لماذا يتعمد البعض في تدمير البيئة؟

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الجهل والطمع ثنائي خطير غالبا ما يدفع الانسان الى حافة الهاوية، إن لم يسقطه فيها لينتهي الى نتائج كارثية في الغالب، ومع أن البيئة متعددة الانواع والتسميات، إلا أن البيئة الطبيعية هي التي تتعرض للعبث والتدمير من لدن الانسان، بسبب تعامله الخاطئ مع موجودات البيئة بأنواعها، لاسيما في مجال التصنيع والحاجة الى المواد اولية وبناء المصانع العملاقة، من دون الأخذ بنظر الاعتبار العواقب الوخيمة التي ستتعرض لها البيئة الطبيعية.

البيئتان الثقافية والطبيعية

للثقافة بيئتها، كما للطبيعة، وكلا البيئتين ترتبان بوشائج كثيرة، لدرجة أن تحسن أحداهما مرتبط بالاخرى، فإذ صحّت البيئة الثقافية نشأ الانسان متعلما مثقفا واعيا، وهذا يقوده الى التعامل الصحيح مع البيئة، والعكس يصح بطبيعة الحال، في هذا المجال يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفقه: البيئة): (للبيئة الثقافية تأثيرٌ في تنشئة الولد، وقد ذكر علماء النفس تأثير الثقافة على الجنين، فكيف بالوليد؟ ونقصـد بالبيئة الثقافية المعرفـة والعقائد والعلـم والقانون والأخلاق والعُرف والعادة وما أشبه ذلك. بل ذكر جماعة من العلماء أن التفوّق العلمي والفكري هما من نتائج البيئة الثقافية).

ولكن يبقى تأثير البيئة واضحا وقويا على الانسان، حيث يتدخل في الامزجة والاخلاق وربما في الجسم ضخامة او ضمورا وما شابه، ناهيك عن طبيعة اللون وانسياب شعر الرأس، وهكذا تبدو البيئة الطبيعية ذات تأثير مادي مباشر على الانسان، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الصدد في كتابه المذكور نفسه: (للبيئة الطبيعية أثر كبير على حياة الإنسان، فمن كان يعيش بعيداً عن الشمس في طرف الشمال أو الجنوب ـ مثـلاً ـ حيث يبرد الهواء هناك ليصل إلـى ما يقارب الثلاثين تحت الصفر أو أكثر، نلاحظ أثر ذلك في أمزجتهم الباردة وأخلاقهم عادة، ونوعاً ما فـي أبدانهم. فعظمت أبدانهم وابيضت ألوانهم وانسدلت شعورهم. أما مَـن كان قريباً من خط معدّل النهار ومن خط الاستواء فإن أمزجتهـم تصبح حارة وبشرتهم مائلة إلى السواد، لكثرة تعرضهم لأشعة الشمس وربّما تغلظ شعورهم و مشاعرهم ليغلب عليها حدَّة الطبع في الجملة، وهناك أمثلة كثيرة على أثر البيئة الطبيعية على البشرية). ويضيف الامام الشيرازي، قائلا في السياق نفسه: (إن البيئة الثقافية والطبيعية مؤثرتان في كل شيء من الإنسان، كما أن البيئة المناخية لها تأثيرها الكبير في شخصية الإنسان وطبيعته التكوينية، فيسهم المناخ بدور كبير في قدرات الإنسان على الحركة والعمل).

فساد الحروب العالمية

وهكذا فإن الاضرار التي تلحق بالبيئة بسبب الانسان نفسه تتعدد وتأخذ مسارات كثيرة لا تنحصر في مجال محدد، حيث تظهر علامات الفساد في الطبيعة نفسها، وينعكس ذلك ايضا في الفساد المعنوي كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: إن (ظهور الفساد فـي البرَّ سواء فـي الجو أو الأرض وكذلك في البحر، شاهدناه فـي الحربين العالميتين، وكذلك فـي الحربين في الخليج. والفساد المذكور لا يشمـل الأمور الماديّة فقط كالماء والهواء والتربة وما يتبع ذلك بل يشمل الفساد المعنوي أيضاً نتيجة الطغيان والعصيان والظلم والانحراف).

