التغيرات المناخية تزيد من مزاج الارض حرارة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: مرت الكرة الارضية مؤخراً بسنوات عجاف تغير خلالها مناخ الطبيعية كثيراً بعد ان تحول الى المزاجية والتغيرات الجذرية بين ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر والجفاف والعواصف وغيره، ويعزو العلماء والباحثون اسباب هذه التقلبات المناخية الى العامل البشري ونشاطاته الصناعية وغيرها والتي ساهمت بشكل مباشر في التأثير بتوازن الطبيعية واختلال المناخ الارضي، وفي حين يسعى المهتمون بشأن الطبيعة ودراسة هذه التغيرات ومحاولة التقليل من تداعياتها الخطيرة على البشرية ما زال التجاهل والجور عليها هو السمة الغالبة لدى الاخرين في الايغال بحرمان الطبيعة من حقوقه، ان ارتفاع درجات الحرارة الى معدلات قياسية وغير مسبوقة جعلت من العقد الماضي مميزاً للغاية خصوصاً وان تأريخ البشرية لم يشهد هذا التغير في المناخ من قبل وما رافقته من سوء الاوضاع الطبيعية وتأثيرها السلبي على الكرة الارضية والاضرار المباشرة على سكانها والتي راح ضحيتها الالاف في مناطق مختلفة من العالم حتى باتت الكوارث الطبيعية من اشد الاخطار التي تهدد الانسانية وامنها بالزوال في حال استمر الحال على ما هو عليه من الاهمال والتعدي من قبل الدول والمنظمات والشركات الصناعية.

ارتفاع حرارة الارض

حيث ذكرت دراسة بدورية "الطبيعة التغير المناخي" مؤخراً ان الظواهر الجوية العنيفة خلال العقد الماضي زادت وكانت على الارجح نتيجة ارتفاع درجة حرارة الارض الناجم عن النشاط الانساني، واستعان علماء في معهد بوتسدام لابحاث المناخ والفيزياء بتحليلات احصائية ومحاكاة الكترونية للربط بين هطول امطار غزيرة وموجات حر من جانب وبين ارتفاع درجة حرارة الارض من جانب اخر، وكانت العلاقة بين ارتفاع الحرارة وبين العواصف اقل وضوح، وذكرت الدراسة "من المرجح جدا ان العديد من الموجات القاسية غير المسبوقة خلال العقد الماضي لم تكن لتحدث لولا ارتفاع درجة حرارة الارض بفعل النشاط البشري"، وكانت السنون العشر الماضية الاعلى على الارجح في درجات الحرارة على مستوى العالم منذ الف عام على الاقل، وكان العام الماضي العام الحادي عشر في قائمة الاعوام الاشد حرارة في التاريخ وفقا لما قالته منظمة الارصاد الجوية العالمية، وموجات الطقس الشديدة مدمرة في تأثيراتها وقد أثرت على كافة مناطق الارض تقريب، وتشمل هذه الموجات الفيضانات وفصول الصيف ذات الحرارة شديدة الارتفاع باوروبا والرقم القياسي للعواصف المدارية واعاصير المحيط الاطلسي عام 2005 واشد فصول الصيف حرارة في روسيا عام 2010 منذ 1500 وايضا اسوأ موجة فيضان تضرب باكستان على الاطلاق. بحسب رويترز.

