العبودية الحديثة... ظاهرة اكثر ضحاياها من الرقيق الأبيض

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تتفاقم ظاهرة التجارة بالبشر عالمياً من خلال استغلالهم بصورة غير مشروعة على أكثر من صعيد خاصة في الفترة الأخيرة، أذ أصبح الاسترقاق الجنسي بمثابة عبودية جديدة تمــارس في وضح النهار. حيث يصطاد صياديو الرقيق الأبيض الضحايا بطرق عديدة وسهلة للغاية في ظل الانحلال الواسع في اغلب المجتمعات العالمية سواء كانت فقيرة او غنية.

ويعد الاتجار في البشر مع تجارة الأسلحة غير المشروعة  ثاني أكبر تجارة غير قانونية بعد المخدرات، وتعتبر أيضا الأكثر نموا في العالم، ويتم الاتجار بـ 800 الى900 ألف ضحية سنويا عبر العالم، ويقدر سعر الفرد الواحد من الرقيق الحديث بأقل من سعر أي هاتف جوال أو 90 دولارا. ففي كل 10 دقائق، تتم المساومة على رقيق واحد في الولايات المتحدة، ويتم استغلال ضحية واحدة حول العالم في كل دقيقة، ويتم استغلال أكثر من مليون طفل في تجارة الجنس العالمية، 80٪ ممن يتم الاتجار فيهم نساء وفتيات، و50٪ من القاصرين.

إذ أن تجارة الجسد في عصر العولمة صارت مرتبطة إلى حد كبير بأسواق بعيدة عن بلدان المنشأ التي تصدر بائعات وبائعي الهوى، وقد قسّمت العولمة دول العالم في المجمل إلى دول مصدرة للدعارة ودول مستوردة لها؛ الدول المصدرة هي الدول الفقيرة، والمستوردة هي الأسواق في الدول الغنية، وهو أمر يعكس المعادلة المعهودة بين البلدان المصدرة الغنية والبلدان المستوردة الفقيرة عادة. وعلى الرغم من كل المعالجات التي تقوم بها الجهات المعنية على المستوى العالمي، باتت هذه الظاهرة خطرا مستداما على هذا العالم. إذ يتضح انتشار هذه الظاهرة من خلال صدور كثير من الدراسات والتقارير والقرارات التي صدرت في الفترة الأخيرة حول سبل احتواء ظاهرة الاسترقاق، إلا ان أداء الأسرة الدولية في هذا المجال لايزال ضعيفا وقد يبقى كذلك على المدى البعيد.

الاسترقاق الحديث في العالم

في سياق متصل يوجد في عالم اليوم أكثر من 27 مليون شخص يرسفون تحت قيود العبودية الحديثة، نصفهم من الأطفال، إذ يفوق هذا الرقم أي رقم آخر في التاريخ الحديث، ويمكن لمثل هذه الجريمة الخبيثة أن تجد طريقها إلى أي خط إمداد لأي شركة في أي مكان بالعالم، ويعتبر الاتجار في البشر ثاني أسرع صناعة غير قانونية نموا على كوكب الأرض، وتدر سنويا أكثر من 20 مليار دولار، وتتخذ هذه العبودية المعاصرة أشكالا عدة، وتضم أفرادا من مختلف الأعمار والأنواع والأجناس، ولاتزال صناعات مثل المنتجات القطنية، والبضائع الجلدية، والتبغ، والمطاط، والكاكاو، والقطن تعتمد على الأطفال، أو أعمال السخرة، وتنتشر هذه الجريمة في الدول المتقدمة والناشئة والنامية، على السواء، وهناك الكثير من مبادرات القطاع الخاص، التي استطاعت أن تحقق تقدما ملحوظا في مكافحة هذا النشاط، وأن تسلط عليها الاهتمام الإعلامي، ومن بين هذه المبادرات مشروع الحرية، وأيضا حملة «إنهاء تجارة البشر الآن»، وتربط هذه الحملة مجتمع الأعمال في العالم، بعدد من المبادرات المناهضة للعبودية، وتشجعه على العمل بشكل أخلاقي أكثر، وأطلقت هذه الحملة في ،2006 تحت اسم «مبادئ اثينا الأخلاقية»، التي تبنت إعلان سياسة «عدم التسامح»، مع أي مؤسسة تستفيد بشكل أو بآخر من الاتجار في البشر. وبتوقيع المؤسسات على هذه السياسة، فإنها تكون قد قطعت عهدا على نفسها بأن تكون جميع عملياتها ـ في أي مستوى من المستويات ـ خالية تماما من الاسترقاق. وبتوقيع 12 ألفا و500 مؤسسة على هذه المبادئ، تم تحقيق تقدم كبير في الحد من الاسترقاق الحديث، إلا أن عملية رصد المجالات التي ينشط فيها «النخاسة»، تصبح أمرا يصعب القضاء عليه إلا من خلال العمل المشترك. بحسب السي ان ان.

