تصدعات في الهوية العربية المعاصرة

أ.د.علي أسعد وطفة

مقدمة:

يأخذ مشهد الانهيار والتراجع مكانا مميزا في تضاريس الحياة العربية المعاصرة. ويؤسس هذا المشهد لوضعية تصدع وانشطار في بنية الوعي وفي مشاعر الهوية والانتماء. وإزاء هذه التصدع قد يفقد مفهوم الأزمة قدرته على توصيف هذه الوضعية التراجيدية إلى حدّ كبير، لأن حجم المعاناة التي تعيشها الأمة العربية يتجاوز حدود هذا المفهوم وقدراته التصويرية. وقد يكون مفهوم الانهيار أكثر قدرة على توصيف هذه الوضعية والتعبير عن مضمونها الحقيقي. ويمكن لمفهوم التصدع بوصفه تعبيرا يقع بين مفهومي الأزمة والانهيار أن يساعدنا في التحرك بين مضموني هذين المفهومين. فالتصدع الذي يتبدى أفقيا وعموديا في مختلف اتجاهات الحياة الثقافية العربية يتبلور ويأخذ مداه في معالم الهوية العربية وصورتها. فالهوية تعبير ثقافي يجسد أعمق مكنونات الحياة الثقافية والاجتماعية. وبالتالي فإن تحليل مضامين هذه الهوية وتفكيك مقوماتها بالتحليل يشكل منطلقا منهجيا في تفسير الواقع العربي باختناقاته وأزماته وصيروراته.

هذا المشهد المأساوي للحالة العربية يطرح اليوم نفسه تحديا علميا وفكريا على الباحثين والمفكرين العرب حيث يتوجب عليهم استنفار الطاقات والقدرات العلمية لتحليل عمق هذا المشهد ومظهره وتشخيص وضعياته المختلفة عبر التحليل والبحث والتنقيب العلمي.

إن الدراسة المنهجية للتصدع الذي تعانيه الهوية العربية تشكل واحدا من التحديات الفكرية التي تواجه الباحثين والمفكرين في مجال فهم حركة الواقع الاجتماعي العربي وتكويناته. فالذات العربية تعاني من وضعية الأزمة والتصدع والانهيار وبالتالي فإن “دراسة هذه الذات العربية الممزقة تشكل تحديا رئيسيا بين التحديات التي تواجه الباحث في مجال فهم حركة الواقع الاجتماعي العربي واستيعاب تعرجاته وتداخلاته بعيدا عن التصورات النظرية المجردة، والقوالب الفكرية الجامدة"([1]).

لقد بينت الأبحاث الجارية في هذا الميدان اهتزاز صورة الهوية العربية عند العرب. وبينت أيضا تراجعا في الصورة الإيجابية للإنسان العربي التي تجسدت عبر الجغرافيا والتاريخ والحضارة. فالإنسان العربي يكاد يخجل اليوم من صورته، والعروبة أصبحت بالنسبة لكثير من العرب لعنة أبدية تصب مشاعر الخزي والعار على أصحابها وأحبابها. حتى أن إحساس الانتماء إلى الشخصية الإسلامية كوجه من وجوه العروبة بدأت تفقد تألقها وبدأت تشهد تراجعا خفيا مضمرا يتسلل خلسة إلى أعماق الوعي واللاشعور.

هذا التراجع في الصورة الإيجابية للهوية واهتزاز في مرجعية الانتماء يتم تحت تأثير عوامل متنوعة ومختلفة أهمها اليوم الضخ الإعلامي الغربي الذي يشوه صورة العرب والإسلام ويعمل بكل الفعاليات النفسية على تدمير هذه الصورة وإدانتها. وقد اشتد سعير الحملة الإعلامية الغربية ضد صورة العرب ووجودهم فيما بعد أحداث سبتمبر. والأدهى من ذلك كله أن الشعوب المستضعفة أيضا - حتى الإسلامية منها - بدأت تنظر إلى العنصر العربي بوصفه عنصرا إرهابيا يجب تجنبه والحذر منه. وباختصار يعيش الإنسان العربي أزمة هوية وانتماء ويعاني حالة تصدع في المشاعر الوطنية والقومية إنه يعيش وضعية الزمن الصعب زمن التراجع والانهيار والسقوط.

فالإنسان العربي المعاصر، وبحكم انتمائه إلى المشهد التراجيدي للحياة العربية، يعاني أزمة هوية وانتماء تتصف بطابعي العمق والشمول. وتعود هذه الأزمة في بعض جوانبها إلى وجود الإنسان العربي في ظل كيانات اجتماعية متعددة ومتعارضة، تبدأ بالقبيلة والطائفة حينا وتنتهي بالدين وبالقومية أحيانا. فالوطن العربي كما تعلن إحدى الدراسات العربية “كيان مركب معقد، تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية، ولا تتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر، ولا حدود السياسة مع حدود الأمة" ([2]). وبالتالي فإن تعددية الانتماء وتناقضاته التناحرية تؤدي إلى حالة من الانشطار في الهوية الاجتماعية، وإلى حالة من التمزق الوجداني الداخلي عند الإنسان العربي، الذي تتخطفه، وفي الآن الواحد، مشاعر انتماء اجتماعية متعارضة ومتنافرة في مختلف المستويات والاتجاهات.

إن تنامي مشاعر الانتماء الطائفي والقبلي أدى إلى ولادة موجة عارمة من مشاعر الولاء والتعصب بمستوياته المختلفة، فأغلب المجتمعات العربية تعيش تحت تأثير موجة من القيم التعصبية والتمييز الطائفي والإقليمي والعشائري والعرقي، الذي ينخر عظام الوجود الثقافي في الحياة العربية المعاصرة. وفي غمرة هذا النمو الكبير لهذه الولاءات الضيقة بدأ الإنسان العربي المعاصر يتعرض لكل أشكال الاضطهاد والتمييز والتسلط، ويعاني مختلف ألوان التعصب والقهر، حيث بدأت قيم التسامح تسجل غيابا كاملا وتترك مكانها لقيم التعصب الطائفي حينا والعشائري أحيانا.

فإشكالية الهوية والانتماء تطرح نفسها بين القضايا الساخنة في المجتمع العربي المعاصر. وتتداخل حدود هذه المسألة مع منظومة القضايا الفكرية والاجتماعية الحيوية في المجتمعات العربية. وتبدأ هذه الإشكالية بأسئلة قديمة متجددة حول أولوية الهوية والانتماء: هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن أبناء الوطن أم أبناء العشيرة؟ هل نحن أبناء الطائفة أم أبناء الدين؟ وعلى الرغم من البساطة التي تأخذها صيغة هذه الأسئلة، فإن الإجابة عنها بوضوح يمكن أن تؤسس لرؤية سوسيولوجية بالغة الأهمية والخصوصية في المجتمع، كما أنه يمكنها أن تقدم صورة موضوعية لصورة الهوية التي يحتكم إليها الوجود الاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية. ويتأسس على هذا أيضا أن الصورة الواضحة لمعالم الهوية الاجتماعية يمكنها أن تلقي الضوء على جوانب أخرى هامة في مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي المعاصر.

في هذه المقالة سنتعرض إلى وضعية الهزيمة التي يشهدها الإنسان العربي والتي تتجلى في إحساسه بالهوية ومشاعر الانتماء. ومن أجل تقصي هذه الوضعية سنقدم جهدا منهجيا يعرف بالهوية وملابساتها أولا، ثم ينتقل إلى تحديد طبيعة العلاقة بين الهوية والثقافة، بعدها تتم معالجة مفهوم أزمة الهوية، ونقوم على أثر ذلك بتحليل العوامل الداخلية والخارجية التي تعزز وضعية التصدع في الهوية العربية الإسلامية المعاصرة.