وفي العام الماضي وحده شهدت الولايات المتحدة 14 ظاهرة مناخية تسببت في خسائر قدرت اثار الواحدة بأكثر من مليار دولار، وتقول الدراسة ان كثرة الموجات الشديدة ليس امرا طبيعي، وحتى خلال الفترة بين 13 و19 مارس حطمت الارقام القياسية لاعلى درجات حرارة مسجلة في اكثر من الف مكان بامريكا الشمالية، وبالنسبة لبعض انواع الظواهر المناخية العنيفة توجد اسباب فيزيائية تفسر سبب زيادتها في الفترة الحالية التي تشهد ارتفاع درجة حرارة الارض، وعلى سبيل المثال تقول الدراسة انه اذا ارتفع متوسط درجات الحرارة تزداد بدورها عدد موجات الحر، ويمكن ايضا للظوهر المناخية الاعتيادية مثل النينو وظاهرة "لا نينا" ان تسبب ارتفاعا في درجات الحرارة او تزيد الترسيب الذي يؤدي بدوره الى وقوع فيضانات، وشهدت الاعوام الاخيرة عددا كبيرا بشكل استثنائي في موجات الحرارة القياسية والمدمرة في عدة مناطق على الارض، وترى الدراسة ان الكثير من هذه الموجات ان لم تكن اغلبها لم تكن لتحدث لولا ارتفاع درجة حرارة الارض، وفي الفترة الراهنة تشهد الولايات المتحدة واستراليا نحو ضعف عدد ايام الحرارة المرتفعة المسجلة كما تضاعفت تقريبا مدة موجات الحرارة في الصيف باوروبا الغربية وزاد تكرار ايام حارة بواقع الثلاثة اضعاف تقريبا خلال الفترة من عام 1880 وحتى عام 2005، وتشهد مساحة 10 في المئة تقريبا من كل اليابسة فصول صيف شديدة الحرارة مقارنة بنحو 0.1 - 0.2 في المئة خلال الفترة بين 1951 و1980 وفقا لما تقوله الدراسة، واضافت الدراسة ان العلاقة بين العواصف والاعاصير من جهة وارتفاع درجة حرارة الارض ليست قاطعة لكنها اوضحت انه يمكن نسب بعض من احدث موجات الامطار الغزيرة الاخيرة لتأثيرات بشرية على المناخ.

الاختلال المناخي تهديد للأمن

في سياق متصل اعتبر كومي نايدو المدير التنفيذي لمنظمة "غرينبيس" خلال المداخلة الأولى لهذه المنظمة غير الحكومية الدولية في مؤتمر ميونيخ عن الأمن، أن الاختلال المناخي يشكل أكبر تهديد للأمن الدولي، وقال نايدو "لا أدري أي أسلحة ستستخدم خلال الحرب العالمية الثالثة لكنني أعلم أن الحرب الرابعة ستشن بالأحجار والعصي" مشيرا إلى أنه يتوقع ثورة يشنها الأكثر فقرا في حال لم تتخذ تدابير طارئة لتخفيض المخاطر المرتبطة بالكوارث البيئية، وأضاف كومي نايدو "نشهد نشوب عدة أزمات بالتزامن من الأزمة الغذائية والأزمة المناخية وأزمة الفقر، مرورا طبعا بالأزمة المالية والأزمة الديموغرافية وصولا إلى أزمة حوكمة ديموقراطية شاملة"، ودعا المدير التنفيذي للمنظمة البيئية الدبلوماسيين والمسؤولين عن شؤون الدفاع الملتئمين في ميونيخ إلى "التوقف عن زيادة النفقات العسكرية" واتخاذ قرارات مهمة بغية ايجاد حلول مستدامة لهذه الأزمات المختلفة، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يدعى فيها المدير التنفيذي لمنظمة "غرينبيس" إلى إلقاء خطاب خلال هذا المؤتمر السنوي بحضور مسؤولين من اكثر من 70 بلدا. بحسب فرانس برس.

