حمير وكلاب وقطط... حديقة السياسة العراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حكايات (كليلة ودمنة) لابن المقفع الذي عاش في ظل الدولة العباسية واتصل بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور، وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر فيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويكرهه على أكل جسده مشويًا حتى مات.

حكاياته تعتبر من عيون الادب العربي، لما تحتويه من قصص فيها الكثير من الحكمة والبلاغة والتجارب، وهي ترد على السنة الحيوانات، من اسود وسباع ونمور وقطط وكلاب وفيلة وزواحف وطيور يعرفها الانسان، وتوجد في بيئاتها الطبيعية، وفي الحدائق العامة او الخاصة وفي القصور والمنازل المتواضعة ايضا.

وحكايات كليلة ودمنة تعتبر متفردة في بابها في الادب العربي، وهو باب انطاق الحيوانت بكلام الانسان الذي يتبادله مع الاخرين في يومه.

وهناك تصانيف اخرى تهتم بالحيوانات وتتحدث عنها وعن حالاتها مثل المصنف الشهير (حياة الحيوان الكبرى) للدميري، او ما هو في تفضيل حيوانات معينة على بني البشر مثل (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) للإمام أبي بكر محمد بن خلف ونسبه بعضهم الى ابن المرزبان، ونذكر ايضا كتاب الحيوان للجاحظ وغيرها من كتب تعتبر من امهات التصانيف في الادب العربي.

في الاداب العالمية الاخرى توجد مثل تلك المصنفات، مثل حكايات الفرنسي لافونتين... استفادت السينما العالمية في الكثير من افلامها سواءا منها الافلام الروائية او افلام الرسوم المتحركة، من الحيوانات، وهي افلام تحقق كثيرا من الرواج لدى نزولها الى صالات العرض السينمائية بسبب من شخصياتها المحببة الى الصغار والكبار على حد سواء.

ولعل ذلك يعود الى علاقة الالفة بين كثير من الحيوانات وبين الانسان لتواجدها قريبا منه في حديقته وفي منزله، مثل الكلاب والقطط والطيور، ومنها ماتقدم خدمات للانسان بحكم طبيعتها مثل الحصان والحمار.

وللحيوانات في المجتمعات الغربية حقوق كثيرة تتفوق على حقوق الناس في مجتمعاتنا المصنفة على مقياس ريختر المؤلف من تسع درجات للتخلف، مثل الحق في التنزه والحق في الاستحمام بمياه عذبة والحق في العلاج الطبي والحق في الحماية القانونية ضد الانتهاكات او للحفاظ عليها من الانقراض.

وتبلغ قمة الحقوق الممنوحة لتلك الحيوانات، في التوريث لبعض الثروات جميعها او بعضها، وهناك من يتبرع بمبالغ كبيرة لجمعيات الرفق بالحيوان ومراكز ايوائها ومستشفيات علاجها.

كعادتنا مثل اي مجتمع في المجتمعات الموجودة في اسفل سلم الترتيب السياسي او الثقافي او الاقتصادي، لانهتم كثيرا للحيوانات وحقوقها وما يتعلق بتوفير الحماية لها، فعمليات قتل الكلاب السائبة هي حملات وطنية على وزن الرموز الوطنية التي يدافع عنها السياسيون احيانا، والقطط لاتجد قوتها الا عبر السرقة من مطابخ المنازل او عبر المزابل المنتشرة في شوارع المدن.

فقط وحده الحمار، استطاع ان يحتل له مكانا مرموقا، وان يكون له حزب باسمه، بعد سنوات عديدة من الاشغال الشاقة، وبعد ان استخدمته فصائل المقاومة الوطنية الشريفة في تفخيخه او حمل المتفجرات عليه وايصالها الى النقاط المراد تفجيرها من اسواق وشوارع مكتظة، حتى دخل الحمار الى خانة الارهابيين الذين يشك في تحركاتهم، واعاد له حزب الحمير الاعتبار المفقود.

