صمم تنجح

حتى يغيروا (25) قراءة في حلقات

نزار حيدر

ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا

 

 يتساءل بعض الناس عن سر فشلهم في الحياة، او على الاقل عن سر فشلهم في اغلب ما ينوون فعله وانجازه؟.

 برأيي، لو ان المرء صارح نفسه وتحدث بصوت عال معها، لاكتشف ان السر يكمن في انه لم يصمم على النجاح عندما ينوي فعل شيء، ولذلك يفشل حتى قبل ان يبدا العمل او المشروع، فالتصميم والعزيمة التي بمعنى اعداد العدد اللازمة لتحقيق النجاح، هي التي تحققه، فالمرء الذي يعزم على النجاح يتهيأ له فينجح، اما الاخر الذي لا يعزم عليه وكانه يقدم على شيء كرها او عنوة، من دون سابق تصميم على تحقيق النجاح، فانه بالتأكيد لا يحقق شيئا ابدا.

 ويبدو التصميم في فكر المرء عندما يكرر التجربة اذا ما فشل مرة، اما الهزيمة امام اول فشل فتنبئ عن عدم التصميم على تحقيق النجاح، ولقد قالت الحكمة (لا يحزنك انك فشلت، ما دمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد) والاخرى التي قالت (لا تخجل من فشلك فانت مصنف ضمن البشر، ولكن اخجل اذا كررت الفشل، وادعيت انه من فعل القدر) اما البرت اينشتاين فقد قال (اذا احس احد انه لم يخطأ ابدا في حياته، فهذا يعني انه لم يجرب اي جديد في حياته) ولذلك قال توماس اديسون العالم المخترع المشهور (لن اقول انني فشلت الف مرة، ولكنني اكتشفت ان هناك الف طريقة تؤدي الى الفشل).

 ولعل في الاية القرآنية الكريمة التي يتحدث عنها الله تعالى عن نوايا بعض (المسلمين) ازاء الحرب مع رسول الله (ص) اشارة واضحة الى معنى التصميم الذي ينبئ عن الاستعداد لتحقيق الانجاز.

 يقول تعالى {ولو ارادوا الخروج لأعدوا له عدة} فكما ان الذي ينوي المشاركة في القتال يستعد له ثم يتحدث عن النصر او الهزيمة، كذلك كل انسان، فان عليه ان يصمم اولا على تحقيق النجاح ثم يتحدث عنه، اما الذي لا يستعد لشيء ابدا ثم تسمعه يتحدث عن نجاح وفشل، او نصر وهزيمة، فان مثله كمثل الذي وعد صاحبه بان يعيد له القرض في اسرع وقت، وعنما سأله متى؟ قال: عندما اقبض ثمن كتابي الذي سينزل قريبا في الاسواق، ولما سأله مرة اخرى: ومتى ينزل كتابك في الاسواق؟ اجابه: عندما اجد من يطبعه، فقال له: ومتى تجد من يطبعه لك؟ قال عندما اكتبه، قال له: ومتى تكتبه؟ اجابه بالقول: عندما اجد الفرصة المناسبة، وعندما قال له: متى ستجد الفرصة المناسبة لتكتب كتابك العظيم هذا؟ قال له: عندما يكون مزاجي مناسبا لإنجاز مثل هذا العمل.

 اذا لم يصمم المرء على تحقيق النجاح، فانه لن يأتي صدفة، ولا يمكن ان يصمم المرء على مثل ذلك الا اذا اخذ بأسباب وعوامل ومقومات النجاح.

 ان التصميم على تحقيق النجاح هو اول ما يلزم المرء ان يضعه في حساباته قبل ان ينتظر النجاح، وبرايي، فان احد اهم اسباب فشل الكثيرين هو انهم لا يصممون على تحقيق النجاح عندما يبدأون بعمل او مشروع، بل انهم يعتمدون قاعدة (اسقاط الواجب) فحسب، وكانهم يؤدون العمل سخرة، ومن الطبيعي فان من يفكر بهذه الطريقة لا يجد الدافع للتخطيط من اجل تحقيق النجاح.

 ان الذين يصممون اولا على تحقيق النجاح هم الذين يحققونه في نهاية المطاف، لانهم سيوفرون كل اسبابه ويبذلون جهدا صادقا من اجل خلق مقوماته الى جانب الفرص التي تساعدهم على ذلك.

