احترام الشارع والبناء المجتمعي

 

شبكة النبأ: الشارع مكان عام، يتشارك في ملكه الجميع، ويتحركون من خلاله لقضاء أعمالهم المختلفة، ونتيجة لذلك، يحدث الاحتكاك، بين هؤلاء الناس الذين يتمتعون بمستويات ثقافية وذهنية متفاوتة، فتظهر الى العلن، أذواقهم وأخلاقهم وكلماتهم، بمعنى أدق تظهر شخصياتهم بوضوح للآخرين، على شكل سلوك وكلمات، منها ما يبدي الاحترام للشارع، ومنها العكس تماما.

لذلك تكونت مجموعة من القيم والاخلاقيات التي تنظّم تواجد الناس في الشارع واستخدامهم له، لأن الجميع يحتاج الى الشارع رواحا ومجيئا، يقول احد الكتاب (فى الزمن الجميل كنا نسمع كلمات افتقدناها هذه الأيام، كان الرجل يقول إذا طلب شيئا أو استفسر عنه «من فضلك» أو «بعد إذنك» وعند النداء يقرنه بما يفيد التوقير والاحترام مثل «يا أخى» «يا أستاذ» «يا أختى» ولمن يكبره سنا «يا عمى» «يا خالة» وإذا أخطأ يقول «آسف» «سامحنى لم أقصد». وإذا سألت عن مكان شارع أو بيت تجد من يقوم بتوصيلك وإذا لم يعرف يعاونك فى سؤال الآخرين. وفى وسائل المواصلات نجد الصغير يترك مكانه للشيخ العجوز والمرأة والمريض)، هذه القيم دليل على تحضّر وتمدّن المجتمع، وهي شبكة او منظومة متشعبة، لم تنبنِ في يوم وليلة، إنها تراكم قيمي تطلّب من شرائح ومكونات المجتمع قرونا متعاقبة، لكي تترسخ هذه القيم وتنظّم استخدام الشارع بالصورة الصحيحة، ويقول الكاتب نفسه (كان المنديل القطنى جزءا لا يتجزأ من شخصية الإنسان، يستعين به إذا أراد أن يبصق، بدلاً من البصق فى الشارع والطرقات، وكان الاهتمام بالخضرة والورود وغرس الأشجار فى الشوارع والنوافذ وفوق الأسطح باديا، والآن صارت تلال القمامة تملأ كل شبر فى بلدنا).

وقد أثبت علم الاجتماع أن سلوك الانسان في الشارع العام، يعكس دواخله وطبيعة شخصيته، لذا فمن يحترم الشارع ويستخدمه بصورة محترمة، فهو بذلك يحترم نفسه أولا، وهذا دليل قاطع على رصانة شخصيته وتوازنها، ناهيك عن تحليه بمستوى عال من الوعي والثقافة والانسانية، وقد أظهرت - مثلا- كثير من الدراسات المعنية بالسلوك الفردي، علاقة وثيقة بين شخصية الانسان وطريقة قيادته للسيارة، لذا ظهرت المقولة ذائعة الصيت (السياقة فن وذوق وأخلاق)، كذلك هناك قيم اجتماعية على بساطتها، لكنها تبدي الاحترام التام للانسان الآخر والشارع معا، ناهيك عن الاحترام الذي نبديه لأساتذتنا ومعلمينا وكبار السن منا، فمنظومة الاحترام شاملة، أي حينما تحترم الشارع لابد أنك تحترم الآخرين، فقد كنا حتى وقت قريب نخجل من أن نمر فى الشارع الذى يسكن فيه أستاذنا، احتراما له، لا لشيء آخر، وثمة الكثير من القيم التي افتقدناها، فأثّرت سلبا في استخدامنا للشارع، وشاعت مظاهر سلوكية تنم عن الانانية وتفضيل الذات، وحين تغيرت تلك الجماليات والأخلاق، بدأنا نرمى بالعيب على الزمن، كما يقول الشاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا     وما لزماننا عيب سوانا

ومن يرصد ما يجري اليوم في الشارع العراقي، سيلاحظ بوضوح بعض المظاهر المؤسفة، خاصة ما يحدث من اصحاب السيارات الخاصة وسواها، فالكل يريد أن يتقدم على غيره، وكأننا في ساحة سباق، كما أن طريقة إيقاف السيارة في هذا المكان أو ذاك، تدل على عدم التفكير بالآخرين، وهذا ما يمكن ملاحظته يوميا في معظم الشوارع العامة، أما القول بأن رجل المرور يجب أن يضبط السير والوقوف وما الى ذلك، فإن الامر لا يتعلق برجل المرور بل بالذات أولا، لأن كل فرد مسؤول عن سلوكه، وعليه أن يصححه ويراقب نفسه دائما، ويفكر بغيره دائما.

لذا مطلوب أن نتعاون لكي نحافظ على قيم الاحترام المعهودة، ومنها ما يتعلق باستخدامنا للشارع العام، وتقديم الاحترام على كل شيء، حفاظا على شخصياتنا وانسانيتنا، فمن المهم جدا أن نتحلى بالمسؤولية تجاه الآخر، ونفكر بما يريحه ويساعده على خلق الحياة اليومية المناسبة والسهلة في آن، لأن التفكير بالآخر يعني القضاء على الكثير من المشكلات، واذا اصبح هذا النوع من السلوك سمة غالبة في المجتمع، فهذا دليل على عمق العلاقات المتبادلة بين الافراد والجماعات، ومن ثم نجاح المجتمع في بلورة تقاليد جيدة تنتشر بين الناس جميعا، منها وربما أهمها، إحترام الشارع من لدن الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/نيسان/2012 - 7/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م