لنبدأ من جديد ويستعيد المسلمون مكانتهم

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ: لا يُخفى على أحد أن المسلمين يعيشون في الركب المتأخر من العالم، لأسباب يعرفها جميع المسلمين، وذلك بسبب التقاعس والفوضى وعدم التنظيم، ناهيك عن غياب الارادات الفردية والجماعية القوية، التي أدت ولا تزال تؤدي الى إبقاء العالم الاسلامي متخلفا وضعيفا ومفككا، قياسا لدول العالم المتقدم في الغرب أو سواه.

غياب الحرية وتراجع العلم

أما الاسباب فهي واضحة تماما، حيث التغييب القسري لاجواء التحرر، وغياب الشورى والانفراد بصناعة القرار، وانتشار أنظمة الحكم الدكتاتورية في معظم الدول الاسلامية، أدى الى محاربة مستديمة للحرية، بل شنت هذه الحكومات ولا تزال حروبا شعواء على الحريات بأنواعها، فأدت بذلك الى وأد معالم الحرية في مهدها الامر الذي جعل من بلاد المسلمين ترزح تحت طبقات متراكمة من الجهل والتخلف والابتعاد عن العلم بصورة شبه كلية، الامر الذي يقود بالنتيجة الى ضعف الصنعة.

لذا يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (لنبدأ من جديد)بهذا الخصوص: (من أهم ما يلزم في البدء من جديد: رعاية أسس التقدم وهي الحرية والعلم والصنعة،  فاللازم على من يريد التحرك لإنقاذ البلاد وإسعاد العباد أن يهتم بهذه الأمور الثلاثة).

وهكذا تأتي الحرية على رأس المتطلبات والشروط التي يحتاجها الانسان، لكي يقفز بحياته من الجهل والظلام الى المعرفة ونور العلم، لأن الحرية هي المناخ الطبيعي الذي جبل عليه الانسان، لكي يبدع ويتطور ويفعّل طاقاته كاملة من اجل الانتاج المادي والمعرفي الامثل، لذلك يؤكد الامام الشيرازي بصدد الحرية قائلا في كتابه نفسه: (الحرية هي أساس البقاء ثم التقدم، إن الإنسان إذا لم يكن حراً لم يبق حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟). ويضيف الامام الشيرازي تأكيدا لدور الحرية الحاسم في تقدم الحياة: (إن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية، فإذا لم تكن هناك حرية لا يوجد عمل للحياة).

الحرب على الحرية

وطالما أن الحرية هي الطريق الامثل والأقصر لتحقيق تقدم الشعوب وزيادة وعيهم، فإن هذا يتناقض مع اهداف الحكومات المستبدة والمستعمرين ايضا، لذلك خطط الغربيون لزرع حكومات جاهلة رعناء ومتسلطة لكبح اندفاع المسلمين نحو التطور، يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (الحرية هي أوّل متطلبات العمل للإنقاذ، وحيث أراد الغرب تحطيم بلاد الإسلام فعل أوّل ما فعل: أن سلّط حكاماً دكتاتوريين على هذه البلاد فسلبوا من الشعوب الحرية، وبذلك سلبوا منهم كل شيء، أرأيت العراق ـ ونحن كنا نعيش فيه ـ فيه رافدان ذهبان سيّالان، وفيه أراضٍ واسعة قابلة للزراعة، وفيه أياد عاملة بكثرة، ومع ذلك فالقانون الذي وضعه الحكام المستبدون من أتباع الغرب، يمنع كل شيء، فالأرض يباب والبلاد خراب، والناس عاطلون، والبطون جائعة، والرافدان نصيب البحر!!). إذن من الطبيعي أن يبقى العراق متخلفا، مقابل التقدم المتسارع لدول اخرى تعيش اجواء التحرر، وهنا يشير الامام الشيرازي الى واقع العراق قائلا: (لذا ترى كل بلاد العراق في تخلّف غريب وكأنهم يعيشون في العصور المظلمة، بينما يصل الغرب إلى القمر، وهم لا يصنعون حتى الإبر، وقد احتاجوا اليوم حتى الى استيراد الطعام، وليس هذا حال العراق فحسب بل حال كل بلاد الإسلام، ولذا ترى الحكام يقفون سداً منيعاً أمام تقدم البلاد بسلب الحريات).