 فمن الذي يصمم على تحقيق النجاح يا ترى؟ انه الذي يحترم حياته ووقته وجهده، انه الذي يحترم الاخرين الذين يقدمون له يد المساعدة، انه الذي ينظر الى ما بعد الحياة، فيفكر كيف يترك بصمة ما في حياته ليتمتع بها الاخرون.

 وهناك مقومات كثيرة ينبغي ايجادها لتحقيق النجاح، ان على صعيد الفرد او على صعيد الجماعة، الا ان من ابرزها، ربما:

 اولا: الايجابية، فالإنسان السلبي الذي لا يرى الا النقطة السوداء في اللوحة البيضاء، لا يحقق نجاحا ابدا،

 ولذلك، فان على من يريد تحقيق النجاح ان يختار اصدقاءه من الناجحين في الحياة لانهم سيخلقون له جوا من الامل والايجابية والتفاؤل، اما السلبيون الذين لا تلتقيهم الا وينطلقوا بالحديث عن الحياة بسلبية وتشاؤم وغياب كامل للامل، فانهم لا يشجعون على النجاح، ولا يهيئون الجو الملائم والظرف المناسب لتحقيق النجاح.

 ففي طريقه لمقاتلة جيش البغي الذي قاده الطاغية معاوية بن ابي سفيان ضده، وصل امير المؤمنين عليه السلام الى المدائن، فنزل في مكان ولما دخله رأى صورا على الحائط فقال لاصحابه: كانت هذه كنيسة، فقالوا له: نعم، كان يشرك فيها الله كثيرا، فقال عليه السلام: وكان يذكر فيها الله كثيرا.

 لقد اراد الامام عليه السلام ان يعلم اصحابه كيف ينظرون الى الامور نظرة ايجابية، ليجدوا فيها القواسم المشتركة مع الاخر الذي يختلف معهم في الدين او المذهب او ما الى ذلك، اما النظرة السلبية فتقتل صاحبها وتقضي على اية علاقة ايجابية بينه وبين الاخر، ولذلك فعندما نرى ان (الحزب الوهابي) يكفر الاخر ويحرض على الكراهية والبغضاء والحقد، فلان اتباعه ينظرون الى الامور والى عقائد الاخر نظرة سلبية فلا يرون فيها اية ايجابية، ولذلك يحرضون على قتله ويمارسون ابشع صور التنكيل بمن يظفرون به منهم.

 على من ينشد النجاح ان يفكر بطريقة ايجابية ويتعامل مع الحياة بطريقة ايجابية، كما ان عليه ان يتعامل حتى مع المشاكل بطريقة ايجابية.

 علينا ان نتجنب الاحباط لنحقق النجاح، من خلال الابتعاد عن كل ما يسببه لنا، من اصدقاء واخبار وافلام وقصص وكل شيء، فان كل ذلك يساهم في صناعة جو من السلبية والاحباط، لا يمكن ان نحقق فيه اي نجاح.

 اختر لأولادك الاصدقاء الناجحين والايجابيين الذين يتطلعون الى المستقبل من دون ان يتوقفوا كثيرا عند الماضي، اختر لهم من يرى الجانب المشرق من الحياة والجانب الايجابي من العلاقات الاجتماعية، الذين يتعاملون بأمل مع مشاكل الحياة، بعيدا عن التثبيط والاحباط والسلبية القاتلة.

 ثانيا: الجرأة والشجاعة، فالمتردد والخائف لا يحقق نجاحا، لان من طبيعة النجاح انه يحتاج الى الجرأة التي تدفع بصاحبها الى اقتحام المجاهيل احيانا من دون ان يعني ذلك القاء النفس بالتهلكة، فهناك فرق كبير وواضح بين الجرأة المطلوبة من اجل تحقيق النجاح وبين التهور الذي يعني تقدم الصفوف بلا حسابات.

 ان النجاح يعني، في جانب من معانيه، تحقيق ما لم يحققه الاخرون، بمعنى آخر، فان الناجح هو الذي يأتي بشيء جديد وينجز شيئا عجز الاخرون عن انجازه، ما يعني انه تمكن من شيء غير مألوف، وكل ذلك لا يمكن ان يحققه المرء اذا كان مترددا او خائفا، لان التردد يمنع صاحبه من التقدم لاكتشاف مناطق الفراغ، كما ان الخوف يمنع صاحبه من التفكير بشيء غير مألوف، فضلا عن التعامل معه وفعله وانجازه.

