محكمة النشر والإعلام تجيز السرقات الصحفية!

هادي جلو مرعي

قتل العشرات من الصحفيين خلال السنوات الثمانية التي إنصرمت من عمر الزمن العراقي، وأعتقل وأحتجز عديد منهم، وأختطف آخرون لم يكشف عن مصير أي منهم للآن، وواجه البعض الآخر محاكمات تكررت في قضايا نشر.

لم تكن القوانين واضحة في قضايا السرقات الصحفية التي شاعت في العراق خلال السنوات الماضية، ولاتنظر المحاكم العراقية في الأمر بطريقة عملية توفر الإنصاف للصحفي الضحية الذي سرقت جهوده من آخرين لم يبذلوا الجهد وتكاسلوا في عملهم.

قصة الزميل حيدر الجنابي الذي يعمل ويقيم في مدينة النجف العراقية واحدة من القصص التي تروي معاناة من يبذلون في مقابل إنتفاع من يسرقون دون ان يبذلوا شيئا، ثم يفاجئ الضحية أن القانون لاينصفه وإن القانونيين لايجدون تبويبا واضحا لقضيته أو لإدانة السارق، فيعود خائبا لينفتح باب واسع أمام سراق المواد الصحفية. وملخص قصة حيدر الجنابي:

قام حيدر بكتابة تحقيق (النجف تضم أكبر مقبرة للمسيحيين القدامى)، في صحيفة..........، وبتاريخ 13-9-2011، فوجئ بسرقة تحقيقه ونشره في صحيفة ال...........اللندنية بإسم مراسلها في العراق.........، قام حيدر برفع دعوى قضائية أمام محكمة النشر والإعلام في بغداد، وبعد مرور مايقرب من ثلاثة أشهر، وبسبب تمسك الصحيفة اللندنية ومراسلها بأن التحقيق خاص بها، وحسب اللائحة التي قدمها وكلاء المدعى عليه، وغياب رئيس التحرير..........في لندن الذي لم يوكل أحدا للمرافعة عنه، وبعد أن كتبت المحكمة الى دائرة آثار النجف للسؤال (من الذي قام بإجراء التحقيق)، ووصول إجابة آثار النجف بأن مدير آثار وتراث النجف لم يلتق بمراسل الصحيفة اللندنية، وإنما إلتقى الصحفي حيدر الجنابي، وهنا كانت إجابة وكلاء مراسل الصحيفة اللندنية أمام المحكمة بأن ما قام به موكلهما لم يخرج عن أدبيات مهنة الصحافة.

كان قرار محكمة النشر والإعلام قد تضمن الآتي (هدف الصحافة نشر المعلومة وإيصالها للمجتمع، والصحفي الذي نشر أولا، قد إستوفى حقه بالكامل، وعند ذلك أصبح المقال ملكا للعامة وأجازت المحكمة لأي وسيلة إعلامية سواء الصحيفة اللندنية، ومراسلها أو لأي جهة أو مؤسسة إعلامية أخذه، وإعتبرت أن لا إنتهاك لحق الصحفي الناشر الأول، بل فيه فائدة والدليل على نجاح الموضوع أن يأخذ وينشر،، لأن الصحفي أخذ حقه عندما نشر الموضوع أولا، ووجدت المحكمة إن نشره مرة ثانية وبإسم آخر وبوسيلة إعلام أخرى ليس فيه غبن، ولاتتوفر فيه شروط الخطأ، وليس فيه ضرر، ولايعد تقصيرا.. وهذا القرار حسب رأي المحكمة نفسها قواعد عامة في القانون العراقي، وإعتبرت الدعوى خالية من أي حق للصحفي في تحقيقه، ولايوجد سند لدعوته في حكم القانون.

في هذا الوقت فإن الدعوى تنظر في محكمة الإستئناف، ولو صدر قرار مثل القرار الأول فإن الصحافة العراقية ستدخل في مرحلة تشريع قانون للسرقة الصحفية دون أن تشعر محاكم العراق بذلك الأمر.

لاأدري كيف تخلط المحكمة بين التحقيق الصحفي الذي هو أصل الدعوى والذي يعد فنا مستقلا من الفنون الصحفية، وبين المقال الذي لايرتبط بالتحقيق لا من قريب ولا من بعيد، كما إن التحقيق الصحفي ليس خبرا أو تقريرا؟

التحقيق حول المقابر المسيحية هو أول تحقيق يكتب في الصحافة العراقية يثير وجود مقبرة مسيحية في مدينة إسلامية وهو حصري، وفيه نتائج مهمة جدا، كانت جميعها حديثة، ومعلومات جديدة تخص قضايا ونتائج التنقيبات، تناولت أربع شخصيات أكاديمية، وإختصاص، وآثار مشكلة من علماء مسيحيين في أوربا وآسيا، والكنيسة الكلدانية التي حرفت التحقيق وإعتبرت المقابر تابعة لكنيستها كما حرفت تصريح مدير الآثار والباحثة سلمى، وبين الكنيسة الآشورية التي أرادت تسليط الضوء على تحريف الكلدان في موقع (كلدايا نت) (للتحقيق الصحفي) وهذا ما ذكره أسقف كنيسة الشرق الآشورية في أوربا الأسقف مارعوديشوا أوراهام في موضوعه (حتى المقابر المكتشفة في النجف لم تسلم من التحريف في موقع كلدايا نت).

ولأهمية الموضوع أنه نشر بعد مرور 5 أشهر ووصل نشر شهر شباط من العام الحالي الى أكثر من 70 وسيلة إعلام في أوربا وآسيا وأمريكا وأستراليا ولازال مستمرا لغاية نيسان 2012، لكونه تحقيقا مهما، وفيه سبق صحفي لم يكتب فيه من قبل وهو ليس (خبرا عاديا أو مقالة) وإنما تحقيقا صحفيا يعرف أهميته من يعملون في مجال الإعلام أو أهل القانون ممن يعمل أو يكتب في وسائل الإعلام حصرا.

الدعوى القضائية هي الأولى في العراق حول قضية السرقة الصحفية وهي سابقة لم تمر بالمحكمة، المختصة، وهي قضية رأي عام ستشرع قرارا يعد مهما وحساسا وله أهمية في مستقبل المؤسسات الإعلامية العراقية، وتعامل المؤسسات الإعلامية العالمية معها كون القانون العراقي في هذه الدعوى سيجيز أو لا يجيز السرقة والنشر بالإقتباس للنص كاملا أو منقوصا، دون ذكر إسم الصحفي ووسيلته الإعلامية، ولاتعد له حماية.

يوجد قانون النشر العراقي وقانون حماية حق المؤلف، وفيه نصوص واضحة وصريحة لحماية النصوص وضرورة الإشارة للمصدر وإسم الكاتب، ويكفل القانون العراقي حق النشر.

يجب على القانون العراقي حماية الكتابات الصحفية والوقوف بوجه سراق المواضيع الصحفية والتجارة بها من خلال تفعيل القوانين العراقية، ووضع حد لمن يتاجر بالصحافة العراقية عربيا وعالمياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/نيسان/2012 - 26/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م