
شبكة النبأ: بالإضافة الى تلك
التحديات الخارجية الكبيرة والضغوط والدولية المتزايدة على الصين فأنها
ايضا تواجه مجموعة من التحديات الداخلية المهمة التي يمكن ان تؤثر على
مجمل القرارات السياسية لهذا البلد، فقد اغرقت اقالة بو تشيلاي من
منصبه كرئيس للحزب الشيوعي الصين في فضيحة تشبه وقائعها حبكات افلام
الاثارة الهوليودية التي تختلط فيهخا المؤامرات البوليسية مع التطورات
الدرامية. فقد شكلت اقالة بو من رئاسة الحزب الشيوعي في شونغكينغ في
اذار/مارس وتعليق عضويته في المكتب السياسي للحزب والكشف في اعقاب ذلك
عن الاشتباه في اقدام زوجته غو كايلاي على قتل مواطن بريطاني، احدى
اكبر الفضائح المدوية في تاريخ الصين منذ عقود.
وسرت قصص الخيانة والسلطة والمال التي لم تكشف عن اسرارها الكاملة
بعد لتغذي الشائعات المواقع الالكترونية الصينية وخاصة في الخارج بسبب
حجب هذه المواقع المطبق في الداخل. وتشمل القصة جميع مقومات الرواية
الملحمية من تحطم مستقبل "نجم صاعد" في سماء الحياة السياسية الى توقيف
زوجته المحامية اللامعة للاشتباه باقدامها على قتل اجنبي قد يكون مات
مسموما. كما انها تسلط الضوء بقسوة على عادات نخبة شيوعية تعيش في
فقاعة ذهبية ولا تخضع للقوانين. وهي تثير احراجا كبيرا للقيادة
الشيوعية المعتادة على احاطة نفسها باكبر قدر من التكتم وخاصة قبل ستة
اشهر على مؤتمر مهم لها.
واعتبر خبير شؤون الصين الفرنسي ميشال بونان ان "كل هذا يعكس بقدر
كبير وضع الصين اليوم حيث يوجد ارتباط وثيق بين المال والسلطة"، مشيرا
الى ان هذه الفضيحة "سابقة" في تاريخ الصين المعاصر. كما ان للفضيحة
ابعاد دولية. فناهيك عن ان القتيل بريطاني، كان الحدث الاول الذي اثار
الفضيحة هو زيارة الذراع اليمنى السابق لبو تشيلاي الى القنصلية
الاميركية في شينغدو حيث حاول طلب اللجوء مقابل تسليم معلومات حاسمة
حول بو.
واكتفت الصحف الصينية التي يمنع عليها الكتابة عن الفضيحة بتكرار
نداء صحيفة "يومية الشعب" الى اعضاء الحزب ب"ابداء الدعم الحازم" لقرار
اقالة بو تشيلاي من مهامه. لكن خلف الوحدة البادية سرت شائعات وتعليقات
وتساؤلات كثيرة حول القضية. كيف مات نيل هيوود؟ ونقلت صحيفة تايمز
اللندنية عن اقاربه ان نظرية افراطه في تناول الكحول لا تتفق مع حياته
الرزينة. واشار موقع مينغجينغ، الذي يوجد مقره في هونغ كونغ، نقلا عن
مصادر داخل الحزب الشيوعي الصيني ان سكرتيرا في فرع شونغكينغ اعترف
للشرطة بانه وفر مادة سيانيد البوتاسيوم لاحد رجال بو من اجل القضاء
على هيوود. لكن للاسف لا يمكن حسم المسألة بتشريح جثة البريطاني حيث
انها احرقت سريعا.
من كانت له مصلحة في قتل هيوود؟ زوجة بو سيدة الاعمال الكبرى تبدو
اول المتهمين. فغو كايلاي وابنها بو غواغوا كانت لهما مع البريطاني "خلافات
حول مصالح اقتصادية تفاقمت لاحقا" بحسب وكالة الصين الجديدة. وخضعت غو
لتحقيق في قضية فساد عام 2007 بحسب صحيفة وول ستريت جورنال التي اضافت
ان نيل هايوود شعر انه مهدد من عائلة بو. وتداولت مواقع صينية تتخذ
مقرا في الولايات المتحدة سيناريو علاقة خيانة بين البريطاني المتزوج
من صينية وزوجة بو تشيلاي. في النهاية، من كان نيل هيوود؟ شريك اعمال
مقرب من عائلة بو تشيلاي. ونقل انه عمل احيانا لصالح شركة تجسس اقتصادي.
وهذه الفضيحة كفيلة بتسميم الاجواء للحزب الشيوعي الصيني لأشهر طويلة.