الكلاب لاتحظى بذلك الاحترام، ربما بسبب موانع دينية وشرعية، من نجاسة وعدم طهارة، ورغم هذا فهو متواجد كسلعة تباع وتشرى في سوق الغزل في بغداد، وهو سوق الحيوانات الشهير، والذي لم يسلم من عمليات المقاومات البطلة وتعرض للتفجير بناسه وحيواناته لاكثر من مرة.

لكن الكلاب اصبحت محل مقارنة لدى وزير التخطيط علي شكري حين ابدى امتعاضه الشديد من الآلية التي يتم من خلالها توزيع البيوت للوزراء والمسؤولين في المجمعات الحكومية بالمنطقة الخضراء.

حيث قال (انني لا املك سوى غرفة واحدة في المجمعات الموجود في المنطقة الخضراء ومجمع القادسية بينما هناك وزراء يعيشون خارج العراق ويملكون خمسة بيوت تسكنها [الكلاب] فقط منذ عام 2003).

القطط لها حضورها في المنازل العراقية، رغم بعض التحفظ على الوانها، وخاصة اللون الاسود المقترن بالنحس والشؤم، وهو وجود غير مرحب به، حيث اعتادت ان تسرق قوتها من المطابخ المنزلية، من اسماك ولحوم. وهي ايضا مثل الكلاب عانت من ويلات الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن المنصرم، اذ اصبحت نحيفة وهزيلة بسبب تحولها الى الوجبات النباتية لقلة اللحوم في مطابخ العراقيين.

القطط مرشحة لاعادة الاعتبار لها وانزالها منزلة قد تجلب الحسد لها من بقية الحيوانات، وهذه المكانة الموعودة جاءت من باب الامن الوطني، وتهديد المصالح الاستراتيجية العراقية العليا.

اياد علاوي، رئيس القائمة العراقية، مالئ الاسماع والابصار، وسندباد السياسة العراقية، حيث لا احد يسافر مثله، قاطع خطوط الطول والعرض الجغرافية، والعابر تخوم الزمن، اعاد للقطط بعض الاعتبار والاحترام والتقدير، حين كشفت له مجموعة من اجهزة المخابرات والاستخبارات الصديقة والشقيقة (ليس الصداع المعروف بنفس الاسم) ان هناك محاولة اغتيال له من خلال قطة مفخخة، مما استدعى سفره الى خارج العراق الشهر الماضي، ثم عودته الى اربيل، وكانت هناك بعض التصريحات التي تشير الى نقل مقر تواجده، عملا وسكنا، الى شمال العراق بسبب التهديد بالاغتيال، وربما لتضليل تلك القطة، ولم يتسن وقتها معرفة نوع تلك القطة التي تهدد علاوي ولاصفاتها التي ربما تقدم الى طاقم الحماية لتشديد الحراسة عليه وفحص كل قطة تمر من امامهم، ولم نعرف لون العيون او لون الوبر الذي يغطي جسمها او حتى سنها، لكننا نعرف انها انثى اي (بزونة) وليست هرا اي (عتوي).

واحسب ان العاملين في المطبخ قد امتنعوا عن ادخال اللحوم البيضاء او الحمراء اليه لتقليص فرص دخول تلك القطة المشتبه بها لاغتياله... واحسب ايضا ان خطة الاغتيال لازالت قائمة، بسبب من مواقف علاوي الوطنية ودفاعه عن مصالح الشعب العراقي، وباعتباره رمزا من رموز العراق الوطنية.

اذا استمر الصراع السياسي على حاله، سيعاد الاعتبار الى حيوانات اخرى حين يرد ذكرها عبر تصريحات السياسيين، وربما اذا استمر التهديد باغتيال علاوي قائما ستعمد القائمة العراقية الى الطلب من الحكومة القضاء على القطط جميعا، حماية لزعيم القائمة، والا ميووووووووووووووو.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/آيار/2012 - 6/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م