الهويات الأصولية في زمن التصادم

أ.د. علي أسعد وطفة

ملخص المقالة:

تباشر هذه الدراسة العلاقة القائمة بين العولمة والهويات الأصولية والدولة الوطنية القومية، وهي نهدف عبر نسق من المعطيات والأفكار والرؤى إلى بناء تصور موضوعي عن طبيعة هذه العلاقة واكتشاف أنساق التفاعل والصراع بين العولمة والهويات الأصولية والدولة، حيث ينطلق التساؤل عن الديناميات المشكلة للحركات الاجتماعية والتيارات السياسية التي تهدف إلى التغيير الاجتماعي وفق استراتيجيات مرسومة وغايات معلومة.

 

يشهد العالم المعاصر تغيرات عميقة شاملة في مختلف معالم الحياة الإنسانية، وتأخذ هذه التغيرات صورة ثورات علمية هائلة متعاقبة في مجال التكنولوجيا والبيولوجيا والأحياء والعلوم والفيزياء والفضاء، كما في مجالات الإنتاج والإدارة والشبكات والمعلوماتية، وهي تترافق بنمو كبير في حقل اقتصاديات المعرفة واقتصاد المعلومات وهذا كله يندرج اليوم كعناصر مؤثرة في مشهد عولمة قوية جارفة لا حدود لقدرتها على التقدم والتسارع في مختلف الاتجاهات.

لقد شكلت هذه التغيرات الهائلة في مجال التكنولوجيا والاقتصاد والمعلوماتية منطلقا جوهريا مولدا لإشكالية الهوية بما تنطوي عليه هذه الإشكالية من نزعة إلى توكيد الهويات الثقافية في مختلف تنوعات المجتمع الإنساني. فنحن اليوم محاصرون بنسق من الأفكار والتصورات الأيديولوجية التي تعلن بأن العالم قد أصبح في رهان العولمة التي ترسم نفسها في أدق تفاصيل الوجود الإنساني، وأن الثورة التكنولوجية قد حققت مآلها، وسيكون الجميع تحت مظلة ثقافة واحدة، وفي مؤسسة مدنية واحدة تضم كل سكان الأرض دون تمييز. ووفقا لهذه الأيديولوجية فإنه على جميع سكان الأرض أن يتكلموا لغة واحدة، وتلك هي نهاية الأمر، فالجميع يفهم الجميع، ويقع في مودة واحترام الآخر دون تمييز، فالناس في أغلبهم يشترون اليوم السلع نفسها، ويرتادون الأماكن نفسها، ويعيشون على إيقاع حياة ثقافية يومية متماثلة الخطى والأبعاد، في ظل مناخ من التجانس الثقافي والاجتماعي، وهذا كله قد يرمز إلى مؤشرات إيجابية ومزاعم خلاقة، حيث لن تكون هناك حرب بعد اليوم، ولن يقتتل الناس ويقتلون بعضهم البعض في ظل قيم المجتمع القديم مثل الدين والأمة والثقافة والعائلة وكل هذه القيم التي أكل عليها الزمان وشرب.، وفي النهاية فإن الجميع سيصبحون مواطنين صالحين ومستهلكين من الطراز الجيد في ظل عولمة مؤنسنة عادلة.

ولكن الواقع ينبئنا بأن ما يحدث يختلف تماما عما تصوره لنا أيديولوجية العولمة الحالمة. إن ما نراه في عالم الممارسة مختلف جدا عما تنبئنا به النظرية، فمنذ عشرين عاما يمكن ملاحظة التباين الهائل في مختلف مظاهر الحياة التي تعدنا بها العولمة وذلك فيما يتعلق بالنمو واتساع الشبكات وانتشار التكنولوجيا والرفاه الاجتماعي، وهذا الأمر يتجلى اليوم في ظهور متعاظم لظاهرة الهويات القومية والثقافية والعرقية والجنسية والعرقية. وقد شكلت مسألة الهوية منطلقا لظهور وتنامي الحركات الاجتماعية الأصولية والقومية التي استلهمت الهوية في صورة نضال وصراع محموم من أجل فرض كيانها وتأكيد مسلمات وجودها. وفي هذه المجتمعات التي كان يفترض بها أن تشكل مكانا لانتصار العقل والعقلانية والعلمانية والتكنولوجيا قد تحولت اليوم إلى مجتمعات تحتضن الصراع والتعصب والعنف والأصولية والكراهية.

هذه الوضعية التي تفيض بمعطيات التناقض وتخيّب كل الآمال يجب ألا تدهشنا أبدا، لأن المجتمعات الإنسانية كانت وما زالت معرضة لأن تكون حقلا لعمليات الصراع والعنف والتحدي والهيمنة والتعصب والقتل والتدمير والرفض والمقاومة، ويجب الإقرار أبدا بوجود قانون اجتماعي أثبت صرامته وحضوره عبر التاريخ وهو: أنه لا يمكن لهيمنة سياسية أو لنفوذ اجتماعي أو سياسي أن يتم في الفراغ دون مقاومة وصراع وتحد في الطرف الآخر في المكان الآخر من المعادلة التي يمكن أن نطلق عليها معادلة الصراع. فهناك دائما ما يمكن أن نطبق عليه علاقات القوة والسلطة، وهذه العلاقات تفرض حضورها حتى في عمق الهيمنة التي تأخذ طابعا مؤسساتيا، وإنه لمن المنطقي والطبيعي أيضا أن تعرف المجتمعات الإنسانية أنماطا وأشكالا متعددة للمقاومة ضد مختلف أشكال الهيمنة والسيادة والسيطرة. ومن الطبيعي أن تأخذ هذه المقاومة أشكالا وصورا متعددة حيث تتجلى في تجليات أيديولوجية مختلفة وفي ممارسات نضالية متنوعة تتجاوب مع طبيعة القوى تواجهها.

ومما لاشك فيه أن الاستئثار بالسلطة يشكل حقل الصراع ومحوره بين العولمة - بما تتميز به من قدرة على الانتشار والهيمنة والسيطرة - وبين الهوية بوصفها نضالا اجتماعيا ضد ذوبان الكيانات الثقافية والقومية والعرقية في مختلف المجتمعات الإنسانية. ومن الواضح أن الصراع يشمل قضايا متعددة تتعلق بمشروعية السلطة وأشكال الحكم والهيمنة. ومن المؤكد اليوم أن العالم يشهد تطورا جوهريا فيما يتعلق بطبيعة الدولة ومشروعية وجودها ولاسيما الدولة القومية([1]).

في مفهوم العولمة وخصائصها:

 يتكلم الجميع عن العولمة بوصفها أيديولوجيا، ولكنها في حقيقة أكثر من مجرد أيديولوجيا، إنها فعالية وكينونة وظاهرة اجتماعية كبرى يمكن تعريفها ببساطة بالقول " بأنها نظام دينامي شمولي تمتلك القدرة على التأثير ويمكنها أن تؤدي وظائفها بوصفها كيانا واحدا في الزمن الحقيقي في مختلف أنحاء المعمورة[2]. ويمكن تعريفها أيضا: بأنها كينونة وصيرورة إنسانية تتميز بالقدرة والقوة وهي تستمد طاقتها الحيوية من ثلاثة عناصر أساسية[3]:

يتمثل العنصر الأول لقوة العولمة في التقدم التكنولوجي حيث تقوم تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية اليوم بالسيطرة على العالم وتعمل على توجيه مساره، وهذا الأمر لم يكن مكننا في أي وقت مضى. وهنا يجب التمييز بين العالمية والعولمة فالعالمية وجدت وما زالت حاضرة في الحياة الإنسانية منذ خمسمائة سنة وعلى خلاف ذلك فإن العولمة ولدت حديثا في أتون الثورة التكنولوجية للاتصال والمعلوماتية.

أما العنصر الثاني المشكل لقوة العولمة فإنه يتمثل في القدرة على التنظيم وممارسة هذا التنظيم في مستوى المعمورة في الآن الواحد وفي مختلف التشكيلات المحلية للشبكات التنظيمية، وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الشبكات تنفصل عن رهانات الحدود السياسية والجغرافية الطبيعية حيث يمكنها أن تحقق التواصل المستمر في زمن واحد في مختلف أنحاء المعمورة وقطاعاتها الجغرافية.

ويتمثل العنصر الثالث للعولمة في القدرة المؤسساتية حيث تتشكل شبكة من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية القادرة على إدارة ذاتها عبر العالم بدقة وإحكام وفعالية، وهذا يعني جوهريا إلغاء القيود التنظيمية للدولة وتمكين المنطق الليبرالي وتحقيق الخصخصة في مختلف المجالات التي كانت حكرا للدولة.

ومع الأهمية الكبيرة والانتشار الواسع للعولمة فإنها لا تشمل حتى اليوم مختلف الفعاليات والنشاطات الاجتماعية، لقد بقي قطاع العمل والتوظيف حتى اليوم يرتبط بالأوضاع المحلية والإقليمية، ومع ذلك يمكن القول بأن هذا الوضع ما زال نسبيا وأن العولمة في طريقها لعولمة أغلب النشاطات الإنسانية بما فيها سوق العمل الذي ما زال في كثير من الدول يتمتع بحصانة محلية أو إقليمية. ويمكن اليوم الإشارة إلى قطاعات تمت عولمتها كليا تقريبا مثل الأسواق المالية والبورصات وأسعار العملات حيث يتم تنظيم هذه الأسواق وتوجيه فعالياتها بصورة وكونية. وهذا الأمر ينسحب اليوم على قوة العمل والتقانة والاتصالات والثورات المتلاحقة في مجال المعرفة والمعلوماتية[4].