بحسب فرانس برس.
وفي حال خلص تحقيق اللجنة التاديبية في الحزب حول "الرفيق بو" الى
ادانته فسيطرد من الحزب الشيوعي ويحال على الارجح الى القضاء. وهكذا
يصبح مصيره رهنا بالصراعات السياسية بين الفصائل الاصلاحية والمحافظة
في الحزب التي ستقرر كذلك مصير حلفائه في "اليسار الجديد" المحافظ. في
حال اثبات ضلوع غو كايلاي في قتل هيوود فستحاكم. وقال بونان "كما يمكن
الحكم عليها بالإعدام اذا اتضح انها العقل المدبر لاغتيال مواطن اجنبي"
وهي عقوبة قد تخفض الى السجن مدى الحياة.
انقلاب
من جانب اخر انتشرت شائعات حول حدوث انقلاب مؤخرا في بكين ما يعكس
بحسب خبراء توتر الراي العام بعد اقالة القيادي المثير للجدل بو تشيلاي
التي كشفت على الملأ الصراعات من اجل الخلافة في قمة الحزب الشيوعي.
وتضاعف نشاط الانترنت الذي يعتبر مساحة حرية في الصين الخاضعة للرقابة
الشاملة هذا الاسبوع حيث تم تناقل معلومات مختلفة على غرار حادث في
سيارة فيراري قتل فيه نجل احد القياديين وطلقات نارية سمعت في وسط بكين
وحتى تحركات اليات مدرعة مفترضة في العاصمة. واوضح الخبير في السياسة
الصينية من جامعة سنغافورة الوطنية بو جيو ان "الناس متوترون لعدم
توافر المعلومات الكافية". واضاف "لديهم نهم الاخبار الجديدة وان لم
يحدث جديد فيؤلفون المعلومات". بحسب فرانس برس.
وتسري في صين شائعات عديدة من بينها محاولة انقلاب خطط لها مسؤول
الشرطة في ادارة الحزب جو يونغكانغ الواسع النفوذ. وبدا عدد من رواد
الانترنت في وقت سابق بنشر معلومات وصور على مدونات فردية اشارت الى
وجود دبابات على احد المحاور الرئيسية في بكين حيث نقل سماع عيارات
نارية. لكن مستوى الامن في العاصمة بدا عاديا ما يستبعد هذه النظرية.
وتواصل الحجب على موقع سينا ويبو الموازي لتويتر في الصين منعت
كلمات "عيارات نارية" و"بو تشيلاي" ووانغ ليجون" وحتى "بو غواغوا" (نجل
بو). وعلق ويلي لام من الجامعة الصينية في هونغ كونغ "كل هذا يعني ان
صراعات التيارات (في الحزب) انكشفت على الملأ".
من جانب اخر اعلنت الصين عن قيود كبرى على استخدام المدونات واغلاق
عدة مواقع انترنت واعتقال عدة اشخاص متهمين بانهم يقفون وراء اطلاق "شائعات"
حول انقلاب في بكين. وياتي تشديد القيود هذا بعد اقالة بو تشيلاي
القيادي السياسي الذي اراد كسر صورة الوحدة التي يريد الحزب الشيوعي
الصيني اعطاءها. واثار هذا الحدث تكهنات كثيرة على المواقع الالكترونية.
وعلقت ابرز مدونتين في الصين "سينا وايبو" و"تنسنت كيو كيو" امكانية
نشر المطلعين على الانترنت تعليقات بهدف التصدي "للشائعات المسيئة" كما
قالا. واعلنا ان هذا الاجراء يبقى ساريا فيما تبدي السلطات قلقا
متزايدا من سيل الانتقادات التي تنشر عبر المدونات. واعلنت وكالة انباء
الصين الجديدة ان السلطات الصينية فرضت اغلاق 16 موقعا الكترونيا
واعتقلت ستة اشخاص بسبب "فبركة ونشر شائعات". وقالت الشرطة كما نقلت
عنها وكالة الانباء الرسمية ان هذه المواقع اشارت الى "دخول آليات
عسكرية الى بكين وامور اخرى غير طبيعية" تحصل في العاصمة الصينية.
الاصلاحات السياسية
في سياق متصل وفيما يخص الشأن الصيني فقد شدد رئيس الوزراء الصيني
وين جياباو على الحاجة "العاجلة" الى اصلاحات سياسية وذلك في قمة
الدولة والحزب الشيوعي، من اجل مواصلة تنمية ثاني اقتصاد عالمي ودرء
خطر حدوث "مآس" على غرار الثورة الثقافية، وذلك في اخر لقاء مقرر له مع
الصحافة في ولايته التي تنتهي بعد سنة. وقال وين جياباو في ختام الجلسة
العامة السنوية للبرلمان "علينا المضي قدما في اصلاحاتنا البنيوية
الاقتصادية والسياسية ولا سيما اصلاح النظام وحوكمة الحزب والدولة".