 يقول امير المؤمنين عليه السلام {اذا هبت امرا فقع فيه، فان شدة توقيه اعظم مما تخاف منه}.

 وتقول الحكمة بهذا الصدد (قد يجد الجبان سبعين حلا لمشكلته، ولكنه لا يعجبه منها سوى حل واحد وهو الفرار).

 ثالثا: التضحية، فكل نجاح بحاجة الى تضحية او ثمن من نوع ما، فالطالب الذي يريد ان يتفوق على اقرانه عليه ان يضحي براحته ونومه وغير ذلك، من اجل ان ينجز ما لم ينجزه غيره، والسياسي الذي يريد ان ينجح عليه ان يضحي بالكثير من اجل ان يتقدم صفوف الاخرين قائدا وزعيما يشعر المجتمع بانه قادر على فعل وتحقيق ما لم يحققه الاخرون، اي انه اقرب الى النجاح من غيره، وهكذا.

 ويخطئ من يتصور او يظن ان بإمكانه ان يحقق النجاح بلا تضحية، او بلا ثمن، فتلك هي احلام العصافير، فالحكمة تقول (النجاح سلم لا تستطيع ان تتسلقه ويداك في جيبك) ولقد اشار الحديث الشريف الى هذا المعنى، مثلا، عند حديثه عن السيادة قائلا {ما ساد بخيل} او قوله (ص) {آلة الرئاسة سعة الصدر} او القول الماثور {سيد القوم خادمهم} اما قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم الذي يرسم فيه معالم الطريق لنبيه الكريم اذا اراد ان ينجح في استيعاب الناس ليلتفوا حوله وحول رسالته الالهية العظيمة (الاسلام) فهو اشارة واضحة جدا على اهمية التضحية لتحقيق النجاح، يقول تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين}.

 الناجحون هم الذين يبدون استعدادا منقطع النظير للتضحية ولدفع الثمن لكل نجاح، اما البخلاء الذين يرفضون دفع الثمن، اي ثمن، فانهم اقرب الى الفشل من النجاح.

 رابعا: حفظ التجارب والاستمرارية، فالنجاح يتحقق على قاعدة تراكم التجربة، اما الذي يبدا في كل مرة من نقطة الصفر، فانه سوف لن يحقق نجاحا ابدا، خاصة على صعيد الجماعة، فالمجتمع الذي ينشد النجاح عليه ان يستحضر تجاربه دائما ليستفيد من الخطأ فلا يكرره بتجنبه، ويكرر الصحيح ليراكم به الخبرة، اما المجتمع الذي ينسى ما مر به بالأمس، فهو من المجتمعات التي تنطبق عليها مقولة (التاريخ يكرر نفسه).

 هذا من جانب، ومن جانب آخر فان النجاح هو تراكم جهد في امر ما، ولذلك فانه لا يتحقق اذا كان الجهد متقطعا وغير متواصل مع بعضه.

 ان على من ينشد النجاح ان يبحث عن قصص تجارب النجاح عند اي كان، بغض النظر عن الدين او الاثنية او الخلفية الثقافية وما اشبه، ف {الحكمة ضالة المؤمن} كما في الحديث الشريف، ومن الواضح فان الحكمة في جانب منها هي قصة نجاح.

 ان من الانسانية ان يتعلم المرء من قصص الناجحين، ما سلف منهم وما خلف، فليس في ذلك اي منقصة، فقصص الناجحين تجارب لنا.

 وبهذا الصدد يستحسن قراءة تجارب العظماء الذين عرفوا في التاريخ بنجاحاتهم، لنتعلم منهم، وليس في ذلك ما يريب، فتجارب النجاح ملك للانسانية وليست ملك صاحبها.

 خامسا: الايمان والحب والرغبة، وهي شروط مهمة لتحقيق النجاح، فان من ينشده يلزمه اولا ان يؤمن بما يريد انجازه، اما المفروض عليه شيئا، او المرغم على فعل فانه لن يحقق نجاحا ابدا، كونه سيتعامل بلاابالية وعدم اكتراث مع ما يريد انجازه.

