خدعة شفيق

محمد سيف الدولة

ان الذين أيدوا الثورة منذ البداية ولكنهم يريدون الآن اعطاء شفيق اضطرارا وخوفا من سيطرة الاخوان على الدولة، فاتهم وغاب عنهم ان رئيس الجمهورية القادم لن يكون له ذات صلاحيات مبارك، ليس فقط بسبب تقليص هذه الصلاحيات في الدستور الجديد، ولكن لان الدولة القديمة بكل هيمنتها وهيلمانها لن تتخلى بسهولة عن صلاحياتها الشاملة والمتغلغلة لأي رئيس جمهورية من القوى الجديدة المرتبطة بالثورة سواء كان مرسي او حمدين او ابو الفتوح.

وستعمل منذ اللحظات الاولى على إبقاء منصبه شرفيا وتقليص سلطاته الى ابعد الحدود والحيلولة دون تمكينه من الحكم الفعلي، ووضع كل أنواع العقبات أمامه وتجريد قراراته من اي قوة تنفيذية. وسيضطر الرئيس المنتخب ان يصارع لسنوات طويلة جنبا الى جنب مع باقي القوى الوطنية لإنجاح الثورة وانتزاع كل السلطات والصلاحيات التي سيتضمنها الدستور الجديد.

اما في حالة نجاح احمد شفيق، لا قدر الله، فسيلتحق فورا بمؤسسة الدولة خادما امينا مطيعا، كما كان على الدوام، ليشغل ويملأ جزء من الفراغ الذي خلا بسقوط مبارك، جنبا الى جنب مع المجلس العسكري وشركاه، لتعود ريما الى عادتها القديمة.

ان كل المكاسب التي حققتها قوى الثورة في الميدان والبرلمان وفي الرئاسة في حالة فوز مرسي، كل هذه مجتمعة لن تملك من امر مصر الا القليل الذي قد لا يتعدى نسبته 10 % من حجم القوة والسلطة التي ستظل تملكها وتسيطر عليها وتتحكم فيها الدولة القديمة لسنوات قادمة، وهو ما سيتطلب توحدنا وتضافرنا معا اكثر من اي وقت مضى في مواجهتها.

• وللتذكرة فان الدولة القديمة تسيطر على القوات المسلحة والشرطة وكل أجهزة الأمن بكل تنويعاتها، وهى التي تتحكم في الحالة الأمنية انضباطا او انفلاتا وفق الحاجة.

• والدولة تحتكر ملفات العلاقات الخارجية وعلى راسها العلاقات مع الولايات المتحدة بكل ما فيه من معونات عسكرية ومناورات مشتركة وتنسيق امني وتسهيلات لوجيستية والتي ستستطيع من خلالها ان تضغط بقوة على صناع القرار المنتخبين من القوى الجديدة، ويكفي ان نتوقف امام دلالة ان الكونجرس قد اعتمد بالفعل منذ بضعة شهور المعونات العسكرية لمصر ولم ينتظر نتيجة انتخابات الرئاسة لادراكه ان المجلس العسكري لن يترك الفعلية السلطة قريبا.

• وكذلك ملف العلاقات المصرية الاسرائيلية الذي ستسيطر عليه الدولة عبر اجهزتها المعنية التقليدية وستحاول دائما ان تستخدمه كفزاعة لتطويع ارادة الرئيس والبرلمان.

• وستستمر ايضا في السيطرة على ملف العلاقات المصرية الخليجية والسعودية وما يتضمنه من ملايين المصريين العاملين هناك، والذي سيمثل سلاحا قويا وفعالا في الضغط والترويض، وهو السلاح الذي ذقنا مرارته في ازمة الجيزاوي الاخيرة.

• وايضا من خلال التحالف مع شبكة رؤوس الاموال الاجنبية والمصرية بقيادة صندوق النقد الدولي والتي يمكنها من الضغط بازمات اقتصادية مفتعلة مثل تجميد الاستثمارات وتهريب الاموال واغلاق المصانع وتسريح العمال وتخفيض التصنيف الائتماني واستنزاف الاحتياطي النقدي والحصار المالي والاقتصادي وخفض قيمة الجنيه..الخ

• وايضا تسيطر الدولة القديمة على مخزون السلع الاستراتيجية ودهاليزها التي تمس الحياة اليومية للمصريين والتي ستستطيع من خلالها ان تفبرك الازمات او تحلها حسب الطلب، وهو ما جربناه بالفعل في ازمات السولار والبنزين والبوتاجاز.

• ناهيك عن نفوذ الدولة العميق في المؤسسات القضائية الذي ظهر بوضح في ازمة المتهمين الامريكان وتصويت أكثر من 50 % من قضاة الجمعية العمومية لصالح المستشار عبد المعز ابراهيم، وفي التحقيقات مع مبارك ومحاكمته وفي القيادات الحالية لنادي القضاة وغيرها.

• كما انها متغلغلة في الاعلام الرسمي والخاص وفي التعليم والبنوك والازهر والاوقاف والمحليات وعديد من الاحزاب السياسية وغيرها، ولها جيوش من الكتاب والصحفيين والفنانين والمرشدين في كل مكان بالاضافة الى الالاف من كبار الموظفين ونوابهم ومساعديهم وصبيانهم في كافة مؤسسات الدولة.

• وهي تحتفظ بكل مفاتيح واسرار الثروات القومية والعامة والخاصة، وتمتلك ملفات الملايين من المصريين التي تستخدمها دائما للضغط والتهديد والتجنيد.

• انها غابات وشبكات معقدة وكثيفة من العلاقات والمصالح والاشخاص والمؤسسات والمعلومات التي ستعمل مجتمعة على الاحتفاظ بالنظام القديم وتفريغ الثورة من مضامينها، وانهاك الحكام الجدد وافشالهم كمقدمة للتخلص منهم لاحقا بمباركة شعبية كاملة !

***

لكل ما سبق وغيره الكثير يجب ان ندرك بوضوح ان خيارنا الحالي ليس بين دولة دينية وأخرى عسكرية او بين المطرقة والسندان او بين المر والأمر منه، الى آخر كل هذه الثنائيات الخادعة التي انتشرت مؤخرا في الاحاديث الاعلامية والسياسية.

بل ان الخيار الحقيقي الان هو بين التنازل عن الثورة وعن مكتسباتها البسيطة والاستسلام للدولة القديمة. وبين مقدرتنا بكل تنوعاتنا وتناقضاتنا وعيوبنا على التوحد من اجل إسقاط خليفة مبارك، ثم العمل بعد ذلك على تمكين الثورة ممثلة في رئيسها وبرلمانها وميادينها في معارك طويلة قادمة، ستحتاج فيها كل قوى الثورة الى بعضها البعض، بدون استثناء، أكثر من أي وقت مضى.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/حزيران/2012 - 20/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م