ومن المعروف أن هناك خططا استراتيجية لحرمان المسلمين من شرط الحرية، كونه الطريق الصحيح الى التطور، لهذا السبب مطلوب جهود مضاعفة وكبيرة وتعبئة متواصلة لاستعادة الحريات، والقضاء على الانظمة الدكتاتورية، يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (لا يظن أن إعادة الحريات إلى بلاد الإسلام شيء يسير، فإن الغرب بكل أجهزته وقواه يقف دون ذلك، انهم ينادون بالحرية لبلادهم لا لبلادنا، وقد هيئوا كل شيء لتحطيم الحريات في بلادنا.. من الحاكم المستبد والقانون غير الإسلامي والمدارس غير الملتزمة والجيش الجرّار والمال الكثير والسلاح القوي والإعلام العالمي وكل شيء). ويؤكد الامام قائلا ايضا: (من الضروري، أن نبدأ بإعادة الحريات إلى بلاد الإسلام).

حرب الاستبداد على العلم

المقوّم الثاني من مقومات العصرنة ومواكبة مستجدات العصر، هو العلم الذي يعتبر نتاج طبيعي لاجواء الحرية، فأينما توجد الحرية يزدهر العلم، معادلة لا احد يستطيع التشكيك بصحتها، واينما تتسيد سلطة الفرد او الحزب الواحد، تموت الحرية واجواؤها، ويؤدي ذلك الى موت أو تراجع العلم في افضل الاحوال، لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه أن العلم يعد: (من أسس التقدم لتجديد الحياة: فإنه إذا توفرت الحرية، أتى دور العلم لأنّ العلم لا يكون إلاّ بالحرية، إذ العلم يأتي بالخطابة والكتابة وبسائر الوسائل السمعية والبصرية وما أشبه، وإذا كان الحاكم يمنع كل ذلك ـ إذ لا حرية ـ فهل يمكن التعليم والتعلم؟). كلا بطبيعة الحال لن يكون هناك تعليم ولا تعلّم، وبالتالي تغيب المعرفة ويسود الجهل والتخلف، وتبقى سلطة الاستبداد تقول البلاد والعباد الى المنحدر الأسوأ، إذ يقول الامام الشيرازي: (لذا لم يكن من الغريب أن تكون مختلف وسائل نشر العلم في بلاد الاستبداد تحت الرقابة الشديدة ووضع القيود الصارمة عليها، وإن كان المنع عن هذه الوسائل بمختلف الأعذار، لكن الجوهر واحد، وهو سياسة التجهيل).

العلم وتطوير الحياة

ومن بداهة القول أن العلم وتطور الحياة صنوان متلازمان، فأينما يوجد العلم يوجد التطور، لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا بهذا الصدد: (من المعلوم أن العلم يوجب الحياة وهو الأساس في التقدم، وحتى في البدائيات كالصناعات اليدوية والمحلية، فالذي يعلم كيفية صنع الفخار: أخذاً من أية تربة، وتصنيعاً، وتجفيفاً، وتجميلاً، وتسويقاً، يكون ربحه أضعاف أضعاف من لا يعرف).

وأخيرا يأتي دور الصناعة في تطوير الفرد والمجتمع عموما، والصناعة او الصنعة وتطورها، ناتج طبيعي لاجواء الحرية، وتنامي العلم وانتشاره في طبيعة حياة المجتمع ومنظوماته السلوكية والفكرية، لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (من أسس التقدم للبدء من جديد: الصنعة، فبعد العلم يأتي دورها، لأن الصناعة تتوقف على العلم، وهي قمته، من غير فرق بين الصناعات الخفيفة أو الثقيلة، من هنا يجب أن نبدأ بـ (الحرية، فالعلم، فالصنعة) حتى نصل إلى القمة التي وصلت إليها البلاد الصناعية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/نيسان/2012 - 25/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م