ولكن المهم في هذا الجانب أن أغلب البلدان النامية ما تزال خارج دائرة هذه العولمة، ومن المفيد أن هذه البلدان تتعرض لتأثير هذه العولمة الشديد دون أن تكون جزءا منها. ويمكن القول في هذا السياق بأن العولمة تعتمد مبدأ الاحتواء والإقصاء في مسار فعالياتها، ويمكن ملاحظة هذه الفعالية في مناطق الجنوب والشمال أو الشرق والغرب. ومن البداهة اليوم القول بأن العولمة تمتلك القدرة على التنظيم والتأثير والامتداد بتأثير التكنولوجيا ولاسيما تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية.

تعريف العولمة:

العولمة في ابسط تعريفاتها وأكثرها إجرائية " سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع والأموال والأفكار بين مختلف الدول على نطاق الكرة الأرضية "([5]). وهي في الاتجاه السياسي والحقوقي تعني "عملية تحول تستهدف الانتقال من وضع الدولة بحدودها وقوانينها ونظمها وقراراتها إلى وضع جديد يتخطى بعض ذلك أو كله سعيا نحو تداخل وتفاعل ومشاركة تتجه إلى عالم متفاعل يتم فيه زوال كثير من هذه الحواجز أو في النهاية كلها فتتحول إلى عالم واحد"([6]). يرى السيد يسين في العولمة واقعا تاريخيا ومفهوما في الآن الواحد وتأسيسا على ذلك يعرفها بأنها " ليست مجرد مفهوم، وإنما هي عملية تاريخية ونتاج تراكم طويل في إطار النظام الرأسمالي "([7]). ويتجانس تعريف السيد يسين إلى حد كبير مع التعريف الذي يقدمه صادق جلال العظم الذي ينظر إلى العولمة بوصفها الحلقة الأعلى من حلقات تطور الرأسمالية وبأنها إعادة إنتاج النظام الرأسمالي على صورة عولمة إنتاجية يقول العظم في هذا الخصوص " العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي (...) إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى دائرة عالمية الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها(..) وهي بهذا المعنى رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره قد تمت". فالتعريفان يقدمان العولمة بوصفها ظاهرة تاريخية بالدرجة الأولى([8]).

وعلى خلاف السيد يسين وصادق جلال العظم يؤكد محمد عابد الجابري على الطابع الأيديولوجي للعولمة ويراها ظاهرة أيديولوجية تعكس إرادة الهيمنة على العالم. يقول الجابري في هذا الخصوص " ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور التلقائي للنظام الرأسمالي، بل إنها، أيضا وبالدرجة الأولى دعوة إلى تبني نموذج معين (...) إنها تعكس مظهرا أساسيا من مظاهر التطور الحضاري الذي يشهده عصرنا، بل هي أيضا إيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة، عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته "([9]). ويجد هذا البعد الأيديولوجي للعولمة تأكيدا له في تعريف عبد الإله بلقزيز الذي يرى في العولمة "فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، إنها رديف الاختراق الذي يجري بالعنف – المسلح بالتقانة – فيهدر سيادة الثقافة في سائر المجتمعات التي تبلغها عملية العولمة " ([10]). وتبلغ هذه الرؤية مداها فيما يعلنه طيب تيزيني الذي يصف العولمة " بأنها نظام اقتصادي سياسي اجتماعي وثقافي يسعى إلى ابتلاع الأشياء والبشر في سبيل تمثلهم وهضمهم وإخراجهم سلعا"([11]).

 ويعرفها برهان غليون مركزا على أهمية الجانب السياسي والتكنولوجي بقوله أنها "ديناميكية جديدة تبرز داخل دائرة العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية للحضارة (…) يتزايد فيها دور العامل الخارجي في تحديد مصير الأطراف الوطنية المكونة لهذه الدائرة المندمجة وبالتالي لهوامشها أيضا"([12]). وأخيرا يعرف زكي الميلاد العولمة بأنها " محاولة لتشكيل رؤية جديدة ومختلفة نحو العالم، والنظر له ككل واحد وجعله إطارا ممكنا للتفكير مع وجود آليات وتقنيات لها قدرة التعامل مع حقائقه ومعطياته وعناصره، كما أن العولمة جاءت لكي تفتح موجة من التغيرات تشمل العالم برمته وتجعله مفتوحا على بعضه ومتداخلا بين أطرافه، ومتقاربا بين أجزائه" ([13]).

ويمكن القول بناء على أغلب التعريفات المقدمة بأن العولمة تمثل قوة اقتصادية ثقافية أيديولوجية تعمل على هصر العالم وتوحيد أنماط الوجود والاستهلاك عبر هدم الحواجز والحدود بين الدول والثقافات والجماعات الإنسانية، إنها قوة كونية تفرض نمطا من التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يدمر كل معوقات انتشاره وهيمنته.

في مفهوم الهوية:

ما بين العولمة والهوية كرّ وفرّ، فالعولمة تضعف الهويات القومية وتدمرها وتحيي الهويات الصغرى لتفنيها، إنها تعمل وفقا لدينامية هدم الحواجز والحدود بين الثقافات والأمم في اتجاه تعزيز مجتمع إنساني مختلف تسوده أنماط فعالة من الاستهلاك والصيرورات الاقتصادية والاجتماعية في مرحلة متقدمة جدا من مراحل الرأسمالية الليبرالية الجديدة.

والهويات الصغرى تنتعش بقوة لتعلن حضورها ورفضها الموت والاندثار، إنها تثور تتمرد تنبعث إلى الوجود من تحت الركام في محاولة منها لمواجهة المصير الذي ترسمه العولمة للهويات الممانعة المتمردة. فالهوية الثقافية والقومية تعيش في قلق وجودي رهانه العولمة بما تمتلك من قدرة على الفتك والهدم والتدمير لكل القوى التي تقاوم وترفض الهزيمة والاندثار.

ولكن عندما نتحدث عن ثورة الهوية يجب علينا على الأقل أن نعرف ماذا نعني بالهوية. فالهوية مفهوم يرمز إلى معنى الوجود ودلالته بالنسبة للفرد والجماعة. وبتحديد أكبر يمكن القول إن الهوية تشكل دينامية مشكلة للمعنى والدلالة وفقا لسمات ثقافية تأخذ مكان الأولوية إنها بعبارة واحدة مصدر أولي من مصادر الدلالة والمعنى. ومن المؤكد بأن الفرد والجماعة يمكنهما التجلي في نسق هويات متعددة، وهذا يعني أن الهوية تتميز بطابع التنوع والتعدد والتقاطع أحيانا، وهذا التعدد في الهويات يجعل من تعريف الهوية أمرا صعبا وشاقا وشائكا. لماذا؟ لأن الهوية تمثل أشياء حقيقية وجوهرية في حياة الفرد والجماعة، وهنا يجب علينا أن نميز ما بين الدور والهوية، إذ يمكن للمرء أن يكون حاكما محليا، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون مناضلا سياسيا، وكاتبا صحفيا... الخ، وهذه تشكل نسقا من الأدوار وليس هويات بالمعنى الدقيق للهوية.

ولكن كيف يمكننا هنا من تحديد الهوية المركزية أو الجوهرية؟ هذا الأمر في غاية التعقيد، وذلك لأنه لا يمكن لنا أن نخلع طابع الدور على الهوية. فالجوهري في ذلك أن الأدوار مرتهنة بالمؤسسات التي ينتسب إليها الفرد في المجتمع، فالمجتمع هو الذي يحدد الأدوار حيث يمكن للفرد أن يؤدي أدوارا متعددة. أما الهوية كما أشرنا فهي مصدر للدلالة وهي ينبوع المعنى الذي يرسم ماهية الفرد ومعانية في مستوى وجودي. وهنا وعلى خلاف الأدوار يتوجب على الفرد أن يحدد دلالة وجوده ومعنى كينونته. فالمعاني الخاصة بالتشكل بطريقة معقدة وطويلة المدى تبدأ مع بداية الحياة وعبر التنشئة الاجتماعية بدءا من الطفولة واستمرارا في دورات الحياة المتعاقبة.

ولكن والسؤال هنا يجب أن يطرح، حيث تحدثنا عن المعنى دون أن نقول ما المعنى أو ما الدلالة كرديف للمعنى؟ فالمعنى برأينا هو عملية تماهي رمزية يقوم بها فاعل اجتماعي، وهي تتصل غالبا بنشاطه الإنساني، ويمكن التعبير عن ذلك بالتساؤل حول فعل أقوم به حيث يقول الفرد لنفسه: أفعل هذا لماذا؟ ما العوامل والمسببات التي تجعلني أقوم بهذا العمل أو بغيره من الأشياء؟ هل لهذا العمل معنى؟ والإجابة قد تكون صعبة ومعقدة عن تساؤلات تتعلق بالمعنى والجوهر والدلالة.

