريثما يتم التحقق من موضوع التواقيع والنصاب.

وسارع خصوم المالكي الى اتهام ايران بممارسة ضغوط سياسية لعدم سحب الثقة من الحكومة.

وقال النائب المنتمي الى "العراقية" حيدر الملا "نحن اكثر اصرارا على انهاء الديكتاتورية، واذا ما كان السيد طالباني جاد بقضية النصاب فنحن مستعدون ان نكمل باقي اعداد النواب خلال نصف ساعة". واستدرك "القضية ليست مقترنة بقضية النصاب بل بضغوط مورست على الرئيس وعلى نواب، ضغوط ايرانية واضحة، وهناك ايضا اساليب ترويع بحق النواب قادت ان يكون النصاب بالفعل 160". وشدد الملا على انه "ستكون هناك اجتماعات للنواب ال160 الذين وقعوا على سحب الثقة، وهناك اكثر من خريطة طريق قسم منها ان نلجأ الى استجواب المالكي داخل البرلمان لسحب الثقة منه".

بدوره، قال النائب المنتمي الى كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري جواد الحسناوي ان "كتلتنا باقية على موقفها ونحن ماضون بمسالة سحب الثقة وسنذهب الى الاستجواب تحت قبة البرلمان". وشدد على ان اعلان طالباني الاخيرة "لن حيدنا عن موضوع سحب الثقة ولن يعرقل جهودنا". بحسب فرنس برس.

وتولى المالكي (62 عاما) رئاسة الوزراء للمرة الاولى في ايار/مايو 2006، ثم مرة ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي اثر ازمة سياسية عصفت بالبلاد استمرت اكثر من تسعة اشهر منذ الانتخابات التشريعية في اذار/مارس 2010. وولدت حكومته الثانية في ظل اتفاق مصالح بين دولية واقليمية خصوصا بين طهران وواشنطن، بحسب ما رأى مراقبون. وقال النائب محمود عثمان المنتمي الى "التحالف الكردستاني" انه "يجب عقد مؤتمر وطني يجري خلاله حوار جدي وصريح ويتم خلاله كشف جميع الاوراق، و هذا رأي الرئيس جلال طالباني". وتابع "لابد ان يمنح المالكي فرصة ليعيد النظر بسياسته ويراجع نفسه لان نصف النواب غير راضين عن سياسته، وقد يصار الى ضمانات دولية من الامم المتحدة او الولايات المتحدة او دول اخرى مثل ايران".

عوامل خارجية

من جانب اخر ربط رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الازمة السياسية التي تشهدها البلاد بعوامل واطراف خارجية، مؤكدا ان "المؤامرات التي تستهدف العملية السياسية ستفشل". وقال المالكي بحسب ما نقل عنه بيان نشر على موقع رئاسة الوزراء "كلما تقدمنا خطوة واجهتنا تحديات جديدة لم يكن العامل الخارجي بعيدا عنها ابدا فالعراق القوي غير مرغوب ولا مرحب به ويراد لجسد العراق ان تنخره الطائفية البغيضة". واضاف ان "ما تحقق من انجازات على صعيد الاستقرار الامني والقضاء على الارهاب وفتح فرص الاستثمار لم يرق للبعض ممن يحاولون التمدد على حساب العراق ويعملون على الا يستعيد العراق دوره بدفع من اطراف فتحت لهم الابواب وفرشت لهم السجاد الاحمر".

وشدد رئيس الوزراء العراقي على ان "ما حصل من مؤامرات تستهدف العملية السياسية والتجربة الديموقراطية سيمنى بالفشل ولن يتحقق مبتغى الذين يريدون تعطيل العملية السياسية". واضاف متسائلا ان "جلسات مجلس النواب تشهد الكثير من الحالات المعطلة، اليس ذلك بسبب ضعف ادارة المجلس؟"، في انتقاد غير مباشر لرئيس البرلمان اسامة النجيفي، القيادي في قائمة "العراقية" التي يتزعمها اياد علاوي. بحسب فرنس برس.

في السياق ذاته اعلن متحدث باسم تيار الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ان ايران تضغط على "بعض الجهات" بهدف وقف مسار سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي. وقال صلاح العبيدي ان "وفدا رفيع المستوى من التيار الصدري يجري مفاوضات في ايران بخصوص الاوضاع السياسية في العراق، خصوصا مسألة سحب الثقة من المالكي". وتحدث العبيدي عن "ضغوط ايرانية تمارس على بعض الجهات من اجل الحيلولة دون ذلك"، مضيفا "سنبحث كل هذه الامور من اجل التوصل الى نتيجة". وشدد العبيدي على "مواصلة التيار الصدري المطالبة بسحب الثقة من المالكي".