في مفهوم الهوية:

يتميز مفهوم الهوية بطبيعته الميتافيزيائية التي تدفعه خارج دائرة التحديد والتعريف. من هذا المنطلق يتجنب كثير من الباحثين استخدامه، ويتهيب بعضهم توظيفه، وهم إن وظفوه يتجنبون تعريفه. ومع هذه الصعوبة المعلنة فإن هذا المفهوم يمتلك قابلية سحرية للظهور في مختلف المقولات وذلك لأن عموميته ودرجة تجريده عالية جدا وتفوق عمومية أغلب المفاهيم المقابلة والمعارضة له. فمفهوم الهوية من المفاهيم الشبحية أي أنها تبتعد كلما اشتد المرء في طلبها.

سؤال الانتماء: والمدخل المبسط جدا في تعريف الهوية هو الإجابة على سؤال الانتماء: من نحن؟ هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن قبائل أم عشائر أم طوائف.

وفي دائرة هذا المدخل يشار إلى سؤال الماهية: ما هي السمات والخصائص التي تعبر عن هوية الإنسان وكيفية الشعور بها كأن أقول: من أنا: إنني كائن يمتلك شروط القوة والاقتدار أثق بنفسي وأبدع في مجال الحياة. وهذا السؤال يحدد لنا بينة الهوية ومكوناتها.

فالهوية بالتعريف البسيط أيضا هي: نسق من الخصائص والسمات التي تعطي للفرد أو الجماعة وحدتها وتميزها ودرجة تكاملها وماهيتها واتجاهات انتمائها.

فالهوية هي وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز والوحدة والديمومة. والهوية تأسيسا على ذلك هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عما سواه ويشعر بتباينه ووحدته الذاتية ويورد جان فريمون تعريفا للهوية قوامه “إن الهوية إحساس متماسك بالذات وهي تعتمد على قيم مستقرة وعلى قناعة بأن أعمال المرء وقيمه ذات علاقة متناغمة فالهوية شعور بالكلية وبالاندماج وبمعرفة ما هو خطأ وما هو صواب" ([3]).

وباختصار فإننا نميز في مفهوم الهوية بين ثلاثة مستويات:

- موضوع الهوية الكينونة الموضوعية للهوية: ويتجلى في كينونة اجتماعية تتبدى خارجيا بصورة مستقلة عن وعي الناس وإرادتهم وتجري حركة هذه الكينونة على أساس الوحدة والانسجام والتكامل. فالمجتمع العربي يشكل وحدة اجتماعية مستقلة عن وعينا وإرادتنا بصورة موضوعية شئنا أم أبينا وذل في المستوى الثقافي فهناك روابط جغرافية وثقافية وتاريخية تربط بين أطراف هذا الوطن وتحقق وحدته.

- بنية معرفية المعرفة بالهوية أو الوعي الموضوعي بالهوية: قد يجد موضوع الهوية في نسق من المفاهيم المجردة التي يبدعها العقل الإنساني وهذه المفاهيم تشكل ما يسمى بوعي الهوية. الأفكار التي تتصل بالمجتمع العربي الذي يشكل وحدة ثقافية تاريخية وجغرافية. والوعي الموضوعي يمثل معرفة بالهوية ومكوناتها.

بنية وجدانية مشاعر الهوية الشعور الوجداني بالهوية: قد يكون الوعي بالهوية موضوعيا بمعناه المعرفي. فمعرفة الشيء لا تفرض ولادة مشاعر نحوه. وبمثالنا السابق فإن بعض العرب يدركون عناصر الوحدة الثقافية التي تربط العرب ببعضهم البعض تاريخيا وجغرافيا ولكنهم لا يحملون أية مشاعر سلبية كانت و إيجابية نحو هذا الموضوع.

وعلى خلاف ذلك فإن الوعي بالهوية قد يولد شعورا وجدانيا وانفعاليا بها. إي إحساس إيجابي بالانتماء إلى هذه الهوية والدفاع عنها وتمثلها وجدانيا. ونعني بالتمثل الوجداني عندما يتم تغذية الوعي الموضوعي بالهوية بمشاعر المحبة والولاء والانجذاب والإيمان.

بين الهوية والانتماء:

يتشاكل مفهوما الهوية والانتماء في تقاطعات عدة تطرح نفسها منذ زمن بعيد على بساط البحث العلمي. إذ غالبا ما يستخدم أحدهما في مكان الآخر في الأدبيات الاجتماعية المعاصرة. يدخل مفهوم الانتماء في تكوين مفهوم الهوية ويشكل عنصرا من عناصره.

ويشكل الانتماء جذر الهوية الاجتماعية وعصب الكينونة الاجتماعية. فالانتماء هو إجابة عن سؤال الهوية في صيغة من نحن؟ والانتماء أيضا هو صورة الوضعية التي يأخذها الإنسان إزاء جماعة أو عقيدة، كما أنه يشكل مجموعة الروابط التي تشد الفرد إلى جماعة أو عقيدة أو فلسفة معينة، وقد يأخذ صورة شبكة من المشاعر، ومنظومة من الأحاسيس التي تربط بين الفرد والمجتمع، وهذا بدوره يؤسس أيضا لمجموعة من العلاقات الموضوعية التي تتجاوز حدود المشاعر إلى منظومة من الفعاليات والنشاطات التي يتبادلها الفرد مع موضوع انتمائه. فالفرد في القبيلة يشكل صورة مطابقة لصورتها إذ يحمل روحها ويجسد معانيها ويستلهم عاداتها وتقاليدها، إنه صورة مصغرة لقبيلته بكل ما تنطوي عليه من معاني ومشاعر وقيم وعادات. وهذا يعني أنه يطابقها ويعبر عنها، وتلك هي صورة الهوية لأن مفهوم الهوية يعني المطابقة بين شيئين في نسق وحدة واحدة.

ويميل الباحثون، في مجال علم الاجتماع التربوي، إلى تحديد الانتماء الاجتماعي للفرد وفقا لمعيارين أساسين متكاملين هما: العامل الثقافي الذاتي الذي يأخذ صورة الولاء لجماعة معينة أو عقيدة محددة، ثم العامل الموضوعي الذي يتمثل في معطيات الواقع الاجتماعي الذي يحيط بالفرد أي الانتماء الفعلي للفرد أو الجماعة. فالولاء وهو الجانب الذاتي في مسألة الانتماء يعبر عن أقصى حدود المشاركة الوجدانية والشعورية بين الفرد وجماعة الانتماء فالولاء حالة “دمج بين الذات الفردية في ذات أوسع منها، وأشمل، ليصبح الفرد بهذا الدمج جزءا من أسرة أو من جماعة، أو من أمة، أو من الإنسانية جمعاء"([4]).

فقد ينتمي الفرد بالضرورة إلى قبيلة ولكنه لا يشعر بالولاء لها، وعلى خلاف ذلك فقد لا ينتمي المرء إلى قبيلة محددة ولكنه قد يكون قبليا بمفاهيمه وتصوراته. فالانتماء الفعلي يفرض نفسه ويتجاوز حدود وأبعاد العامل الذاتي وذلك كله مع اعتبار إمكانية التطابق بين العنصرين، فقد يكون المرء عربيا ومؤمنا بعروبته، أو مسلما مؤمنا بإسلامه في الآن الواحد، وهذه هي حالة التطابق بين الانتماء والولاء. وإذا كان الفصل بين هذين العاملين يعود إلى اعتبارات منهجية سوسيولوجية ضرورية، لتحليل ودراسة الانتماء الاجتماعي للأفراد، فإن الباحثين يدركون بعمق مدى التأثير المتبادل القائم بين العاملين في تحديد هوية الانتماء الاجتماعي للفرد. فالانتماء هو شعور الفرد بالارتباط بالجماعة وميله إلى تمثل أهدافها والفخر بحقيقة أن الفرد جزء منها، والإشارة الدائمة إلي الانتماء ولا سيما في لحظات الخطر"([5]).