 ويكتمل شرط الايمان بحب ذلك الشيء الذي يريد انجازه، فقد يؤمن المرء بعمل ويتحسس اهميته في المجتمع، او على الاقل لشخصه هو، الا انه لا يحبه، ولذلك فاذا اجبر عليه فانه سوف يتعامل معه، كذلك، بلا ابالية وعدم اكتراث.

 والى جانب الايمان والحب يلزم خلق الرغبة في انجاز هذا الهدف او ذاك، لان الايمان والحب بلا وجود الرغبة لن تحقق شيئا.

 لقد سمعت مرات عديدة من لسان الامام المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) وهو يصف مقومات النجاح بما كان يسميه بالحاءات الثلاثة، وهي (الحرية والحماس والحركة) وهي مثلث ذهبي ينبغي على كل من ينشد تحقيق النجاح، وعلى اي مستوى في حياته، فردا كان ام جماعة، ان يخلقه قبل ان يفكر بتحقيق النجاح، ولقد قيل في علم الفقه ان مقدمة الواجب واجبة، فكيف يريد المرء ان يحقق نجاحا وهو عبد للآخرين او لشهواته او للدنيا او للمال؟ او انه غير متحمس لإنجاز هذا العمل تحديدا، او انه كسول لا يتحرك؟.

 ان الحرية تساعد المرء على اختيار ادوات النجاح بإرادته، ما يقربه من تحقيقه، كما ان الحماس للشيء يحثه على اختيار افضل الادوات والوسائل، من جانب، ويحرضه على خلق ظروف وفرص النجاح من جانب آخر.

 اما الحركة والنشاط فهي التي يحقق بها الانسان نجاحاته، فالكسل والعجز معوقات هامة في طريق النجاح، ولذلك وصف امير المؤمنين عليه السلام العجز بقوله {العجز آفة} فكما تقتل الآفات الزرع، كذلك يقتل العجز العمل والانجاز ويحرم المرء من تحقيق النجاح.

 سادسا: خلق الظروف والقدرة، فالنجاح لا ياتي على طبق من ذهب عادة، كما ان الظروف الطبيعية عادة ما تعمل ضد النجاح، ولذلك فان على من ينشد تحقيق النجاح ان يجتهد لصناعة وخلق الظروف الملائمة لما يريد انجازه ليضمن النجاح، كما ان عليه ان يخلق ادوات القدرة على انجاز النجاح.

 سابعا: الثقة، سواء بالنفس او بالقدرة على تحقيق النجاح او بتحدي صعوباته، ولذلك قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام {هلك امرؤ لم يعرف قدره} فالجاهل بقدره يخشى الاقدام فما بالك بالنجاح.

 ولذلك فان من اهم ما يقدمه الابوين لاولادهم، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، هو انهم يزرعون الثقة في نفوسهم، ليشبوا وهم يعرفون قدر انفسهم، وذلك من خلال مساعدتهم على التعبير عن انفسهم وعن شخصيتهم، ومن الخطأ الفاحش قول البعض بان الطفل لا يفهم شيئا فكيف يمكنه ان يعبر عن نفسه؟ كلا والف كلا، فالطفل كالحاسوب يحتفظ بكل ما تغذيه من ثقة وجرأة.

 ان زرع الثقة بالنفس لدى الاطفال هو الذي يخلق منهم مشاريع نجاح في المستقبل عندما يكبروا، والانسان الذي يشب على حب النجاح والانجاز سيكون ناجحا في حياته والعكس هو الصحيح، فالطفل الذي يقمعه ابويه وهو بعد صغيرا، فيمنعونه من ابداء رايه او التعبير عنه او عن نفسه، يكبر وهو يحمل في قرارة نفسه الهزيمة والفشل، فكيف تنتظر منه ان يحقق نجاحا عندما يكبر؟.