أذ أن بين 18 و20 ألف ضحية يتم الاتجار فيهم سنويا في الولايات المتحدة، ومن المعتقد أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك، كما أن 200 ألف عبد يعيشون في الولايات المتحدة وحدها، وفقا لإحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن سن الـ،13 هي السن المناسبة لاستغلال الطفل في تجارة الأفلام الخلاعية والدعارة في الولايات المتحدة، ويعيش نحو 2.3 مليون طفل في شوارع العالم، ثلثهم يتم استدراجه للعمل في مجال الدعارة، خلال 48 ساعة من مغادرتهم منازلهم.

صيادو الرقيق الأبيض

فقد قُدر للفتاتين الصغيرتين، نيث وموم، أن تقعا في شباك صيادي الرقيق الابيض في كمبوديا، وعاشت نيث في أحد المواخير أشهراً عدة، إذ تم بيعها لصاحب الماخور من قبل ابن عمها، كانت ضعيفة ولا تدري كم سنها، لكنها تبدو في الرابعة عشرة، بيعت عذريتها في مناقصة، وفاز بها مدير صالة قمار من تايلاند، مات في ما بعد بمرض نقص المناعة المكتسبة (ايدز). أيضاً تبدو موم فتاة ناحلة تعيش تحت خط البؤس في ماخور آخر، تم اجبارها على ممارسة البغاء منذ خمس سنوات، وقُدر أيضاً ان يسافر الصحافي وكاتب العمود الشهير، نيكولاس كريستوف، الحائز على جائزة بلوتزير مرتين، الى منطقة موحشة وخطرة في الشمال الغربي من كمبوديا، إذ استطاع ان يحرر هاتين الفتاتين، بعد ان اشتراهما من سيديهما صحابي المواخير، فدفع 150 دولاراً مقابل نيث و203 دولارات مقابل موم. واستطاع كريستوف بمساعدة منظمة خيرية اميركية ان يدمجهما مرة اخرى في المجتمع الكمبودي، وتُعد قصة نيث وموم محطة صغيرة ضمن المحطات الاخرى التي كشفها كريستوف، وزوجته شيريل وودن، عن الظلم الذي شاهداه في العالم الحديث. ويعتقد كريستوف أن هذا السلوك غير الاخلاقي المتمثل في استخدام الفتيات الصغيرات في تجارة الجنس لا يقل وحشية وفظاعة عن تجارة الرقيق الافريقي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو فظائع التطهير العرقي في القرن العشرين.

مزايدة على عذرية فتاة

كما بدأت هذه الكارثة العالمية تتكشف بالتدريج ، اذ اكتشف ان ما يصل الى مليوني فتاة تختفي من على ظهر الارض بسبب «التطهير النوعي»، او ما يعني موتهن بسبب الاضطهاد، واخذ الكاتبان يتحريان ويسجلان مختلف انواع الاضطهاد الذي تتعرض له الفتيات، بدءاً من الاسترقاق الجنسي وقتل الفتاة بدواعي ما يسمى الشرف والاغتصاب والختان الى الحالات الاقل حدة، مثل منع الفتاة من التعليم والرعاية الصحية. ووسع الكاتبان شبكتهما لتضم الصين والهند وكوريا واليابان وإفريقيا، ويروي كريستوف «ذهبت إلى قرية خارج العاصمة فينوم بن، حيث تجرى مزايدة على عذرية احدى الفتيات، ومن سخرية الاقدار أن الشرطة بدلاً من مساعدة الفتاة جاءت لكي تمنعها من الهرب من سيدها»، ويضيف أن «الفرق الوحيد بين هذه الممارسات وعبودية القرن الـ 19 هو أن هؤلاء الفتيات سيقضين نحبهن بسبب مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، ولايزلن في الـ20 من اعمارهن. ويرى انها ليست عبودية سرية، وانما تتم ممارستها في وضح النهار، تماماً مثلما كان العبيد الأفارقة قبل 150 عاماً يعملون في مزارع اسيادهم البيض.