وفي هذا السياق يمكن التمييز أيضا بين الانتماء وشعور الانتماء، فالانتماء هو حالة موضوعية يفرضها واقع الحال كأن ينتمي الإنسان إلى قومية معينة كالقومية العربية فمن يتكلم العربية ويعيش على أرض العرب هو عربي بالضرورة ولا يمكنه الخروج من دائرة هذه الهوية. أما شعور الانتماء فقد يتطابق مع البعد الموضوعي لانتماء وقد يخالفه أو يتناقض معه فالعربي الذي يتكلم العربية ويعيش على أرض العرب قد تأخذه مشاعر الانتماء إلى العروبة حبا وافتداء واقتداء وعلى خلاف ذلك قد تغيب لديه هذه المشاعر وتضعف لديه روابط العروبة وأحاسيسها فتحدث المفارقة بين واقع الانتماء ومشاعره.

وإذا كان الواقع الموضوعي يفرض على الإنسان مجموعة من الانتماءات فإن هذه الانتماءات تأخذ نسقا تتكامل فيها أو قد تتعارض. فنسق الانتماء يعني الوضعية التي يأخذها الإنسان إزاء وضعيات انتماءات متعددة، والتي تأخذ سلما ترتسم على مدرجاته اتجاهات الانتماء المختلفة. فالإنسان محكوم بعدد من الانتماءات التي قد تتعارض أحيانا وتتناسق أحيانا أخرى. فالإنسان العربي اليوم تتخطفه مجموعة من مشاعر الانتماء كالعروبة والإسلام والقبيلة والطائفة والوطن، وإزاء هذه التعددية قد يقع في صراع الهوية والانتماء، لأن بعض هذه الانتماءات يعارض بعضها الآخر كالتعارض بين انتماء القبيلة وانتماء الوطن. ومن هذه الزاوية يتحدث زكي نجيب محمود عن نسق الانتماء في صورة متكاملة تبدأ بالوطن وتنتهي بالإسلام حيث يعلن بأنه مصري، عربي، مسلم، ثم لا يهمه بعد ذلك أن تضاف إلى هذه الأبعاد الثلاثة أبعاد أخرى كالانتماء الأفريقي وغيره([6]). وتأسيسا على مفهوم نسق الانتماء زكي نجيب محمود بين العروبة والإسلام “فالمصري مصيب إذا قال أنه ينتمي إلى العروبة وإلى الإسلام معا (…) لأنه عربي بمعنى أنه يتجانس مع سائر العرب في نمط ثقافي واحد متعدد الجوانب والفروع. أما المصري المسلم فهو ينتمي إلى الأمة الإسلامية بجانب واحد وهو جانب العقيدة، وليس بالضرورة إن تكون بقية جوانب الحياة الثقافية مشتركة بين المصري والباكستاني والإندونيسي من المسلمين غير العرب([7]).

وانطلاقا من هذه الإشكالية فإن درجة الشعور بالانتماء قد تأخذ مسارات متباينة حيث تتباين درجات شدتها بين شخص وآخر. وهذا يعني أنه يمكن تحديد سلم انتماء كل فرد وفقا لأولوية انتماءاته. فقد يشعر الإنسان بعروبته أولا ودينه ثانيا وقبيلته ثالثا وطائفته رابعا ووطنه في الدرجة الخامسة. وهنا يمكن القول بأن سلم الانتماء قد يتحدد ويتشكل في بوتقة من الظروف والفعاليات الإنسانية والاجتماعية التي تحدد للشخص انتماءاته ونسق أولويات المشاعر الخاصة بهويته. ومن هنا يمكن التمييز بين موضوعية الانتماء وصورته الذاتية التي تتعلق بمشاعر الانتماء الذاتية.

لقد شكلت قضية أولويات الانتماء واحدة من القضايا التي عالجها زكي نجيب محمود بعمق واهتمام كبير حيث يرى أن نسق الانتماء لا يتكامل مع نسق الأهمية، حيث يقول "فربما كانت العقيدة الإسلامية من حيث الأهمية أهم جوانب حياته، لكن انتمائي لأسرتي ولقريتي ولوطني وللعروبة وللإنسانية جمعاء يجيء فيه ترتيب الدرجات على أساس آخر غير أساس الأهمية، وقد يكون هذا الأساس هو المشاركة الوجدانية، فهذه المشاركة الوجدانية بيني وبين مسلم الصين أو روسيا، دون أن يغير هذا الموقف الوجداني من حقيقة كون إسلامي أهم جانب من جوانب حياتي"([8]).

جدل الهوية والثقافة:

يعد مفهوم الثقافة Culture من أكثر المفاهيم تداولاً وشيوعاً ومن أكثرها غموضاً وتعقيداً" [9]. فالثقافة في بعدها الأنتروبولوجي ليست مجموعة من المعارف فحسب بل تشتمل على القيم وطرق الحياة والتفكير الخاص بأفراد المجتمع كافة. إنها “كل شيء يتم إنتاجه عن طريق الخبرة الرمزية المشتركة وله القدرة على مساندتها"[10]. وتشكل الثقافة أداة الإنسان في مواجهة المشكلات التي تعترضه وهي بالتالي نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة حول المآزق التي يواجهها الكائن في بيئته.

وتتحدد السمات الأساسية للهوية في مجتمع ما بطابع الثقافة السائدة في المجتمع. فالهوية تغتذي من نسغ القيم الثقافية وتنمو في الوسط لثقافي وتتبلور صورتها في مرآة الحياة والمعايير والتصورات الثقافية السائدة في المجتمع. فالإحساس بالهوية بما يتضمنه هذا الإحساس من نظرة إلى الكون وإلى الوجود ومن مواقف تتعلق بمعطياته تنضج وتتشكل في بوتقة الحياة الثقافية للمجتمع، وهذا يعني أن الهوية الفردية والاجتماعية كيان متشبع بالثقافة ومتبلور بقيمها. وهذا يقتضي أن فهم الهوية وإدراك أبعادها ومراميها مرهون بإدراك الثقافة وتحديد مضامينها واتجاهاتها. فكل نظام اجتماعي ثقافي يتميز بشخصية مرجعية كما يرى كاردينر Kardiner "، فالأنا ترسب ثقافي، وبالتالي فالشخصية الثقافية (المطابقة للهوية) تتباين من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. فالأمريكيون على سبيل المثال يعطون أهمية للكمال أكثر من الألمان بينما يعطون أهمية اقل منهم على المحافظة" ([11]). وهذا يعني أن الهوية تقوم على مبدأ أن “القيم والعناصر الثقافية للنظام الثقافي تستبطن بأمانة من قبل الفرد وهي تشكل نوعا من البرمجة الناظمة لسلوكه"([12]).

وبعبارة أخرى تعكس الهوية السمات الثقافية لمجتمع الانتماء، ويبرز هذا في التباين السلوكي الذي يظهر بين شخصين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، حيث يمكن تمييز رجل فرنسي عن رجل إنكليزي من خلال بعض أنماط السلوك التي يقوم بها كل منهما. وهذا يعني أن الهوية تنطوي على السمات العامة للثقافة السائدة في مجتمع ما أن أعضاء مجتمع ما، غالبا ما، يحملون نسقا مشتركا من السمات الثقافية لمجتمعهم والتي تحدد نمط الشخصية أساسية لهذه الثقافة ([13]).

ويترتب على ما سبق أن لكل ثقافة شخصية أساسية مرجعية تعكس صورة القيم السائدة أو الصيغة النفسية للحياة الاجتماعية والثقافية القائمة، كما يمكن أن يشار إلى وجود شخصيات مرجعية ثقافية لكل ثقافة فرعية أو مجتمع فرعي في إطار المجتمع الكبير.