فالهوية في جوهرها تتشكل عبر صيرورات تاريخية واجتماعية وفعاليات إنسانية متنوعة وهي لا تهبط علينا من السماء. وإذا كانت الهوية تنجز وتتشكل فالسؤال الذي يمكن طرحه هو: كيف تشكلت الهوية أو كيف تتشكل الهوية وما عوامل صيرورتها وتشكلها؟

إنه لمن البساطة بمكان الحديث اليوم عن هويات تشكلت بصورة عفوية بطريقة ما، وهي هويات تتميز بالقوة والتماسك لأنها ببساطة ضربت جذورها النفسية في تربة الوجود واستمدت دلالتها وأصبحت راسخة وجوهرية في المستوى السيكولوجي للفرد أو الجماعة. فهناك عدد كبير من الهويات التي تشكلت وفقا لمعايير التاريخ والجغرافية والخبرة. فهناك مادة مشكلة للهوية. فعندما أتحدث عن الهوية الفلسطينية على سبيل المثال فهذا يعني أن هذه الهوية

تمتلك تاريخا مفعما بالنضال والمقاومة وأن هذه الهوية تمتلك لغتها وتقاليدها وثقافتها وحضورها. وما نريد قوله هنا بأن الهوية تتشكل من مادة تاريخية أو ثقافية وفي هذه المادة نجد جوهر الهوية ومعناها ودلالتها. وهذا يعني أيضا أن الهويات ليست متماثلة أبدا بل هي كيانات معقدة مرهونة بكينونتها المادية وصيروراتها المشكلة ومعانيها ودلالاتها الثقافية والنفسية. وإذا كانت الأمور معقدة فلما لا نحاول تفكيكها وتبسيطها؟ فالهويات الجمعية – على خلاف الهويات الفردية -يمكن تصنيفها في ثلاثة مستويات ونماذج متداخلة ومترابطة:

يتمثل النموذج الأول في نموذج الهوية المشروعة وهي الهوية التي ترتكز إلى المؤسسات الاجتماعية التي تأخذ طابعا شرعيا ومشروعا في وعي الأفراد مثل الهوية القومية والهويات السياسية والعرقية والثقافية. ويتمثل النموذج الثاني فيما يسمى بالهوية المقاومة، فالأفراد الذين ينتسبون إلى هذه الهوية يوجدون في وضعية الخضوع لقوى سياسية أو اجتماعية تأخذ طابع الهيمنة، وهي في هذا السياق تتعرض لضغوط وإكراهات سياسية واجتماعية من قبل المؤسسات المهيمنة. وبعبارة أخرى ومن أجل فهم طبيعة هذه الهوية فالأكراد قد يتحدثون لغتهم أحيانا وقد لا يتحدثون ذلك وفقا للظروف والوضعية، وهذه الوضعية تعبر عن هوية تتعرض للإكراه ولكنها في كل الأحوال تقاوم كل أشكال القمع والقهر والضغط ـ وهذا النموذج موجود في مختلف فالبلدان التي توجد فيها أقليات عرقية أو دينية أو سياسية أو لغوية.

أما الشكل الثالث للهوية فيتمثل في الهوية المشروع أو الهوية البازعة، وهذا يعني الهويات الوليدة التي تطمح في تمارس وجودها وحضورها حيث لم تكن من قبل. ويمكن أن نضرب مثلا على ذلك فيما يسمى بالهويات الأصولية والهويات النقابية والهويات الحزبية الجديدة التي ترسم مشروعا يفرض وجودها ثقافيا وأيديولوجيا واجتماعيا. فالحركة النسائية على سبيل المثال تنطلق من مبدأ هوية المرأة بوصفها مقهورة ومحكومة ومضطهدة، ومن هذا المنطلق فإن هذه الحركة تأتي لتعبر عن أوضاع المرأة وتنادي بحريتها وتأكيد هويتها كيانا إنسانيا مكافئا للرجل في مختلف شؤون الحياة وفي مختلف الحقوق السياسية والاجتماعية.

ومن الطبيعي أن ترتبط هذه المشاريع الخاصة بالهوية المشروع وأن تتطور في نسق المؤسسات الاجتماعية القائمة. فالهوية المطروحة بوصفها مشروعا غالبا ما تنتظم في أحضان المجتمع المدني المعني بحماية أفراده في مواجهة ضغط الدولة وتسلطها. ويمكن القول في هذا السياق بأن المجتمع المدني يتمثل في تشكيل مؤسسات وجماعات وسيطة مختلفة ( نقابات، مؤسسات رعاية، جمعيات تعاونية، جماعات ثقافية، مؤسسات دينية ) حيث تقوم هذه الجماعات برعاية مصالح الفرد وحماية حقوقه. وهذه الجماعات المدنية الوسيطة يمكنها أن تشكل قوة تعتمدها الهويات البازغة التي تريد أن تفرض حضورها من خلال نضال الحركات الاجتماعية.

ومن المناسب هنا القول بأن الهويات المقاومة تأخذ أشكالا اجتماعية وسياسية متعددة من النضال والمقاومة. فالهويات الثقافية تعبير عن صيغة من نحن من نكون إزاء الآخر؟ وهذا يعني أن الهويات الثقافية دائما تتعلق بالآخر ولا يمكن تحديدها ورسم أبعادها إلا حين نجد الآخر أو الثقافات الأخرى والمجتمعات الأخرى، فالهوية الثقافية وفقا لهذه الصيغة تنتهي عندما يبدأ حضور الآخر، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نميز بين ما هو داخلي وخارجي: هناك "داخل" وهو المتمثل في الجماعة التي ننتمي إليها، وهناك "خارج" أي الجماعات التي تحيط بنا وتمثل تخوما لهويتنا ووجودنا. ومن ثم وهنا تكون المشكلة ففي الداخل أي في داخل الجماعة الثقافية يجري العمل على توكيد وتعزيز وبث وترسيخ قيم الهوية القيم المشتركة بين أفراد الجماعة وهذا يؤدي إلى طمس هوية الفرد وتغييب الفردانية التي هي عماد تطور الحضارة الإنسانية الحديثة. وهذا يعني أن الهوية تصبح طاغية وتفرض على الجميع حالة تذويب يتم عبرها إلغاء الهوية الفردية.

تعريف الهوية:

يتميز مفهوم الهوية بطبيعته الميتافيزيائية التي تدفعه خارج دائرة التحديد والتعريف. من هذا المنطلق يتجنب كثير من الباحثين استخدامه، ويتهيب بعضهم توظيفه، وهم إن وظفوه يتجنبون تعريفه. لقد أعلن كوتلوب فريج Gottlob Frege هذه الصعوبة حيث يقول: " بأن الهوية Identity مفهوم غير قابل للتعريف وذلك لأن كل تعريف هو بحد ذاته هوية ولذا لا يمكن تعريف الهوية([14]). ومع هذه الصعوبة المعلنة فإن هذا المفهوم يمتلك قابلية سحرية للظهور في مختلف المقولات وذلك لأن عموميته ودرجة تجريده عالية جدا وتفوق عمومية أغلب المفاهيم المقابلة والمعارضة له. وفي هذا الصدد يقول جون اوستان John Austin " بأن مفهوم الهوية من المفاهيم الكاشفة وهو بالتالي يقدم إمكانية واسعة لفهم العالم والأنا والآخر ومع ذلك فإن دلالة هذه المفهوم تبقى غامضة إلى حد كبير([15]).

وعلى الرغم من الطابع الإشكالي لمفهوم الهوية فإن استخدامه شائع جدا في مختلف ميادين العلوم الإنسانية. ففي بداية التسعينات بدأت مفهوم الهوية Identity يسجل حضوره المتزايد في الساحة العلمية على يد كل من: جيدن Giddene 1991، وكوندو Kondo 1990، ولاش وفريدمان Lash & Freedman 1991 مع الاحتفاظ بمضمون المفهوم الذي ينظر إلى الذات بوصفها كيانا متماسكا من النظام المعرفي والتاريخي والثقافي"([16]).

يعرف المفكر الفرنسي إليكس ميكشللي A.Mucchielli الهوية بأنها: منظومة متكاملة من المعطيات المادية والنفسية والمعنوية والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية والتي تنطوي على خاصة الإحساس بالهوية والشعور بها. فالهوية هي وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز والديمومة. والهوية تأسيسا على ذلك هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عما سواه ويشعر بتباينه ووحدته الذاتية ([17]). ويعرف بيير تاب Pierre Tap الهوية بأنها نظام من التصورات والمشاعر الذاتية حول الذات نفسها([18]). ويورد جان فريمون تعريفا للهوية قوامه " إن الهوية إحساس متماسـك بـالذات وهي تعتمد على قيم مستقرة وعلى قناعة بأن أعمال المـرء وقيمه ذات علاقة متناغمة فالهوية شعور بالكلية وبالاندماج وبمعرفة ما هو خطأ وما هو صـواب»([19]). وكما يتضح عبر المقاربات اللغوية فإن مفهوم الهوية يرتكز إلى مفهوم المطابقة: أي مطابقة الشيء لنفسه. ومع ذلك فإن هذه المطابقة يجب أن تكون نسبية إلى حد كبير تيمنا بقول ليبينز Leibniz " بأنه لا يوجد في هذا الكون شيئان متطابقان كليا، ولا يوجد حتى شيء يطابق نفسه كلية في لحظتين مختلفين لوجوده (استمرارية في الكائن)، ولا يمكننا أن نحصل سوى على تشابه وتجانس نسبي وبالتالي فإن الاستمرارية والتجانس شيئان نسبيان، وهو نتيجة لمقارنة بارعة، وهي تركيز حول شكل معين، نعيد الاختلاف في العمق إلى السطح والهامش. وهذا يذكرنا بمقولة هيرقليطس: بأن المرء لا يستطيع أن يستحم في ماء النهر الواحد مرتين لأن مياها جديدة تجري من حوله أبدا.

