المسلمون وثلاثية العلم والعمل والجهل

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لاشك أن الأمم حققت قفزات كبيرة على طريق التطور في الميادين كافة، من خلال معبر العلم الذي سهّل للانسان فردا كان او جماعة، تحقيق العيش الكريم واللائق، ناهيك عن بناء قاعدة مادية ومعنوية راسخة لتطوير قدرات الامم بصورة متواصلة، من هنا جاء تركيز الاسلام على اهمية العلم وأولويته، باعتباره المسار الأهم والأسلم لتقدم الامم والشعوب واستقرارها، ولا يتنافى الالتزام بالعلم مع التوجّه الروحاني المهم للانسان ايضا، لذلك كان العلم وتحصيله ولا يزال هدفا للأمم التي تتطلع الى الامام دائما وأبدا.

الاحتفاء بالعلماء وتكريمهم

ونتيجة لوعي الامم باستحقاق العلم ومرتبته العالية، تم الاحتفاء بالعلماء على نحو متميز ودائم، كونهم –العلماء- هم الوسيط الذي ينقل العلم الى الناس من مجرد كونه كلمات وجمل منطوقة، الى منظومة قابلة للتجسيد واللمس على شكل سلوك انساني راق، ومنتج سلعي متطور، وما بين العلم والعمل، أي ما بين المادة والروح والتناسق بينهما، تتقدم الامم الى أعلى الدرجات.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (طريق التقدم) في هذا المجال: (إن العلم في مقدمة العوامل التي تسبب تقدم الفرد، وبالتالي: تقدم المجتمع، ومتى ما تواجد العلماء في مجتمع، وألتف ذلك المجتمع حول علمائه واحتفوا بهم، إلاّ وسجل ذلك المجتمع لنفسه تقدماً باهراً وزاهراً).

إذن حين تهتم الامة بعلمائها فإنها ستحصد ثمار التقدم الاكيد، وحينما يلتف الشعب حول علمائه ويمنحهم المكانة واللاحقة بهم ويرعى قدراتهم ويصونهم من الظروف المختلفة التي قد تقف عائقا أمامهم، حينذاك سوف يتطور الشعب تطورا ملحوظا، فالعلماء هم بوابة الحياة المتطورة التي تليق بحياة الانسان، لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: إن (قوم نبي الله يونس –ع- الذين فازوا بالنجاة من العذاب والخزي في الدنيا ـ بحسب القرآن الحكيم ـ وكان ذلك أكبر تقدم حازوا عليه، إنما كان ذلك نتيجة إلتفافهم بالعالم الذي كان عندهم وباتباعهم له ولتعليمه).

فضائل العلماء على الآخرين

وهكذا تؤكد لنا تجارب الشعوب والامم عبر التاريخ، أن الشعب الواعي هو من يحتفي بعلمائه ويتمسك بهم ويرعاهم، لكي يستثمر طاقاتهم العلمية ويحولها من خلال العمل الى منتج فعلي ملموس، كما نلاحظ ذلك لدى الكثير من الشعوب التي حققت تطورا ملموسا، من خلال اهتمامها بعلمائها، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: لدينا (مثلاً: الشعب السويسري، إنهم لا يملكون معادن الثروة تحت الأرض، ولكنهم يملكون علماء فوق أرضهم، يتقنون علم صنع الساعات اليدوية الممتازة وغيرها، فتقدمت بلادهم وتقدم مجتمعهم بعلمائهم، بينما تأخرت البلاد التي تملك معادن الثروة تحت الأرض ولايتبع أهلها علماءهم. وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة الدالة على أن العلم والعلماء، والوعي والثقافة، هو المقوم الأول في طريق التقدم والرقي).

لذا فإن العالم دائما يكون ذا فضل على الآخرين، لأنه دائما يبحث عن سبل التقدم والتطور الذي يؤدي بدوره الى تحسين حياة المجتمع، وبهذا اكتسب العالم مكانة كبيرة ومتميزة ومرموقة لدى الامم والشعوب التي وعت أهمية العلم والعلماء، ومنها الدولة الاسلامية في مراحلها المشرقة لاسيما في صدر الرسالة النبوية الشريفة، لذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي: (قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر-).

ولعلنا جميعا نعي أن النقيض الاساس للعلم هو الجهل، وهكذا تكون ثنائية العلم الجهل في حالة صراع أزلي، فأصحاب الجهل والمستفيدون منه يعملون دائما على نشر الجهل بين الناس، ويحاربون الوعي والعلم لأنه الوسيلة التي تقضي عليهم وعلى الجهل، كما نلاحظ في محاربة الحكام الطغاة الجهلة للعلم والعلماء، لذا يؤكد الامام الشيرازي على: (إن الجهل وعدم الوعي، وفقد العلم والعلماء، وقلة ثقافة الحياة، من أهم أسباب تأخر الفرد والمجتمع، ويؤدي إلى تقهقر الأمم وسقوطها، بل إلى موتها وفنائها). وتأكيدا لخطورة الجهل يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عن الجهل كما ورد في غرر الحكم: (لا فقر أشد من الجهل).

العمل ركن أساسي للتقدم

أما العمل فيمكن تعريفه بصورة مباشرة ومفهومة، أنه الوسيلة التي تتمكن من تحويل العلم الى منتج ملموس يخدم الانسان ومتطلباته الحياتية، في الجانبين المادي والمعنوي، ولهذا لا ينفصل العلم عن العمل، واذا حدث ذلك، فإن العلم سيبقى مجرد كلمات او حبرا على ورق لا اكثر، حيث يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (إن العمل هو الركن الأساسي ــ بعد العلم ــ  في تقدم الفرد والمجتمع. بل يمكن أن يقال: إن العلم والعمل توأمان لا ينفصلان، ورضيعا لبان لا ينفك بعضهما عن البعض في تحقيق التقدم وتقومه، فإن كل فرد وكذلك كل مجتمع يريد الرقي والتقدم، لا بدّ له من توفير هذين العاملين معاً). ويضيف الامام الشيرازي قائلا: (إن العلم بنفسه لا يتحقق ـ عادةً ـ إلاّ بالعمل لتحصيله، ولا يتحصّل العلم إلاّ بالجد والاجتهاد، لأن أكثر المعلومات اكتسابية).

وعندما كان المسلمون مجدّون فاعلون، تقدموا وأقاموا دولة العلم والعمل، وصارت الدولة الاسلامية في الصدارة من حيث التطور والتقدم، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي: (سابقاً كانت الأمة الإسلامية مجدة في تحصيل العلوم وتربية العلماء والاحتفاء بهم والأخذ عنهم، ولذلك تطورت الأمة حتى سبقت جميع الأمم في مختلف مجالات الحياة فأصبح المسلمون آباء العلم الحديث). وعندما تخلى المسلمون عن العلم والعلماء كما يحدث هذا الآن، فقد خسروا الكثير من فرص التقدم ومواكبة العصر، الامر الذي يدل على أهمية ربط العلم بالعمل مع مكافحة الجهل بصورة دائمة، إذ يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (لكن للأسف نجد في يومنا هذا، أن كثيراً من المسلمين تخلوا عن العلم والعلماء، وهم يحبون أن تتحقق الأمور بالأماني).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/حزيران/2012 - 13/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م