امرأة تضطهد امرأة

على صعيد مختلف ليس الرجال في جميع الاحوال متورطين في هذه الممارسات، اذ هناك ايضاً النساء، ففي احد المواخير الهندية كشف كريستوف وزوجته أن صاحبة الماخور تجلد الفتيات بنفسها اذا رفضن الانصياع لأوامرها بممارسة الجنس مع العملاء، وفي بعض الاحيان تكلف زوجة ابنها أو أبناءها بالقيام بجلد الفتيات. ويرى كريستوف ان التحدي الاخلاقي في هذا القرن يتمثل في الصراع من اجل المساواة بين الجنسين في العالم النامي. ويقول إن آخرين يعتقدون ان المقارنة بين محنة هؤلاء الفتيات اليوم والاسترقاق في القرون الماضية أو المحرقة أو التطهير العرقي امر مبالغ فيه. ويرد على ذلك بقوله إن «هذه الممارسات استمرت عقدين من الزمان في الخفاء قبل ان تظهر للعلن، وعندما نسمع بان من 60 الى 100 مليون انثى اختفين من الحياة العامة فإن مثل هذا الرقم يمكن مقارنته بتجارة الرق في اوجها في القرن ا،لـ 18 عندما تم ترحيل 80 ألفاً من الارقاء من إفريقيا الى العالم الجديد، لنكتشف ان تجارة النساء عبر الحدود الدولية تبلغ 10 اضعاف تجارة الرقيق.

ويقول المؤلفان انهما سافرا بعد زواجهما مباشرة الى الصين (وودن من اصل صيني)، لتغطية احداث ميدان تيانمين لمصلحة صحيفة نيويورك تايمز. وتقول وودن «لقد افزعنا ما رأيناه في ميدان تيانمين»، لكنها تضيف «تجولنا في الضواحي بعدها بعام أو عامين وبدأنا نكتشف ما لم نسمع به من قبل: قتل جماعي للصغار، حيث تموت اكثر من 30 مليون فتاة صغيرة داخل المجتمع الصيني». واكتشف الزوجان أنه وعلى رأس كل اسبوع تموت الفتيات اليافعات في الصين جراء عدم حصولهن على الرعاية الصحية، تماماً مثل عدد المحتجين الذين ماتوا في ميدان تيانمين (800 شخص).اكتشاف مثل هذه الحقائق المؤلمة والانتهاكات الفظيعة جعلهما يتساءلان عن جدية العمل الصحافي الذي كانا يؤديانه هناك في الولايات المتحدة، حيث يتجادلان مع بقية الصحافيين في المسائل الجيوبولتيكية كل اليوم، في الوقت الذي تحدث فيه مثل هذه الانتهاكات الانسانية في مكان ما من العالم، وفي الوقت الذي يجري فيه كل ذلك تحت انظارهم دون ان يكتب عنه احد، مثله مثل «قضايا النساء» التي تتجاهلها صحافة التيار الرئيس، وتقول وودن «شعرنا بالفشل في عدم رؤيتنا كل ما يجري من فظاعات تحت اعيننا». وخلال السنوات اكتشفا أن هناك خيطاً يربط كل هذه العناصر ببعضها بعضاً، وان هناك سلوكاً اجتماعياً لا يسمح للنساء بان يصبحن اعضاء نشطات في المجتمع، وألا تتم معاملتهن كآدميات.