والهوية بالمفهوم البياجي تؤكد على أهمية الوحدة والثبات في نسقهما المتغير. فعندما تبدأ عملية الاحتفاظ Conservation فإن هذه العملية تبنى على أساس الهوية، إذ عندما يلاحظ الطفل ثبات الأشياء فإنه يبني على ذلك تصور استمراريته الذاتية الخاصة وذلك من خلال الملاحظات والفعاليات التي يمارسها([20]). فالهوية وجود وإحساس بالوجود ووعي للذات وشعور بالتمايز والخصوصية " ولا هوية من دون وجود وشعور بذلك الوجود، وهذا يقوم على وعي للذات ينطوي على إدراك لتمايزها عن الآخر ولخصوصيتها في آن معا([21]).

من أزمة الدولة إلى مأزق الهوية

 تأسيسا على ما تقدم من تنظير في مسألة الهوية وتشكيلاتها وتناقضاتها يمكن تطوير هذه التصورات من منطلق العلاقة بين هذه الهويات والدولة القومية. وفي هذا السياق يمكن القول بأن الدولة الوطنية - أو القومية في بعض الحالات- تعاني من أزمة مزدوجة: فالدولة الوطنية لا تختفي أو تزول في عصر العولمة فهي بصيغتها وصورتها الحالية وبوصفها جهازا فاعلا ما زالت بخير وما زال حضورها أساسيا ولاسيما من الناحية الوظيفية، ولكن حضور الدولة واستمرارها مرهون بقدرتها على تطوير بنيتها ووظائفها من أجل تجاوز الأزمات الحادة التي تواجهها: أزمة الفعالية، وأزمة المشروعية، أزمة التمثيل. فأزمة الفعالية مرتبطة عمليا بمسألة العولمة حيث تجري أغلب الأحداث السياسية في العالم اليوم على نحو دولي وهذا يعني أن الصيغة القومية للدولة لم تعد ممكنة، حيث يوجد هناك تناقض بين ما يجب على الدولة أن تقوم به والأدوات المتاحة والممكنة لهذا الأداء. وهذا يعني أن الدولة تواجه مشكلات وصعوبات كبيرة في عملية تكيّفها واستمرارها، وبعبارة أخرى لم تعد الدولة القومية تمتلك ذات الفعالية التي عرفت بها في مرحلة ما قبل العولمة.

فأزمة الشرعية للدولة ترتبط بأزمة التمثيل السياسي السائدة حيث تسود أنماط من التمثيل السياسي التي لا تتناسب مع ديناميات المؤسسات الاجتماعية، وعلى هذا الأساس تظهر أزمة الشرعية للدولة في كثير من دول العالم. حيث تشير الدراسات المعاصرة، ووفقا لمعطيات الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات البحثية المعنية، إلى أن هناك أكثر من ثلث سكان العالم الذي يعلنون بأن أنظمتهم السياسية لا تمثلهم ولا تعبر عن إرادتهم وأن حكوماتهم ليست ديمقراطية. وهذا نسبيا صحيح بالنسبة لدول أوروبا وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ولكن هذه النسبة ستكون برأينا كارثية في بلدان الجنوب أو بلدان العالم الثالث حيث لا توجد في الغالب حكومات ديمقراطية حقيقية. وهذا يعني أن الأنظمة السياسية في العالم تعيش أزمة سياسية عميقة وشاملة. فالبرلمانات والأحزاب السياسية والطبقة السياسية تمثل موضوعا لازدراء وكراهية غالبية المواطنين في أوروبا فكيف هو الحال في البلدان النامية حيث ترمز هذه الأنظمة بما تنطوي عليه إلى الظلم والاحتيال والفساد بصورة عامة.

وهنا أيضا يجب الإشارة إلى أزمة التمثيل السياسي. وهذا الأمر يتعلق اليوم بمسألة تعدد الهويات والثقافات والإثنيات فأغلب هذه الجماعات ترى بأنها عير ممثلة كما ينبغي في النظام السياسي القائم. وهذا يعني عطالة المبدأ الجامع للمواطنة في مجتمع متعدد الهويات والإثنيات وهذا بدورة يؤدي إلى الأزمات السياسية للدولة التي تبدو غير قادرة على تمثيل مختلف التنوعات الاجتماعية في السلطة.

وفي كل الأحوال فإن أغلب الأنظمة السياسية في مختلف الدول لا تقف دون حراك إزاء هذه الأزمة الثلاثية، بل تعمل على إصلاح مقومات وجودها وتجديد صيغ الحكم والممارسات السياسية. فعلى سبيل المثال بعض الدول القومية أعادت تنظيم نفسها على نحو فيدرالي، وهذا ما نشهده اليوم في الاتحاد الأوروبي الذي يمثل دولة فيدرالية من دول لم تختف بعد، فالسلطة في الاتحاد الأوروبي بقيت في متناول الدول القومية مع ذلك التي تجتمع كل ثلاثة أشهر في أعلى مستوى من التمثيل السياسي من أجل اتخاذ قرارات تتعلق بأوضاع الفيدرالية هذه عبر التداول والتشاور والتصويت. في مناطق أخرى من العالم ولاسيما في أمريكا الشمالية هناك صيغ جديدة أكثر مرونة للدولة.

وفي هذا السياق أيضا هناك جهود كبيرة تبذلها الدول القومية من أجل الانتقال إلى أنظمة لامركزية للسلطة من أجل تغطية مسألة تعدد الهويات والجماعات الفرعية في مجتمعاتها. لقد بدأت هذه النزعة اللامركزية في السلطة تمتد لتشمل عدد كبير من بلدان العالم منذ عشرة سنوات حيث يلاحظ في هذا التوجه التأكيد على استقلال نسبي للأقاليم وإيجاد أشكال من الحكومات المحلية فيها.

لقد تحولت أغلب الدول القومية اليوم إلى التفاعل مع نظام دولي عنكبوتي يتم عبره التداول والتشاور واتخاذ القرارات السياسية الهامة، حيث تقوم هذه الدول بإيجاد صيغ جديدة للتعاون والتكامل وتوحيد السياسات في اتجاهات محددة حتى في الأمور التي تخص أوضاعها الداخلية. وهناك اليوم من يفكر في حقيقة الأمر بإمكانية قيام حكومة عالمية، ولكن إيجاد مثل هذه الحكومة قد يواجه صعوبات كثيرة وذلك لأن أحدا ما لا يريدها باستثناء بعض المفكرين والمثقفين المتنورين. وهذا الرفض لمثل هذه التكوينات السياسية العالمية أمر لا يحظى في الغالب بقبول الناس ورضاهم.

وفي ظل هذه الظروف المفعمة بالأزمات السياسية تشهد المجتمعات الإنسانية ولادة تيارات اجتماعية كبرى كردة فعل على واقع الأزمات والتحولات السياسية والاجتماعية للعولمة بإشكالياتها وأزماتها وتعقيداتها. ومن الملفت للنظر اليوم أن هذه الحركات تكتسب طابعا عولميا فهي عالمية ومعولمة في الآن الواحد. فالحركات الأصولية ليست اليوم مجرد حركات محلية أو إقليمية بل تحولت إلى حركات عالمية مثل القاعدة التي تنتشر في عدد كبير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. ويضاف إلى ذلك ظهور الهويات بوصفها تنظيمات اجتماعية في مواجهة أزمة الدولة القومية، حيث تعمل في الظل والعلن على إعادة بناء التنظيمات السياسية للدولة بما يتناسب مع فرص حقيقية للمشاركة السياسية.

فصيغة الدول الشبكية التي أشرنا إليها أعلاه تمكن من إدارة أفضل للمشكلات والأزمات ولكنها في الوقت نفسه تزيد حدة التمثيل السياسي وذلك لأن آليات الضبط ليست مباشرة والعلاقة بين الفرد والدولة أصبحت علاقة تتوسطها حلقات بعيدة المدى.

فالحركات الاجتماعية التي يمكن وصفها بأنها حركات اجتماعية تهدف إلى التغيير الاجتماعي، ولاسيما القيم المؤسساتية في المجتمع. وهذا التغيير يمكن أن يأخذ اتجاهات متعددة ومختلفة وفقا لطبيعة هذه الحركات الاجتماعية. حيث يمكن التمييز بين حركات اجتماعية ذات توجهات إنسانية تسامحيه وديمقراطية وبين حركات اجتماعية هدامة أصولية أو إجرامية وفقا للمنظور القيمي والأخلاقي. ومع ذلك فإنه لمن الأفضل ومن الضروري أيضا عدم إطلاق أحكام قيمة أثناء التحليل الاجتماعي للظواهر الاجتماعية وذلك من أجل فهم هذه الظواهر واستيعاب دينامياتها.

