الطفولة في العراق... كرامة تهدر على ارصفة الخلاف السياسي

نهلة جابر

شبكة النبأ: تحسر وهو ينظر الى اقرانه يتوافدون على مدارسهم بزيهم الجميل الذي طالما حلم بلبسه والذي حرم منه بسبب الفقر والحاجة التي اضحت تقتل كل احلام الطفولة، وفوق رصيف الحزن والاهمال يجلس "هشام" ذلك اليتيم البالغ من العمر الاعوام الثمانية والذي اعتاد صبغ الاحذية منذ ان رحل والدة في احدى التفجيرات الغادرة التي قتلت بسمة الطفولة ورسمت سمة الحزن والضياع في عالم هذا الفتى المثقل بالهموم والذي تحدث لشبكة النبأ قائلا: انا اعمل لمساعدة امي فهي تعمل في احد البيوت الميسورة كي نعيش بشرف فلقمت العيش في هذا الزمان اصبحت صعبة، رغم اني اجد ان كرامتي تسحق وتهدر فوق هذا الرصيف الذي اجلس فيه قبالة احدى الدوائر النفطية في البصرة والتي تصل ارباح موظفيها الى الملايين في السنة الواحدة الا اني احصل على قتات العيش لقاء صبغ احذيتهم عند بدء الدوام، مهنة صعبة كصعوبة الحياة.

ومن الجدير بالذكر العراقيين قد عرفوا بتقديسهم لكرامتهم وتنازلهم عن الكثير من المهن التي يظنون بانها تمس كرامتهم وتهينها، لهذا نجد ان السنوات الماضية كان العرب هم من يعملون بهذه المهن، لكن الحصار الجائر وسنوات الحرب جعلت من العراقي يتنازل عن الكثير من مفردات الكرامة ليجد نفسه على ارصفة " بيع الكراكيب ،صبغ الاحذية ،الدوار "بائع لعب الاطفال والسلع الحرفية ، تسليك المجاري وغيرها من المهن التي كانت حكر على الوافدين . في الصباح الباكر وخلال تجوالنا في شوارع العشار وجدنا العديد من احلام البراءة تقتل على صناديق صغير تعلق عليها فرشاة وعدد من القناني الخاصة بالوان صبغ الاحذية "الاسود ،الاحمر، القهوائي ،اللماع " اضافة الى الانامل الصغيرة التي يضنيها تعب النهار ،"احمد" يقول ان البصرة وكما اسمع من اقراني المتعلمين تنام على الذهب ، لكننا لا ننعم بحياة بسيطة نحصل فيها على الغذاء والملابس .

في هذه الاثناء تأتي سيدة خطت على ملامحها التجاعيد ،تلبس العباءة التي حرقت خيوطها اشعة الشمس الحارقة مما افقدها لونها المعتاد ،تقف بالقرب من احمد ،تقول ام احمد ان الحياة افقدتها زوجها الذي يعيلها هي واولادها ،ليتركها تصارع قسوة الحياة مع اطفال ايتام وبيت ايجار لا تقدر على دفعه في نهاية الشهر . ام احمد " تومئ بنظرها الى مبنى حكومي تجلس قبالته معاتبة ولسان حالها يقول "ان الحكومة هي من تكون مسؤولة عن الشعب، نحن شعب جياع خرجنا من الحصار الاسود علنا نجد في الاشخاص الذين انتخبناهم ليرفعوا من شاننا لا لكي يجعلونا نستجدي خبزتنا بذل، وبلهجتها الدارجة تقول "شنوا يصير لو الحكومة توفر النا رواتب مثل الناس الي عايشه ببلاد الغربة حتى نحفظ كرامتنا . نحن العراقيين نريد مشاري ع صغيرة للمحتاجين والفقراء ،ايضا دورات لتعلم المهن الشريفة التي تحفظ ماء وجوهنا .

