ملك الرمال... فيلم يقتبس (صفحة) من تاريخ أسود

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يسلط فيلم ملك الرمال الذي يخرجه السوري نجدت الضوء على سيرة مؤسس المملكة السعودية منذ نشأتها، وقدرت هذا الشخصية العنيفة في قهر خصومه عبر وسائل بالغة الوحشية، ليختزل بعد ذلك بلاد الحرمين بكل مقوماتها وثرواتها ومكانتها الدينية والاعتبارية في عائلته التي المكونة من ابناءه واخوته، على الرغم من كونها عائلة مشبوه التاريخ والسيرة.

وعلى الرغم من خطورة الاقدام على مثل هذه الاعمال الروائية الهادفة الى كشف التاريخ الدامي لآل السعود، وتلقي المخرج التهديدات المباشرة من قبل العائلة الحاكمة الا ان العمل سيرى النور قريبا في صالات السينما العالمية والعربية.

ويشجع الكثير من المتابعين على انتاج مثل هذه الافلام التي تتناول حقائق غيبت في تاريخ الزعماء والقادة العرب سيما بعد انهيار الكثير من الديكتاتوريات الكبيرة في المنطقة، وينتظر سقوط ما تبقى من نظيراتها سيما في منطقة الخليج العربي.

وقال نجدت أنزور إنه تلقى تهديدات بمقاضاته بجرم التشهير والإساءة لشخصية وعائلة ملكية، من شركة محاماة بريطانية بسبب مشاركته في إنتاج وإخراج فيلمه الجديد "ملك الرمال" عن مؤسس المملكة العربية السعودية الراحل عبد العزيز آل سعود.

ويستعد أنزور لعرض الفيلم الشهر المقبل بمهرجانات سينمائية عالمية ودور عرض في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وبعض الدول العربية، ويقوم الممثل الإيطالي ماركو فوشي بدور الملك عبد العزيز في شبابه، والممثل الإيطالي فابيو تستي في كهولته، ويشارك فيه ممثلون من إنجلترا وتركيا وسوريا ولبنان.

وقال المخرج السوري "أقوم بهذه التجربة الفنية التي تنفرد حتما كأول فيلم سينمائي يتحدث بصراحة متناهية عن تاريخ قيام المملكة العربية السعودية، وشخصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود"، مشيرا إلى أنه استوحى فكرة الفيلم من ما يحدث اليوم في العالم العربي، من ما سماه "إعادة تقسيم للمنطقة وكأننا في سايكس بيكو جديدة".

وأكد صاحب "سقف العالم" و "ما ملكت أيمانكم"، أنه وجد في سيرة الملك المؤسس كل عناصر الدراما المشوّقة التي يمكن البناء عليها وإظهارها بشكل فني يمكن أن يلاقي صدى كبيرا لدى عرضها على الشاشة في كل أنحاء العالم.

وأضاف أن عملية إنتاج الفيلم أُحيطت بالتكتم بسبب حساسية الموضوع المطروح وخشية محاولات إيقاف إنتاجه، وقال "ارتأينا إخضاع العمل للسرية المطبقة كما هي الحال في صناعة الأفلام حتى يتم الانتهاء من الإنتاج والتصوير ويصبح الفيلم واقعاً، وأصبح (ملك الرمال) واقعاً الآن".

واعترف أنزور بأنه تلقى تهديدات بمقاضاته بجرم التشهير والإساءة لشخصية وعائلة ملكية من قبل شركة محاماة بريطانية متخصصة في قانون الإعلام، طلبت تفاصيل كاملة عن الفيلم وادعت أنها تمثل حكومة المملكة العربية السعودية. لكن على الصعيد السياسي في بريطانيا، لم تتصل أي جهة بخصوص الفيلم.

وأضاف أن شركة المحاماة  "بعثت لنا برسائل تهدد فيها بإيقاف العمل في الفيلم ومنع عرضه في أوروبا وأميركا ودول عربية من بينها لبنان، بعد أن رفضنا الاستجابة إلى طلبها، واتبعت الشركة الأسلوب نفسه مع الممثل الإيطالي فابيو تستي، الذي لعب دور الملك عبد العزيز في كهولته وهددته برفع دعوى جنائية ضده في إيطاليا، مما اضطرنا إلى اللجوء لشركة المحاماة البريطانية باركر جيليت التي قامت بالرد رسمياً على رسائل الشركة، وتوقف الموضوع عند هذا الحد".

