مزاد التطبيع الديني لماذا الآن؟

محمد سيف الدولة

قام الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية بزيارة الى المسجد الاقصى، مخترقا بذلك حالة الاجماع المصري والعربي والإسلامي منذ عام 1948 التي منعت وحرمت زيارة فلسطين تحت أي ظرف قبل تحريرها من الاغتصاب الصهيوني.

ورغم نفي المفتي دخولها بتأشيرة اسرائيلية وانما برعاية ملكية اردنية، الا انه دخلها في النهاية من بوابة معاهدة وادى عربة الشقيقة الصغرى لأختيها البائستين كامب ديفيد المصرية واوسلو الفلسطينية، التي ارتكبت جميعها جريمة وخطيئة الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني والتنازل لليهود الصهاينة عن 78% من ارض فلسطين التاريخية.

ناهيك ان كل تبريرات جمعة قد سقطت وانكشفت فورا عندما قامت السلطات الاسرائيلية في ذات توقيت الزيارة بمنع الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الاقصى من دخول القدس. ناهيك عما صرحت به وكالات الانباء العبرية من ان الزيارة تمت تحت حماية كاملة من الجيش الإسرائيلي لحماية الشيخ جمعة من المتطرفين الفلسطينيين وبتنسيق كامل مع السلطات الاردنية.

قبلها ببضعة ايام قامت عدة وفود من المسيحيين المصريين بزيارات دينية الى كنيسة القيامة بالمخالفة لقرار الكنيسة القبطية بعدم زيارة القدس الا بعد تحريرها وكتفا بكتف مع الاخوة المسلمين، وتوعدت بعقاب المخالفين بالحرمان من سر التناول كأحد اسرار الكنيسة السبعة، ولكن كل هذا لم يمنع انطلاق عدة رحلات في وقت متزامن من مطارات مختلفة في مصر وايطاليا وامريكا الى القدس، في لغز كبير حول الجهة المريبة المنظمة لهذه الرحلات في هذا التوقيت وفي تحد سافر للكنيسة.

***

لا يمكن ان تتزامن كل هذه الزيارات على سبيل الصدفة، كما انه لا يمكن ان تكون زيارة المفتي قد تمت بمبادرة شخصية منه كما ادعى، فشخص في مكانة المفتي الرسمية لا يمكن ان يدخل (اسرائيل) الا بعد استئذان المجلس العسكري أو بتكليف منه مع تنسيق سياسي امنى كامل بين الجهات الامنية المصرية والاسرائيلية.

وهنا نصل الى مربط الفرس وهو الدوافع والاسباب التي دفعت الادارة المصرية الحالية الى مباركة بل ورعاية مبادرات للتطبيع المصري الإسرائيلي عبر بوابة الزيارات الدينية، مبادرات لم تحدث حتى في عهد مبارك.

التفسير الاقرب الى المنطق ان وراء هذه المبادرات التطبيعية الجديدة رسائل الى اولى الامر في امريكا واسرائيل، ان النظام القديم لا يزال هو الاصلح لهم ولمصالحهم، وانه على استعداد لتقديم ما لا يمكن ان تقدمه لهم قوى الربيع العربي : سيقدم لهم تطبيع شعبي كامل مع اسرائيل يدعم وجودها وشرعيتها ويؤكد ويثبت مدى التزامه بالسلام معها رغم انف كل الثورات العربية.

وربما كان الحافز على تقديم هذه الرسائل في هذا التوقيت هو ما استجد من تحركات اسلامية في اتجاه مد جسور جيدة مع الولايات المتحدة والتي بدأت بالإعلان عن الالتزام الكامل بمعاهدات السلام وانتهت بزيارة مبعوثيهم الى واشنطن ودخول البيت الابيض والالتقاء بأعضاء من مجلس الامن القومي الأمريكي.

ومنها ايضا ما صدر من تصريحات اسرائيلية على لسان قيادات مثل بن اليعازر من ان الاسرائيليين قد يضطرون في النهاية الى الجلوس مع الاخوان.

بما يعنى ان الورقة التي كان نظام مبارك واقرانه يلعبون بها من انهم الوحيدون الملتزمون بالسلام مع اسرائيل والاعتراف بها قد اوشكت على الاحتراق، حيث ان الجميع يعلنون استعدادهم لتبنى ذات النهج والتوجه!

فرأى رجال النظام القديم ضرورة الاسراع في تقديم مزيد من التنازلات في اتجاه التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية وهم يعلمون ان التيار الإسلامي لن يستطيع ان يجاريهم فيها بل سيشن عليها حملة شعواء، وهو ما حدث بالفعل حيث ادانت كل القوى الوطنية والاسلامية بشدة زيارة المفتي وطالبت بإقالته فورا، مما سيخفض بالضرورة من اسهمهم لدى الأمريكان لصالح بقاء النظام القديم الذي لم يسقط بعد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م