قطع سكنية للنواب الفقراء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مرة أخرى يُبدع البرلماني العراقي في فضيحة طازجة، بعد أن طوى صفحة السيارات المصفحة (بنجاح) يُحسَد عليه، هذه المرة تخرج علينا قريحة البرلمانيين بصرعة جديدة، وهي مطالبتهم بتخصيص قطع اراضي سكنية للبرلمانيين، نظرا لتدني رواتبهم ومخصصاتهم ورواتب حماياتهم، الامر الذي قد يجعلهم يعيشون تحت خط الفقر، كما هو الحال مع النسبة التي ذكرتها وزارة التخطيط العراقية قبل أسابيع والبالغة (23%) من الشعب العراقي.

وقد يقول قائل ليس جميع النواب يتفقون على هذا المطلب، وجوابنا سيكون، النسبة الغالبة منهم، وهذا يؤكد وجود السمة البرلمانية الجماعية لهذا الطلب، ثم قد يقول قائل إن نائب البرلمان مواطن عراقي ومن حقه الحصول على قطعة ارض سكنية من دولته، وهو أمر صحيح لا نختلف معه، لكنه يثير التساؤلات التالية، هل النواب العراقيين لا يملكون بيوتا أو (قصورا) للسكن؟؟ وهل رواتبهم متدنية فعلا، وهل يعيش قسم منهم في الاراضي المحوسَمة (التجاوز)؟ إذا كانت الاجابة نعم بالدلائل القاطعة، فإن الشعب العراقي سيكون أول من يعطي إمضاءه على منحهم هذه الاراضي، ولكن اذا كانت ملايين الدولارات تلعب بين يديّ النائب، ويسكن الفلل المكيّفة، ويملك اكثر من قطعة أو بيت، هل يحق له أن يطالب دولته العراقية بقطعة أرض، لاسيما أن آلاف العوائل في معظم مدن العراق تسكن في بيوت من صفيح او من طين او من طابوق تالف، ربما يسقط على رؤوسهم في أية لحظة؟!.

إنها لقسمة ضيزى أيها السادة النواب، وقد يجدي نفعا معكم، أن نذكركم بالمبدأ الاقتصادي العظيم للامام علي عليه السلام والقائم على توزيع أموال الناس في بيت المال بالتساوي بين مواطنيه، وحين جاءت قريبة الامام وخادمتها، حصلتا على المبلغ نفسه، فاحتجّت قريبة الامام لديه قائلة باستغراب: أتساوى بيني وبين خادمتي؟؟. لكن امر المساواة كان حاسما، وليس هناك فرق بين غني وفقير، أو قوي وضعيف، أو نائب ومواطن عادي، وربما تفيد السادة النواب، قصة أخت الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله الذي مات وهو مدين بمبلغ عدة دنانير لمديرية البرق والهاتف، ولا يملك بيتا، فحين جاءت له أخته وهو يُعدّ أعلى رجل في السلطة، وطلبت منه قطعة أرض او بيتا سكنيا، فردّها على أعقابها قائلا لها، عندما تتحول جميع صرائف الفقراء الى بيوت سكنية لائقة، عند ذاك ستحصلين على حقك السكني كغيرك من المواطنين.

هذه الامثلة باتت بالنسبة للبرلمانيين الاغنياء، لاتعدو كونها كلمات مثالية، يطيب بها السمع ويتغنى بها القلب، ويرددها اللسان بتباهي وعرفان كأي شيء كمالي او جمالي لتزيين الذات من الخارج، أما الجوهر فبات خرابا في خراب، لأن هذه الجمل والقصص والمفردات لم تعد تنفع مع الواقع العراقي او ربما العالمي، حيث تُسحَق القيم والشهامة والرحمة تحت أقدام الاغنياء الاقوياء ومنهم بطبيعة الحال، نواب البرلمان، وهم ممثلو شعبنا الذين تحيط بهم قائمة كبيرة من الاخطاء، والفشل الذريع الذي يتمثل بتذويب البطاقة التموينية وترشق سلة الغذاء، وتسرّب آلاف الاطفال والمراهقين خارج المدارس، وانحراف آلاف الشباب، ومعاناة مئات الآلاف من المطلقات والارامل، وتدنّي رواتب المتقاعدين وغيرهم، ناهيك عن ضعف القدرة الشرائية لمتوسط الدخل للفرد العراقي، أما اذا تحدثنا عن الفشل في مكافحة الفساد وسرقة المال العام، وتشريع القوانين المهمة التي تهم مصلحة المواطن وحياته، فحدّث ولا حرج، وبعد هذا كله وسواه من العيوب تتفتق قريحة النائب العراقي بفضيحة من العيار الثقيل، ألا وهي فضيحة المطالبة بأراض سكنية، اسوة بالوزراء!! ويا لها من أسوة...

ختاما نقول،، يكفي فضائح أيها النواب، فالملايين التي تحصلون عليها آنيا وبعد (التقاعد) يمكنها أن تخفف من شراهتكم، وتهدّئ من روعكم ونفوسكم، فأنتم في جميع الاحوال ستذهبون الى الله بأجسادكم فقط، فرادى، لا مال ولا بنون، ولا كنوز، ولا بيوت، ولا أرصدة، ولا سيارات مدرعة او عادية، وقد يظهر الآن أحدهم ليقول ها أننا عدنا الى لغة المثاليات،، وسنقول له ولمن هو على شاكلته، نعم هذه اللغة هي التي ستسود آخرا، وكلنا الى غد أفضل ناطرون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/آيار/2012 - 28/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م