إن أي تناقض داخل العناصر الثقافية يجد صداه داخل شخصيات الأفراد... وبالتالي فإن التناقض بين قيمتين داخل النمط الثقافي يجد صداه داخل الجهاز النفسي للفرد والإنسان ويظهر على شكل تصرفات سلوكية وردود فعل متناقضة وعصابية، ويبقى الصراع مستمرا حتى يستطيع الشخص تعديل وظائف القيمتين داخل جهازه النفسي([14]).

والهوية عطاء ثقافي بكل المقاييس والمعايير. الهوية تنشأ وتتكون في عمق الثقافة. وهوية الفرد هي تشبعات ثقافية بالدرجة الأولى. فالمشاعر والوعي والتفكير وطريقة التفكير تتحدد على نحو ثقافي. وهذا يعني أن هوية الفرد نتاج لتكثيف ثقافي ونتاج عملية بلورة ثقافية. ومن هنا لا يمكن الفصل بين الهوية (فردية أو اجتماعية) عن معطيات الثقافة الأم. وهذا يعني أن الانتماء إلى ثقافة ما يشكل القالب الذي تتشكل فيه الهوية. وهذا يعني أن الثقافة بمضامينها وحدودها تشكل مضمون الهوية التي تميزنا وتحقق لنا مشاعر الاستمرارية والأمن والوجود. وعندما تكون هذه الثقافة متماسكة ومرنة ومنفتحة ومتكاملة فإن الهوية تتشبع بطابع هذا التكامل والتماسك. ولكن عندما تكون موجهات هذه الثقافة متناقضة متضاربة فإن هذا يؤدي إلى التضارب وإلى التصدع في الهوية وهذا يدوره يؤدي إلى فقدان الأمن الوجودي.

وفي هذا الخصوص يمكن القول أن المجتمعات الحديثة تتكون «من ثقافات فرعية ميدانية لكل منها طائفة من المعايير والقيم الخاصة بها، التي ترسم أهداف الحياة لأفرادها» [15]. وتحدد الثقافات الفرعية شأنها في ذلك شأن الثقافات العامة نمط السلوك الذي يتوجب على أفرادها وتحدد لأفرادها على المستوى القيمي ما يجب فعله وما لا يجب.

أزمة الولاء:

قد يطرح تعدد الانتماء والهويات في المجتمع الواحد إشكاليات وتصدعات ولا سيما في الوضعية التي تتصادم فيها هذه الانتماءات أفقيا أو عموديا. ونقصد بالتصادم العمودي الحالة التي تتنافر فيها هوية فرعية من الهوية الأساسية في المجتمع: مثال ذلك كأن يكون الولاء للقبيلة أكثر أهمية من الولاء للوطن أو القومية. أما التصادم الأفقي فيتمثل في الصراع الذي قد ينشأ بين هوية فرعية وأخرى ومثال ذلك التعصب الذي قد يفرض نفسه بين طائفتين أو بين قبيلتين أو بين ثقافتين إقليميتين. ومع ذلك كله يمكن القول بأن وجود تنوع ثقافي في دائرة المجتمع لا يعني بالضرورة وجود أزمة أو تصدع وهذا يكون في الحالة التي يختفي فيها التعصب ويكون أشد الولاء وأعظمه موجها للثقافة الأساسية في المجتمع.

في مفهوم الأزمة:

يشير مفهوم الأزمة في المستوى الفردي إلى محنة علاقة وجودية بين الإنسان وشروط وجوده. والأزمة هي الوضعية المأزقية التي يوجد فيها الإنسان دون الحلول المطلوبة والتي تستثير صراعات وجدانية ونفسية عنيفة قد تؤدي إلى الخلخلة بوحدة الشخصية وتكاملها وذلك في المستوى الفردي وفي المستوى الاجتماعي. وتشير الأزمة أيضاً إلى المواجهة الإشكالية للفرد إزاء معضلة أو مشكلة تستعصي على الحل. ويشار إلى الأزمة أحياناً بكلمة تدهور وانهيار وتصدع كأن يقال تدهور أخلاقي أو تدهور ثقافي وعلى المنوال نفسه يقال انهيار نفسي واجتماعي أو تصدع ثقافي أو تداع أخلاقي، ومثل هذه الكلمات تصب جميعاً في مفهوم الأزمة سواء أكانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية سواء أكانت أيضاً في مستوى الفرد أو في مستوى الجماعة والمجتمع.

ينطوي مفهوم الأزمة على تناقض بين أمرين أو أكثر وينطوي هذا التناقض بدوره على صراع يفترض به أن يكون على درجة عالية من الشدة. وعلى المستوى الأخلاقي تبرز الأزمة عندما يقع الفرد ضحية واجبين متكافئين من حيث الأهمية مثل الصراع بين واجب التضحية للوطن وواجب التضحية للأسرة بين حب الأسرة وحب الوطن مثلا في آن واحد والأمثلة هنا أكثر من أن تعد وتحصى([16]). ولكن عندما تتوازن قيمتان عند الفرد أو الجماعة فإن ذلك يؤدي إلى صراعات عنيفة يعبر عنها بالأزمة. وعندما يتبنى المرء نظامين مختلفين من القيم فإن ذلك يؤدي أيضاً إلى أزمة قيمية.

ويمكن تحديد مجموعة من مظاهر الأزمة الثقافية أهمها:

الحالة التي تعاني فيها الثقافة من غياب الوحدة الثقافية والتي تؤدي إلى تصدع الهوية أي عندما تنطوي الثقافة على عناصر واتجاهات متناحرة تفقد الثقافة وحدتها وهويتها.

 الأداء الوظيفي أي عندما لا تستطيع المنظومة الثقافية أن تؤدي الوظائف الأساسية المنوطة بها في تحقيق التكيف مع الحياة وعندما لا تستطيع أن تقدم لأفرادها هذه المنظومة المتكاملة من الإجابات عن الأسئلة التي يطرحا العصر والتغيرات.

- حالة الجمود الثقافي حيث تتحجر الثقافة وتتصلب وتفقد مرونتها المطلوبة في الاستجابة لمعطيات الحياة والوجود. وتتجسد هذه الحالة في غياب الإبداع الفردي والاجتماعي وعدم قدرة الثقافة على احتواء التغيرات الجارية.

 عندما تعاني الثقافة من خلل زمني أي عندما تفقد معادلة التوازن بين الأزمنة بين المستقبل والماضي والحاضر. فالثقافة التي تتخندق في الماضي بصورة كلية تعاني من أزمة والثقافة التي لا تستطيع أن توازن بين متطلبات المستقبل والحاضر والماضي وفق رؤية تكاملية حضارية تحاصر نفسها في أزمة وجودية خانقة.

التناقضات القيمية وأزمة الهوية

تقتضي المنهجية التي حددناها منذ البداية بأن التناقضات الثقافية الحادة توجد في أصل أزمة الهوية وانشطاراتها. ومن يعاين وضعية الثقافة العربية المعاصرة سيجد بأن هذه الثقافة متشبعة بالتناقضات الفارقة التي تؤسس لحالة الأزمة التي تعيشها الهوية العربية.

إن تخلخل القيم يؤدي في مجتمعات الوطن العربي والعالم الثالث إلى “ما أسماه علماء الاجتماع المعاصرون بالشخصية المضطربة، وبالتالي فإن الشخصية المضطربة تصبح بنيتها أكثر تفككاً واستعداداً لتشرب القيم الأجنبية الوافدة وذلك بدوره يؤدي إلى حالة من التذبذب على مستوى الانتماء الثقافي. وهذا الوضع يقود صاحبه إلى ما سمته عالمة الانتربولوجيا الأمريكية مارغريت ميد (M. Mead) عهر الهوية (Identity Prostitution)" ([17]).

