ثورة المداد

عبدالعزيز حسن آل زايد

صليل السيوف ينتهي بانتهاء المعركة، وصرير القلم يبقى ما بقي الدهر، دماء الشهداء لا يقارن بمداد العلماء فثمن الحبر أرقى من ثمن الدم، التضحية بالقلم أوقع على الجلاد من شلال الدماء، والمجهود الذهني يحقق ما لا يحققه المجهود العضلي وإن تُوهم خلافه، فكل ريشة عظيمة وراءها عقل حي وفكرٌ ينبض بالحياة.

الدماء قد تعوض من مصارفها البنكية، ولكن الفكر الذي تتحرك به الأقلام لا تعوضه أحبار العالم أجمع، قبور الشهداء تعبق بأريج الشهادة؛ لكن معتقل الرأي يناضل خلف القضبان، فحروفه تقتل الطاغية ألف قتله، فيجيش الجيوش لمحوها و حجب أشعتها وكنس ملامحها إلا أن قواه تخور وتنفذ إمكانياته، ولا يستطيع ملاحقة الحروف التي تطارده وتقض هناء مضجعه الوثير!

أسراء الرأي أحياء وإن غيبهم عنا السجان، ولو تطاول بهم العمر في المطامير، فرب كلمة أحيت أمة، سطور الكرامة والحرية توقظ ضمائر الجماهير، وحروف التمرد تُكسب صحوة، وأنّ للمدرعات أن توقف سياط الفكر؟!

القلم النشط يعرقل مسيرة الفساد ويحرض على إقتلاع مواطن الخلل وإن كان في قمة الهرم، التضامن مع أسراء الكلمة مسؤولية الكل، وهل توجد سلمية أكبر من ثورة المداد؟!، الوهن الذي يعاني منه السفاح لا يقف أمام قطرات حبر صيغت بأنفاس النور، إنها تتعقب شيطنته وتقيده وإن كان كاتبها في قعر الزنزانة.

هنيئاً لصاحب الأدب الرفيع والقلم الحر منسوجاته الملائكية التي لا تساوم بثمن، وهل يستطيع الباغي حبس نور الشمس في قفص صغير؟! لن يتمكن السلطان من قمع حرية البيان، فالسجن لا يخيف، وكلما قمع المداد زاد وانتشر، لعنة تطارد الظالم وتمتد دون قيد، كلما أرادوا لها الدفن والقبر تعاظمت وفاح أريجها.

القلم الباسل اذا وضع في مكانه الصحيح فإن عجلة الفساد ستكبح مرغمة، وتكسر أنوف الفراعنة كما كسر نابليون أنف أبي الهول في قصته التاريخية الشهيرة، القلم ليس بندقية ولكنه سلاح يهدد العروش المتجبرة، لهذا نشاهد التهديدات تلاحق أصحاب الرأي إن لم يغيب دون عودة، العاجز هو الذي يلجأ إلى قوة المادة أليس الفكر السقيم يحسد من علا ؟!

أبطال الرأي حاضرون في قلوب الامة رغم غياب الشخوص، فمن بنى له قصراً من نور لا يحتاج لصدقة لص، المفكرون السجناء شموع أضرمت وهجها في ظلام الجهل فنالها من الألم ضريبة الضياء، أليس الأجر بقدر المشقة؟!، الفكر النير لن تتوقف كواكبه السيارة فموت العقول أكبر خسارة من موت الأجساد، فليشبعوا سجونهم الجائعة فنحن أحرار، والطليق المكبل هو من يكبل عقله وجمجمته لدراهم زهيدة تكون عليه وبالاً وإن سكن التراب.

لن يغيب الكتّاب المناضلون أصحاب كلمة الحق والتغريد الصادق، فمسيرة العلماء محفوفة بالمكاره، وطريق الشهوات لأراذل القوم، لن تتوقف الأقلام الأبية حينما تجابه بالتهديد والقمع والمساومة، الهدنة ليست من شيم الضراغم، إلا أن البعض ممن يمتلكون الحبر الأصفر يتذرعون بالسخيف من القول، ألا انهم قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، العبيد هم من يبيعون حريتهم في قبالة الوحل فليتمتعوا فيه جيداً، ولكن الزنزانة الضيقة (كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ... يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) حينما يصمد الحرف متمرداً يصك جباه الظلمة وأفاعيلهم الباطلة.

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/نيسان/2012 - 28/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م