المؤتمر الوطني: الثقة تسبق الحلول

نزار حيدر

لا حل للخلافات المستعصية بين الكتل السياسية في العراق الا باشاعة الثقة والثقة المتبادلة بين مختلف الاطراف، فاجتماع الابدان لا يجدي نفعا اذا لم يسبقه بناء الثقة، ولذلك فان ما لم يستطع الزمن تحقيقه على مدى اكثر من (9) اعوام لا يمكن ان نتوقع تحقيقه باجتماع او اجتماعين تحضره الابدان وتتغيب عنه الثقة.

 ان العلاقة بين الفرقاء اليوم يمثل صورة واضحة لما تحدثت عنه الاية المباركة في قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم {تراهم جميعا وقلوبهم شتى} فاذا كان الامر كذلك وهذا هو الواقع، فكيف يمكن ان ننتظر من اي اجتماع حلا للخلافات؟.

 ان على الكتل السياسية ان تستبدل سياسة التربص ببعضها بسياسة الثقة المتبادلة والانسجام السياسي، لتتمكن من الاجتماع المثمر الذي ينتج حلولا وليس كلاما معسولا او مزايدات اعلامية فارغة لا تغني ولا تسمن من جوع.

 ان مشكلة كل الاطراف السياسية هي انها تفكر بان تحصد من مثل هذه الاجتماعات كل شيء، من دون ان تفكر اي منها بالحلول النصفية، ان صح التعبير، فتأخذ شيئا وتعطي للأخرين شيئا، فان سياسة كل شيء او لا شيء لا يمكن ان تحقق وفاقا بين الاطراف ابدا.

 يجب ان تفكر كل الاطراف بسياسة الشراكة الحقيقية، من اجل ان لا تبحث عما يساعدها على الاستحواذ على كل شئ، من دون ان تترك شيئا للاخرين، فلقد جرب العراقيون سياسات الاقصاء والتهميش ونظريات مثل الحزب القائد والزعيم الضرورة والاوحد، فماذا انتجت سوى الدمار والحروب العبثية والتخلف وهدر المال العام؟.

 وبرايي، فان اس المشكلة الحالية التي تلف العملية السياسية، يمكن تلخيصها بعدة نقاط:

 اولا: التداخل الغريب بين السلطات لدرجة ان البعض بدا يشكك بفكرة استقلالية القضاء مثلا، او حتى عدم حيادية رئاسة الجمهورية التي تمثل صمام الامان والحارس الفعلي الذي يسهر على حماية الدستور، فلقد تحولت رئاسة الجمهورية الى جزء من المشكلة في الوقت الذي يجب ان تكون هي الحل او على الاقل العامل المساعد لحل المشاكل العالقة بين السلطات المختلفة في الدولة العراقية.

 ثانيا: مبدا المحاصصة سيء الصيت والذي انتج حكومة عرجاء غير منسجمة وتوافقية بامتياز، ليس في القرارات المصيرية والاستراتيجية فحسب وانما في كل شيء، ما ادى الى شل حركة الحكومة بدرجة مرعبة انتج كل هذا التوقف عن الاداء الحكومي الصحيح.

 ثالثا: وتأسيسا على النقطة اعلاه، فلقد انتج مبدا المحاصصة قاعدة (حكومة بلا معارضة) وبذلك الغيت احدى اهم مهام مجلس النواب الا وهي الرقابة على السلطة التنفيذية، لان كل من هو تحت قبة البرلمان مساهم في الحكومة، بشكل من الاشكال، فكيف ننتظر من مجلس النواب ان يراقبها ويحاسبها؟.

 لقد راينا مؤخرا تحت قبة البرلمان واحدة من اكثر المشاهد مهزلة عندما عجز مجلس النواب عن التصويت على سحب الثقة عن امين العاصمة من عدمها، بغض النظر عن الاحقية من عدمها، ولقد رأيت بنفسي كيف نشطت حركة الاتصال بالهاتف بين الفرقاء ليلة التصويت من اجل تأجيل الموضوع، ولما لم يتفقوا على ذلك لجأ عدد منهم الى تعطيل الجلسة من خلال الانسحاب من الجلسة للحيلولة دون اكتمال النصاب القانوني لها ما اسقط شرعية اي تصويت.