الأصوليات الدينية: هويات متمردة

لم يكن حضور العولمة وانتشارها من غير مقاومة تجلت في ردود فعل ثقافية ودينية وعرقية بعيدة المدى متعددة الاتجاهات. فالمقاومة كانت حاضرة دائما في مواجهة العولمة حيث اتخذت أشكالا متنوعة أكثرها أهمية ظهور النزعات العرقية والدينية والقومية والسياسية التي تؤكد هويتها المهددة بالضياع. حيث تشهد العولمة مثل هذه المقاومة في مختلف البلدان وفي مختلف الثقافات والجماعات العرقية، ولسان حال المقاومين يقول: إننا هنا حاضرون نمتلك قوتنا ونريد أن نحظى بهويتنا ووجودنا المتفرد، فإما أن نكون فاعلين في هذا الزمن وإما سنكون مقاومين لعولمته معلنين مركزية وجودنا في هذا العالم الذي يحتضننا. فالقيم التي تحتضنها العولمة، وهذا مؤكد، ليست هي ذاتها التي توجه حياة هذه الكيانات ذات الهوية، فالعولمة تتناقض بقيمها وتوجهاتها مع القيم الثقافية للجماعات الإنسانية بمختلف تنوعاتها العرقية والدينية والثقافية. وبالتالي فإن هذا التناقض بين منظومات القيم يجعل هذه الجماعات تشعر بالتهديد فتعمل كردة فعل طبيعية على استنفار هوياتها الثقافية والدينية والعرقية حفاظا على الكينونة والوجود إزاء عولمة زاحفة تسحق كل من يقف أمام تقدمها[22].

وتحتل اليوم مسألة الأصوليات الدينية اليوم كما هو الحال في الأمس مكانا مركزيا في الخطاب السياسي والفكري المعاصر، ويشكل التطرف الديني لهذه الأصوليات المقاومة هاجسا إنسانيا يقض مضاجع الأمم والشعوب في مختلف أنحاء المعمورة. وقد شكلت مسألة الأصوليات الدينية الخط الساخن والمتوهج في نسق الأبحاث والدراسات الفكرية الاجتماعية والسياسية. وقد بلغت هذه الدراسات أوجها فيما يتعلق بدرجة التراكم وعنف التحليل. وفي كل الاتجاهات التي تناولت مسألة الأصوليات نجد نوعا من عنف الخطاب الموجه إلى هذه الأصوليات حيث يقوم بعض المفكرين بصب اللعنة الأبدية على كل المظاهر الأصولية المتطرفة بينما نجد هناك بالمقابل من يبررها ويمجدها انطلاقا من القول بدورها في الانتفاضة ضد الظلم والقهر والعدوان. وما بين اللعنة والتمجيد يفقد نجد أنفسنا في دوامة وحيرة تفرض علينا البحث عن أبعاد هذه الظاهرة بصورة موضوعية تخرجنا من دائرة الخوض الذاتي وتضعنا في من معادلة الرصانة والموضوعية، في تناول ظاهرة التطرف الديني والأصوليات الدينية.

في مفهوم الأصولية:

مما لا شك فيها أن المتأمل في المفاهيم الأصولية المستخدمة في التعبير عن أبعاد ظاهرة التطرف الديني والأصولي متعددة حيث نجد أنفسنا دائما أما ثلاثة مفاهيم أو مصطلحات رائجة الاستخدام في الخطاب السياسي والديني وهي: الأصولية الدينية Fondamentalisme والسلفية الدينية Intégrisme والتطرف الديني Extrémisme؟ ومما لا شك فيه أن هذه المفاهيم تتداخل وتتكامل جزئيا، وتتغاير دلالة كل منها وفقا لتوظيفاتها في مختلف الأنساق الدينية، كما تختلف باختلاف استخداماتها من قبل الباحثين والدارسين، وبصورة عامة يمكن القول بأن السلفية الدينية Intégrisme تعني تأصيل القيم الدينية التقليدية للدين، أي التركيز على نموذج ماضوي للدين وإحياء هذا النموذج عبر مختلف الطقوس والعبادات الدينية، والسلفيون هم أكثر من يواجه تحديات الحداثة التي تفرض نفسها على المعتقدات الدينية. ولذلك فإن أنصار هذا التيار اختاروا مرحله زاهية من مراحل تطور العقيدة الدنية وتم عليها بناء صورة المثال الديني والعقدي الذي يتمحورون حوله. وهذا يعني أن السلفيين يفضلون العقيدة في صورتها الماضوية الزاهية الأكثر اكتمالا ونضجا ويرون فيها إمكانية معالجة الأوضاع القائمة والمعاصرة للدين والعقيدة. لقد كانت هذه السلفية فكرة اليمين الكاثوليكي في الغرب ولكن هذا التوجه بدأ يزحف ويتحول إلى ممارسة دينية وفكرية لدى بعض الأديان الأخرى.

 وعلى خلاف ذلك فإن الأصولية Fondamentalisme كانت شأنا بروتستانتيا ركزت على أهمية العودة إلى الكتاب المقدس في صورته المدونة ( الإنجيل) وهي عودة تفترض تجديدا في التفسير اعتراضا على الشروحات والتفسيرات الخاطئة في ممارسات الكنيسة الكاثوليكية، وهذا الأمر يمكن ملاحظته لدى المسلمين فيما يتعلق بالقرآن الكريم. أما التطرف الديني فهو يعني استخدام العنف والإرهاب في سبيل فرض الأفكار والأوضاع الدينية للأصولية أو للسلفية، وهذا يعني أن التطرف هو منهج يرتكز إلى العنف في فرض الرأي والمعتقد وقد يكون هذا العنف في أكثر أشكاله دموية كما شهدنا خلال العقود الماضية Extrémisme. ومع إمكانية التمييز بين هذه المفاهيم فإن كل منها يستخدم عمليا مكان الأخر وفي كل منها دلالة على الشدة والعنف والتسلط في المعتقد ضد الآخر[23].

ومن الضرورة بمكان الإشارة بأن الأصولية الدينية ظاهرة عامة لا تخص دينا بعينه. لأن هذه الحركات الأصولية تعبر في جوهرها عن توجهات إيديولوجية ودينية سياسية بالدرجة الأولى وهي تتجلى في مختلف الأديان والعقائد الدينية الكبرى في العالم سواء في الديانات الإبراهيمية (المسيحية واليهودية والإسلام) أو في الديانات الشرقية )الهندوسية Hindouisme والسيخ Sikhisme والشنتوية Shintoïsme )،

لقد استخدمت كلمة الأصولية Fondamentalisme بداية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اقتبست من النصوص الإنجيلية المقدسة في طبعة صدرت ونشرت بين عامي 1910-1915. وتعني الأصولية الدينية في جوهرها عملية تماهي الجماعات والأفراد مع نسق من المعايير والقيم والتصورات التي تنبثق من القانون الإلهي. وبالتالي فإن هذه المعايير والقيم ترسم بعناية وتفسر من قبل سلطة خاصة وسيطة بين الله والإنسانية.

وهنا يمكن القول بأن الأصولية الدينية بصورة تنطلق من فكرة قوامها إعادة بناء الأمة أو المجتمع على النحو الذي كان عليه هذا المجتمع في عصر الهيمنة الدينية النموذجية أو في عصر ازدهاره العقدية الدينية ونهضتها.

صعود الأصوليات الدينية المتطرفة:

وعلى الرغم من تنامي اتجاهات الحداثة والعولمة فإن هذه الأصوليات لم تشهد تراجعا في مسار تقدمها. فعلى الرغم من الحركات الكبرى الدنيوية النشطة في مختلف أنحاء العالم في العقود الأخيرة فإنه لا يمكننا القول بأن الدين قد تراجع تحت تأثير الحداثة وما بعد الحداثة. فنحن اليوم نشهد عودة قوية للدين والهويات الدينية الأصولية في مختلف أنحاء العالم وهذا ما يطلق عليه جيل كيبل Gilles Kepel تسمية انتقام الله Revanche de Dieu، ففي العالم المعاصر تأخذ العلاقة بين الإنسان والمقدس مكان القلب والصدارة. فالتجربة الدينية تستجيب لمسألة انعدام الأمن وتلبي الحاجات النفسية عند الإنسان كما تسهم في تعميق مفهوم الهوية والدلالة والمعنى في حياة الإنسان. فالدين في نسق أوضاعنا المعاصرة يمثل صرخة احتجاج ضد الظلم والقهر وزهو في هذا المسار يجسد أمل الناس في العدالة والحرية والقيم السامية. ولذا فهو باق دائما وسيتجلى في أشكال وصيغ مختلفة تختلف باختلاف الأزمان والأماكن.

 ومهما يكن الأمر فإن الجماعات الأصولية تنزع في أغلبها إلى ممارسة العنف. والعنف هو السمة الغالبة والعلامة الفارقة لهذه الحركات الأصولية، وهنا بعض الاستثناءات المحدودة جدا، إذ يمكن الإشارة إلى الحركات البوذية التيبية السلمية التي غالبا ما ترفع شعار اللاعنف وذلك بتأثير العقيدة البوذية نفسها التي تشدد على رفض العنف. وهنا يجب أن نذكر أن الأديان في جوهرها ترفض العنف وتدفع إلى التسامح والسلام، ولكن التاريخ يعلمنا أن الممارسات الدينية غالبا ما كانت تتجه إلى العنف؛ لنأخذ المسيحية والتي تتمركز عقائديا إلى جانب السلام والمحبة والتسامح، فمع أهمية هذا التمركز العقائدي التسامي فإن التاريخ يعلمنا بأن البلدان المسيحية كانت مسرحا للحروب المقدسة والحروب الصليبية في العصور الوسطى وأن العصور الوسطى المسيحية كانت أشبه بالجحيم حيث بلغ العنف المسيحي مداه في هذه المرحلة. ويمكن لنا في هذا السياق أن نقول بأن بعض النظريات التحررية تبرر الثورة المسلحة والعنف. وكذلك الحال بالنسبة للعقائد الدينية فإنها كثيرا ما تعبر عن الأفضل والأسمى ولكنها في المقابل تدعو أحيانا إلى ممارسة العنف أو الجهاد والنضال وذلك من أجل الحرية ومن أجل السلام. ومن هذه الزاوية، تطور التيارات الأصولية نظريات متكاملة تبرر العنف بأقصى أشكاله دموية.