رقيق أبيض من العراق

فقد ينشط تجار الرقيق الأبيض في استغلال حالات البؤس المدقع في العراق، لتحقيق أرباح هائلة عبر تهريب الفتيات العراقيات، تحت ستار تأمين وظائف في المنازل، إلى دول الخليج وغيرها من دول الشرق الأوسط، حيث يتم إجبارهن على بيع أجسادهن في الفنادق والملاهي، وتختلف الأسعار بحسب الزبون وعمر الفتاة، وما إذا كانت عذراء أم لا، ولا تخلو الممارسات الجنسية من الوحشية، المترافقة مع العنف والمعاملة غير الإنسانية، والأقرب إلى ما كان يعيشه العبيد في العصور الغابرة. هذا ملخص الوضع الحالي لآلاف الفتيات العراقيات، كما يشرحه تقرير الشبكة الاتحادية الإقليمية للأنباء ‘ايرين’، الذي تتبع حركة تهريب آلاف الفتيات العراقيات، بينهن ثلاثة آلاف وخمسمائة فتاة سجلن كمفقودات في العراق، ويشتبه أنهن يخضعن لعبودية جنسية في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، وأورد التقرير قصصا واقعية لفتيات مثل مريم، 16 عاما، التي أجبر الفقر والدها على تسليمها مقابل ستة آلاف دولار إلى أشخاص، وعدوه أنهم سيرسلونها إلى مدينة دبي لتعمل في تنظيف البيوت، على أن يعيدوها إليه بعد عام، مريم التي وافقت على الذهاب لتعين والدها على تربية إخوتها، خصوصا بعد أن حصدت قذيفة حياة والدتها أثناء دخول القوات الأميركية إلى بغداد عام 2003، وجدت نفسها في احد فنادق دبي برفقة رجل عجوز، عمد إلى مجامعتها مستخدما الشدة والعنف بعد أن دفع مبلغا إضافيا ثمنا لعذريتها، وقبعت مريم لفترة في شقة في دبي برفقة أكثر من 20 فتاة، يتم استغلالهن جنسيا كل يوم لمصلحة عصابات الرقيق الأبيض، التي كانت تهددهن بالقتل في حال رفضن الاستمرار بالعمل، غير أنها تمكنت من الفرار والعودة إلى بغداد، حيث تقوم جمعية حرية المرأة العراقية برعايتها، ونقل التقرير الذي نشرته الشبكة الاتحادية الإقليمية للأنباء، وهي شبكة تابعة بشكل شبه رسمي لمنظمة الأمم المتحدة، عن نهى سليم، الناشطة في إحدى الجمعيات النسائية، ان الوضع الأمني في العراق يجعل وقف هذه العملية مستحيلا. بحسب شبكة الانباء الانسانية ايرين.

وعن الأوضاع الحياتية والإنسانية لتلك النسوة فقد نقل التقرير عن شارلا مسبح، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، والتي تدير ملجأ في دبي لإيواء النساء ضحايا الاستغلال الجنسي، أن الوضع شديد الصعوبة والتعقيد، ووجهت شارلا اللوم إلى عصابات منظمة عالمية، تمتلك فنادق في دبي، تقوم بتهريب الفتيات من الخارج، للعمل في التجارة الجنسية في تلك الفنادق، بعد أن تغريهن بالقدوم عبر عروض وهمية للعمل كمدبرات منازل برواتب محترمة، وأضافت شارلا أن بعض الفتيات يجبرن على دفع 10 آلاف دولار للحصول على العمل، ليفاجأن بعدها بالعمل كعاهرات مقابل مبالغ تتراوح بين 6 دولارات و6 آلاف دولار، وذلك بحسب الزبون، التقرير الذي انتقد تقصير الإمارات في مجال ضرب شبكات التجارة الجنسية المنظمة، عاد ونوه بالجهود الحثيثة التي بدأتها البلاد في سبيل تدريب رجال القضاء والشرطة والأمن على التعامل مع الظاهرة، إضافة إلى تشديد الرقابة على تأشيرات الدخول لمواطني البلدان التي تشهد تهريبا، ولفت التقرير أيضا إلى تحول المجاورة إلى مقصد آخر لتهريب النساء العراقيات، بسبب قربها من العراق حيث يسهل بالتالي إدخال النساء إليها وإخراجهن منها، وبسبب سهولة التنقل بين سوريا والعراق، يبقى الرقم الحقيقي للنساء العراقيات اللواتي يتم تهريبهن إلى سوريا غير معروف، وبغياب القوانين الرادعة، والملاجئ المخصصة لإيواء تلك النسوة في سوريا، فقد لا يعرف أبدا الحجم الحقيقي لتلك التجارة البائسة بأرواح وأجساد البشر. يذكر أن الشبكة الاتحادية الإقليمية للأنباء ‘ايرين’ التي أعدت ونشرت التقرير، تتلقى دعما ماليا رسميا من دول مثل استراليا، وكندا، والدانمرك، واليابان، وبريطانيا، والولايات المتحدة. وبالرغم من كونها مركزا إخباريا تابعا لمنظمة الأمم المتحدة فان تقاريرها لا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة.