فالثقافة العربية تشكل مسرحاً للتناقضات الشاملة بين القيم والمبادئ، بين الشعارات والانجازات، بين التصرفات والممارسات. وهذه هي الحقيقة التي يشير إليها زكي نجيب محمود حيث يقول “تترامى الثقافة العربية في نظام تتعايش داخله وبشكل تقاطعي شبكة من النزعات والاتجاهات التي يعوزها الائتلاف ويسودها الاختلاف. فهناك الثقافة العربية الكلاسيكية التي تمجد الماضي وتقدسه، وهناك الثقافة العربية الحديثة التي يعيش فيها الفرد وبفعل ازدواجيتها في ضياع شبه تام لأن زمنها الثقافي بعيد كل البعد عن ذاتية الفكر العربي وخصوصياته الحضارية والثقافية"([18]).

تعرف القيم الثقافية بأنها قواعد السلوك والقوانين التي يرى أنها تتطابق مع مثل أعلى يرجع إليه([19]). ففي جدل العلاقة بين الإنسان والثقافة تتصدع الشخصية تحت تأثير التصدع الثقافي الذي يعتري الثقافة السائدة. ويتمثل تصدع الهوية الشخصية وأزمتها في نسق من الأمراض والعقد النفسية وحالات الوهن والضعف والقصور التي تنال من الشخصية الإنسانية. وإذا كان تصدع الثقافة يتمثل في أزمة القيم أو ازدواجيات القيم فإن أزمة الهوية تتمثل في نماذج من الازدواجيات السلوكية التي تؤدي بتماسك الشخصية وتخل بتوازنها وتثقل على إمكانيات تكيفها واستمرارية توافقها مع الوسط والوجود الثقافي.

وعلى خلاف ذلك كله كلما كانت الثقافة متكاملة في معاييرها القيمية كلما كانت الشخصية مرنة وانسيابية ومتكاملة في حركة تكيفها واستمرارها. وهذا يعني بالضرورة أن التكامل القيمي في الثقافة يؤدي إلى التكامل النفسي والعقلي والاجتماعي في الشخصية الإنسانية.

لقد بينت الدراسات الجارية في مجال غسل الدماغ أن بناء التناقض في الوسط يؤدي إلى بناء التصدع في الشخصية ويؤدي إلى انهيارها. وعلى هذا الأساس تقوم تجارب علم النفس الفيزيولوجي عند بافلوف ولا سيما في تجاربه حول العصاب عند الكلاب. فالعصاب يتشكل عند الحيوانات عندما يتعرض الكائن لحالات في منتهى التناقض وفي لحظة واحدة ومثال ذلك تعريض الكلاب في وقت واحد للثواب والعقاب مثل قطعة اللحم التي تترافق بصدمة كهربائية. وبعبارة أخرى تعريض الحيوانات لمثيرين متنافرين متناقضين في آن واحد حيث يستثير أحدهما تعزيزا بنما يستثير الثاني إحباطا. ومثال ذلك أن يتعرض كلب جائع لمثيرين متناقضين في آن واحد يتمثل الأول في رنين جرس يعقبه تعزيز بقطعة لحم بينما يتمثل الثاني في ضوء يعقبه صدم كهربائية وعندها تتمازج استجابتان متناقضتان وفي آن واحد عند الكلب وهما: استجابتا الإحساس بغامر السعادة لحضور قطعة اللحم، بينما تتمثل الاستجابة الأخرى في إحساس بالرعب والخوف الشديد من وقع الصدمة الكهربائية. وفي هذه اللحظة يقع الكلب فريسة إحساسين متناقضين كليا قوامهما الفرح والخوف ويبدأ بالعواء والرقص وتتداخل استجاباته بصورة غريبة يفقد بعدها تماسكه وتناغم استجاباته، ويصاب بحالة من العصاب الشديد الذي يفقده توازنه ويؤدي به إلى حالة من الجنون التي وصفها بالعصاب الكلبي.

ويستنج مما سبق أن الثقافة التي تفيض بالتناقضات الثقافية والقيمية تؤدي إلى بناء شخصيات متصدعة وضعيفة تعاني من مختلف أوجه القصور والضعف والانهيار. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو مستوى التناقضات التي توجد في منطق الثقافة العربية السائدة. فالثقافة ظاهرة اجتماعية نفسية تحتل مكانها في عقول الأفراد وتتجلى في سلوكهم وتصرفاتهم اليومية وفي نمط معيشتهم([20]). وبالتالي فإن التناقض بين قيمتين داخل النمط الثقافي يجد صداه داخل الجهاز النفسي ويظهر على شكل تصرفات سلوكية وردود فعل متناقضة وعصابية ويبقى الصراع مستمرا حتى يستطيع الشخص تعديل وظائف القيمتين داخل جهازه النفسي([21]).

تفيض الكتابات العربية المعاصرة بالتلميحات والتصريحات التي تعلن من الثقافة العربية ثقافة نموذجية للتناقض القيمي ومرتعا للازدواجيات والانشطارات القيمية التي تخل بالشخصية العربية وتضعف شأنها وتدفع بها إلى دائرة أزمة في الهوية وفي مقومات الوجود.

" فالوطن العربي كيان ثقافي معقد مركب، تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية، ولا تتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر، ولا حدود السياسة مع حدود الأمة، ولا تستقيم فيه وفرة السكان مع ندرة الموارد، ولا وفرة الموارد مع ندرة السكان([22]). والوطن العربي “وطن تتحرق شعوبه إلى الوحدة، بينما تكرس أنظمته التربوية والتعليمية الانفصال، وطن تتشوق فيه شعوبه إلى الديمقراطية، ولكن أنظمته تكرس كل قيم القهر والاستبداد. وهذه هي ملامح الصورة الثقافية للثقافة العربية التي تفيض بالتناقض وتمور بالقيم المتنافرة المتضاربة. فالثقافة العربية تشكل مسرحاً للفوضى القيمية وساحة للتناقضات بين القيم والمبادئ، بين الشعارات والإنجازات، بين التصرفات والممارسات.