ويمكن تفسير عملية لجوء هذه الحركات إلى العنف بعوامل متعددة، فالجماعات الدينية التي تتعرض للاضطهاد يمكنها أن تلجأ إلى ممارسة العنف ضد العنف الذي تواجهه، وهذا ينطبق على الجماعات التي تتعرض للعنف والاستغلال والاضطهاد، وتلك التي يفرض عليها قيم ومعايير منافية لهويتها ووجودها. وقد ينفجر العنف عندما يتم الخلط بين الدين والسياسة. وفي كثير من الأحيان فإن الحروب الدينية غالبا ما تنطوي على غايات سياسية واقتصادية. والأصوليون غالبا ما يحملون مطرقة الدين من أجل الوصول إلى غاياتهم السياسية.

مبدأ الهويات الأصولية:

وهنا فيما يتعلق بالهوية فإن الهوية الأصولية الدينية تقوم على مبدئين تدميرين أساسيين: يتمثل الأمر الأول في تدمير الكيان الذاتي للفرد بوصفه مواطنا أو رجلا أو امرأة، بوصفه عضوا في جماعة عرقية أو أثنية، وذلك لكي يكون أحد رعايا الأمة معلنا خضوعه المطلق لله أو النبي أو أولي الأمر. ويتمثل الأمر الثاني في نفي مشروعية الدولة القومية أو أي نوع آخر من الأنظمة السياسية الحديثة ورفضها وبناء دولة دينية دولة الله في الأرض وهي نظام يهتدي بالعقيدة الدينية. وعلى هذا الأساس من التصورات الدينية والسياسية بزغت الحركات الأصولية في العالم في القرن التاسع عشر في كل أمريكا والبلدان العربية والشرق آسيوية. ولم تنشأ هذه الحركات الأصولية على صورة ثورة أو تمرد تقليدي أو على صورة رجعية، بل نشأت كردة فعل ضد الدولة الاستعمارية في البداية ثم ضد حكومات الظل الاستعمارية ثم لاحقا ضد الدولة القومية أو العلمانية. فظهور الحركات الأصولية لم يكن في جوهره دينيا بقدر ما كان ثورة سياسية ضد الأوضاع السياسية للبلدان التي ظهرت فيها. وبعبارة أخرى جسدت هذه الحركات الأصولية انتفاضة سياسية باسم الدين والمقدس من أجل مجتمع عادل يقوم على قيم الدين وعدله ضد الدولة العلمانية وقيمها المتناقضة مع القيم الدينية. ومن جديد نقول بأن هذه الحركات لم تكن مجرد نزعة تدعو للعودة إلى الأصول أو إلى حركة رجعية تدعو إلى الماضي الديني المستنير، بل كانت حركات سياسية حقيقية هدفت إلى إحداث التغيير في المؤسسات السياسية والاجتماعية وتغيير شكل الدولة على أساس الهوية المستقلة وهي هوية الانتماء إلى الدين والعقدية الدينية.

فالأصولية وفقا لهذا التصور ولدت تحت تأثير الأزمات السياسية والاجتماعية في مختلف البلدان، حيث أخفقت هذه الدول في تحقيق نهضتها الرأسمالية أو في تحويلها الاشتراكي مما أخفقت في تحقيق أحلامها الوردية القومية. وهنا يمكن وصف الحركات الأصولية بالحركات الاجتماعية الثقافية التي تهدف إلى توكيد الهوية الدينية وتأصيل حضورها سياسيا وثقافيا. وقد وجدت هذه الحركات الأصولية في جماهير المعوّزين والفقراء والمسحوقين اجتماعيا طلائع قوتها وانتشارها.

 لقد نشأت هذه الأصوليات كاستجابة ضد الممارسات الاستبدادية غير الديمقراطية للحكومات التي وجدت مساندة قوية من قبل الحكومات الغربية التي رفضت الاعتراف بهذه الحركات الأصولية ردحا من الزمن.

صراع الأصوليات

يمثل اليوم الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والأصولية الإسلامية المتطرفة يمثل نموذجا لهذا النوع من العنف والعنف المضاد. كما تشكل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط -ولاسيما المصادر النفطية -العامل الحاسم في هذا الصراع، حيث تقوم الولايات المتحدة باستخدام العنف الدموي ضد النزعات والحركات الأصولية المضادة لوجودها في المنطقة.

الأصوليات الإسلامية: هويات ضد الذوبان.

 ويشهد الشرق الإسلامي اليوم تناميا مستمرا للأصوليات الإسلامية والحركات الإسلامية الأصولية متعددة في بناها واستراتيجياتها ومواقفها من الدولة والعولمة والسياسة، فهناك الحركة الوهابية، والإخوان المسلمون، والسلفيون، والتيار الأصولي المقاوم الممثل في المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني وفي غزة التي تتبنى أهدافا نضالية تحررية لا يشوبها برأينا غبار في المستوى الإنساني مع التحفظ على أيديولوجياتها الاجتماعية والفكرية غير النضالية. ولكن حركة القاعدة تشكل اليوم نموذجا فريدا للهويات الأصولية المتطرفة في العالم الإسلامي حيث يمكن التركيز عليها في التحليل كنموذج سوسيولوجية للهويات الأصولية المقاومة للعولمة والدولة [24].

لقد ولدت القاعدة بوصفها حركة أصولية راديكالية واتسعت هيمنتها وسطوتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي إن لم يكن في مختلف أنحاء العالم. وهنا يجب القول بأن الحركات الاجتماعية لا يمكن أن تولد إلا في سياقها التاريخي الداخلي، وهنا يمكن القول بأن القاعدة قد نشأت نتاجا للتصادم الجيوبوليتيكي بين كتلتين أساسيتين بين المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي سابقا وبين المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. وللعلم فإن القاعدة ولدت في أفغانستان التي كانت ساحة الصراع أيام الحرب الباردة بين الشرق السوفييتي والغرب الأمريكي وقد يجهل كثير من الباحثين بأن القاعدة وجدت دعما ماديا ولوجستيا من قبل السعودية وباكستان والولايات المتحدة الأمريكية نفسها أيام الحر الباردة. وكانت المخابرات الأمريكية السرية CIA تقدم لهذه الحركة كل الدعم الممكن، ولكن في النهاية استطاعت القاعدة أن تتجاوز حدود الأهداف التي رسمت لها في البداية من قبل عرابيها وأن تتحول إلى قوة أصولية مستقلة ارتدت إلى صانعيها وأعلنت حربها المقدسة على وجودهم[25].

وما تتميز به القاعدة كحركة أصولية اعتمادها الكبير على العنف السياسي والاجتماعي في سبيل توكيد الهوية الدينية وحضورها المظفر. ويجب ألا ننسى أن ابن لادن زعيم هذه الحركة ومؤسسها قد قام بعملية إصلاحات واسعة في منشآت الأماكن المقدسة في المدينة وفي مكة وقد تلقى دعم الملك السعودي ومباركته آنذاك.

وما هو مهم هنا أن القاعدة لم تشغل حتى الآن بإعداد تصورات أو برامج للإصلاح الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية. وإذا كان الجهاد قد وظف أيديولوجيا تحت عنوان النضال باسم الإسلام فإن شعار القاعدة أيديولوجيا هو توظيف الإسلام باسم النضال والكفاح، وهناك تباين جوهري كبير بين الشعارين الأيديولوجيين. ووفقا لهذا التصور امتدت نشاطات القاعدة في مختلف أنحاء العالم وشكلت لها قواعد وخلايا فكرية وعسكرية بدءا من أفغانستان إلى مختلف أنحاء العالم وصولا إلى أوروبا وأمريكا. ومن الملاحظ في هذا الخصوص أن النخب التي انضمت إلى القاعدة تنتسب إلى عائلات معروفة وقد تلقت تعليما جيدا إن لم يكن متميزا، فهناك عدد كبير من المهندسين والأطباء والفنيين والمتخصصين في مجال العلوم الطبيعية. فالقاعدة لا تعبر وفقا لهذه الوضعية عن انتفاضة الفقراء والمنبوذين والمضطهدين بل هي تعبير عن انتفاضة ثقافية ضد الهامشية الثقافية والسياسية.