ايقاف الاستملاكات

من جهة اخرى امر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بإيقاف الاستملاكات التابعة للوقفين السني والشيعي في انحاء البلاد، ودعا الوقفين للجوء الى المحكمة الاتحادية في حال الخلاف. وقالت رئاسة الوزراء في بيان نشرته على موقعها الالكتروني ان المالكي "وجه بإيقاف الاستملاكات التابعة للوقفين السني والشيعي كافة في جميع المحافظات، ودعوة كل طرف يشعر بالغبن الى اللجوء للمحكمة الاتحادية".

واضاف البيان ان المالكي امر ايضا خلال استقباله في مكتبه رئيسي الوقفين السني عبد الغفور السامرائي والشيعي صالح الحيدري "بان تبقى المساجد والمقابر بإدارتها الحالية كواقع حال، سواء منها السنية او الشيعية". وجاء قرار المالكي بعد مقتل 25 شخصا على الاقل واصابة العشرات بجروح في هجوم انتحاري استهدف مقر الوقف الشيعي في بغداد ، ما اثار مخاوف وتحذيرات من امكان انزلاق البلاد مجددا نحو العنف الطائفي. ووقع الهجوم بعدما ابدت قيادات سنية استياءها من قرار اصدره الوقف الشيعي وقضى بتملك اوقاف مدينة سامراء (110 كلم شمال بغداد) ولا سيما مرقد الامامين العسكريين الذي تعرض للتفجير عام 2006 ما دفع البلاد نحو حرب طائفية دامية. ودعا المالكي "العراقيين كافة الى الوحدة ونبذ الفرقة والطائفية التي تحاول القوى الارهابية جر البلاد اليها من جديد"، مثنيا بحسب بيان مكتبه على تفهم رئيسي الوقفين السني والشيعي "للإشكاليات الحاصلة في هذا الموضوع".

اللاعبون على الساحة

وفيما يلي تفاصيل عن القادة الرئيسيين في العراق ومؤيديهم وعلاقاتهم السياسية المعقدة وتحالفاتهم في الجمعية الوطنية العراقية المؤلفة من 325 مقعدا. الائتلاف الوطني الشيعي : اجمالي المقاعد : 159 . هذا هو اكبر تكتل برلماني شيعي ويرأسه ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق ويتألف من مجموعتين رئيسيتين هما ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي والاحرار بزعامة رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر.

ائتلاف دولة القانون: هو اكبر ائتلاف شيعي وأحد الكتل البرلمانية القليلة التي لم تواجه انقسامات. يرأس الائتلاف المالكي وحزبه الدعوة الى جانب حزب الدعوة الاسلامية تنظيم العراق وهو فصيل مستقل يرأسه نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني وبعض الجماعات الاصغر. المقاعد 88.

الاحرار: هو جناح سياسي لرجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر وثاني تكتل شيعي والوحيد الذي ظل موحدا تماما. وكان للتيار الصدري دور فعال في ضمان فوز المالكي بفترة ثانية بعدما نحى الصدر خلافاتهما جانبا. وربما يستخدم التيار الصدري الدعوة ليضغط على المالكي للحصول على مزيد من التنازلات قبيل انتخابات المحافظات هذا العام. المقاعد : 39.

المجلس الاعلى الاسلامي العراقي: هو ايضا تكتل معارض للمالكي لكنه منقسم بشأن التصويت على حجب الثقة وما اذا كان قابلا للتطبيق. المقاعد :16. منظمة بدر: هي الجناح العسكري السابق للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي واختلف اعضاؤها مع زملائهم السياسيين السابقين بشأن دعم المالكي لفترة ثانية لكنهم يدعمونه الان. المقاعد :اربعة. حزب الفضيلة: هو احد الاحزاب الشيعية الاسلامية ويبدي معارضته للتصويت على حجب الثقة. المقاعد : خمسة. مستقلون: سبعة مقاعد.