يشار إلى أن نجدت إسماعيل أنزور أخرج مسلسلات درامية تلفزيونية كثيرة، من بينها "نهاية رجل شجاع" و"أخوة التراب" و"الحور العين" و"رجال الحسم"، ونجح في الأعمال التي صنفت ضمن الفانتازيا التاريخية مثل "الجوارح" و"الكواسر" وحصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية.

فيما نجدت انزور ان تكون لاسرة آل رشيد التي كانت تحكم حائل لغاية عام 1921 أي دور في انتاج فيلمه. وقال في اجابة عن سؤال لـ "ميدل ايست اونلاين" خلال المؤتمر الصحفي في العاصمة البريطانية لندن قبل عرض الفيلم في الصالات العالمية نهاية شهر ايار /مايو "ان اسرة ال رشيد قادرة عن الاجابة على هذا السؤال". واضاف "ان الفيلم يجسد خمسين عاما من سيرة الملك عبد العزيز آل سعود من منفاه في مدينة الكويت الى عودته الى الرياض".

من جهتها أكدت الدكتورة مضاوي الرشيد حفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد الحاكمة في حائل (1830 -1921) التي حضرت المؤتمر الصحفي ان اسرتها لم تعرف بالفيلم الا من وسائل الاعلام، وتمنت ان يكون للفن دوراً جديداً في تهديم الرموز واعادة صياغتها بعد الثورات العربية.

وقالت الرشيد وهي أستاذة علم الإنثربولوجيا الديني، في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بكلية الملوك بجامعة لندن "ان المثقف كان شريكاً للديكتاتور في العالم العربي، وحان الوقت لفك وفضح هذه الشراكه على الأقل في الفن".

ويعد الملك عبدالعزيز واحدا من أكثر شخصيات القرن العشرين إثارة للجدل إذا استطاع استعادة ملك أجداده بعد مواجهات مصيرية مع منافسيه من آل رشيد في نجد وتمكن من إسقاط حكم الأشراف في الحجاز مما فتح الباب لتوحيد مملكة الحجاز مع سلطنة نجد وتأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة.

كما أكتشف النفط في عهده مما جعل السعودية واحدة من أكثر الدول ثراء ومكنها من التحكم بشكل كبير بأسعار وإمدادات أهم مصدر للطاقة. كما مهد الملك عبدالعزيز الطريق لجعل السعودية قوة إقليمية مؤثرة على الرغم من أن حكمه وحكم أبنائه من بعده شهد الكثير من الصراعات مع دول الجوار. وحكم أبناء الملك عبدالعزيز آل سعود مملكتهم من بعده بالتتابع: سعود وفيصل وخالد وفهد والعاهل السعودي الحالي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

وشدد انزور بقوله ان الفيلم الذي كتب السيناريو له شاب سعودي اسمه كريم الشمري في أول تجربة له، يعرض بلا مواربة للمجازر التي ارتكبت في عهد الملك عبد العزيز، مؤكداً أن "الفيلم جريء ويخيف بعض الناس لانهم يخفون تاريخهم، بينما العالم يتناول التاريخ في السينما بحرية كما حدث ويحدث في العهد النازي".

واعترف بعدم قدرته على اقناع اي نجم عربي في التمثيل بفيلم "ملك الرمال" خشية حرمانهم من العمل الفني من قبل شركات الانتاج التي يسيرها المال السعودي، الامر الذي دفعه الى اختيار اسماء جديدة وغير معروفة من سوريا ولبنان وتركيا لاداء أدور قد تكون الاخيرة في حياتهم.

وشدد بقوله ان "الرياض" لن ترضى عنه سواء قدم هذا الفيلم أو لم يقدمه، مذكراً بالهجمات التي أثيرت على اعماله التلفزيونية التي تدين الارهاب.

واعترف المخرج السوري بان له علاقة صداقات مع أمراء وشخصيات سعودية وهو سعيد بذلك، ولا يسعى في هذا الفيلم الى مهاجمة الشعب السعودي بقدر كشف النقاب عن شخصية مثيرة للجدل لم يجرؤ أحد من قبل على تناولها. يذكر ان المخرج نجدت انزور سبق وان ساهم في مهرجان الجنادرية السعودي الذي يحظى برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز.