 ولعل من ابرز وسائل زرع الثقة في النفس، خاصة عند الصغار، هو التشجيع، ولذلك ينبغي ان لا نقلل من دور التشجيع في خلق الثقة بالنفس والتي تحقق النجاح، وان على المرء ان لا يصاحب المثبطين الذين يزرعون الياس او يقتلون الامل والثقة في نفوسنا، فيدفعوننا دفعا صوب الفشل، ولعل في قصة الضفدعتين خير درس وعبرة، تقول القصة:

 كانت هناك مجموعة من الضفادع تقفز مسافرةً بين الغابات، وفجأة وقعت ضفدعتان في بئر عميق، فتجمع جمهور الضفادع حول البئر، ولما شاهدوا مدى عمقه صاح الجمهور بالضفدعتين اللتين في الأسفل أن حالتكما كالأموات.

 تجاهلت الضفدعتان تلك التعليقات، وحاولتا الخروج من البئر بكل ما أوتيتا من قوة وطاقة؛

واستمر جمهور الضفادع بالصياح بهما أن تتوقفا عن المحاولة لأنهما ميتتان لا محالة.

 أخيرا، انصاعت إحدى الضفدعتين لما كان يقوله الجمهور، واعتراها اليأس فسقطت إلى أسفل البئر ميتة.

 أما الضفدعة الثانية فقد دأبت على القفز بكل قوتها.

 ومرة أخرى صاح جمهور الضفادع بها، طالبين منها أن تضع حدا للألم وتستسلم للموت، ولكنها اخذت تقفز بشكل اسرع واقوى حتى وصلت الى حافة البئر ومنها الى الخارج.

 عند ذلك سألها جمهور الضفادع: أتراكِ لم تكوني تسمعين صياحنا؟.

 شرحت لهم الضفدعة أنها مصابة بصمم جزئي، لذلك كانت تظن، وهي في اعماق البئر أن قومها يشجعونها على إنجاز المهمة الخطيرة طوال الوقت، فبقيت اكرر المحاولات الى ان انقذت نفسي من الموت.

 هذه القصة تعلمنا الكثير من الحقائق، فهي نموذج للتثبيط والايحاءات السيئة والسلبية التي نتعرض لها بمجرد ان نرسم احلامنا ونسعى لتحقيقها، ولذلك ينبغي ان لا نتأثر بها ابدا، لانها تقودنا الى الفشل، شريطة ان نمتلك الارادة الصادقة والعزيمة الجادة، انهم لصوص النجاح الذين يسعون دائما الى سرقة نجاحاتنا.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر فان القصة تعلمنا حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان قوة الحياة والموت، اي النجاح والفشل، تكمن في كلمة ينطق بها اللسان، فكلمة تشجيع لمن هو في الاسفل قد ترفعه الى اعلى، وتجعله يحقق ما يصبو اليه، كذلك، فان كلمة مثبطة ومحبطة لمن هو في الاسفل، قد تقتله، ولذلك علينا ان ننتبه لما نقول، وفي الحكمة {قل خيرا او فاسكت} فاذا لم ننو النطق بكلمة تساعد الاخر على النجاح، فلنصمت ولا ننطق بكلمة تاخذه الى هاوية الفشل.

 اخيرا، فان القصة تعلمنا حكمة في غاية الاهمية تقول، ان بامكانك ان تنجز ما هيأت له عقلك واعددت له نفسك لفعله، فقط لا تدع الاخرين يجعلونك تعتقد بانك غير قادر على فعل ذلك او انك لا تستطيع تحقيق النجاح الذي رسمته لمهمتك.

 ثامنا: الامل الذي يعتبر اهم عناصر التشجيع على تحقيق الانجاز والنجاح، فالانسان الذي لا يمتلك الامل لا يتقدم نحو النجاح، لانه لا يمتلك الغد فكيف يبادر اليه بنجاح او انجاز؟.

 لعل من اعظم اهداف الرسالات السماوية هي انها تزرع الامل في نفوس الناس، الامل في رحمة الله تعالى، والامل في عفوه والامل في مرضاته، فلولا هذا الامل لما سعى امرؤ الى مغفرة قط، ولما سعى احد الى عمل خير بلا اجر او ثمن، ولولا الامل لما مد احد يد المساعدة لاحد، وبالتالي لما وجد مبدا التكافل الاجتماعي في اي مجتمع من المجتمعات.

 يقول امير المؤمنين عليه السلام عن الامل {الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله}.

