الأمن الاجتماعي.. مسؤولية الجميع

محمد محفوظ

رصدت وسائل الإعلام المحلية في الآونة الأخيرة، العديد من القصص والأحداث، التي تكشف عن خلل اجتماعي خطير يعاني منه واقعنا الاجتماعي.. إذ تعددت حالات الانتحار والانحرافات الاجتماعية والسلوكية والتي تأخذ أشكالا وصيغاً مختلفة..

فالانتحار مثلا ليس ظاهرة فردية بحتة، وإنما ينم عن خلل في المسيرة الاجتماعية، أفرز هذا الخلل هذا الخيار البائس بالنسبة إلى البعض.. كما أن استخدام القوة في إنهاء بعض المشكلات الأسرية أو الاجتماعية أو المالية، يعد تحولا اجتماعيا كبيرا في طريقة التعامل مع هذه النوعية من المشكلات والأزمات..

وعلى ضوء هذه الوقائع، من الضروري أن تتدارس النخب الوطنية من مختلف مواقعها مسألة الأمن الاجتماعي.. لأن الأمن الاجتماعي، لا يصنع بالتوجيهات الأخلاقية والمواعظ الاجتماعية فحسب.. وإنما هو بحاجة إلى مشروع اجتماعي متكامل، ينهي جذور الظواهر الاجتماعية السيئة، ويؤسس الظرف الاجتماعي - الإنساني المناسب لعملية الأمن الاجتماعي ومتطلباته النظرية والعملية.. وبالتالي فإن المنهج الذي ينبغي اتباعه لتحقيق الأمن الاجتماعي هو منهج مركب، يستوعب التفاعل الموضوعي بين مختلف مكونات الظاهرة المجتمعية.. لهذا ينبغي أن نهتم جميعا بموضوعات الأمن الاجتماعي، وإفشال كل المخططات التي يحاول من خلالها شياطين الإنس، ترويج الفساد والانحراف في ربوع وطننا العزيز..

وإن اللامبالاة الاجتماعية تجاه الانحرافات التي يضعها أعداء المجتمع، عبر ترويج السموم البيضاء، تعد تقصيرا حقيقيا بحق الوطن والمواطنين، وتضحية بمستقبل الأجيال..

إن السلوك الذي يتبعه أفراد عصابات المخدرات، التي يتم اكتشافها وإلقاء القبض على أفرادها من قبل الجهات المختصة يكشف لنا بوضوح عن أن شياطين الإنس يسعون بكل إمكاناتهم لترويج المفاسد وتخريب شبابنا، ولا يفرقون في ذلك بين عائلة وأخرى، وشاب وآخر.. وإنما يعملون على ترويج السموم البيضاء، غير عابئين بكل الآثار المترتبة على انتشار هذه السموم في مجتمعنا..

إن هذه المسألة، تؤكد ضرورة العمل الجاد من قبل كل المواطنين، على إفشال هذه المخططات الجهنمية، والعناية بالشباب توعية وتثقيفا، حتى لا يكونوا لقمة سائغة لأعداء الوطن ومروجي المفاسد..

اجتثاث من الجذور:

وفي هذا الإطار، ينبغي الالتفات إلى حقيقة أساسية، وهي أن التساهل مع مروجي المخدرات والسموم البيضاء، لا يؤدي إلى القضاء على هذه السموم، وإنما تجعلهم يبحثون عن أساليب أكثر أماناً لترويج سمومهم.. لذلك فإننا آباء وأمهات، مؤسسات رسمية وغير رسمية، بحاجة لأن نبذل الجهود الكبيرة، من أجل البحث عن الجذور التي تمد هذه العصابات بالسموم، والعمل على اجتثاثها..

وإن ملاحقة المنابع الأصلية، التي تروج هذه السموم في ربوع وطننا، مسؤولية الجميع.. وذلك عبر أن يتحول كل مواطن إلى عين ساهرة على أمن الوطن والمواطنين..

ولا شك أن إحساس كل مواطن، بأنه مسؤول عن هذه المسألة، سيقدمنا خطوات، في طريق القضاء على السموم البيضاء ومروجيها..

الأسرة والدور الفاعل:

وفي هذا الصدد أيضا، تتحمل كل أسرة، مسؤولية عظيمة في هذا المجال.. وذلك عبر العناية بأبنائها، والاهتمام بالبعد التربوي والأخلاقي، ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم..

