بعيدا عن السياسة.. قريبا من المواطن

جواد العطار

 لا يخفى على المتتبع للشأن السياسي العراقي بعد التغيير في عام 2003، انه كان، ولا ما زال، المشهد الطاغي على غيره من الملفات، في دوامة ازمات بدأت ولم تتوقف، كان أعنفها وأشدها وقعا الأزمة الأخيرة المستمرة منذ اكثر من عامين، والتي نشهد قمتها بمطالبات سحب الثقة؛ أو حل البرلمان التي تتصاعد مؤخرا..

هذا الملف السياسي كان له عظيم الأثر بالسلب على حياة الناس ومداولات السياسيين واجتماعاتهم وأروقة مجلس النواب والوزراء والمحافظات، خصوصا في مواسم الانتخابات. أما في وسائل الاعلام، فنراه يتصدر نشرات الاخبار والملفات ويتقدم على مواضيع حيوية لا تقل أهمية؛ مثل الاقتصادية والصناعية او الزراعية الى الدرجة التي اصبح فيها واقع القرب من السياسة يعني بما لا يقبل الشك بعدا عن المواطن، مثلما أصبح المواطن بعيدا عن السياسيين، بعد أن مل وعود وعهود الانتخابات.

إن إهمال السياسيين لمشاكل وهموم ومعاناة المواطن أصبح متلازمة واقعية لكل من يتبوأ منصبا حكوميا او سياسيا، او حتى من ترشح له، أو أصبح شاغلا له بالوكالة، فمميزات أي منصب؛ سواء مالية ومعنوية؛ كفيلة بأن تنزع شاغله من مهامه الرئيسية واسباب وجوده، وتدفعه بقوة الى التمتع بتلك المزايا على حساب من وجد لخدمتهم، لتفصله بجدار يحول بينه وبين ملامسة احتياجات المواطن ومطالبه المشروعة.

في المقابل، اتجه المواطن الى ممارسات خطيرة، عليه وعلى حرية الآخرين وعلى النظام السياسي والديمقراطي، عبرت عن مدى سخطه ورفضه لواقع الخلاف السياسي وانعدام مستلزمات الحياة والخدمات، فاتجه بعيدا عن تكرار المطالبة الى الفعل العفوي. فقام أهالي منطقة حسينية المعامل ببغداد مثلا؛ قبل اشهر بقطع طريق بعقوبة القديم بعد ان يئسوا من الاستجابة لمطالبهم في توفير الخدمات. وقبل يومين قطع اهالي أحياء الميثاق والعمارات السكنية في بابل؛ طريق بغداد – حلة. وتظاهر أهالي جنوب كركوك لقطع الكهرباء عنهم لثلاثة ايام، واهالي المحمودية لعدم توزيع البطاقة التموينية الجديدة، وهلم جرا، ولو استمر الحال في حدوده تلك؛ فانه مقبول ومعقول ويندرج ضمن حرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا.

لكن ما لا يحمد عقباه ان يخرج الأمر عن السيطرة، فالمواطن مادة السياسة، وإذا ما فقدته فقدت موضوعها الاساس ومحور اهتمامها وحديثها، وهو ما لا نراه موضع اهتمام من السياسيين ولا من نواب البرلمان ولا من ممثلي مجالس محافظات، او بلديات تلك المناطق، بل جل ما نسمعه هو تراشق الاتهامات والتخلي عن المهام والمسؤوليات بين تلك الجهات دون احداث أي تغيير جذري او جوهري او أي فعل ايجابي او عمل يذكر.. الا ما ندر.

ليفهم من يتصدى للمسؤولية والعمل السياسي ان الدولة الحديثة ليست دولة الحماية التي سادت أوربا في القرون الوسطى، والتي كان فيها الحاكم يتعهد بتوفير الحماية لمواطنيه من الغزوات وقطاع الطرق، ولا هي دولة الرفاهية التي انتشرت في الدول المتقدمة مطلع الألفية الثالثة بعد ثورة الاتصالات الكبرى، والتي تعهدت بتوفير الخدمات نوعا.

ان ما يطالب به المواطن من السياسيين في عراق اليوم هو النظر إليه من منظار "دولة الخدمات الوسط" التي سادت مطلع خمسينيات القرن الماضي والتي توفر ابسط متطلبات الحياة من الحماية والخدمات الاساسية.. كما او نوعا. فهل هذا مطلب صعب المراس، أو التطبيق؟ سؤال يوجه الى السياسيين.!!

 وان لم يستطيعوا الاجابة عليه؛ فيكفي ان يتواصلوا مع المواطن وجها لوجه، او عبر الفضائيات ليبحثوا مطالبه المشروعة ويقدموا افضل ما لديهم من امكانيات، وان لم يتجرأوا على ذلك او لم يستطيعوا القيام به، فليستعدوا لمعركة الانتخابات القادمة.. التي سيجني فيها السياسيون فشلا ذريعا في صناديق الاقتراع.

 لا لشيء.. لأنهم ابتعدوا عن المواطن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/حزيران/2012 - 15/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م