كيف نبني مجتمعا إسلاميا معاصرا ؟

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الرشد الفكري، كما يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، هو السبيل الأصوب والأقرب لبناء المجتمع الاسلامي المعاصر والسليم الذي يمكنه مواكبة العصر، استنادا الى حيوية فكره وقربه الشديد من فطرة الانسان، التي تنحو بدورها الى الخير وتفضله على الشر غالبا، فهل المسلمون على قدر من الوعي يؤهلهم أن يكونوا مجتمعا متطورا مستقرا نازعا الى العلم والنجاح؟.

ماذا يفتقد المسلمون؟

إن المسلمين كما يشير الامام الشيرازي على الرغم من كثرتهم العددية الهائلة، لكنهم لايزالون يفتقدون لأهم عنصر أو شرط لإحداث التقدم في حياتهم ونمط عيشهم، ألا وهو الرشد الفكري، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاصلاح) في هذا المجال: (المسلمون اليوم ملياران لكنهم يفتقدون ـ على الأغلب ـ للرشد الفكري اللازم في مختلف مجالات الحياة).

تُرى هل يمكن لأمة أو مجتمع ما أن يتقدم الى أمام ويواكب مستجدات العصر وهو يفتقد لأهم اشتراطات  التقدم؟ هذا ما يؤكد عليه الامام الشيرازي، أملا في التنبّه الى ما يعوز المسلمين من نواقص كثيرة ينبغي عليهم معالجتها من اجل اللحاق بالركب العالمي، بعد أن كان المسلمون هم قادة العالم، لذا يحدد الامام الشيرازي حاجة المسلمين بقدة في هذا المضمار حين يقول في كتابه المذكور نفسه: (المسلمون بحاجة إلى أمرين مفقودين عندهما: أولاً: الوعي. وثانياً: نوع من الإلزام فيما هو بصالحهم إذا كان يمنع من النقيض، وكذا في الترك الملزم).

ثنائية الجهل

بمعنى يجهل المسلمون ما يضرهم فيتبعونه ويبحثون عنه، ويجهلون ما ينفعهم فيتركونه، وهذه المعادلة المعكوسة تشكل لبّ الخلل الذي يعاني منه المسلمون في عموم العالم، واذا عرفنا ان مهمة الاسلام تتجاوز اصلاح المسلمين أنفسهم الى العالم أجمع، عند ذاك سنفهم بأن مسؤولية المسلمين لا تنحصر بأنفسهم ودولهم ومجتمعاتهم فقط، بل أنهم مسؤولون عن تغيير وجه العالم وجوهره الاخلاقي والتربوي والانساني نحو الافضل، لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا: (كما أن غير المسلمين كذلك، فإنه يلزم إصلاحهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم، فالأول وهو الوعي لكي يسلموا بقناعة تامة، والثاني وهو الإلزام لترك ما يعملونه خلافاً لمصلحة أنفسهم، أو فعل ما يتركونه كذلك).

لذلك لا يصح عمل المسلم من اجل نفسه، وعليه أن يفكر بالآفاق الابعاد لتأثير الفكر الاسلامي في الآخر، بمعنى أن هناك شعوبا كثيرة لاسيما الغرب يجهلون جوهر الاسلام وتعاليمه الانسانية الراسخة، وفي حال معرفتهم له سوف تتغير نظرتهم للمسلمين عموما، لاسيما أولئك الذين يعكسون في سلوكهم وافكارهم جوهر الافكار الاسلامية الصحيحة.

الجهل بقوة الايمان

ولكن دائما هناك ما يفتقد له المسلمون من اجل تحقيق اهدافهم، في بناء مجتمعهم من جهة، والتأثير في المجتمعات العالمية أو الغربية من جهة ثانية، كما هو الحال مع ضعف الايمان الذي يشوب حياتهم وسلوكهم على نحو عام، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص: (من أهم أسرار انهزام - المسلمين- عدم اتصافهم بقوة الإيمان كما كانوا عليه في صدر الإسلام، هذا الانهزام باق إلى الآن ومن أهم أسباب استمرارية الانهزام، هو حكام المسلمين الذين أخذوا يدورن في فلك الغرب، وقد تعلم الغرب كيف يتخذ حكومات بلاد الإسلام عملاء وآلة لتنفيذ مخططاته).