العقد الأكثر حرارة في التاريخ

فيما اعتبر العقد الممتد من العام 2001 إلى العام 2011 "أكثر العقود حرارة في التاريخ وعلى مستوى القارات جميعها"، بحسب ما كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وقد سجل متوسط درجات الحرارة خلال هذا العقد 14،46 درجة مئوية، مقابل 14،25 درجة في العقد الممتد من العام 1991 إلى العام 2000 و 14،12 درجة في العقد الممتد من العام 1981 إلى العام 1990، وقد سجل متوسط درجات الحرارة هذا، على سطح الأرض، على اليابسة وفي البحر، وشرحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن "وتيرة التغير المناخي قد تسارعت خلال هذا العقد" مضيفة أن "وتيرة الاحترار باتت (ملحوظة) منذ العام 1971"، وأضافت، صحيح أن بعض الظواهر الجوية من قبيل لا نينيا قد "خفضت من حرارة المناخ بصورة مؤقتة خلال بعض السنوات"، غير أنها لم تتمكن من وضع حد "الاحترار السائد عموما"، وتعتبر المنظمة أن "التراجع الهائل والمستمر للجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية (أركتيك)" يشكل واحدة من أبرز خصائص تغير المناخ خلال السنوات العشر الأخيرة، وقد وردت هذه البيانات في تقرير نشرت منه مقتطفات أولية في وقت سابق، على أن تصدر النسخة الكاملة منه خلال العام 2012. بحسب فرانس برس.

وفي ما يخص الفترة الممتدة من العام 2001 إلى العام 2010، تعتبر سنة 2010 أكثر السنوات حرارة التي شهدها العالم منذ العام 1850 بداية جمع البيانات، وقد بلغ متوسط درجات الحرارة خلال هذه السنة 14،53 درجة مئوية يليه عن كثب المتوسط الذي سجل في العام 2005 وبلغ 14،51 درجة مئوية، وشهد هذا العقد أيضا ظواهر مناخية قصوى من قبيل الفيضانات وموجات الجفاف والأعاصير وموجات البرد والحر، وقد ضربت موجة حر لم يشهد لها مثيل أوروبا في العام 2003، في حين ضربت أخرى روسيا في العام 2010، وكانت لهما "تداعيات كارثية" إذ "قضى آلاف الأشخاص، كما اجتاحت الحرائق الغابات في المناطق المعنية"، إلى ذلك، ذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الفيضانات اجتاحت أوروبا الشرقية في العامين 2001 و 2005 وإفريقيا في العام 2008 وباكستان وأستراليا في العام 2010، وقد كشف 48 بلدا من أصل 102 بلد مشمول في الدراسة التي أجرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تحطيم الرقم القياسي لدرجات الحرارة خلال هذه الفترة، أما في ما يتعلق بالأعاصير، فقد سجلت أيضا رقما قياسيا في منطقة شمال الأطلسي، وقد أتت حصيلة ضحايا إعصار كاترينا قياسية في الولايات المتحدة في العام 2005، بعدما لقي 1800 شخص مصرعهم، وفي العام 2008، أودى إعصار نارجيس الاستوائي بحياة أكثر من 70 ألف شخص في ما اعتبر "أسوأ كارثة طبيعية تشهدها بورما والإعصار الإستوائي الأكثر فتكا خلال العقد برمته".

