الحكومة الاستشارية ومنظومة التطبيقات المتطورة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الحكومة الاستشارية تقابل في معناها المفهوم المعاصر للحكومة الديمقراطية، ولكنها تتقدم عليها في جوانب عديدة سنأتي على ذكرها، وتتكون الحكومة الاستشارية من منظومة ادارية منسجمة ومتجانسة من حيث الفكر والتطبيق، حيث تدمج بين السياسة والاقتصاد والضمان الاجتماعي، في ادارة تعتمد الاستشارة والابتعاد عن رأي الفرد أو الحاكم الاعلى أو حتى الحزب الواحد.

الاصلاح التدريجي للمجتمع

لذلك ليس هناك جانب قسري في ادارة شؤون الدولة، بل هناك ضوابط متفق عليها مسبقا، وهي في الغالب مستمدة من تعاليم القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، لذلك غالبا ما يأتي الاصلاح بصورة متدرجة، فيكون أكثر وضوحا وسهولة في التطبيق، وليس هناك فرض على الانسان ما لم تتم القناعة التامة لديه، لهذا يجري الاصلاح تدريجيا وفقا لقناعات الافراد من دون قسر أو إجبار.

عن هذا الجانب يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية): إن (الاسلام لا يفاجئ الامة بإصلاحاته، وانما يتدرج معهم في تطبيق الاصلاحات، فأولا يهيئ لمن يعترف بأعمالهم ما يناسبهم من اعمال، ثم يدر عليهم من خزينة الدولة ما يساعدهم في شؤونهم، حتى يتم لهم العمل الذي يريدون مزاولته، فهل يسمح احد لنفسه ممن لا يقر الاسلام، عمله ولا يعترف به، أن يتمرد على النظام الاسلامي بعد أن هيأ الاسلام له عملا يناسب مقامه، من الاعمال الحرة النافعة، وساعده حتى تمكن من مزاولته بكل عز ورفاه؟).

سياسة الحكومة الاستشارية

إن الربط واضح في الحكومة الاستشارية، بين السياسة والاقتصاد، لأن نجاح الحكومة في ادارة شؤون الرعية، مرتبط بنجاح العلاقة بين السياسة والاقتصاد وتداخل احدهما مع الاخر، والاعتماد المتبادل بينهما، فلا سياسة مستقلة ناجحة من دون اقتصاد ناجح ويصح العكس ايضا، ولذلك كانت الحكومة الاسلامية الاستشارية الناجحة، تحرص أشد الحرص على سلامة الاقتصاد وعدالة السياسة، لأن الامور الحياتية التي تخص الامة تتعلق بهذين الجانبين، ومن البديهي أن نقول، كلما صحّت السياسة صحَّ الاقتصاد وبالعكس، الامر الذي ينعكس بدوره على الاوضاع العامة التي تخص افراد المجتمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في الكتاب المذكور نفسه: لقد (أكد القرآن اكثر من مرة على الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والفضيلة، وقد أعلنها رسول الله –صلى الله عيه وآله وسلم- وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب –عليه السلام- قولا، ومارساها في أعمالهما طيلة حكومتهما المثالية الفريدة).

لذلك عندما يطلق النظام السياسي على حكومته تسمية الحكومة الاسلامية، ينبغي أن يعطي هذه التسمية وهذه الصفة حقها، وطالما كان الهدف هو تطبيق التعاليم الاسلامية من لدن الحكومة، فإن النتائج ستكون سليمة حتما، لاسيما في الجانب الاقتصادي، فلا يجوز أن ينتشر الفقر والحرمان والجهل في ظل الحكومة الاستشارية الاسلامية، كما أن الحاكم الاسلامي ملزم بالقضاء على الفقر وتطبيق برنامج شامل للضمان الاجتماعي والصحي وسواه، ليكفل العيش الكريم للناس عموما، ويعمل هو ومنظومته الحكومية المتشعبة على نشر حالة الرفاه بين عموم مكونات المجتمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (في البلد الاسلامي في وقت حكم الاسلام الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الاسلام يحتم على الحاكم الاسلامي أن يزيل الفقر نهائيا).

العدالة وتطبيق المساواة

وتضمن الحكومة الاستشارية الاسلامية شرط العدالة وتطبيق المساواة، واتاحة الفرص امام الجميع، ولعل المفارقة الكبيرة في هذا المجال، أن الاسلام لا يفرّق بين الكافر والمسلم في قضية الضمان الاجتماعي والحماية من الفقر وغير ذلك مما يهدد طبيعة حياة الانسان، وهذا دليل قاطع على خلو الاسلام من التطرف والعنصرية أو الروح المتعصبة، بل هناك وسائل اقناع يتم من خلالها نشر الاسلام والايمان بتعاليمه ومبادئه، لذلك نقرأ في هذا المجال قولا لسماحة المرجع الشيرازي يؤكد فيه قائلا حول هذه النقطة: (حتى الكافر في بلد الاسلام حين يسأل الناس، يكون هذا امرا غريبا).

بمعنى يستغرب الناس أن يستجديهم حتى الكافر الذي يعيش في مجتمعهم المسلم، فالدين هنا لا يسمح بتوجيه الاهانة للانسان من خلال تعريضه لآفة الفقر او العوز او اهدار الكرامة، تحت أي سبب كان حتى لو كان الكفر نفسه، وهنا تكمن عظمة الاسلام والحكومة الاسلامية التي تلتزم بصورة صحيحة ودقيقة بتعاليمه، فتحمي مواطنيها من الفقر وسواه، بغض النظر عن انتمائهم الديني او العرقي أو غيره، فالكل له حقه المكفول بحياة كريمة تليق بالانسان الذي فضله الله تعالى على كل الكائنات، علما أن هذا النهج السليم في ادارة شؤون المجتمع كافة، يؤدي بدوره الى نجاحات متصاعدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ايضا، ويعيش الناس في حالة من الرفاه الاقتصادي والاستقرار السياسي، وغياب الفقر الكلي عن افراد المجتمع من دون استثناء، إذ يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل؟).

القضاء الكلي على الفقر

نعم هذا ما حدث في عهد الحكومات الاسلامية التي انتهجت تعاليم الاسلام الصحيحة، طريقا ومسارا لها، حيث التطور في مجالات الزراعة والصناعة والتعليم، والانتقال من مجتمع الظلامية والقهر والاستعباد، الى مجتمع التنوير وحب العلم والعمل والابداع في مجالات عملية وفكرية مختلفة، ساعدت على نقل المجتمع الى مرحلة تنوير جديدة، تم فيها القضاء كليا على الفقر، الامر الذي زاد من تطور المجتمع الاسلامي بوتيرة متصاعدة، وقد يستغرب العالم المعاصر كيف تستطيع حكومة ما أن تقضي على الفقر فعليا، لذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص قائلا: (هل يوجد، حتى اليوم، وفي أغنى بلاد العالم بلد لا يوجد فيه حتى سائل واحد؟). إن اسباب تطور الدولة الاسلامية واضحة، حيث النهج الاستشاري هو المعلم الأهم في الحكومة الاسلامية وطبيعتها الاستشارية، فكما يقول سماحة المرجع الشيرازي إن (الحكومة الاسلامية حكومة استشارية). ويضيف سماحته قائلا ايضا: إن (الاستشارية نظام متفوق على نظام الديمقراطية، على ما أوضحه الامام الشيرازي –رضوان الله عليه- في كتبه). وهكذا أثبتت تجارب التأريخ أن الحكومة الاستشارية تستند في نجاحها الى منظومة أفكار ومبادئ وتطبيقات ناجحة ومتطورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/نيسان/2012 - 28/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م