 هذا نموذج واحد من عدة نماذج يحكي قصة الطريقة السيئة التي تدير بها الكتل السياسية عمل السلطة التشريعية في البلاد، ولقد راينا كيف ان النصاب يكتمل وان القرار يتخذ بالسرعة القصوى وربما بسرعة الضوء اذا ما كان القرار المعروض للتصويت يتعلق بمصالح وامتيازات الاعضاء، اما اذا كان القرار يتعلق بحقوق طبقة ضعيفة من طبقات المجتمع، كطبقة المتقاعدين، فالامر يختلف كليا، فلقد استغرق التصويت على مثل هذا القرار لحد الان اكثر من عامين كاملين، من دون ان نرى اي نور في نهاية النفق المظلم كما يقولون.

 ان اي استجواب يطرح اليوم تحت قبة البرلمان تقول عنه الكتل انه استجواب سياسي، لماذا؟ لان المساءلة والمحاسبة والرقابة البرلمانية اليوم عرضة للابتزاز وللبيع والشراء، والا، لماذا لا يكون الاستجواب مهنيا بحتا؟ واذا ظل الاستجواب سياسيا فمتى سينال المقصر جزاءه؟ انه يفلت في كل مرة لان الاستجواب والدفاع عنه سياسيا وليس مهنيا.

 ان هذه المشاكل الحقيقية وغيرها لا يمكن تجنبها ووضع حد لها الا بالقضاء على المحاصصة والاصطفافات الاثنية والمذهبية، وان مفتاح الحل، برايي، يكمن في تغيير قانون الانتخابات واقرار قانون الاحزاب الذي تنص مسودته من بين ما تنص على عدم قانونية تشكيل الاحزاب على اساس اثني او ديني او مذهبي.

 ان واحدة من اخطر المشاكل التي تهدد العراق الجديد، هو مشكلة الفساد المالي والاداري، والذي تحميه المحاصصة، ولا يمكن حل هذه المشكلة الا بالغاء المحاصصة بتغيير قانون الانتخابات واعتماد مبدأ (صوت واحد لمواطن واحد) من اجل ان يحجز النائب مقعده تحت قبة البرلمان باصوات الناخبين وليس باصوات زعيم الكتلة، ما يمكنه من الجهر بمواقفه من دون خوف من زعيم الكتلة، ولي نعمته، او تردد.

 من جانب آخر، فان ضعف الهوية الوطنية وارتباط الكتل باجندات ما وراء الحدود، يساهم كذلك في اثارة الخلافات وعدم قدرة الكتل على حلها او على الاقل ايجاد الصيغ التوافقية للتخفيف من حدتها وغلوائها.

 كذلك، فان قانون الانتخابات الذي تنص مسودته على وجوب كشف ذمم الاحزاب ومصادر تمويلها، وكذلك علاقاتها خلف الحدود، سيساعد في ضبط توجهات الاحزاب والتقليل من التأثيرات الخارجية على توجهاتها واجنداتها.

 ان الكتل السياسية اليوم تواجه تحديا كبيرا ازاء علاقاتها مع بعض، فاما ان يجبروا انفسهم على التوصل الى حلول من نوع ما لخلافاتهم، سواء بطريقة التوافقات التي تشكلت على اساسها الحكومة الحالية، مع ما لها من سيئات جمة، او بالعودة الى الدستور، وما يمثل ذلك من مخاطر من نوع آخر، لاكمال المدة القانونية المتبقية لهذه الحكومة، لتمشية عملها وعدم التوقف والذي يضر بالعراقيين كثيرا، الى حين ان يحين وقت الانتخابات النيابية، وعندها، لكل حادث حديث.

 او انهم سيواجهون غضب الشارع الذي لم يعد يتحمل كل هذا الفساد والفشل والفوضى والعشوائية، فلصبر العراقيين حدودا، فاذا نفد ينفجر بركانا بوجه الكتل السياسية، وعندها سوف لن يسلم احد منهم، لانهم مسؤولون امام الشارع الذي منحهم الثقة ففشلوا.

 ان عليهم ان يتحلوا بالشجاعة فيتحملوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم، اذ كفى العراق ازمات سياسية ما ان تنتهي واحدة حتى تتفجر اختها، فاذا كانت الكتل منشغلة بالازمات وكانهم رجال اطفاء يركضون يوميا خلف نار تشتعل هنا واخرى تشتعل هناك، فمتى سيعملون على بناء البلد وتحقيق الانجاز يا ترى؟.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيار/2012 - 16/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م