الحرارة المرتفعة تضر بمحاصيل القمح

من جهتها اوضحت دراسة امريكية ان الحر الشديد يمكن ان يتسبب في شيخوخة محاصيل القمح بصورة اسرع ويخفض الكمية المنتجة مما يؤكد التحدي الذي يواجه اطعام سكان العالم الذين يتزايدون بشكل سريع مع ارتفاع درجة حرارة العالم، وعرف العلماء والمزارعون منذ فترة طويلة ان ارتفاع درجة الحرارة يمكن ان يضر بالمحاصيل واوضحت دراسة ترأستها جامعة ستانفورد ونشرت يوم الاثنين كيف يحدث الضرر عن طريق تتبع معدلات شيخوخة القمح، ووجد العلماء في الدراسة التي نشرت في دورية طبيعة تغير المناخ انه اعتمادا على تاريخ وضع البذور فان خسائر الحبوب من الشيخوخة السريعة يمكن ان تصل الى 20 بالمئة، ودرس واضع الدراسة الرئيسي ديفيد لوبيل وزملاؤه تسع سنوات من قياسات نمو القمح شمالي الهند عن طريق القمر الصناعي وتتبع تأثير التعرض لدرجات حرارة اكثر من 34 درجة مئوية لقياس معدلات الشيخوخة، واكتشفوا تسارعا خطيرا للشيخوخة ادى الى خفض فترة امتلاء الحبوب، وتفرض بداية الشيخوخة حدا على الوقت الذي يستغرقه النبات لملء الحبوب الرئيسية، وقال لوبل لرويترز بالبريد الالكتروني "الجديد هنا هو الفهم الافضل لالية واحدة محددة لاسباب اضرار الحرارة بالمحاصيل"، وقال انه في الوقت الذي توضح فيه بعض التجارب شيخوخة متسارعة فوق 34 درجة مئوية فان دراسات قليلة نسبية هي التي درست درجات الحرارة بمثل هذا الارتفاع، واضاف "قررنا رؤية اذا ما كانت تأثيرات هذه الشيخوخة تحدث بالفعل في حقول مزارعين واذا ما كانت تحدث فهل هي كبيرة بدرجة كافية لاحداث ضرر، وفي كلتا الحالتين الاجابة نعم"، ويقول علماء المناخ ان حلقات الحرارة المرتفعة تصبح اكثر تكرارا واكثر انتشارا حول العالم وتمثل تغيرات ضخمة لانبات المحاصيل، والقمح هو ثاني اكثر المحاصيل انتاجا في العالم بعد الذرة وتقول منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة ان انتاج الطعام عالميا ينبغي ان يزيد بنسبة 70 بالمئة بحلول 2050 لاطعام عدد اكبر من السكان الموسرين القاطنين في المدن. بحسب رويترز.

موجة حارة تجتاح الولايات المتحدة

على صعيد ذي صلة قال خبراء في مجالي الصحة والارصاد الجوية ان موجة حارة "غير مسبوقة" ضربت معظم أنحاء الولايات المتحدة خلال شهر مارس اذار الماضي اذ تساوت درجات الحرارة أو تجاوزت سبعة الاف من الارقام المسجلة مما يشير الى اتجاه درجات الحرارة الى الارتفاع بصورة عامة، وقال العلماء في تقارير عبر التليفون او المواقع الالكترونية انه في الوقت الذي تلعب فيه التغيرات المناخية الطبيعية دورا كبيرا الا ان ما يفاقمها التغيرات الناشئة عن الانشطة البشرية مما نتج عنه هذه الموجة الحارة الاستثنائية، وقالت هايدي كولن من منظمة (سنترال كلايميت) وهي هيئة علمية لا تسعى الى الربح "هذه الموجة الحارة غير مسبوقة اساسا"، وقالت انه منذ 12 مارس اذار تم تسجيل سبعة الاف درجة حرارة عظمى ودنيا تساوت او تجاوزت ارقاما سجلها المركز القومي الامريكي لبيانات المناخ، وأضافت ان الموقع الالكتروني للمركز القومي الامريكي لبيانات المناخ معطل بسبب كثرة عدد مستخدمي الموقع ممن يحاولون التعرف على درجات الحرارة المتطرفة. بحسب رويترز.

وقالت أن هذه القياسات تضمنت سجلات أعلى درجة حرارة خلال النهار وأدنى درجة حرارة خلال الليل فيما أوضحت درجات الحرارة المسجلة في بعض الحالات ارتفاعا عن ارقام قياسية سابقة خلال النهار، ومضت تقول ان هذا الارتفاع يجيء في اطار اتجاه يؤدي الى تبكير بدء موسم الربيع بمتوسط ثلاثة ايام في 48 ولاية امريكية، وقال ارون بيرنشتاين من مركز الصحة والبيئة العالمية في كلية طب هارفارد ان هذا التبكير يسهم في ايجاد ظروف صحية كارثية لاسيما بالنسبة للاطفال، ومضى يقول ان اعداد حبوب اللقاح المنتثرة من النباتات المزهرة تجاوزت الحدود القياسية في شتى ارجاء الولايات المتحدة مشيرا الى ان امراض الحساسية تكلف الاقتصاد الامريكي ما بين ستة الى 12 مليار دولار سنوي، وقال ان هذه الموجة الحارة المبكرة تنشط نمو النباتات الى جانب تأثيرها على تمديد موسم انتثار حبوب اللقاح بواقع اسبوعين الى ثلاثة اسابيع بالمقارنة بنصف القرن الماضي فيما تشجع ارتفاع نسبة غاز اكسيد الكربون في الجو انتاج حبوب اللقاح في نباتات تسبب حساسية الاطفال.

