إسرائيل: وصافرات إنذار ملوّنة!

د. عادل محمد عايش الأسطل

بعد التعهدات الذي قطعها، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "بيني غانتس" لمواطنيه الإسرائيليين، من مسألة تقديم الحماية لهم، أينما تواجدوا في الدول حول العالم، وأن إسرائيل ستفعل كل شيء لحماية أمن سكانها. وأنها ستتعامل مع كافة التهديدات الوجودية، كما تعاملت بشأنها في الماضي، لإمكانية القيام بذلك وفي كل مرة، وخاصةً في ضوء، مواجهة إسرائيل وبصورةٍ قوية، لتحديات "مقاومة" كبيرة، تعمل على استنزاف طاقاتها المختلفة، بهدف تقويض أركانها والخلاص منها، كما كان الحال منذ بدايتها، مضافاً إليها جملة التطورات الثورية الحاصلة داخل الدول العربية، حيث تنم من وجهة النظر الإسرائيلية، عن معطيات غير جيدة إسرائيل، من حيث تجدد الشعارات المناوئة لها، وخاصةً من قِبل أولئك الذين يريدون تدمير الشعب اليهودي.

 تبيّن فيما بعد بأن تعهدات "غانتس" هذه لم تتجاوز دعوته، وبعد ورود تحذيرات حامية ضد الإسرائيليين ومصالحهم، من خلال ما يسمى "مكتب الإرهاب الصهيوني" التابع له، إلى عودة الإسرائيليين، أو المساعدة في عملية جلبهم، من البلدان والأماكن التي يتواجدون بها، ومن ثم إلى الملاجئ المقامة، مباشرةً تحت القبة الحديدية، في داخل إسرائيل، بعد إعطائهم كمامة واقية، وملعقة من الحليب، وجرعات تأهيلية نفسية، للحيلولة دون الإطاحة بمعنوياتهم المتواضعة في الأصل.

فمنذ ظاهرة الحوادث والتفجيرات المتلاحقة، التي حدثت منذ بداية العام الجاري، وكانت تهدف إسرائيليين في الدول حول العالم، وكانت اتهمت بالتورط فيها إيران، وأعضاء في منظمة "حزب الله"، وجهات فلسطينية وجهادية أخرى، كان أصدر "مكتب مكافحة الإرهاب" حينها تحذيرات بمنع السفر، وسط تفاقم أزمة استهداف الإسرائيليين، إلى كل البلاد التي شهدت مثل تلك الحوادث، مثل الصين والهند وجورجيا وأذربيجان وتايلاند وتركيا وغيرها، وبالإضافة إلى البلاد التي من الممكن أن تكون عرضةً، لتلقي مثل تلك الحوادث، والتي زادت على 33 بلداً، وحسب درجة الإنذار صعوداً وهبوطاً، وتعلقت بمناطق واسعة أيضاً، من القارة الأفريقية، بدءاً من نيجيريا، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى، ومنطقة القرن الأفريقي والمغرب العربي، من بينها، تونس ومدينة جربة حيث وجهت الدعوة للحاخام "شيمون بار يوشاي" هناك إلى أخذ الحيطة والحذر، للحيلولة دون وقوع هجمات محتملة ومشابهة، لما حدث وتم تفجير الكنيس اليهودي بها، أوائل أبريل/نيسان العام 2002، وأدى إلى وقوع ضحايا، ومن تجنب استقبال زيارات للمنطقة بسبب زيادة خطر وقوع هجمات جهادية عالمية، أو جهات معادية أخرى.

لهذا فقد لجأت معظم الأسر الإسرائيلية، إلى إلغاء عقودات سفر إلى تلك الدول، واقتصار الأعمال والاحتفالات والتنزه، إما في أوروبا ذات التكلفة العالية، وإما البقاء في إسرائيل.

