الربيع الذي يتجاوزه القتل

عبدالعزيز حسن آل زايد

تحاول السلطات قمع الموج الهادر بوسائل متنوعة ومتعددة، ولكن المارد العملاق الذي استفاق من كابوسه شمر عن إرادته، وأعلنها ثورة ضد الظلم والاستبداد وحقَ للصنم أن ترتعد فرائصه، فالغريق يتشبث بالقشة إن باغتته سكرات الموت وغزاه الهلاك، ولكن مُلك العنكبوت أضحى واهياً وسيجرفه التيار مهما تطاول عنق الشيطان الجاثم فوق الصدور.

مطرقة الشعوب ستدك عروش الفراعنة وتنهي ما تبقى لهم من أعواد، وأنى لهم من التحصين والتحصن حينها؟!، (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الرعب أحد الجنود التي يبارز بها الله أعدائه، فإمهال الله لا يعني الإهمال فكم هي النعم جمة لجنود الله البواسل، أوليست السماء ترسل رسلها المدججين بالسلاح، فالغيب له أفاعيله ليعكس الله الموازين وينصر جنده : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا)، أولم تكن الرياح عنصر فعال في طرد الأحزاب؟!، أولم يفتح الله حصون اليهود في خيبر؟!، بعد أن جبّن القادة أتباعهم وجبنوهم، خيبر فتحٌ مأزر، وهل تخلى الله عن أتباعه الصادقين في النوايا والثابتين عند النزال، وما النصر إلا من عند الله.

مخامرة البعض والشكوك التي تذاع ضد انتصار الثورة التي تجوب البلدان ستتقطع وإن أريد للثورات أن تخطف وتقطع سكة الأمل الذي تتطلع إليه الشعوب المسحوقة، الرماد سيدرأ في عيون الرؤساء الذي يورثون الملك لأبنائهم وذويهم، أوليس (مبارك) كان حلمه أن يوصل مقعد الخلافة لنجله وأحفاده؟!، وهكذا نوايا الزعماء لكن للشعب دولة عاصمتها الإصرار، وللأمة بطولة ورايتها الحرية، وللأوطان انتفاضة وشعلتها الكرامة والعزة والشموخ، وسيخسأ الجبار الذي يعبد من دون الله، أوليست الطاعة لغير الله شركاً؟!، فلماذا يطاع المخلوق في معصية جبار السماء ؟!

الدماء تراق في بقاع العالم والمسلمون لا حيلة لهم إلا بمزيد من أطنان الحوقلات الفارغة من العمل، الإسلام بوصلة الجهاد والجهاد مؤشره الذي يدلنا على الإتجاه الصحيح، والمربع الأول نحو الذات يكون وتمتد السلالم حتى الأفق البعيد، ولا بعيد في هذه القرية الكونية التي يطويها الكف الصغير.

رجال الله أحياء وهم يتنفسون العبق وينفثون القيم، والقيم التي يجب أن تحيا - وإن كلفتنا مزيداً من الدماء - هي نصرة المظلومين، فكم لنا من أخوة تُقبع في السجون؟!، وكم لنا من أشقاء لا يمتلكون رمق العيش؟!، فماذا أبقى لهم الطاغية؟! وماذا ألقى لهم غير مسحوق الفتات؟!، نفايات يلقيها الحاكم على شعبه تكرماً بين الحين والآخر، والله يقول : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) !!

السبحة التي يرائي بها خادم الشريعة لا تقدم لنا شيئاً، فالكلمة الطيبة صدقة، فلماذا لا يتصدقون بما يرضي الله وينفع هذه الطبقة المحرومة، وهل هناك أطيب من كلمة حق أمام سلطان يعشق الجور ويستمرئه ؟!

الشكليات ذبحتنا وأصبحنا نستفرغ من بشاعتها، نرى شكل الدين ولا نبصر عمقه، نشاهد الطقوس الإسلامية ولا نمسك القيم التي يدعو لها، فالأذان يُرفع لصلاة لا تأمر بمعروفٍ ولا تنهى عن منكر، وهل بقي لنا من هذه الفريضة غير الشكل والديكور؟!، أرجو أن لا نعشق التشائم، فلرب جهد يسير أنتج فتحاً، ولعل تغييراً جذرياً يحدث فيثمر الربيع الذي يغتاله خريفنا طول الزمن !!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آيار/2012 - 8/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م