التأقلم مقابل التكيف

من جهة اخرى يعمل سوجيت كومار موندال وزوجته روباشي موندال المقيمان في مقاطعة غوبالغونج في جنوب بنغلادش في حديقة منزلهما العائمة، التي تساعدهما على إنتاج الغذاء عندما يحدث فيضان، غالباً ما يستخدم الناس مصطلحي "التأقلم" و "التكيف" بشكل متبادل في سياق الاستجابة للكوارث، وهي مسألة تسعى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للتصدي لها في تقريرها الجديد، وتشمل إدارة مخاطر الكوارث كلاً من التأقلم والتكيف، وهما مفهومان مركزيان للتعامل مع تغير المناخ في البحوث والممارسة على حد سواء، كما تشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في النسخة الكاملة من تقريرها الخاص الصادر بعنوان "إدارة مخاطر الظواهر الطبيعية الشديدة والكوارث من أجل تطوير التكيف مع تغير المناخ"، وفي هذا السياق، أوضحت ليزا شيبر، كبيرة العلماء في معهد ستوكهولم للبيئة والمؤلفة الرئيسية لأحد فصول التقرير في حديثها، أن التأقلم يمثل "إحدى طرق الاستجابة لتأثير مناخي قصير المدى (موسم واحد، على سبيل المثال)، أما التكيف فيمثل عملية التعامل مع تغيير (واقع أو متوقع) على المدى الطويل (عقد من الزمان أو أكثر، على سبيل المثال)".

وأضافت أن "الفرق العملي بين التأقلم والتكيف يتمثل في احتمال تقويض استراتيجيات التأقلم الحالية للفرص المتاحة للتكيف في المستقبل من خلال العشوائية والاستخدام غير الاستراتيجي للموارد، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، ولهذا السبب، فإننا لا نريد أن نبني التكيف المستقبلي على أساس معظم استراتيجيات التأقلم المتبعة حالياً"، وأكدت شيبر أن هذا التمييز أساسي، بمعنى أن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "يسلط الضوء على الفرق بين القدرة التي يتمتع بها معظم الأشخاص في مختلف أنحاء العالم على التعامل مع الظواهر الطبيعية الشديدة، والقدرة التي يحتاجون إليها لتجنب عكس اتجاه التنمية (أي خسائر في الأرواح وسبل العيش والبنية التحتية والأصول)"، ومن جانبه، أشار توم ميتشيل، رئيس قسم تغير المناخ في معهد التنمية الخارجية (ODI) بالمملكة المتحدة، إلى أن استراتيجيات التكيف "استباقية أكثر"، بمعنى أنها تُنفذ لتفادي تحول الأخطار الطبيعية إلى كوارث. فعلى سبيل المثال، إذا كان معروفاً أن إحدى المناطق معرضة للزلازل أو الفيضانات، فيجب أن تنطوي استراتيجيات التكيف على نقل السكان من تلك المناطق، أو بناء السدود لمنع الفيضانات، أو ضمان قدرة المنازل في تلك المنطقة على تحمل الصدمات الزلزالية. بحسب ايرين.

