اربيل... (رايح جاي)

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: على غرار افلام مثل اسكندرية رايح جاي، وفيلم اسماعيلية رايح جاي، وهما مدينتان مصريتان معروفتان، يمكن ان يكون عنوان هذا الموضوع بالشكل الذي تسيّد الصفحة.

ما لذي تعرفونه عن اربيل؟

كنت في سنوات المراهقة الاولى في سبعينات القرن المنصرم، حين ذهبنا بسفرة عائلية الى مصايف الشمال العراقي وتحديدا مايقع منها في اربيل... في كراجات النقل العام، وحين تكون صغيرا في السن وبدون خبرة او تجربة، سوف لن تسمع من ينادي المسافرين الى اربيل.. اين ذهبت تلك السيارات التي تغادر الى تلك المدينة؟ حسنا انها (هه ولير) وهي تكتب هكذا باللغة الكردية.

تلك معلومة جديدة اكتسبتها في تلك السفرة.. وماذا غير ذلك؟ كباب اربيل، لبن اربيل، واي شيء يحمل تلك العلامة التجارية (اربيل) يتم تسويقه بسرعة... فاربيل التسعينات لم تعد كما كانت، اصبحت مع بقية مناطق الشمال (السليمانية – دهوك) ملاذا ومعبرا للهاربين من جحيم السلطة، واصبحت كذلك مقر اقامة وعمل لكثير من المعارضة العراقية، قبل ان ينقلب عليهم السيد مسعود البرزاني ويسلمهم الى صدام حسين عدوه اللدود، وبعد أن اقتتل مع اخوته الاكراد قتالا لكسر العظم والحصول على سيادة يفرشها على مساحة المناطق الكردية.

واربيل ايضا مكان انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في العام 2003 للبحث في مآلات الحرب على العراق، وكان التوجه السائد وقتها لدى الاعضاء الحاضرين هو تشكيل حكومة انتقالية وهو ما رفضته واشنطن حينها.

واربيل هي مكان انعقاد مؤتمر المصالحة والمساءلة في العام 2009. وهي ايضا مكان انعقاد المعارضة الكردية السورية، في العام 2012... اربيل بارعة في استقبال ضيوفها، وهي براعة للعرف العشائري الذي تمتاز به دور كبير، حيث اكرام الضيف واجب مقدس، مثلما الحال في الكثير من مناطق العراق.. لكن ضيوف اربيل، لا يمكن ان يمروا بها دون تناول كبابها ولبنها الشهير، وهما وجبتان يفقدان من يتناولهما اتزانه ويتبلد فكره ويشعر بثقل الدهون والدسم الكامل.

واربيل هي الان ملتقى التشاور الخماسي، الذي حضره الناقمون على رئيس الوزراء والمعارضون له.

هل شاهدتم استقبال السيد مسعود البرزاني للسيد مقتدى الصدر؟

الصورة تشي بالكثير من صور السياسة، وتكشف اكثر ما يمكن من طموحات واطماع وتمنيات.. يتقدم مسعود على البساط الاحمر لاستقبال ضيفه، الا انه يتوقف قبل نهاية البساط بمسافة قليلة.. انه ينتظر ضيفه كأي رئيس لدولة كبرى، لا يصح له ان يتقدم اكثر، فهو يزار من قبل شركائه في العملية السياسية العراقية، لكنه لا يزور.. هو الواقف على تخوم المجد، واي مجد اكثر من ان تكون حاكم (هه ولير) وسيدها الاوحد؟

السيد مقتدى الصدر، قد يكون انتبه لهذه الحركة، صافحه بيد مستقيمة، ووضع يده الاخرى على كتفه دون قبلات او احضان، كما تعود العراقيون والعرب في السلام على الاخرين.. يد احد الشركاء على كتفه، انها اشارة الى بسط الحماية، كالوالد يحمي ولده، وهي اشارة الانداد، لا احد اعلى من احد في مجال المقامات الرفيعة.

الرجل الذي يزار من شركائه في الوطن، هل ثمة وطن غير كردستان؟، هكذا يفكر الرجل، لكنه يزور الاقوى حاملا شكاياته وتظلماته، الى السيد الاكبر، وحاكم الكون السياسي والاقتصادي الاوحد.

هي اذن زيارات يستدعى اليها ولا يدعى وشتان بين الزيارتين، لكنه الوهم بمكانة اكبر من كل حجم يمكن ان يحتله الاخرون في عراق الديمقراطية المناطقية، وعراق الابتزاز السياسي، والتقلب بين التحالفات والانتماءات.

هو وهم قد يكون سببه كباب اربيل ولبنها كامل الدسم، الذي جعل اللحظة التاريخية باتجاه ان تكون اربيل عاصمة الملتقيات والمؤتمرات ولو الى حين، لكن اربيل لا يمكن لها ان تسحب البساط من تحت اقدام عاصمة عريقة كبغداد، الا اذا بلغ الوهم في العقول حد اعتبار بغداد مدينة كردية كما يشير الى ذلك الباحث العراقي علي السعدي في احد مقالاته المنشورة وهو في صدد تحليل تلك العلاقة بين بغداد واربيل حيث يذكر (بعد أيام من سقوط نظام صدام، وعند دخوله إلى بغداد بعد سنوات من الغياب عنها، عبّر أحد قادة الكرد البارزين عن ذلك بقوله «هاهي بغداد، أكبر مدينة كردية» وقد استبشر سامعوه خيراَ باعتبار أن كلامه جاء دليلاً على مقدار تمسّك الرجل بعراقيته وببغداد عاصمة له، وما كادت تمرّ بضعة أشهر أخرى، حتى أطلق القائد ذاته مقولة «كلّ من لا يتكلم الكردية فهو خائن» ولم يوضح عندها، إن كان يقصد الكرد وحسب، أم العراقيين جميعاً. لكن وبعد أن قطعت العملية السياسة شوطاً، جاء مستجيباَ بمعظمه لطموحات ومطالب ذلك القائد، صار بالإمكان النظر إلى المغزى الحقيقي الكامن وراء تلك التصريحات).

اربيل الان وما يحدث فيها ينطبق عليها عبارة (خرّي مرّي) وهي كناية بغدادية عن التكرار المزعج، والخرّي: فم الرحي، ومري: من المرور.. او كما عنونت هذه السطور في البداية (اربيل رايح جاي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/آيار/2012 - 9/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م