وقال وين الذي يعتبر ابرز "الاصلاحيين" بين القادة الصينيين ان الاصلاح
مسألة "عاجلة"، وذلك في مؤتمر صحافي استغرق ثلاث ساعات في قصر الشعب
الكبير في ساحة تيانانمن في وسط بكين.
وتابع ان "مأساة تاريخية على غرار الثورة الثقافية قد تتكرر" في
الصين في حال عدم تطبيق اصلاحات سياسية واقتصادية. واضاف "ان فشل
الاصلاح السياسي فلا يمكن اجراء الاصلاح الاقتصادي كما ينبغي (و) لا
يمكن حل المشاكل التي برزت في المجتمع بكل جذري" وذلك بعد التحدث عن
التفاوت الصارخ في العائدات والفساد المستشري. ودعا وين جياباو في
السنوات الاخيرة تكرارا الى اصلاحات سياسية في الصين من دون تحديد
اطرها. واشار محللون ومعلقون الى ان هذه التصريحات التي تثير الامال في
مزيد من الحريات للشعب الصيني لا تزال بعيدة المنال.
فبعد تنظيم انتخابات بلدية هذا الشهر هي الاولى من نوعها في احدى
مناطق جنوب البلاد صوت خلالها السكان بحرية بعد انتفاضتهم ضد القياديين
الشيوعيين الفاسدين في منطقتهم، اكد وين ان الصين يمكنها ان تنتقل
تدريجيا الى الديموقراطية عبر تجارب على المستوى المحلي.
وقال "طالما ان الشعب قادر على ادارة قرية فيمكنه ادارة شؤون منطقة
او دائرة، وعلينا بالتالي تشجيع الشعب على المضي بجرأة في هذه الطريق
لكي يتدرب" على هذه الممارسات.
واضاف "اننا مقتنعون بان الديموقراطية على الطريقة الصينية ستواصل
التقدم مع تطور البلاد، انها عملية لا يمكن وقفها"، في بلاد يحكم فيها
الحزب الشيوعي وحيدا منذ اكثر من 60 عاما.
واكد كذلك انه ينبغي الاستجابة للتطلعات الديموقراطية التي برزت في
اطار الربيع العربي. وقال وين "ان تطلعات الشعوب العربية الى
الديموقراطية ينبغي احترامها. اعتقد انه لا توجد قوة يمكنها لجم هذا
التقدم نحو الديموقراطية". وردا على سؤال حول الوضع في سوريا ذكر رئيس
الوزراء الصيني بموقف بكين المؤيد لحل الازمة سياسيا ورفض اي تدخل
خارجي. بحسب فرانس برس.
ولم تشمل طروحات وين "الاصلاحية" منطقة التيبت في الصين حيث راى ان
احراق الرهبان انفسهم مؤخرا "يضر بالوئام الاجتماعي" مع انه قال انه
تاثر به كثيرا. على المستوى الاقتصادي تمنى وين ان يترجم هدف احراز
تنمية البلاد بنسبة 7,5% لهذا العام بتحسين حماية الموارد والبيئة في
حين تشهد الصين تبعات ثانوية لازمة الدين في اوروبا. وبلغت العملة
الصينية مستوى "يلامس التوازن" بحسب رئيس الوزراء فيما يعتبر الشركاء
الرئيسيون للصين ان قيمة اليوان اقل مما ينبغي ما يعطي المنتجات
الصينية افضلية تنافسية.
الحكم بالسجن
الى جانب ذلك حكم على مزارع صيني بالسجن 13 عاما لانه سرق عدة اعمال
فنية من المدينة المحرمة في بكين العام الماضي على ما ذكر محاميه.
واوقف شي بايكوي المزارع البالغ 27 عاما وهو من محافظة شاندونغ الشرقية
في مقهى انترنت في العاصمة الصينية بعد 48 ساعة على ارتكابه فعلته.
وقال المحامي هوانغ شانغيونغ "حكم على شي بالسجن 13 عاما مع غرامة
قدرها 13 الف يوان (1560 يورو) وحرم من حقوقه السياسية لمدة ثلاث سنوات".