وكانت الدعوة الملحة من جانب مكتب "مكافحة الإرهاب" إلى الامتناع عن زيارة تلك الدول وخاصةً تركيا، التي كانت ميداناً لتفجيرات متكررة، وكان آخرها الذي وقع في منتصف فبراير/شباط 2012، حيث كانت تلك الدعوة تمثل صدمة للإسرائيليين، باعتبارها مقصداً سياحياً مهماً لهم، وظلت هذه الدعوة قائمة إلى الآن، لمداومة ورود التحذيرات الساخنة، حول محاولات جادة، تقوم بها عناصر معادية، ضد أهداف إسرائيلية أو يهودية في البلاد. وتفاقمت الأزمة حينما حذّر الموساد نفسه، البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في تركيا، من أن يكونوا تابعين للاستهداف، بعد التفجيرات التي كانت استهدفت إسرائيليين وبعثات إسرائيلية أيضاً.

وبالرغم من تصريحات الجيش الإسرائيلي، والجهات المسئولة الأخرى، من أن تلك الإجراءات هي آنية وروتينية، إلاّ أنه بات من الواضح، تجدد ملحوظ حول استمرارية، ورود تلك التحذيرات والدعوات إلى المغادرة، لا سيما، وهو الذي اعتبر الأكثر ألماً، نزل بالإسرائيليين المتواجدين في شبه جزيرة سيناء، عندما تلقوا دعوات، من المكتب ذاته، بالعودة السريعة إلى داخل إسرائيل، بعد ورود إنذارات مشابهة، لما كان يحصل في كل مرة، تقع فيها حوادث من هذا النوع، والتي تكون فيها حياة الإسرائيليين معرضةً للخطر، حين أعلن المكتب لدى ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، بياناً منذ الصباح الباكر لليوم السبت، ضمن حملة غير عادية، تدعو جميع الإسرائيليين المقيمين في سيناء، إلى مغادرة المنطقة على الفور والعودة إلى إسرائيل.

كما أوصى المكتب، كل من ينوي السفر إلى سيناء، وبضمنهم الموظفين ورجال الأعمال، بالامتناع عن ذلك، وطلب من عائلات إسرائيلية، الاتصال بأقربائها المتواجدين هناك، وإبلاغهم بهذا الإنذار لوجود تهديدات ملموسة وبدرجات مرتفعة جداً، تحول دون التواجد هناك لحظةً واحدة، وأوضح أن تفاقم التحذير من السفر، جاء "رداً على معلومات بأن الجماعات "الإرهابية" المسلحة، لا تزال تعمل بمزيد من الفعالية، ضد السياح الإسرائيليين والمقيمين، في ساحل سيناء على حدٍ سواء.

وقد كانت سيناء ومنذ ثلاثة عقود، تعتبر مقصداً سياحياً هاماً بالنسبة للإسرائيليين، من حيث الأكثر شعبية والأقرب والأقل تكلفةً، من المقاصد السياحية الأخرى المنتشرة حول العالم.

لكن الحال كان أخذ منحىً آخر، منذ أكثر من عام ونصف العام، بعد أحداث الثورة المصرية، في تغيير الخريطة الكلاسيكية لشبه الجزيرة، باعتبارها واحدة من المناطق المحورية، والأكثر إثارة للقلق بالنسبة للإسرائيليين بوجهٍ عام، لاسيما وأن المنطقة ومنذ حصول الثورة، كانت شهدت تهديدات أمنية، وأنشطة متزايدة للجماعات المسلحة، شملت حوادث قتل وعمليات اختطاف لسياح أجانب، من قبل القبائل البدوية، سواء بهدف الحصول على فدية، أو أهداف ومطالب أخرى، بالإضافة إلى استهداف الجيش المصري، ومنشآت نقل الغاز إلى كل من الأردن وإسرائيل.

ما سبق ولا شك، يمثل أحد الجوانب الذي تعاني منه إسرائيل، نظراً للأضرار الفادحة التي سترتطم بها، أمنياً واقتصادياً، إلى جانب جملة الظواهر المتزايدة، المتعلقة بمعاداة السامية حول العالم، وخاصةً شعوب الدول الأوروبية، والتي تربطها بعلاقات إلى حدٍ ما متميزة وقوية، إضافةً إلى ما تلاقيه من صدود والتفات، من قبل العديد من الدول المهمة حول العالم، حيث من المحتمل أن ينتهي بها المطاف إلى "العزلة الدولية"، نظراً لما تبدو عليه إسرائيل، كدولة خارجة عن القانون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/نيسان/2012 - 2/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م