وتترامي هذه الثقافة كما يقول أحد الكتاب العرب في نظام تتعايش داخله وبشكل تقاطعي شبكة من النزعات والاتجاهات التي يعوزها الائتلاف ويسودها الاختلاف. فهناك الثقافة العربية الكلاسيكية التي تمجد الماضي وتقدسه، وهناك الثقافة العربية الحديثة التي يعيش فيها الفرد وبفعل ازدواجيتها في ضياع شبه تام لأن زمنها الثقافي بعيد كل البعد عن ذاتية الفكر العربي وخصوصياته الحضارية والثقافية([23]). يقول علي حرب في وصفه للأزمة الثقافية والقيمية كما يلي “إننا نعيش خصوصياتنا حتى البداوة... وننغمس في عالميتنا حتى الثمالة، إننا نستخدم أحدث الأدوات ولكننا نرفض أحدث الأفكار والمناهج، نتشبث بالأصول حتى العظم على صعيد الخطاب والكلام، ولكننا نخرج عليها ونطعنها بالفعل والممارسة" ([24]). فنحن “عرب أو مسلمون فيما يتصل بالمقدسات والمحرمات؛ ولكننا غربيون فيما يتعلق باستيراد الأدوات والسلع والصور والمتع التي توفرها أجهزة الفيديو وأفلام البورنو... أي في كل ما يتصل بمادة الحياة وأسباب الحضارة “([25]). وتقول الدكتورة ملكة أبيض “تكمن الأزمة القيمية في شعور الفرد العربي بالتمزق لأنه أصبح يعيش في عالمين كلاهما غريب عنه. عالم الثقافة التقليدية التي لا تستطيع أن تضمن حاجاته، وعالم الثقافة الصناعية الحديثة التي تشعره في كل لحظة بالنقص لأنه يستهلك منتجاتها دون أن يسهم في بنائها"([26]). ويرى دياب أن “الثقافة التقليدية العربية التقليدية تنطوي على تناقضات صارخة فإلى جانب حرية المرأة توجد عناصر عبوديتها، وإلى جانب القانون يوجد الثأر([27]). فالثقافة العربية تمتلك منظومة متغايرة من القيم المتنافرة والمتعارضة حيث يلاحظ على سبيل المثال أن الإيمان بقدرات العلم يترافق مع الإيمان بالخرافة والشعوذة، وحب الأم يترافق مع فكرة عبودية المرأة،، والانتماء إلى الحزب السياسي يترافق مع الانتماء إلى العشيرة. يشير عبد الله عبد الدايم في هذا الصدد إلى الضياع الأخلاقي والقيمي الذي يعاني منه المجتمع العربي فهناك «الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة والثقافة المتطلعة إلى الماضي والثقافة المشرئبة نحو المستقبل»([28]). ويرجع عبد الله عبد الدايم الأزمة الثقافية والقيمية في الوطن العربي إلى عوامل تتمثل في سلطان الماضي والعصبية والتعصب “([29]).ويرى حليم بركات التعصب للرأي والقبيلة والعائلة والطائفة الدينية وسيطرة الغريزة على العقل والانفعال على الفكر أن الازدواجية تسيطر على مختلف جوانب الثقافة العربية وهي تتجلى في التعارض بين" القيم القدرية وقيم الإرادة الإنسانية، بين القيم السلفية والقيم المستقبلية، بين قيم العقل وقيم القلب، بين قيم المضمون وقيم الشكل، بين قيم الانغلاق وقيم الانفتاح، بين القيم الجمعية والقيم الفردية، بين‎قيم الطاعة وقيم التمرد، بين القيم العمودية والقيم‏ الأفقية، بين قيم العدالة وقيم الرحمة والتسامح"([30]). ويعتقد أنطونيوس كرم أن الثقافة العربية تعاني من أزمة قيمية فالقيم العربية على حد تعبيره «هي مزيج غريب من قيم الحضارة الزراعية القديمة وقيم البداوة المتأصلة وقيم عصور الانحطاط وقيم الاستهلاك التي يصدرها الغرب لكل الأبواب المشرعة"([31]). وتجد الأفكار السابقة صداها عند المفكر العربي أحرشاو الغالي وهو من المهتمين بالمسألة الثقافية في الوطن العربي إذ يعتقد “بأن الثقافة العربية ثقافة تتأرجح فيها قيم الماضي والمستقبل، وقيم الأصالة والمعاصرة، وقيم الثوابت والمتغيرات وهي فوق ذلك كله “ثقافة مسالمة لا تحب المغامرة عاجزة عن الإبداع والابتكار حيث تعاني من وضعية مأزومة وهي في حالة انحطاط وانحدار ([32]). ويؤكد غالي شكري على طابع الازدواجية التي تتميز بها الثقافة العربية فالثقافة العربية بالنسبة إليه سلسلة من الازدواجيات التي لا تنتهي وهي ثنائيات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومعرفيه وهذا كله يؤدي إلى حالة من الانفصام داخل المثقف الواحد([33]).ويرى الجابري أن الثقافة الجماهيرية مشبعة بالأمراض والنكوص والتهميش والثنائيات الزائفة وهو وأن التناقض والتنابذ والصراع وغياب التواصل والحوار هي سمات أساسية في الثقافة العربية عامة ([34]). يؤكد بأن امتلاك الهوية أمر مرهون بالخروج من إطار ثنائيات ثقافية عربيه لا حصر لها وهي ثنائيات: الإسلام والعروبة، الأصالة والمعاصرة، الوحدة والتجزئة، الدين والدولة([35]). يشير توفيق الناصر إلى واقع الازدواجيات الكبرى التي في الثقافة العربية والتي تتمثل في التناقضات القائمة بين الباطن والظاهر، بين القول والفعل، والتي تؤدي إلى صراع ضمن نظام القيم والمفاهيم الاجتماعية ([36]).وينوه محمد زياد حمدان إلى واقع أزمة القيم في ازدواجيات تتجلى في إطار الحياة الثقافية اليومية فازدواج القيم على حد تعبيره “عادة يوميه يمارسها الأفراد والجماعات عموما في البيت والشارع وأثناء العمل وذلك دون انتباه لخطورتها والعمل على معالجتها أو الحدّ منها كظاهرة سلبية، ومثال ذلك الأب الذي يدخن بشراهة وينهي أبناءه عن التدخين والأب الذي يكذب دون خجل أو وجل وينهي في الوقت نفسه أولاده عن الرياء والكذب “([37]). تلك هي صورة الثقافة العربية بتناقضاتها اللامحدودة والتي يشير إليها الكتاب العرب من مختلف المشارب والأصول الثقافية والاجتماعية. فالثقافة العربة تعاني من التمزق وهي على حد تعبير زكي نجيب محمود لم تلتئم في شخصية واحدة فنحن لدينا أفراد منعتقون ولكن لا أظن أن لدينا روحا ثقافية موحدة حتى نستطيع أن نحكم عليها ([38]). إن أهم ما تتميز به الثقافة العربية وبصورة منفردة هو درجة الدمج بين العملية العقلية والنبضة الوجدانية في كيان واحد ([39]).

مفارقات الداخل والخارج:

تعبير عن مفارقة بين الحياة الداخلية للإنسان وبين حياته الخارجية وهي وضعية يتصف بها الشرق عموما وتسجل غيابها في المجتمعات الغربية([40]). وهذا يعني أن المحرمات والممنوعات لم تعد مصدر تناقض وجداني في المجتمعات الغربية ويلاحظ أن دائرة الممنوعات تتقلص مع تطور المجتمعات الغربية بينا تأخذ اتجاها متزايد الاتساع في حضارتنا الشرقية وهذا بدوره يشكل منبعا لأورام الازدواجية القيمية والوجدانية.

يقول سويد في هذا الخصوص" لقد تجاوزت المجتمعات الغربية الموقف المزدوج وضيقت دائرة المحرمات، فأصبح الداخل خارجا، وقضي على مصدر التناقض الوجداني لحساب الجانب العقلي ([41]). وهنا يحذّر الباحث من أن تذوب الشخصية العربية في بوتقة هذا التناقض وتخسر مقومات وجودها.، وهذا وضع يمثل رداءة الحياة العربية وينذر بانهيار الشخصية العربية.

التغير السريع:

نحن نعيش بين سندان مفاهمينا الثقافية الساكنة وبين مطرقة العالم المعاصر وحركته السريعة كما يقول تركي الحمد ([42]). يتحول العالم أمام أعيننا تحولاً سريعاً متواتراً ويقدم صيغاً تتغير كل يوم حول المستقبل وصورة المستقبل ونحن مازلنا أسرى الفتنة الكبرى وصفين وكربلاء وحطين وعين جالوت ([43]). نحن أمة تنتمي إلى الماضي ذهنيا، ونعيش في الحاضر ماديا ونريد السيطرة على المستقبل أملاً وحلماً، دون أن نمتلك مفاتيح هذا المستقبل، كيف يكون ذلك لست أدري؟ ([44]).

التقليد والحداثة:

" أصبحت مجتمعاتنا تعاني ازدواجية صميمية في مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، والإدارية، والثقافية، ازدواجية تتمثل في وجود قطاعين أو نمطين من الحياة الفكرية والمادية: أحدهما عصري مستنسخ من النموذج الغربي، مرتبط به ارتباط تبعية. وثانيهما تقليدي (أصلي أو أصيل)، وهو استمرار النموذج التراثي في صورته المتأخرة المتحجرة المتقوقعة، ونجد القطاعين معا متوازيين أو متداخلين بعض التداخل، يتصادمان ويتنافسان في حياتنا اليومية على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، كما على صعيد وعينا ونمط تفكيرنا([45]). فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([46]).