وكان شي سرق تسعة اعمال فنية من بينها قطع من الذهب والمجوهرات من
قصر اباطرة الصين السابق على ما ذكرت وكالة الصين الجديدة موضحة انه
تمت استعادة ست من القطع المسروقة في حين لم يعثر على الثلاث الاخيرة
وتقدر قيمتها بحوالى 18 الف يورو. وعملية السرقة هي الخامسة التي تحصل
في المدينة المحرمة. وكان حكم على اخر شخص سرق من المدينة المحرمة
العام 1987 بالسجن مدى الحياة على ما ذكرت الصحافة الصينية. والمدينة
المحرمة هي من المواقع السياحية الكبرى في الصين. وقد بنيت مطلع القرن
الخامس عشر وكانت موقعا للقصر الملكي في اخر سلالتين حكمتا الصين، مينغ
وكينغ.
وفاة منشق صيني
من جهة اخرى توفي عالم فيزياء الفلك فانغ ليجي المعروف بمعركته من
اجل حقوق الانسان، السبت في الولايات المتحدة حيث كان يعيش منفيا منذ
قمع تظاهرات الطلاب في تيان انمين في 1989. واعلن وانغ دان احد قادة
هذه الحركة، وفاة فانغ (76 عاما) عالم فيزياء الفلك الملقب ب"ساخاروف
الصيني". وقال وانغ دان الذي يعيش ايضا في الولايات المتحدة على صفحته
على موقع فيسبوك ان زوجة فانغ ابلغته بوفاته فجأة في منزله في توكسان
في اريزونا. واضاف ان فانغ "الهم جيل 1989 وايقظ في الناس التوق الى
حقوق الانسان والديموقراطية". واضاف ان فانغ "كان كنزا للصين لكن لم
يتمكن من الموت في بلده وتوفي في المنفى". وتابع "طوال السنوات التي
امضيتها في السجن ثم في المنفى كنا قريبين جدا من بعضنا وكنت اعتبره
جزءا من عائلتي".
وكان وانغ دان الذي يوصف بانه "بطل تيان انمين" نفي في 1998 بعد
سجنه تسع سنوات. ولجأ فانغ الى السفارة الاميركية بعدما سحقت دبابات
الجيش الصيني تظاهرات طلابية في قلب بكين في الرابع من حزيران/يونيو
1989 ما ادى الى سقوط مئات القتلى ان لم يكن آلاف. وقد بقي فانغ لاجئا
في السفارة الاميركية في بكين لعام كامل بعد تظاهرات تيان انمين ما ادى
الى ازمة دبلوماسية حادة بين الصين والولايات المتحدة، قبل ان تسمح له
السلطات الصينية بالرحيل الى الخارج في 1990. بحسب فرانس برس.
وفي السنوات الاخيرة، عمل فانغ استاذا للفيزياء في جامعة اريزونا في
تاكسن جنوب غرب الولايات المتحدة. ولم يشارك الرجل في تظاهرات "ربيع
بكين" لكنه اتخذ موقفا مؤيدا بشكل واضح للطلاب. وقال "انهم يريدون
مزيدا من الديموقراطية ولا استطيع الا ان اكون متفقا معهم. يجب ان
يحترم النظام حقوق الانسان والحقوق الاساسية المشتركة بين كل الدول، اي
حرية التعبير وحرية الفكر وحرية التنقل وبعض الحرية في العملية
الانتخابية".
وفانغ مولود في 12 شباط/فبراير 1936 لعامل في سكك الحديد. وكان يقول
علنا انه لا يؤمن بالماركسية ولم يفوت اي فرصة لانتقاد الحكومة الصينية
والتشكيك في شرعية الحزب الشيوعي.
وكان فانغ طرد في كانون الثاني/يناير 1987 من الحزب الشيوعي الصيني
ومن عمله كنائب لرئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في هيفي (شرق
الصين) بسبب معركته من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان. وتمت اقالته
بعد ايام من اقصاء الامين العام للحزب للاصلاحي هو ياوبانغ الذي شكلت
وفاته في نيسان/ابريل 1989 اشارة بدء التظاهرات الطلابية.
وتعتبر السلطات فانغ "خائنا لوطنه". وقد وصفه الزعيم الصيني الراحل
دينغ تشياوبنغ بانه "عنصر سىء". وقد دعي فانغ الى مأدبة بمناسبة
الزيارة الرسمية التي قام بها جورج بوش الاب الى الصين في شباط/فبراير
1989 لكن الشرطة منعته من دخول الفندق. ونشر ستة منشقين صينيين منفيين
بسبب مشاركتهم في "ربيع بكين"، احدهم وانغ دان، رسالة مفتوحة تطلب من
بكين "التخلي عن المماسارات السابقة التي تمنع الاشخاص من العودة الى
بلدهم لاسباب سياسية"، والسماح لهم بالعودة. |