 ان زراعة الامل في نفوسنا، وفي نفوس اولادنا الصغار يعد مهمة عظيمة جدا يجب ان لا نغفل عنها لحظة، لان البديل سيكون الياس الذي يهزمنا فلا يدعنا ننجز شيئا او ننجح في عمل.

 تاسعا: الهمة العالية، التي تترفع عن التوافه لتصل الى النجاح، والى هذا المعنى اشار الشاعر:

 على قدر اهم العزم تأتي العزائم***وتأتي على قد الكرام المكارم

 ان الرجل بهمته، فكلما كانت همته اكبر كلما تطلع الى الاعلى، والعكس هو الصحيح، فكلما كانت همته صغيرة جدا او عديم الهمة، فانه يظل ابد الدهر يعيش بين الحفر من دون ان يفكر ولو لمرة واحدة بتسلق قمم الجبال الشاهقات.

 يقول رسول الله (ص) {يطير المرء بهمته كما يطير الطير بجناحيه}.

 ويقول امير المؤمنين عليه السلام {قدر الرجل على قدر همته، وصدقه على قدر مروءته، وشجاعته على قدر انفته، وعفته على قدر غيرته}، ويقول عليه السلام {العجز آفة، والصبر شجاعة، والزهد ثروة، والورع جنة، ونعم القرين الرضا} ومن الواضح فان العجز ضد الهمة.

 وتبدو همة الانسان من انشغالاته، فاذا كان مشتغلا في حياته بالتوافه من الامور وبالقيل والقال وبالحديث الذي ليس له معنى او فائدة، يرتاد مجالس البطالين، منشغلا بالغيبة والنميمة وبالتخاصم مع هذا ولوم ذاك وعتاب الاخر، هذا يعني انه قليل الهمة او لا همة له، اما اذا رأيت الرجل منشغلا بعظائم الامور فتأكد بانه ذا همة عالية، ولذلك فهو اقرب الى النجاح من صاحبه.

 عاشرا: التنظيم والتخطيط، فبهما يكسب المرء الوقت ويوظف ادوات النجاح بشكل سليم، اما العشوائية وانعدام التخطيط فيخسر المرء بسببهما الكثير من الجهد، ولقد اعجبتني مرة رسالة بهذا الصدد تشبه العشوائيين بمن يركب القطار وهو يسير، تقول الرسالة:

 أن تركب القطار وهو يتحرك، يعني أنك قد فشلت في تنظيم وقتك، وأنك تركض في الوقت الضائع.

 جل العظماء ينظمون أوقاتهم، ويتعاملون بحزم مع مضيعات الوقت، وتوافه الحياة المزعجة.

 إن التسويف يشيع الفوضى في حياة المرء منا ويجعلنا دائما سريعي الحركة في غير إنجاز، كما يجعلنا أكثر توترا، واكثر انشغالا، ولكن، في نفس الوقت، اقل عطاءا وانتاجا، تماما كإمرء يجري ليلحق بالقطار بعدما تحرك، فقد تسقط منه حقيبة، أو يتعثر على الرصيف وربما فاته القطار بعدما أنهكه التعب والإرهاق،

والفرق بين صاحبنا المتأخر، وآخر ركب القطار في موعده وجلس في هدوء يقرأ في الجريدة وهو يتناول مشروبه المفضل، يعود الى القليل من التنظيم للوقت، وما اكثر الاوقات التي تضيع منا، لفشلنا في ادارة حياتنا بالشكل السليم.

 ماذا يضير المرء منا لو اتخذ لنفسه جدولا يكتب فيه مهامه وأولوياته؟ ويرتب من خلاله أعماله والتزاماته؟.

 ماذا يفيد المرء منا حين يسوف، ويعمد إلى تأجيل أعماله لأوقات أخرى لا لشيء إلا للتسويف والتأجيل، بلا سبب أو داع.

 يتساءل بنيامين فرانكلين قائلا: هل تحب الحياة؟.

 إذا لا تضيع الوقت، فذلك الوقت هو ما صنعت منه الحياة.

 اخيرا، تذكرت، وانا اسرد هذه الرسالة، قولا لاحد العراقيين يصف فيه انشغالاته العبثية بقوله (ليس لي عمل، ولكن، ليس لي اي وقت كذلك) ترى كيف يمكن حل هذا اللغز يا ترى؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/آيار/2012 - 6/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م