التهديد الخارجي:

التهديد الخارجي يدفع الذات المغلوبة إلى حالة تكون نكوص واحتماء ولجوء إلى الماضي، من أجل حماية الوجود. أما ميكانزم النهضة فهو العملية التي تبحث في الماضي عن أصول حضارية تعمل على تطويرها وبنائها، فميكانزم النهضة لا يطلب الماضي لذاته بل يختزله في أصول ويعيد إحياءه «([47]).

يقول جابر عصفور “هذا الزمن العربي المتعين بحكم شروطه التاريخية هو زمن يجمع بين أزمة متعددة في واقع الأمر أو زمن تتقاطع فيه الأزمان وتتصارع دون أن يكون أقربها إلى القرن الواحد والعشرين أكثرها تأثيرا أو حضورا أو قوة، فالزمن العربي النوعي زمن يجاور ما بين أقصى مظاهر التقدم، وأقسى درجات التخلف. زمن من المتعارضات المتصادمة أفقيا ورأسيا في أبنية الثقافة والمجتمع والاقتصاد والدولة بكل مسمياتها العربية ([48]).

أصبحت مجتمعاتنا “تعاني ازدواجية صميمية في مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية،والإدارية، والثقافية، ازدواجية تتمثل في وجود قطاعين أو نمطين من الحياة الفكرية والمادية: أحدهما عصري مستنسخ من النموذج الغربي، مرتبط به ارتباط تبعية. وثانيهما تقليدي (أصلي أو أصيل)، وهو استمرار النموذج التراثي في صورته المتأخرة المتحجرة المتقوقعة، ونجد القطاعين معا متوازيين أو متداخليين بعض التداخل، يتصادمان ويتنافسان في حياتنا اليومية على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، كما على صعيد وعينا ونمط تفكيرنا([49]).

فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([50]).

ومن مظاهر أزمة الهوية الثقافية هذا الانشطار الكبير بين معطيات الثقافة العربية التقليدية والثقافة الحديثة التي تأخذ طابعا عالميا. فالإنسان العربي يعيش زمنين منفصلين ومتعارضين تماما يعش الإنسان العربي أحدث معطيات الثقافة العالمية الحديثة ويوظف أحدث ابتكاراتها ولكنه وفي الوقت نفسه يعيش في عالم ذهني وفكري وعقائدي لا يختلف مع عطاءات الحاضر العالمي بل يتناقض معه على نحو شمولي.

ومن مظاهر التناقض الأزمي في هوية الثقافة العربية هذا التناقض الذي يتبدى أيضا في عمق الثقافة ومظاهر الحياة الثقافية. ففي عمق الثقافة العربية تنمو المتناقضات التاريخية “فإلى جانب حرية المرأة توجد عناصر عبوديتها، وإلى جانب القانون يوجد الثأر، وإلى جانب الفستان والبنطلون توجد عقلية الحريم عند النساء، وإلى جانب السيارة يوجد الحمار، وإلى جانب الأحياء الحديثة توجد الأحياء الضيقة وإلى جانب الإصلاح الزراعي والفكر الاشتراكي يوجد الاستغلال والرشوة. والثقافة العربية المعاصرة مليئة بالعناصر القمعية والاضطهادية فهي تشبع الديمقراطية كلاماً وتبخل عليها جداً في التطبيق، تتكلم عن حرية المرأة وتستعبدها في الآن الواحد “([51]). ومن أشكال هذا الصراع وهذا التفكك يشار إلى هذا الصراع الشامل بين قيم الغرب الثقافية والقيم التقليدية. “لقد أدى انتشار قيم الغرب في مجتمعاتنا إلى تلاشي بعض القيم التقليدية من جهة وإلى وجود صراع مع هذه القيم الغربية من جهة أخرى[52].

ولا بد من الإشارة في هذا السياق أن الثقافة العربية تمتلك منظومة متغايرة من القيم والعناصر الثقافية المتنافرة والمتعارضة حيث يلاحظ على سبيل المثال أن الإيمان بقدرات العلم يترافق مع الإيمان بالخرافة والشعوذة، وتترافق قيم عبودية المرأة مع قدسيتها، والانتماء إلى الأحزاب السياسية مع الانتماء إلى العشيرة، كما يترافق الإيمان بالقانون مع الإيمان بالثأر في آن واحد. فهناك “الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة والثقافة المتطلعة إلى الماضي والثقافة المشرئبة نحو المستقبل" [53]

فالازدواجية كما يعتقد حليم بركات تسيطر على مختلف جوانب الثقافة العربية وهي تتجلى في التعارض بين« القيم القدرية وقيم الإرادة الإنسانية بين القيم السلفية والقيم المستقبلية، بين قيم العقل وقيم القلب، بين قيم المضمون وقيم الشكل، بين قيم الانغلاق وقيم الانفتاح، بين القيم الجمعية والقيم الفردية،بين‎ قيم الطاعة وقيم التمرد، بين القيم العمودية والقيم‏ الأفقية بين قيم العدالة وقيم الرحمة والتسامح"[54]. ويختصر كلامه كله بالقول «بأن الثقافة العربية تتمحور حول قوى متناقضة وأن الثابت فيها هو الصراع نفسه"[55].

ويعتقد أنطونيوس كرم أن الثقافة العربية تعاني من أزمة قيمية فالقيم العربية على حد تعبيره «هي مزيج غريب من قيم الحضارة الزراعية القديمة وقيم البداوة المتأصلة وقيم عصور الانحطاط وقيم الاستهلاك التي يصدرها الغرب لكل الأبواب المشرعة"[56]. ويصور الباحث هذه الأزمة في صياغة أخرى مفادها أن العرب غير قادرين على الانصهار في حضارة العصر لأنهم يحلمون بالحصول على إنجازات العلم والتكنولوجيا منفصلة عن النظام القيمي الذي سمح بتطويرها. وأن العرب غير قادرين على تقديم البديل لأنهم يرفضون منطق العصر ويدعون إلى منطق الماضي"[57].

الماضي والحاضر

يرجع محمد عابد الجابري وضعية الأزمة التي يعانيها الوعي العربي الراهن إلى “الشعور بمأساوية وضعية انفصامية ينتمي فيها الأنا إلى الماضي، بينما ينتمي فيها الحاضر إلى الآخر. وضعية: يجد الأنا العربي نفسه فيها يتحدد بماضي يريد تجاوزه، وبحاضر لم يعدّ له الأمر بعد، الأمر الذي يجعله يشعر بفراغ على صعيد الهوية، ويعاني بالتالي القلق والتوتر([58]). فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([59]).

لقد شكل الصراع بين أنصار المعاصرة وأنصار الحداثة عنوانا لتصدع ثقافي شامل في بنية الثقافة العربية المعاصرة. لقد فقد أنصار هذين الاتجاهين كل خطوط الاتصال والتواصل وأخذ الصراع بينهما صورة تناحرية عدمية أدت وما زالت إلى تفجير صمامات الأمان للهوية الثقافية. فنحن إزاء ثقافتين وهويتين في قلب الثقافة الواحدة ثقافة تراثية أصولية فقدت صلتها بالعصر ومعطيات الحضارة، وثقافة الحداثة التي تقطعت عن جذورها وفقدت مقومات الخصوصية الثقافية والتاريخية.

خلاصة

- تعاني الثقافة العربية من أزمة قيم تتمثل في الانشطارات الثقافية المتواصلة وتعود هذه الأزمة إلى صراعات قيمية بين قيم الماضي والحاضر بين قيم الثقافة التقليدية وقيم الثقافات المعاصرة. وتعود هذه الأزمة في أكثر صورها وضوحاً إلى عدم قدرة الثقافة العربية على احتواء القيم الجديدة التي تطرحها الثورات العلمية التكنولوجية المتقدمة على كافة المستويات.