وهنا يجب علينا تشديد الانتباه إلى أن القاعدة اعتمدت مفهوم الشبكة واللامركزية في فعلها ونشاطها فهو تنظيم يستمد نسغ دينامياته على النحو الذي تنتشر به العولمة. وهي شبكة تأسست من الأدنى إلى الأعلى وهذا يعني أن الجماعات الإسلامية في العالم ارتبطت بالقاعدة وتحولت إلى تنظيم القاعدة بصورة قد تكون أحيانا عفوية دون أن تقوم القاعدة نفسها أي القيادة بتنظيم هؤلاء الذين ينتسبون إليها. وهنا تكمن خطورة هذا التنظيم وقدرته على الاستمرار، وهذا يعني أن القاعدة لا تبحث عن جمهورها بل هو الجمهور الذي يأتيها ساعيا أي إنها بالتعبير السياسي تشكيل عضوي ينطلق إلى الأعلى من الأدنى، فأنصار القاعدة ينتسبون إليها بطريقة الشبكة ثم يتمركزون لاحقا حول قيادتها. وهذا في النهاية يعني أن القاعدة شبكة واسعة على صورة حركة سياسية دينية تنظم حول فكرة وتمتلك أيديولوجيا مقنعة مستمدة بصورة ما من الفكر الديني الإسلامي وهي فكرة مقنعة بالنسبة لغالبية المسلمين وذلك عندما يتعلق الأمر بتحرير أرض الإسلام من دنس أمريكا وإسرائيل. وفي النهاية يمكن القول بأن تنظيم القاعدة شمولي كوني وهي تعتمد تكتيكيا عبقريا في صراعها مع الغرب ويتميز هذا التكتيك بثنائيته: فهم بداية يستخدمون الإرهاب في كل مكان وفي كل زمن ممكن من أجل تذكير الغرب بضرورة الخروج من أرض الإسلام، وهم في الوقت نفسه لا يفاوضون، وهدفهم التاكتيكي إثارة حالة من الرعب في موطن البلدان الغربية التي يمكن أن تغير الرأي العام في هذه البلدان لتطالب دولها بالخروج من أرض الإسلام بسلام طلبا لأمن هذه الشعوب واستقرارها. وفي الجانب الثاني فإنهم يريدون التأثير في الشعوب والجماهير الإسلامية عبر العالم وتوليد روح نضالية هائلة لديهم ضد الغرب، فأحداث الحادي عشر من سبتمبر تريد أن تقول للمسلمين أن عدوكم هذا الذي يعتقد أنه لا يقهر يمكن قهره وتدميره في عقر داره ويمكنكم الثورة والنضال من أجل دحره نهائيا.

وفي مجال السياسة الإعلامية يمكن القول بأن الأنترنيت هو أسطورة القاعدة، فهي توظف الإنترنيت بطريقة عبقرية مع أن الإنترنيت يشكل أحد مراكز المراقبة الأساسية لوكالات المخابرات العالمية، وكذلك هو حال القاعدة مع النقل الجوي فهم يمتلكون اليوم خبرات فائقة في ميادين التكنولوجية والمعلوماتية ويوظفونها بطريقة مدهشة ومثيرة في نسق فعالياتهم الأمنية والعسكرية. وهم عبر ذلك كله يريدون بناء مجتمع على أنقاض الحضارة القائمة.

الأصوليات المسيحية: هويات السيادة

وفي مواجهة الأصوليات الإسلامية تتعاظم الأصوليات المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية وتنامي نزعتها المعادية للمسلمين في العالم، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الأصولي الدموي بورن أكان Born Again[26] الذي جعل من الحرب الدموية ضد المسلمين حربا مقدسة.

لقد وجد عدد كبير من السياسيين في العالم في الدين قوة هائلة لتحقيق المصالح السياسية، ومن المفارقة بمكان أن أغلبهم لم يكونوا في البداية متدينين أو شخصيات دينية وهم ليسوا كذلك في جوهرهم، ولكنهم مع ذلك وظفوا الدين وقامت باستغلاله بشكل مثالي من أجل مصالح شخصية وسياسية. ومن هذه الشخصيات التي استخدمت الدين ووظفته لمصالح شخصية وسياسية يشار إلى صدام حسين وبن لادن وجورج بوش الابن. وقد نتج عن هذه الممارسة معركة كبرى بين الأصولية المسيحية اليمينية والأصولية الإسلامية المتطرفة. وقد قام كل من بوش وبن لادن بتغذية هذه الحرب الجنونية وإلهاب نارها. ويمكن القول في هذا السياق بأنهما كانا حليفين في الجوهر فيما يتعلق بأهدافهما السياسية والشخصية، حيث كان كل منهما ضروريا للآخر ولا يمكنه الاستغناء عنه في هذه المواجهة الدموية المجنونة. ويمكن تشبيه هذه العلاقة بين الشخصين بالعلاقة بين ستالين وهتلر كما العلاقة بين بيونيشيه Pinochet في تشيلي وبول بو Pol Pot في كمبوديا.

لقد شهدت الأصوليات الدينية المسيحية المتطرفة اليوم صعودا كبيرا ومهما في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنذ عهد بعيد، أي منذ عشرينات القرن الماضي، تمّ الإعداد لتحالف بين اليمن الديني المسيحي وبين الجمهوريين. ومنذ ذلك الوقت بدأت الجماعات الإنجيلية المحافظة تنتظم وتتطور في نسق هذا التوجه. وتأسيسا على ذلك تمّ بناء المؤسسات الدينية اليمنية كما شيدت إستراتيجية سياسية جديدة لممارسة الضغط على الحزب الجمهوري من أجل دفعه بقوة نحو اليمين في أكثر صوره محافظة وراديكالية. وقبل أن يحدث هذا الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك فصل واضح بين الدين والدولة. أما اليوم فإن اليمين الديني يعمل باستمرار على توحيد أواصر العلاقة بين الطرفين واستبعاد عملية الفصل بين الديني والسياسي بكل الوسائل الممكنة. وهذا يمثل حنينا إلى الماضي وإلى حياة سياسية تستند بالضرورة إلى تفسير إنجيلي وتصورات دينية، ووفقا لذلك فإن هذه الحركات تعمل على بناء تيوقراطية أصولية تستند إلى القيم الأخلاقية الأصولية الإنجيلية المتطرفة.

 ومن الواضح أن الجمهوريين قد مارسوا السلطة في بلادهم في أوقات مهمة، واستطاعوا السيطرة على البرلمان ومجلس الشيوخ. ومن الملاحظ أنه في الماضي كان التوازن السياسي أكثر اعتدالا. ووفقا لهذا فإن الانتخابات القادمة ستكون حاسمة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل يستطيع الديمقراطيون توحيد جهودهم؟ من سيخلف بوش؟ وهذا يعني أن مستقبل الولايات المتحدة يعتمد على هذا الأمر. فقد يحدث أن حركة ما قد تصل إلى ذروتها ثم تميل أوضاعها إلى الاعتدال والتوازن. وفي الأحول فإن صعود اليمين السياسي والديني ف أمريكا أمر يدعو إلى الخوف والحذر.

وباختصار يمكن القول بأن الأصولية الأمريكية قد تحولت إلى حركة قومية محافظة امتزجت فيها العناصر الأخلاقية والدينية والسياسية، وتحول الدين في أمريكا اليوم، وتحول الدين في أمريكا اليوم إلى بعد من أبعاد الحياة السياسية، ومع الأسف ارتبطت الجماعات الدينية الغربية المتطرفة بالحركة الصهيونية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد وصلت التيارات المسيحية الأصولية المتطرفة وصلت إلى الحكم في عدد من البلدان الغربية وخاصة في أمريكا، وتتأتى خطورة هذه التيارات من تقسيم العالم إلى قطبين متعارضين أبديا وهما قطب الشر وقطب الخير الذي ترى بأنها تمثله في حين تمثل الحركات الإسلامية قطب الشر.

إن هذه الحركات المتطرفة تعتمد النظرية الفكرية التي تتأسس على الثنائيات المتضادة على نحو لا ينتهي، وترفض التاريخ كحركة متعددة الأبعاد، وتحصر العقلانية الحضارية في المركز الغربي في حين تحشر الفضاءات اللاّغربية فى خانات اللاعقل.

خلاصة:

علينا الاعتراف اليوم بأن الدولة ما زالت قائمة وما زالت قوية أيضا في مواجهة هذه الحركات الأصولية المناهضة للدولة والعولمة في آن واحد بحثا عن الهوية أو طلبا للديمقراطية. والدولة تعود بقوة اليوم إلى ساح الصراع ضد هذه الحركات في مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من التعدد والتكامل والحضور المظفر للعولمة ما زالت هناك الدول السيادية القوية. وهذه الدولة السيادية تفرض نفسها اليوم بقوة في الصين والولايات المتحدة الأمريكية وفي روسيا وفي أوروبا بصورة عامة. وفي مواجهة هذا الدول القومية بدأت الحركات المضادة تطالب بتأكيد هوياته عبر الرفض والميل إلى العنف والتدمير، وهو عنف يواجه في الوقت نفسه بعنف الدولة وسلطانها. والدولة في هذا السياق تستفيد من هجوم هذه الحركات وتعمل على توظيفه في عملية إعادة بناء نفسها وتطوير أدواتها وأنساق فعالياتها بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة، ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى التطورات السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة في عهد بوش وهي سياسة الخوف والحرب الافتراضية كردة فعل على هجوم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر على مباني التجارة العالمية. وقد عملت الحكومة الإسبانية على تبني مثل هذه السياسة في مواجهة الحركات السياسية المتطرفة.

