نهار الصيف الطويل وغياب الترفيه

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ينظر الكثير من المسؤولين عن راحة الناس وخدمتهم، بوصفهم موظفين حكوميين يتقاضون أجورا على ذلك، الى الجانب الترفيهي وكأنه قضية كمالية لا تستحق الاهتمام او التفكير او إشغال البال، وهم بذلك يجهلون بكل أسف ما توصل إليه علم النفس في مضمار الترويح عن الناس بمختلف مشاربهم واعمالهم، وأهمية ذلك في تجديد طاقات الانسان الفكرية والعملية في آن، ناهيك عن الاضرار النفسية والعملية التي تلحق بالناس نتيجة للفراغ وساعات النهار الصيفي الطويل، مع ضعف أو غياب كلي للجانب الترفيهي.

ويبدو أن الحكومات المحلية لا تريد أن تفهم أن الترفيه أصبح من وسائل العصر المهمة لزيادة الانتاج والابداع في مجالات الحياة كافة، لذلك حين يغيب الترفيه أو يهمل من لدن الجهات المعنية، فإن ذلك يعني ظهور عدد من المشاكل الشائكة وأصعبها أو اخطرها حالات الضجر والملل والفراغ الكبير الذي يؤدي بدوره الى دفع الشباب والمراهقين، الى حالات خطيرة من الانحراف، لذلك يتحول فصل الصيف الى موسم للمشكلات العديدة التي تفتك بالمجتمع لاسيما أن ملايين الطلاب من الشباب والمراهقين من كلا الجنسين لا يجدون ما يشغلهم ويملأ فراغهم، ناهيك عن عدم وجود الاماكن والانشطة السليمة التي تستوعب طاقاتهم في هذا الفصل الممل والطويل، خاصة ان الحكومات المحلية لم تبادر الى تأسيس مجمعات شبابية تستقبل الشباب وتستوعب نشاطاتهم وتطور مهاراتهم وتمتص فراغهم الهائل.

إن هذا التقصير الواضح كل الوضوح من لدن المسؤولين الحكوميين في عدم اعطاء الاهتمام المطلوب بانشاء اماكن الترفيه المناسبة للشباب في فصل الصيف، يدل على حالة اللامبالاة التي يعيشها هؤلاء المسؤولون ازاء قضية مهمة تتعلق بحياة الناس جميعا لاسيما أولئك الذين لا يجدون أمامهم سوى ساعات النهار الطويل وهم حائرون، أين يمضون هذا الوقت وأين هي الاماكن والمجمعات التي تحوّل افكارهم وطاقاتهم الى نتائج جيدة وملموسة، تساعد الفرد والمجتمع على الانتفاع بالوقت، بدلا من اهداره بالتسكع في المقاهي او الشوارع، ناهيك عن حالات الانحراف الكثيرة والخطيرة التي يفرضها الفراغ على الشباب والمراهقين.

ومن الملاحظ في هذا الموسم كثرة الكازينوهات والمقاهي، وإقبال الشباب عليها بما يشكل ظاهرة واضحة تسيء للشباب والمراهقين، خاصة اذا انتبهنا الى ما يرافق ارتياد هذه الكازينوهات من عادات استهلاكية سيئة من حيث المظهر، ناهيك عن الجانب الصحي كما هو الحال مع ظاهرة تعاطي الأرجيلة (الناركيلة) وما تسببه من اضرار صحية خطيرة على صحة الانسان، وما يتبع ذلك من خسائر مادية ومعنوية وهد للوقت الثمين الذي ينبغي أن يتم استثماره بالصورة الصحيحة، ولكن حينما يفشل المسؤولون بالقيام بدورهم في توفير أماكن الترفيه السليمة والمناسبة للشباب وجميع الفئات العمرية، فإن المسؤولية هنا تُلقى على عاتقهم، لاسيما الحكومات المحلية التي لم تبذل ما يكفي من الاهتمام بهذا الجانب.

إن عالم اليوم لم يعد مثلما كان سابقا في مجال الترفيه، كما أن شعوبنا التي كانت محرومة من الاطلاع على انماط العيش المتطورة للشعوب الاخرى، اضحت اليوم ترى بعينها كل شيء عبر شاشات التلفاز، حيث العالم اصبح بين يدي الناس جميعا، وهم يراقبون بحسرة كيف يتمتع الآخرون (أفردا وعوائل وجماعات) بوسائل ترفيه هائلة ومتنوعة، ومجمعات شبابية ومسابح وساحات وحدائق ومدن العاب متطورة، ومختلف الملاعب الرياضية، فيما يبقى العراقيون يعانون من نهارات الصيف الطويلة، لاسيما الشباب والمراهقون في ظل اهمال حكومي متواصل لهذا الجانب الذي بات مهما وحيويا للجميع.

لهذا مطلوب من الحكومات المحلية وعموم الجهات المعنية بهذا الامر، أن تفهم اهمية الترفيه، وأن تخطو خطوات عملية قائمة على الارض فيما يخص انشاء هذه الاماكن وبذل المزيد من الاهتمام والجهد في هذا الصدد، لغرض القضاء على الفراغ والتعايش مع الصيف وساعاته الطويلة بارتياح وقبول، بدلا من حالات الضجر والملل والانحراف التي يتعرض لها المراهقون والشباب، بسبب نظرة المسؤولين القاصرة لأهمية الترفيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/حزيران/2012 - 12/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م