- تعاني الثقافة العربية من هجمة تحديات ثقافية ذات طابع إعلامي تستهدف قيم الوجود والأصالة والانتماء من حيث المبدأ وتستهدف تذويب الثقافة وصهرها واغتيالها من حيث الغاية.

- يعاني الإنسان العربي تحت إكراهات هذه الأزمة القيمية حالة اغتراب ثقافية اجتماعية وسيكولوجية: حالة من فقدان الإحساس بالانتماء على المستوى الثقافي، وحالة من الضياع في مستوى العلاقات الاجتماعية، وحالة من الذهانات النفسية على المستوى السيكولوجي باختصار إنه يعاني أزمة هوية وانتماء.

* جامعة الكويت

.....................................

[1]- إسماعيل قبرة، الذات العربية الممزقة، التحديات الراهنة والمستقبل، شؤون عربية، عدد 83، سبتمبر/ أيلول 1995، (صص 22-48)، ص29.

[2] - المعهد العربي للتخطيط في القاهرة، وثيقة تعليم الأمة العربي للتخطيط في القرن العشرين، تحرير سعد الدين إبراهيم، القاهرة 8-30/ إبريل 1992، ص 37.

[3] - جـان فريمون، تلاقـي الثقافـات والعلاقـات الدوليـة، الفكـر العربي المعاصر، مجلة العلوم الإنسانية، عدد،92 كـانون الثـاني، 1984، (صص 84-93)، ص91.

[4] - زكي نجيب محمود، قيم من التراث، دار الشروق، بيروت، 1990، ص 391.

[5]- عبد المنعم المشاط، التعليم والتنمية السياسية، مرجع سابق، ص 117

[6] - زكي نجيب محمود، فالق الحب والنوى، الأهرام، في 26/11/1985.

[7] - زكي نجيب محمود، في مفترق الطرق،، دار الشروق، بيروت، 1984، ص 359.

[8] - زكي نجيب محمود، في مفترق الطرق، مرجع سابق ص 359

[9] - الطاهر الليبي، سوسيولوجيا الثقافة، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 1987، ص 6.

[10] - سعد جلال، علم النفس الاجتماعي، الاتجاهات التطبيقية المعاصرة، الإسكندرية، 1984، ص29.

[11]- ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، وزارة الثقافة، دمشق،1984. ص: 229

[12]- ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، وزارة الثقافة، دمشق،1984. ص 230

[13] - Gilbert. Durand: les grands textes de la sociologie moderne, Bordas,Paris , 1969 , p. 91.

[14]- عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد فى النهضة العربية المعاصرة، شؤؤون عربية، عدد4، حزيران/يونيو، 1981،(صص 125-138)، ص130.

[15] - محمد الجوهري، عوض شكري، وآخرون، ميادين علم الاجتماع دار المعارف، القاهرة، 1980 ص281.

[16] - علي وطفة، الثقافة وأزمة القيم في الـوطن العـربي، مجلة المستقبل العربي،العدد 192، 2/1995،(صص 53- 67).

[17] - محمود الذوادي، بعض الجوانب الأخرى لمفهوم التخلف الآخر في الوطن العربي، مرجع سابق، ص82.

[18] - زكي نجيب محمود، خرافة الميتافيزيقيا، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953 ص133.

[19]- سيدي محمود ولد سيدي محمد، التنمية والقيم الثقافية، المعرفة السورية، عدد381، حزيران 1995، (صص83-95)، ص89.

[20]- عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة، شؤون عربية، حزيران / يونيو، عدد 4، 1981. (صص 125-138) ص 126.

[21] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة المرجع السابق، ص 130.

[22] - المعهد العربي للتخطيط، وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين “الكارثة والأمل “التقرير التلخيصي لمشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي، تحرير سعد الدين إبراهيم، القاهرة -18-30- نيسان أبريل، 1992. ص 37.

[23] - المعهد العربي للتخطيط، وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين، المرجع السابق، ص133.

[24] - علي حرب، غزو ثقافي أم فتوحات فكرية الفكر العربي، عدد 74، خريف 1993 ص74.

[25] - علي حرب، غزو ثقافي أم فتوحات فكرية الفكر العربي، المرجع السابق: ص64.

[26] - ملكة أبيض، ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، مرجع سابق، ص220.

[27] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، عدد 4، حزيران / يونيو، 1981، ص131.

[28] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، المرجع السابق، ص247.

[29] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، المرجع السابق، ص251.

[30] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، ص232.

[31] - أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، عالم المعرفة، العدد 59، نوفمبر/تشرين الثاني، 1982، ص164.

[32] - أحرشاو الغالي، مظاهر الثقافة العربية وشروط تحديثها، شؤون عربية، عدد78، حزيران،1994، صص:78-95) ص93.

[33]- غالي شكري، إشكالية الإطار المرجعي للمثقف والسلطة، المستقبل العربي، عدد 114، آب أغسطس، 1988، ص32.

[34] - رسول محمد رسول، وحدة الثقافة العربية وصمودها بوجه التحديات، المستقبل العربي، عدد193، آذار مارس، 1995(صص 136ـ147) ص 137.

[35] - محمد عابد الجابري، المثقف العربي وإشكالية النهضة، المجلس القومي للثقافة العربية، المثقف العربي دوره وعلاقته بالسلطة والمجتمع، وقائع حلقة الرباط الدراسية، 4-5 مايو /أيار، 1985 (صص 120-155).

[36] - الناصر توفيق، الخداع الذاتي ومفترق الطرق، الأهلية، بيروت، 1986، ص 52.

[37] - محمد زياد حمدان، أزمة التربية في البلدان النامية:واقع ومشكلات وحلول، دار التربية الحديثة، عمان،1991، ص 129.

[38] صلاح قنصوه، حول العقل العربي والثقافة العربية، حوار مع زكي نجيب محمود، المستقبل العربي، عدد 114، آب أغسطس , 1988، (صص 121-133).

[39] - صلاح قنصوه، حول العقل العربي والثقافة العربية، المرجع السابق ص 127.

[40] - يعادل مفهوم التناقض الوجداني الذي يحظى بانتشار واسع بين المثقفين العرب ولا سيما عبد المعطي سويد في كتابه التناقض الوجداني في الشخصية العربية مفهومنا أزمة القيم الذي نركز على استخدامه في هذه المقالة.

[41] - عبد المعطي سويد، التناقض الوجداني في الشخصية العربية، دار الحوار، اللاذقية،1992. ص 69.

[42]- تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص72.

[43] - تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص72.

[44]- تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص75.

[45]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[46]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[47] - محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص26.

[48]- تعقيب جابر عصفور على، السيد يسين، الفكر العربي والزمن:أين نحن الآن من نهضة مطلع القرن؟، عالم الفكر، الكويت، المجلد 16، العددان 3-4، يناير/مارس-إبريل/ يونيو1998، ص439.

[49]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[50] - محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، المرجع سابق، ص19.

[51] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، عدد 4، حزيران ـ يونيو، 1981، ص131.

[52] - محمود الذوادي، بعض الجوانب الأخرى لمفهوم التخلف الآخر في الوطن العربي، الوحدة، عدد 50، تشرين الثاني ـ نوفمبر، 1988، ص81.

[53] - عبد الله عبد الدايم، نحو فلسفة عربية تربوية: الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991 ص247.

[54] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، ص232.

[55] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، المرجع السابق، ص342.

[56]- أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، عالم المعرفة، العدد 59، نوفمبر/تشرين الثاني، 1982، ص164.

[57] -أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، المرجع السابق، ص165.

[58] -محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989،ص9.

[59] -محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آيار/2012 - 22/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م