مافيا الاتجار بالنساء

على صعيد ذو صلة ومع هبوط الظلام تحتشد عشرات النساء في ساحة تاموزينيا، وعند اقتراب سيارة ليموزين يتجمعن حولها، وتبدأ المقايضة مع اماماشكا (القوادة) للتوصل الى اتفاق، انها مدينة اوديسا ميناء أوكرانيا على البحر الاسود، التي تعتبر احد اهم مراكز تجارة وتهريب النساء في العالم، ونظراً إلى فساد الشرطة والجريمة المنظمة، يتم بيع وشراء النساء وتعذيبهن، وخداعهن وفي حالات عدة تهريبهن الى المجهول، ونشرت وزارة الخارجية الاميركية تقريرا يتضمن دراسة شاملة ووافية عن هذا الموضوع بعنوان «تهريب الاشخاص»، ويشير التقرير إلى ان نحو 800 الف شخص يتم الاتجار فيهم عبر دول العالم، إذ ينتهي المطاف ببعضهم الى دور البغاء، وصالات المساج، والعديد من هؤلاء يأتون من اوكرانيا.

وبعيدا عن التقرير، وفي داخل مكاتب منظمة «ايمان، امل، حب»، الخيرية تؤكد الناشطة اولغا كوستيوك أن «ذروة الموسم» قد بدأت، وهي الهجرة السنوية لآلاف النساء للانضمام الى تجارة الاوديسا الجنسية، ويتم ذلك بالإكراه لبعض النسوة والخداع، عن طريق تقديم عروض العمل لأخريات. وعلى بعد ميلين الى الشرق من ساحة تاموزينيا تتجمع النساء في شارع كولونتايافسكايا. وهنا تمارس الرذيلة مقابلة 40 يورو للزبون، وتتعرض النساء للكثير من العنف، كما ان هذا الشارع المعزول يعتبر المكان الذي تختفي فيه النساء، او يتم تهريبهن، وتمارس ميلا، (18 عاما)، الرذيلة منذ ان كانت في الـ12 من العمر، وتقول «توفيت امي وطردني أبي من المنزل ولم يكن امامي سوى هذا العمل»، وبدأت صديقتها كاترينا هذا العمل وهي في الـ14 من عمرها، وتقول «اريد التوقف عن ذلك، ولكن ليس هناك اي عمل أمارسه»، وتشير الاحصاءات الاخيرة المتعلقة بالمومسات في اوديسا إلى ان 90٪ منهن يرغبن جاهدات في التخلص من هذه المهنة، وتعمل اعداد كبيرة من نساء ملدوفيا في هذا المجال. ويقول ناشطون محليون إن قرى بأكملها فرغت من النساء الشابات. وعندما يصلن الى اوديسا يتم استغلالهن و«تصديرهن» من قبل المافيا، التي تطورت اثر انهيار الاتحاد السوفييتي، وازدهرت تلك العصابات كثيراً في السنوات الاخيرة. وركز التقرير الاميركي على دور الموظفين الحكوميين في تهريب البشر. ويعتبر المدعون العامون، وشرطة مكافحة التهريب، وحرس الحدود، متورطين في تجارة الجنس جميعهم، وتقول النسوة اللواتي يعملن في ساحة تومازينايا انهن كن يدفعن نحو اربعة جنيهات للشرطة عن كل ليلة. وتجد النسوة، اللواتي لا يتم تهريبهن الى الخارج انفسهن مضطرات للعمل في شوارع اوديسا التي تعج بالعنف، إذ يواجهن أعمال عنف كثيرة، وهذا هو ما يميز المهنة. وقالت ميلا «يعمد القوادون الذين نعمل معهم الى نقلنا الى الضواحي الجانبية، وهناك نتعرض للضرب والاغتصاب. ولا يتدخل احد لحمايتنا، لانهم يدفعون المال للشرطة، ويتجلى الفساد في اشكال عدة، حيث تقوم دور الايتام الحكومية ببيع الاطفال، وحاولت منظمة « ايمان، امل، حب، أخيرا ان تنقذ فتاة في الـ15 من عمرها من إحدى دور الايتام في اوديسا، وتقول كوستياك «لكنها لا تريد ان تتوقف عن العمل في الدعارة، وعندما تم البحث عن القواد الذي يشرف على عملها وجدوا انه أستاذها في المدرسة، وتختفى آلاف الفتيات ضمن عشرات الشقق المخصصة للدعارة، والاندية المنتشرة في انحاء المدينة. ولا تستطيع المنظمات الخيرية الوصول الى هؤلاء الفتيات، وتقول اينا تيامشيك من «ايمان، امل، حب»، «حتى عندما نتصل بالقوادين الذين يشرفون عليهن فإننا لا نتمكن من العثور عليهن. ولانزال نجهل تعداد الفتيات المختفيات بالتحديد، وعلى الرغم من ان طرق تهريب الفتيات تختلف من واحدة لأخرى، الى ان معظم الفتيات اللواتي يجري تهريبهن من اوديسا، غالباً ما يتم ذلك عن طريق اغوائهن بحياة افضل. ويمضي المهربون أوقاتا طويلة في التجول داخل المدينة بحثا عن ضحايا جدد، ووصفت عاملة في منظمة انسانية كيف ان ابنة زوجها البالغ عمرها 15 عاما نجت من محاولتي تهريب. ويقول سيرغي كوستين الذي يعمل في مشروع «الطريق الى البيت، الخيري للمشردين في اوديسا «ان الوعود بالحصول على حياة افضل في الاتحاد الاوروبي هي التكتيك الاكثر استخداماً لاغواء الفتيات وتهريبهن للعمل في الرذيلة.