ولهذا يصيب التلوث الجوانب المعنوية، كالاخلاق والعادات وما يتعلق بالجانب الروحي ايضا، فيما يصيب الجانب المادي ايضا، لأن التلوث كما يقول الامام الشيرازي (قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً). وهكذا تكون قلة الوعي وانحسار الثقافة وضمورها، مقابل تنامي الجهل وتصاعده، دافعا مهما لتدمير البيئة بأشكالها لاسيما الطبيعية منها، فيحدث التلوث البيئي المادي وسواه، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي: (التلوث المادي عبارة عن التلوث بأي شيء غريب عـن مكونات المادة الطبيعية سواء كان شيئين حسنين أو غير حسنين أو أحدهما حسن والآخر غير حسن. يُقال: لوّث الماء بالطين أي: كدّره، والتاث بالدم بمعنى تلطّخ به. أما التلوث المعنوي كما يقال: تلوث بفلان رجا منفعته أي: لاث به. وفلان به لوثة أي: جنون، وتلوّث في الدم: أي إنه قاتل. وفـي الاصطلاح الحديث يقال التلوث بمعنى إفساد مكونات البيئة من تحوّل العناصر المفيدة إلـى عناصر ضارة، سواء كان في الهواء أو في الماء أو في الشجر أو في الحيوان، والتلوّث بهذا المعنى هو صورة من صور الفساد والإفساد).

تدخل الانسان في البيئة

وحينما يجهل الانسان المخاطر التي تهدد حياته، لا يتردد في تدميرها كما يفعل مع البيئة الطبيعية، ولكن لم يكن هذا العبث وليد العصر الراهن، فالامر يعود الى اوائل عصر الثورة الصناعية، كما نطلع على ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (ومن التلوث: تدخُّل الإنسان في قوانين البيئة التي سنها الخالق عزّ وجل، وإخلاله بتوازن عناصرهـا ومكوناتهـا بحيث تكون حينئذ ضارة للإنسان أو الحيوان أو النبات أو ما أشبه ذلك. فقد كانت للثورة الصناعية التي قامت على أساس علماني آثار مدمّرة على البيئة، حيث دمرّت مقوَّمات الحياة في الهواء والماء والتربة والغذاء).

ولذلك تنامت مشكلة تدمير البيئة، بسبب جهل الافراد والجماعات وطمعهم، وتحولت من حالتها الأولية البسيطة الى حالة خطيرة تهدد العالم أجمع كما يذكر ذلك الامام الشيرازي قائلا: (إن تلوث البيئة وإن بدت في أول الأمر مشكلة إقليمية تعاني منها بعض الدول إلاّ أنها تحولت إلـى مشكلة عالميـة وعائق من عوائق الحضارة البشرية).

إذن فإن خطر تدمير البيئة وتلوثها لا ينحصر في الدولة التي يحدث فيها التلوث او التخريب، لأن العالم كله يعيش في حيّز واحد، تجمعه ارض وهواء ومياه وسماء واحدة، وهكذا يمكن أن ينتقل الضرر الى عموم العالم، كما يقول الامام الشيرازي في ذلك: (لا تمنع الرياح وأمواج المياه من السفر والتنقل عبر القارات حاملة معها أسباب التلوث فتصيب البلدان التي تمر بهـا كمـا لا يمنع الطيور التي تحمل الملوثات من الانتقال من منطقة لأخرى. وحتى السماء الخارجية ليست بمنأى عن خطر التلوث، فقد تصاعدت الغازات لتتفاعل مع طبقة الأوزون مسببة الثقوب السماوية التي تساعد على تسرّب الأشعة فوق البنفسجية التي تسبب اضطراباً في نمو الخلية سواء كانت الخلية الإنسانية أو الحيوانية أو النباتية).

لذا يتطلب الامر وعيا محليا وعالميا ايضا، للحد من عبث الانسان بالبيئة الطبيعة ويطور بيئته الثقافية بقدر الامكان، لتكون دافعا له للمحافظة على بيئة طبيعية جيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آيار/2012 - 29/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م