وإننا لو درسنا حالات الأفراد، الذين تورطوا في هذه الجرائم والانحرافات، سنكتشف أن غياب دور الأسرة في التربية والمراقبة، هو أحد العوامل الرئيسية، التي أدت أو شجعت هؤلاء على الانحراف والدخول في عالم الإجرام والجريمة..

لهذا ينبغي أن تهتم كل أسرة بهذه المسألة.. فكما تهتم بلباس أبنائها، ينبغي أن تهتم بتربيتهم وتأهيلهم النفسي والأخلاقي..

ضرورة التوازن والطمأنينة النفسية:

وإن الأمن الاجتماعي، هو وليد مستوى التوازن والطمأنينة التي يشعر بها الإنسان، وفي تكامل العلاقات الداخلية وسلامتها.. وقد حاول (دور كهايم) في كتابه (تقسيم العمل الاجتماعي) (1893 م)، أن يدرس الظواهر الاجتماعية الموجودة في عصره..

فوصل إلى نتيجة مفادها: أن تقسيم العمل المفرط، الذي يسير نحو التعقيد المتزايد، ربما يقود في ظروف مجتمعية خاصة، إلى أن يفقد العمال مثلا معنى علاقاتهم بالآخرين، ويقود هذا إلى انحطاط وتدهور العلاقات الاجتماعية..

وقد وصف (دور كهايم) هذه الحالة بالأنومية والمجتمع الأنومي، وهو مصطلح استخدمه (دور كهايم) ليصف حالة مجتمعية حزينة يرثى لها.. فهو مجتمع مفكك العلاقة، لا تتناسب فيه مصالح الأفراد، ويفتقد ضبط أجزائه، وربطها معا في كلّ متماسك..

وينبغي أن ندرك جميعا، أن اتكاء نظرية الأمن الاجتماعي، على مجموعة من الإجراءات فقط، لا يؤدي إلى تحقيق الأمن، بل يؤدي إلى ازدواجية في شخصية الإنسان، تدفعه باتجاه البحث عن أساليب ملتوية لاختراق جدار الأمن الاجتماعي..

لذلك فإن توفر حالة التوازن والطمأنينة النفسية، سيؤدي إلى إشراك قاعدة اجتماعية واسعة، ترى من مهمتها تحقيق الأمن الاجتماعي والمحافظة عليه..

وبالتالي فإن الأمن الاجتماعي، ليس مهمة فئة أو شريحة محددة فحسب.. وإنما هو من مهمة الجميع واختصاصهم..

وهذه المسؤولية الجمعية، لإنجاز مقولة الأمن الاجتماعي، تستدعي تنمية قدرات المجتمع وتعميم المعرفة، وصناعة الوعي، التي هي عوامل ضرورية للأمن الاجتماعي..

فكلما توسعت دائرة العلم والمعرفة والوعي بمخاطر المخدرات وآثارها القاتلة في صفوف المجتمع، اقتربنا من مفهوم الأمن الاجتماعي.. فهو ليس وصفة أو مجموعة من الإجراءات، وإنما هو عملية متكاملة، تبدأ بزيادة العلم والمعرفة والوعي، وتنتهي بتحمل المسؤولية الوطنية المتجهة إلى بناء المجتمع، وتقوية أسسه وسد ثغراته، والامتناع عن استخدام أو الاقتراب من كل مفردة وعمل يهدد أمننا الاجتماعي..

وإن القبض من قبل رجال الأمن، على عصابات السموم البيضاء، هو الخطوة الأولى في طريق طويل، ينبغي لكل مواطن أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في هذا السبيل، لإكمال الطريق، وتحقيق الأمن الشامل في ربوع الوطن العزيز..

وذلك عبر اليقظة الدائمة، ضد مؤامرات شياطين الإنس، ومخططاتهم الإجرامية، التي تهدف إلى تدمير الإنسان وإسقاطه في الهاوية والحضيض..

وتحصين النفس، وتوفير مقومات الدفاع الذاتية، عبر العلم والثقافة والوعي بمخاطر هذه السموم وآثارها التدميرية على حياة الإنسان الفرد والمجتمع..

وإننا مطالبون (كلّ من خندقه الوطني)، إلى العمل الجاد على بلورة مشروع وطني متكامل، يزرع الوعي في عقول أبناء المجتمع، ويحصنهم ضد الانحرافات والأخطار..

ويطلق مشروعا توعويا شاملا، يتجه إلى كل فئات المجتمع، من أجل توفير مقومات الأمن الاجتماعي الشامل..

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/آيار/2012 - 9/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م