يســـرقون الضحايا.. وأجـورهن

فلم تتوقف جرائم تجار البشر عند حدود إجبار الضحايا على العمل في الدعارة، بل امتدت إلى ما يفترض أنه الحقوق التي ينبغي أن يتقاضينها عن العمل الذي يؤدينه. فقد ذكرت 14 ضحية من إجمالي 33 ضحية آوتهن مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، أنهن لم يحصلن على أجورهن من تجار الجنس، على الرغم من استغلالهن في هذا المجال، وأفاد تقرير لمنظمة العمل الدولية هذا العام بأن ضحايا الاتجار في البشر لا يقلّ عددهم عن ثلاثة ملايين شخص سنوياً، وأن أرباح الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، على مستوى العالم، تصل الى نحو 28 مليار دولار سنوياً، كما تقدر أرباح العمالة الاجبارية بنحو 32 مليار دولار سنوياً.

الدول العربية

من جهته قال مسؤول كبير بالامم المتحدة ان المنظمة الدولية لمست تطورا كبيرا في تصدي الدول العربية للاتجار في البشر الذي يعتبر ثالث اكبر تجارة غير مشروعة على مستوى العالم، وقال محمد عبد العزيز الممثل الاقليمي لمكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومقره القاهرة ان الامم المتحدة لمست "تطورا كبيرا في استجابة بعض الدول العربية لمكافحة الاتجار في البشر، واضاف انه "صدرت العديد من التشريعات بهذا الصدد في مصر والبحرين وقطر والامارات ومن بينها قانون زراعة الاعضاء في مصر وتنظيم قواعد الكفالة في البحرين، واشار عبد العزيز الى ان الاتجار في البشر يحتل المركز الثالث كأكبر تجارة غير مشروعة على مستوى العالم بعد تجارة الاسلحة والمخدرات، وافاد تقرير لمنظمة العمل الدولية ومقرها جنيف هذا العام أن ضحايا الاتجار في البشر لا يقل عددهم عن ثلاثة ملايين شخص سنويا من بينهم 1.2 مليون طفل وأن أرباح الاستغلال الجنسي للنساء والاطفال تصل الى نحو 28 مليار دولار سنويا كما تقدر أرباح العمالة الاجبارية بحوالي 32 مليار دولار سنويا، وقال عبد العزيز "تسعى الامم المتحدة من خلال مكتبها لمكافحة الجريمة والمخدرات الى مساعدة الدول العربية على تحديث التشريعات الخاصة بمكافحة الارهاب والاتجار في البشر والفساد بما يتلاءم مع المتغيرات التي فرضتها العولمة، واضاف أن "العولمة والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والمستجدات في مجال حقوق الانسان تتطلب تحديث التشريعات والقوانين بصورة تمكن الدول من التصدي للصور الجديدة للجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تعرقل جهود الاستثمار والتنمية في الكثير من بلدان العالم، وأطلقت الامم المتحدة البرنامج الاقليمي المعني بمكافحة المخدرات وتحديث العدالة الجنائية في الدول العربية في الفترة من 2011 وحتى 2015، ويهدف البرنامج الى تقديم المساعدة القانونية في مجال تحديث العدالة الجنائية. بحسب رويترز.