وأشارت شيبر إلى أن هذا يتطلب تحولاً في المواقف حيال التنمية "من أجل أن نبتعد عن نوع الاستجابة للكوارث المهيمن الآن (التركيز على إعادة توطين الناس بعد وقوع كارثة من دون أخذ الوقت الكافي للتفكير في سبب تعرضهم لها وتأثرهم بحالة الخطر) ونتوجه نحو نهج أكثر استدامة واستراتيجية"، وأضافت شيبر أن مفتاح القدرة على القيام بذلك يتمثل في فهم ظروف الناس، وهذا يعني إحداث تغيير في المواقف على مستوى المجتمع المحلي، ولكن هذا قد يمثل تحدياً، قد لا يمكن "تعديله بسرعة، مثل التقاليد الاجتماعية والثقافية التي تعرض الناس لخطر أكبر، كالذين يعيشون في بعض المواقع الأكثر خطورة لأن اختيار سبل العيش يملي عليهم الإقامة هناك، إن الوعي بهذه العوامل سيساعدنا على تجنب سوء التكيف، وهو موطن زيادة الضعف عن غير قصد، نتيجة للاستجابة أو السياسة أو الخطة التي كانت مصممة في الأصل لمساعدة الناس على التكيف"، ولكن هذا لا يعني أن التأقلم يقل أهمية عن التكيف، فتوفير الإسعافات الأولية الأساسية والمواد الغذائية والمياه لمساعدة الناس على التأقلم بعد كارثة طبيعية مفاجئة مثل الزلازل أو الفيضانات أمر مهم وضروري، حسب ميتشيل، المؤلف الرئيسي ومنسق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

دراسة طويلة الأمد عن تغير المناخ

من جانب اخر واستنادًا إلى مجموعة من المعلومات التراكمية من خلال شبكة أبحاث البيئة الطويلة الأمد(LTER)، وهو المشروع الذي ترعاه المؤسسة القومية الأميركية للعلوم (NSF)، فإنه من المحتمل أن تعاني النظم البيئية التي تعتمد على الثلوج والجليد معظم التأثيرات السلبية بسبب تغير المناخ، وكانت  شبكة أبحاث البيئة الطويلة الأمد (LTER) تواصل جمع البيانات لمدة تزيد عن 30 عامًا، وذلك من مختلف الأنظمة البيئية المتنوعة – الصحاري، والبحيرات، والمروج العشبية، والغابات وغيرها- كي نتمكن من فهم أفضل لقوى البيئة التي قد تتكشف عبر العقود وتشمل مناطق جغرافية واسعة، ودرست جوليا جونز، الباحثة لدى شبكة أبحاث البيئة الطويلة الأمد (LTER)، وفريق عملها البيانات المستسقاة من 19 مستجمع للمياه في الغابات عبر أنحاء الولايات المتحدة، وتشير النتائج التي توصلوا إليها إلى أنه عندما ترتفع معدلات درجات الحرارة في الأنظمة البيئية الثلجية، تُفقد كمية كبيرة من مياه الجداول في الغلاف الجوي، وقد وجدوا مثل هذا التأثير في منطقة الجنوب الغربي القاحلة من الولايات المتحدة حيث تعتمد المناطق السكانية على تدفقات المياه من الثلوج المتراكمة على الجبال على ارتفاعات أعلى، لكن حالة الأنظمة البيئية في الغابات التي تفتقر ثلوج فصل الشتاء كانت أفضل بسبب تحملها لدرجات الحرارة المرتفعة، وقالت جونز، "يبدو أن جداول المياه في الأنظمة البيئية في الغابات الجافة أكثر قدرة على الصمود بوجه ارتفاع درجات الحرارة، فهذه النظم البيئية يمكنها الاحتفاظ بكميات أكبر من المياه عندما ترتفع درجة حرارة المناخ، مما يحافظ على انسياب مياه الجداول ضمن الحدود المتوقعة".