توجهنا بالسؤال الى الباحث الاجتماعي علي البدران حول عمالة الاطفال ! وطمس براءتهم في الوان الصبغ ؟

في البداية، لو توجهنا الى المناطق الفقيرة لوجدنا اخطر الظواهر الاجتماعية لعمالة الاطفال، فالكارثة ليست في نوع لمهنة، لكنها تتمثل في مشكلة عمالة الاطفال بصورة عامة لأنها تمس النشئ الذي يشكل نواة المجتمع في افاقه المستقبلية الطموحة . موضحا ان الواقع السياسي يلقى بظلاله على الواقع الاقتصادي للمجتمع الذي يتعرض لكثير من الصدمات التي تنعكس بدورها على المستوى المعاشي للفرد، ايضا قلة برامج التوعية في مجتمعاتنا التي تنمي الحس بالمسؤولية للإباء والامهات بضرورة ابعاد اولادهم عن المهن الدنيئة التي تقود الاطفال الى مخاطر الجريمة .

وتابع البدران "تبقى عمالة الاطفال " من اخطر الظواهر التي تهدد التنمية البشرية في المجتمعات المتحضرة ،واهم ما يبرز خطورة هذه الظاهرة نتائجها السلبية التي تنعكس على محوري الحاضر والمستقبل، فالطفل العامل هو انسان محروم من حقوقه الدستورية التي ضمنها الشرائع السماوية والقانون والدستور ضمن اسرة ترعاه . واشار في بحثة "يجب ان لا نساهم في بناء شخص يكتظ بالشعور بالظلم والحقد على من جعلهم يلتحفون الارصفة والزوايا بانتظار قدم تمتد على الصندوق الخشبي لتمتد معها بوابة احلام بمزيد من الرزق والبهجة الى اخر النهار دون المرور بمقاعد الدراسة . ولو اردنا ان نتكلم عن اخطر المحصلات لهذه الظاهرة "عمالة الاطفال، فاهمها خلق جيل من الناشئة مشبع بروح الشارع والامية والجهل، ويودي الى وقوعهم بمخالفات وجنح وربما جرائم في بعض الاحيان تقضي على مستقبلهم كي يصبحوا مجرمين بالإكراه .

المشرفة التربوية "عواطف عطية " تشيد بالإجراءات القانونية التي تقوم الدولة بإجرائها، ابتداء بمعاقبة الطلبة المتسربين من المدارس، لكن ما يزيد وطأة المشكلة في حصول الكارثة الاخلاقية لعمالة الاطفال خصوصا عندما تكون سببا لطمس صورة البراءة على يد الطفل ووجهه، وتلطيخها بالألوان القاتمة "الاسود ،القهوائي البني "التي تمسح بها الاحذية . دائرة الاصلاح الاجتماعي وعلى لسان القاضية سعاد ناصر "رئيس محكمة الاستئناف، اشارت الى اهم مسألة في عمالة الاطفال هو بنظر القانون ،اعداد شخصيات لها القابلية لكي تكون مجرم "قاتل _سارق _الخ" لكن من الضروري محاربة نمط عمالة الاطفال في البلد ،كي نساعد في عملية بناء وتقويم الانسان العراقي .

" عمار الذي لم يتم التاسعة من عمره "يقول لشبكة النبأ: بعد المسح يأتي دور التلميع الذي لا يكون بالمادة الشمعية "ماركات لم يعرفهن " ولكنه يشير الى اخيه الاكبر بانه يعرف الاسماء لتك المواد، وتابع ،التجأت الى هذه المهنة عندما وجدت نفسي بلا مأوى، فقد قامت امي بقتل والدي مما اضطرني الى الهرب من مدينتي الى البصرة، كنت اتسول بالتقاطعات ولكني الان اعمل بصبغ الاحذية، اشترى لي صديقي عدة العمل "صندوق وادوات صبغ الاحذية الاخرى ونصائح مجانية كيف اعمل وما هو الصبغ الاصلي وما المغشوش ،انا ادين له بكل ما املك .

لكن السؤال هو؟ ماذا يملك عمار ذلك الفتى العراقي الصغير... سؤال ربما يجيب علية اصحاب السياسة المنشغلون بخلافاتهم التي لن تنتهي!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آيار/2012 - 22/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م