ائتلاف العراقية وفصائل اخرى : اجمالي المقاعد :101 في الاساس. كان ائتلاف العراقية المدعوم من السنة بزعامة رئيس الوزراء الاسبق العلماني اياد علاوي اكبر تكتل في البرلمان بعد الانتخابات التي حصل فيها على 91 مقعدا الى ان انضم حزب الوسط الاسلامي اليه بعشرة مقاعد. وانقسم ائتلاف العراقية منذ ذلك الحين وتشكلت ائتلافات جديدة مما جعل من الصعب حساب مقاعد هذا الائتلاف بدقة وتقول مجموعة من 26 معارضا إنها ستنشق قريبا اعتراضا على التصويت على حجب الثقة لتشكيل تكتل جديد تاركة العراقية بما يصل الى 83 مقعدا. وفيما يلي الجماعات الكبرى ومواقفها: كتلة عراقيون: هي اكبر كتل ائتلاف العراقية ويرأسها اسامة النجيفي رئيس البرلمان وانضم في الاونة الاخيرة الى فصيل يقوده وزير المالية رافع العيساوي. ويدعمان الدعوات المنادية بالتصويت ضد المالكي. المقاعد : 23.

كتلة الحل: يرأسها جمال الكربولي وهو سياسي سني ليبرالي بارز الذي عادة ما يختلف مع قادة ائتلاف العراقية الاخرين ولم ينضم وزراؤه الثلاثة الى وزراء العراقية الاخرين في مقاطعتهم للحكومة في الاونة الاخيرة. وللكربولي علاقات جيدة بالمالكي ويراه بعض المنافسين السنة حليفا محتملا للمالكي. المقاعد : 15. كتلة الحوار: يرأسها صالح المطلك نائب رئيس الوزراء السني الذي اختلف مع المالكي غير انه ادلى في الاونة الاخيرة بتصريحات تصالحية بشأن رئيس الوزراء بعد وصفه بأنه دكتاتور. المقاعد : 13.

كتلة التجديد: يرأسها نائب الرئيس الهارب طارق الهاشمي لكن الكتلة منقسمة بين الذين يدعمون الهاشمي واولئك الذين يعتقدون انه كان يتعين عليه البقاء ليواجه الاتهامات وانه لم يعد يرأس الكتلة. المقاعد : سبعة. تكتل الوفاق: يرأسه اياد علاوي رئيس الوزراء الشيعي العلماني الاسبق الذي يريد التصويت بحجب الثقة. ويتعرض علاوي لانتقادات شديدة من الاعضاء الاخرين في ائتلاف العرقية. المقاعد : 15. كتلة الوسط: يقودها اياد السامرائي رئيس البرلمان السابق ورئيس الحزب الاسلامي العراقي وهو جماعة سياسية سنية. وتؤيد الكتلة التصويت على حجب الثقة. عدد المقاعد : عشرة.

كتلة العراقية البيضاء: جرت العادة على ان تكون جزءا من التيار الرئيسي لائتلاف العراقية لكن الكتلة واغلب اعضائها من النواب الشيعة انفصلت عن الجماعة الرئيسية العام الماضي بسبب ما اعتبرتها ميولا طائفية. ويقدم اعضاء الكتلة انفسهم على انهم مستقلون وايدوا المالكي في عدة مواقف. عدد المقاعد 11. مستقلون: سبعة مقاعد.

التحالف الكردستاني : اجمالي المقاعد : 57 . الحزب الديمقراطي الكردستاني: يرأسه مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراق شبه المستقل. كان واحدا من اشد المنتقدين للمالكي وهو من مؤيدي التصويت على حجب الثقة. المقاعد: 29.

الاتحاد الوطني الكردستاني: يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني. وكان اكثر حذرا مع سعي رجل الدولة المسن ان يتوسط في محادثات لأنهاء الازمة وتجنب التصويت على حجب الثقة. عدد المقاعد : 14. الاتحاد الاسلامي: اربعة مقاعد. بحسب رويترز.

جوران: هي جماعة معارضة صاعدة في كردستان واعلنت على الملأ انها لن تؤيد التصويت على حجب الثقة من المالكي. المقاعد : ثمانية. الجماعة الاسلامية: مقعدان. كتل اخرى ومستقلون : اجمالي المقاعد : ثمانية. المقاعد الثمانية المتبقية هي لجماعات صغيرة وكتل تمثل اقليات مثل المسيحيين والنواب المستقلين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/حزيران/2012 - 21/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م