وسمحت الفترة الزمنية الطويلة من جمع البيانات للعلماء بتقييم مجموعة من العوامل التي تؤثر على مستجمعات المياه - التأثير البشري، وفترات الجفاف أو هطول الأمطار غير الاعتيادية، أوضحت جونز "أن مثل هذه الرؤى حول الفروق الدقيقة هي بالغة الأهمية للإدارة الفعالة لإمدادات المياه العامة"، واستنادًا إلى بيان صحفي أصدرته شبكة أبحاث البيئة الطويلة الأمد (LTER)، فإن شبكتها تشمل 26 موقعًا في أميركا الشمالية، مثل بورتوريكو؛ وجزيرة موريا في بولينيزيا الفرنسية، ومنطقة القطب الجنوبي، وقد جمعت هذه الشبكة البيانات البيئية من هذه المواقع على مدى يفوق ثلاثة عقود، ووثّقت التغيرات التدريجية والتقلبات الطويلة الأمد التي لا تصبح جلية في الدراسات القصيرة الأمد، وأفاد  سكوت كولينز، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشبكة الأبحاث الأيكولوجية الطويلة الأمد، "تساعدنا بيانات كل سنة إضافية تستقيها الشبكة على الفهم الأفضل لكيفية استجابة الأنظمة الإيكولوجية للتغير البيئي، ويقدم مثل هذا الفهم معلومات قيّمة للوكالات الفدرالية، ولإداريي الأراضي، وللمشترعين الراغبين في تطوير سياسات مسؤولة للتعامل مع عالم يتغير بسرعة"، ولقد تميّز عدد نيسان/أبريل لمجلة "بيو ساينس" (العلوم الأحيائية)، التي ينشرها المعهد الأميركي للعلوم البيولوجية، بمجموعة من المقالات المستندة إلى النتائج المستخلصة من مواقع شبكة الأبحاث البيئية، ويحدد تقرير آخر من هم الكاسبين ومن هم الخاسرين بيولوجيًا في مناطق غلاف الصقيع، أي في المناطق الجليدية من هذا الكوكب، من خلال التأثر بتغير المناخ.

ولقد شكل تقلص الغطاء الجليدي أحد الأمثلة المبلّغ عنها على نطاق واسع لعواقب تغير المناخ على الكوكب، وأكد أندرو فاونتين، رئيس فريق كتاب المقال في مقال آخر نشر في المجلة بيو ساينس، "سوف تتقلص الأعداد الإجمالية للجراثيم، والنباتات، والحيوانات التي تعتمد على الثلوج والجليد إن لم تتمكن من الهجرة إلى مناطق جديدة يكسوها الجليد"، وأضاف، "ولكن من المفروض أن تتوسع الحياة التي كانت تجد سابقًا أن مناطق غلاف الصقيع، أي المناطق الجليدية بالكامل، معادية لهم جدًا"، ومن الممكن أن تجذب المناطق القطبية التي يكون عمق الثلوج فيها أقل، الحيوانات مثل الغزال ذي الذيل الأبيض، والظبي، والوعل (الكاريبو) – وهي حيوانات لا تعيش في تلك المناطق الآن لأن التنقل عبر طبقة ثلجية عميقة يتطلب منها بذل طاقة عالية جدً، ويُجري في كل سنة ألفا عالم وطالب تقريبًا أكثر من 200 تجربة واسعة النطاق لدى شبكة الأبحاث البيئية، وينشرون نتائج تجاربهم مجانًا على شبكة الإنترنت، يقول ديفيد غارسيون، مدير البرامج في المؤسسة القومية الأميركية للعلوم حول مواقع الشبكة الساحلية والبحرية، "إن هذه المواقع تزود الشبكة معلومات تحويلية حول أسباب وعواقب التغيرات المناخية والبيئية على الأنظمة البيئية وتشكل هذه المواقع بعض أفضل آمالنا في تقديم الأسس العلمية السليمة اللازمة لإرشاد السياسة العامة في مواجهة التحديات المستقبلية التي يطرحها التغيير البيئي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/آيار/2012 - 23/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م