واشار عبد العزيز الى ان البرنامج يستهدف تدريب المتخصصين في المجال التشريعي بحيث "يكون القضاة وجهات انفاذ القانون على دراية بالمظاهر الجديدة للجريمة المنظمة وأساليب مكافحة الفساد والجرائم التي ترتكب ضد البيئة، وذكر عبد العزيز ان البرنامج يهدف ايضا الى مكافحة التجارة في المخدرات وتعاطيها في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، ويشمل البرنامج الجزائر والبحرين ومصر والعراق والاردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وسلطنة عمان وقطر والسعودية والسودان وسوريا وتونس والامارات العربية المتحدة واليمن ومناطق السلطة الفلسطينية.

أوربا

على صعيد أخر وافق وزراء العدل والداخلية في دول الاتحاد الأوروبي على إصدار قوانين جديدة موحدة أشد صرامة في مواجهة جرائم التجارة المنظمة بالنساء والأطفال لأغراض جنسية، ويأتي ذلك وسط مخاوف من آثار تنامي أعداد ضحايا هذه التجارة، وقال وزير العدل السويدي بودستروم إن هناك فتيات في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة في بيوت الدعارة السرية "يتعرضن للاغتصاب يوما بعد يوم، ولن يأخذ الأمر وقتا طويلا ليجدن أنفسهن قد انغمسن تماما في هذا العمل رغما عنهن، وأكد بودستروم أن جميع الوزراء أعلنوا تأييدهم لعملية الإسراع في سن القوانين الرادعة والمناسبة لهذا النوع من التجارة، وفي أشارت المسودة إلى فشل دول الاتحاد الأوروبي في محاربة تجارة الرقيق والاستخدام الجنسي للأطفال رغم توقيعها عام 1997 على إعلان بهذا الشأن. بحسب فرانس برس.

وقدر تقرير للمفوضية الأوروبية أن ما يقارب نصف مليون طفل وامرأة يتم إحضارهم إلى أوروبا سنويا لاستغلالهم في سوق الدعارة بحجة البحث عن فرص عمل شرعي، وأعلن مفوض الشؤون العدلية والداخلية بالاتحاد الأوروبي أنتونيو فيتورينو أن اللجنة اقترحت أن تكون العقوبات المتعلقة بهذا النوع من الاتجار في البشر، هي السجن لأكثر من عشر سنوات، وتتنايب العقوبات المشددة مع سن الضحية واستخدام العنف معها والمكسب الذي تحقق من العملية، وقال فيتورينو إن القوانين يجب أن تشتمل على كيفية توفير الحماية للضحايا الذين يشهدون أمام المحاكم ضد المتاجرين بهم، لكنه لم يتطرق إلى إمكانية منحهم تصاريح إقامة مؤقتة، وذكر بيان صادر عن رئاسة الاتحاد الأوروبي في السويد أن عدد الضحايا من النساء والأطفال في هذا النوع من التجارة أخذ في الارتفاع في السنوات الأخيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/آيار/2012 - 15/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م