من جهته عبر الممثل الايطالي تيستي عن سعادته بالاشتراك في هذا الفيلم، متجاهلا المحاذير أو التهديدات. وقال في اجابة عن سؤال عما اذا كان من اليسير عليه أداء شخصية عربية وهو الايطالي "الممثل كالدكتور يحاول تقديم العلاج لكل مرض، وأنا علي أن أجسد كل أنواع الشخصيات".

فيما اعترف الممثل الانكليزي "بيل فيلوز" بان الفيلم اضاف له تجربة جديدة وخبرة فنية، ومتعة العمل مع مخرج مثل نجدت أنزور الذي كان يدير العمل مع الممثلين باللغتين العربية والانكليزية في آن واحد.

ونفى انزور ان يكون لتوقيت الفيلم علاقة بما يجري في سوريا، مشبها نفسه بالساعة، وأنه لا يصنع الوقت بل يقيسه، ومن هذا المنطلق وجد انزور ان هذه القصة مورد نقاش الان، تزامنا مع ما يجري في المنطقة من احداث.

ونفى المخرج السوري ان يكون للفيلم اهدافا سياسية موضحا في نفس الوقت ان هناك تداخل بين السياسة والفن، واستدل على كلامه بمشروع فيلم "سنوات العذاب" الذي عمل عليه ثلاث سنوات بتوجيه مباشر ودعم من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ليجسد الاحتلال الايطالي منذ 1911، لكن عندما زار رئيس الورزاء الايطالي، برلسكوني، ليبيا وقابل القذافي، انتهى كل شيء في اشارة الى تعطيل الفيلم، وأكد انزور انه: " يجب ان نكتب تاريخنا بشكل صحيح ولا يجب ان نخلط بين الفن والسياسة، لذلك انا اعتمدت في هذا المشروع على نفسي"، مؤكدا انه لم يتلق تمويلا من اي جهة، وان كلفة المشروع تجاوزت 13 مليون دولار والاموال منه شخصيا قائلا "تحويشة العمر" اي كل ما جمعه من مال.

انزور يلخص هدفه من الفيلم بأن: "كل ما نريده من الفيلم هو ان يضع النقاط على الحروف، وان ننظر الى الامور من المنظار الصحيح، لا صلة للفيلم بالعلاقات السورية السعودية، وأنا اصنع الفيلم لأني وجدت ان الوقت الحالي هو الوقت المناسب، لقد بدأت الفيلم قبل ما يسموه ربيع العرب". وأكد انه بدأ الفيلم عندما كان هناك شهر عسل بين سورية والسعودية.

وأضاف المخرج السوري المعروف "هذه الدول تحديداً وضعت عوائق وخطوطا حمراء لا يمكن التطرق إليها ونبش صفحاتها، وهذا ما استفزني لكي أقوم بهذه التجربة الفنية التي تنفرد حتماً كأول فيلم سينمائي يتحدث بصراحة متناهية عن تاريخ قيام المملكة العربية السعودية وشخصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والتي استفزتني أيضاً عند قراءة سيرتها الذاتية".

وجدد انزور نفيه ان يكون الفيلم دفاعا عن النظام السوري، مؤكدا: "لو استطيع الدفاع عن الحكومة السورية لدافعت بكل ما أملك في حياتي ... أنا أؤيد النظام وأؤيد بشار لأني أؤمن أنه الوحيد القادر على انقاذ سوريا و ايصالها الى بر الامان".

الى ذلك، أرجع انزور عدم صنعه فيلما عن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد إلى عدم توفر الفرصة، مؤكدا انه سيصنع فيلما عنه في حال اتيحت له، وأشار الى وجود صعوبات في صنع مثل هذه الاعمال لكنه أكد في نفس الوقت ان الدولة السورية تتعاون وتشجع بالرغم من رفض وتنديد آخرين وقال انزور: "نحن نبحث عن الاسلام الصحيح الذي ينقذ الأمة، ونريد أن نعرف كيف نتجاوب مع ما يحدث حولنا من مؤامرات كبيرة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م