وهكذا يكون السياسي او الحاكم وحكومته سبابا رئيسيا من اسباب جهل المسلمين وتخلفهم، نتيجة للتبعية السياسية للاجنبي، وتسليم مقدرات الشعوب الاسلامية وخيراتها وثرواتها المادية والفكرية بيد الاجنبي، لا لشيء إلا حفاظا على العرش بالخيانة والبطش معا، فمن جهة يكون الحاكم في الدول الاسلامية تابعا مطيعا وذليلا لأسياده الاجانب، ومن جهة أخرى يتنمّر على ابناء جلدته وشعبه، فيبطش بهم بكل ما أوتي من اجرام وسلطة عمياء متجبرة.

كسب الغرب من مهمات المسلمين

لذلك على المسلمين أن يتحركوا في اتجاهين في آن واحد، الأول النضال ضد الحكومات المستبدة والحكام الخونة المستبدين، أما الثاني فهو يتمثل بإظهار الوجه الناصع للاسلام وتحييد الغرب من خلال توضيح الجوهر الحقيقي للاسلام لمن لم يعرفه من الغرب، فإذا عرفوا حقيقة الاسلام سوف يتوقفون عن ابداء العداء له، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (من أهم مقومات الإصلاح هو تحييد موقف الغرب من عداء المسلمين، فإن الإسلام لا يشكل خطراً على الغرب، بل الإسلام هو الذي ينقذ الغرب من مفاسده ويمهّد له طريق التقدم الأكثر والأشمل).

واذا فهم الغرب جوهر الاسلام، المتمثل بنبذ العنف ونشر التسامح والتعايش والتركيز على التعددية، وحكم الشعب وفقا لمبدأ الاستشارة (الديمقراطية)، فإنهم حينذاك سوف يكفون عن معاداة الاسلام، إذ يقول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (إن الإسلام دين السلم والسلام، لا العنف والإرهاب، وقد تقدم الإسلام بالأخلاق وقوة المنطق، وإنه الدين الوحيد المنسجم تماماً مع الفطرة الإنسانية والملبي لجميع ما يحتاجه الإنسان في حياته المادية والمعنوية. فإذا ما فهم الغرب بأن الإسلام لا يشكل خطراً عليه، سيقلل من عدائه له).

أهمية التنظيم والتخطيط المسبق

ومن شروط بناء المجتمع الاسلامي المعاصر، تفعيل الدور المنظماتي المخطط له مسبقا، إذ من دون مشاركة عمل المنظمات لاصلاح المجتمع، تكون المهمة عسيرة وربما صعبة الانجاز، لذا لابد أن تأخذ المنظمات الاسلامية دورها الريادي في هذا المجال، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (من مقومات الإصلاح في البلاد الإسلامية، التنظيم وتأسيس منظمة إسلامية عالمية تكون من مهامها التنسيق بين الحركات الإسلامية وكوادر الأمة وما أشبه وتعمل للإصلاح في مختلف الميادين).

ومن الركائز المهمة لبناء المجتمع السليم، جماعية العمل، ونشر روح العمل التشاركي بين الجميع، لأن العمل الفردي غالبا ما يكون محدودا وذا نتائج ضعيفة لا ترقى الى نتائج العمل الجماعي أو المؤسساتي، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه الثمين نفسه: (إن الفرد بمفرده، أو الحركة الإسلامية الواحدة غير المرتبطة بسائر الحركات، لا يمكنها عادة الوصول إلى الهدف وهو الإصلاح في البلاد الإسلامية، فاللازم ربط هذه القدرات بعضها ببعض لتكتسب قوة تقابل قوة الفساد والإفساد في العالم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آيار/2012 - 22/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م