إن جزءا كبيرا من الحلول الممكنة تكمن اليوم في عملية الفصل بين السياسي والديني من أجل تجنب هذا العنف والإرهاب. إن تنظيم الديني بالسياسي يجب أن يكون فقط في الحالة التي يكون فيها الدين نزّاعا إلى العنف. وفي غير هذه الصورة فإن الفصل بين الديني والسياسي يجب أن يكون محكما ونهائيا. ومع ذلك فإن التقاطع بين الجانبين يتم بصورة لا يمكن تفاديها. ففي العصور القديمة مارس الدين وظائف سياسية اجتماعية حيث نجد ارتباطا عميقا بين الديني والاجتماعي والسياسي. وكما نعرف فإن التطور السياسي والاجتماعي في المجتمعات الحديثة فرض نوعا من الفصل بين السياسي والديني، حيث تمّ هذا الأمر بداية في المجتمعات الغربية في عصر النهضة والتنوير. ومع ذلك كله فإن التقاطع بين السياسة والدين يطل علينا بوجهه دائما، حيث نجد ترابطا كبيرا اليوم بين العقائد الدينية والجماعات القومية أو العرقية إذ غالبا ما يكون الزعيم الذي يوجه هذه الجماعات رجل دين في جوهره. وهذا هو حال ملكة بريطانيا التي تمثل حتى اليوم رأس الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا. ويمكن القول بأن الاتحاد بين الدين والسياسة هو ظاهرة يمينية بالدرجة الأولى، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى الجماعات الدينية اليسارية التي اتخذت مواقف سياسية لصالح السياسات العلمية والسلمية حيث دعمت بعض هذه الجماعات بروتوكول كيوتو Protocole de Kyoto كما هو معلوم.

فالدين له شأنه ودوره ومكانه في دائرة المجتمع المتدين. ولكن المشكلة ليست هنا بل تكون عندما تنادي جماعة دينية بأفكار وتوظف القوة في فرضها على الآخر. وإزاء هذا الأمر يجب على الدولة أن تتجنب دعم الجمعيات والمؤسسات الدينية أو الجماعات الدينية التي تنتصر لأحزاب سياسية محددة. فالسياسة والدين يتقاطعان ولكن كل منهما يجب أن يحافظ على استقلاله. ومع الأسف الشديد هذا الفصل لا يتم كما يجب وكثير من رجال الجدين أو رجال السياسة لا يميزون بين الديني والسياسي. وذلك هو حال الأصوليين البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والأصوليين الإسلاميين الراديكاليين من جهة أخرى.

ومما لا شك فيه أن الأصوليات الدينية تفرض على المجتمع الإنساني تحديات كبيرة راهنة ومستقبلية. وهذا يعني أن يجب علينا ألا نتسامح بداية مع الحركات التي توظف العنف باسم الدين. ومن أجل هذا لا بد من تنظيم العلاقة بين الديني والسياسي. ومن المهم جدا في هذا السياق تكريس مبدأ علمانية الدولة والفصل بين الكنيسة والسياسة، وهذا بدوره لا يتعارض مع الحرية الدينية بأي شكل من الأشكال. وهنا يجب احترام الأعياد الدينية ويجب أيضا أن نترك هامشا كبيرا للحريات الدينية الإسلامية. فالحظر على الممارسات الدينية يؤدي إلى نتائج سلبية جدا. وفي النهاية يجب تجنب الخلط ما بين الهويات العرقية واللغوية والسياسية من جهة والهويات الدينية من جهة أخرى. ومن الأفضل للجميع السمو بالنضال ضد القتل والعنف والتوحد كبشر وأخوة في الإنسانية خارج دوائر الدين والعقائد أيا كانت هويتها. ومن أجل ذلك كله من الضرورة بمكان إعلاء قيم التسامح واحترام الاختلاف بين البشر واحترام الآخر والأديان جميعا وضمان أفضل حوار ممكن بين الأديان ذاتها مهما كانت درجة الاختلاف والتباين في المبدأ والمعتقد.

 وفي مواجهة هذا المد المخيف لهذه الأصوليات يجب علينا في هذا المجال أن نعلي من شأن التربية على التسامح والقيم الإنسانية الخلاقة جميعها، وضمن هذا التوجه يتوجب علينا أن نؤكد تعليما نقديا لتاريخ الأديان، كما يجب تطوير التعليم الأنتروبولوجي وهذا الذي يتعلق بتطور المعرفة الإنسانية، علينا في حقيقة الأمر أن نؤصل تعليما يعتمد على علم الاجتماع والثقافة النقدية التي ترتبط به. وفي مضمار هذا التعليم والتثقيف يجب أن نجعل كل فرد في المجتمع يدرك طبيعة الأديان الحالية وتاريخ تطورها وطبيعة الدور الحضاري التسامحي الذي يجب أن تمارسه في طور الحياة الإنسانية في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية. ومثل هذه المعرفة ضرورية اليوم وأساسية في كل وقت ومرحلة لفهم الرهانات الكبرى للعالم المعاصر، واكتساب القدرة على الحياة المشتركة المسالمة في جماع توازن إنساني يتحقق بالمحبة والتسامح والسلام ونبذ العنف والكراهية بين البشر.

* جامعة الكويت

..........................................

1-السيد ولد أباه، اتجاهات العولمة: إشكاليات الألفية الجديدة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2001.

[2] - J. Habermas (l990). La technique et la science comme idéologie, Gallimard, Paris, 1990.

[3] - Manuel Castells, Globalisation et identité.: Les mouvements sociaux , Conférence donnée à l’École des mardi, le 30 mars 2004 février 2005.

[4] - M. Featherstone , Global Culture. Nationalism, Globalization and Modernity., Sage publications, London, 1991.

[5] - فتحي يكن، العولمة الحقيقة والأبعاد، مؤتمر كلية الشريعة الثامن، بعنوان ( ملامح استراتيجية المشروع الإسلامي في مطلع القرن القادم ) الكويت،20/4 نوفمبر 1999م.ص3.

[6] -يوسف عبد المعطي، عولمة إلى أين؟، مجلة التربية، الصادرة بوزارة التربية، العدد 34، السنة العاشرة، يوليو 2...م، دولة الكويت. ص64.

[7] السيد يسين، العولمة فرص ومخاطر، تحرير د.شبل بدران ميريت للنشر والمعلومات، الطبعة الأولى، القاهرة، 2000، ص 20.

[8] صادق جلال العظم، عولمة وثقافة، المجلة العربية للثقافة، عدد 39، سبتمبر / أيلول، 2000، صص 9-47، ص 21.

[9] -محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية، عشر اطروحات، فكر ونقد، العدد6، شباط /فبراير، 1998، صص5-18،ص8.

[10]- عبد الإله بلقزيز، العولمة والهوية الثقافية: عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة، ضمن ندوة " العرب والعولمة"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 18-20 كانون الأول / ديسمبر 1997.

[11] الطيب التيزيني، الواقع العربي والألفية الثالثة، ضمن: ندوة حوارات في الفكر، الواقع العربي وتحديات الألفية الثالثة، مراجعة وتدقيق ناصيف نصار، مؤسسة عبد الحميد شومان، العدد 3، عمان، 2001، صص 17-42، ص 21.

11 برهان غليون، العرب وتحديات العولمة الثقافية: مقدمات في عصر التشريد الروحي( محاضرة ألقيت في المجمع الثقافي)، أبو ظبي 10 نيسان/ إبريل 1997.

[13] زكي الميلاد، الفكر الإسلامي وقضايا العولمة، الكلمة، السنة 5، العدد 20، صيف 1998، صص 9-21،ص 9.

[14] - P. MALRIEU, Genèse des conduites d’identité, in P. Tap dir, Identité individuelle et personnalisation , Privat, Toulouse, 1980; Identité: des notions au concept, in La Pensée , no 226, 1982.

[15] - J. AUSTIN, Truth, in Philosophical Papers , Londres, 1961.

[16] بدر العمر: التربية وتجديد الذات الاجتماعية على أبواب القرن الحادي والعشرين، ضمن: الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الطفولة في مجتمع عربي متغير، الكتاب السنوي الثاني عشر، الكويت، 1996- 1997، (صص 230-254). ص 232.

[17] Alex Mucchielli, l’Identité, P. U. F. , Paris. 1993,

ترجم هذا الكتاب إلى العربية: أليكس ميكشللي: الهوية، ترجمة علي وطفة، دار معد، دمشق، 1993. ص 15، ص 129.

[18] Pierre Tap, socialisation et construction de l’Identité personnelle , in Hanna malewska- peyre et pierre Tap: La socialisation de l l’enfance a l’adolescence , P. U. F. , Paris 1991 pp. 49-75 p. 58

[19] جـان فريمون، تلاقـي الثقافـات والعلاقـات الدوليـة، الفكـر العربي المعاصر، مجلة العلوم الإنسانية، عدد،92 كـانون الثـاني، 1984، (صص 84-93)، ص91.

[20] J. Pieget: les relations entre Affectivités et l’ intelligence dans le développement mental de l’enfant, Paris,c. d. u. ,1992,P. 132.

[21]علي عقلة عرسان، الشخصية الثقافية العربية، الهوية والغزو، العدد الأول، السنة الأولى،1997، صص(51-66)،ص54.

[22] - R. Robertson, Globalization, social theory and global culture, , Sage publications, London, l992.

[23] - انظر: حيدر إبراهيم "على مفهوم الأصولية: التاريخ والمعنى"، المنشور مجلة "قضايا فكرية"، أكتوبر 1993،

[24] - انظر: هاشم صالح، معضلة الأصولية الإسلامية، دار الطليعة، بيروت، 2006.

[25] - انظر أيضا: أحمد لاشين، نشأة الأصولية الإسلامية: صراع الأنا والآخر، إيلاف، الأحد 20/سبتمبر، 2009.

نسخة إليكترونية:

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/9/485045.htm

[26] - أصولي مسيحي إنجيلي تبشيري متطرف راديكالي ضد الإسلام ويمثل حاليا 80 مليون منتحب من أنصاره في الولايات المتحدة الأمريكية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آيار/2012 - 27/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م