النفط العراقي... مصدر طاقة ام مصدر خلاف؟

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تشعبت ملفات الخلاف السياسي في العراق وتنوعت بتنوع المكون السياسي الذي يسيطر على مفاصل القرار في هذا البلد الطامح الى التخلص من آلام الماضي وويلات الحروب وتبعات الحكومات السابقة، تلك الخلافات التي تطرح بين الحين والاخر والتي تتسم في اغلبها بلهجة الهجوم و التسقيط السياسي يصفها بعض المحللين بانها دلائل مهمة تؤكد حجم الابتعاد وعدم التوافق بين تلك الكتل والمكونات الباحثة عن تحقيق اكبر قدر من المكتسبات الخاصة والتي باتت مكشوفة لجميع مكونات الشعب العراقي، ولعل من اهمها تلك المشاكل العالقة بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان والتي تتسبب في توتر العلاقات وتشنجها  ومنها مشكلة ملف القطاع النفطي الذي اسهم بشكل فاعل في تصاعد حدة الخلاف مؤخرا، فقد اكد نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ان كميات كبيرة من النفط تهرب من اقليم كردستان الى ايران، ملمحا الى امكانية اقتطاع اموال من الموازنة المخصصة للإقليم الكردي. وقال الشهرستاني في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير النفط عبد الكريم لعيبي في بغداد "ليس لدى كردستان مصاف لتكرير النفط لذا فان الجزء الاكبر يهرب الى خارج العراق عبر الحدود الايرانية بشكل رئيسي". واضاف "تحدثنا مع ايران وتركيا حول هذا الموضوع وطلبنا ضبط الحدود لمنع التهريب". من جهته قال لعيبي "لدينا مؤشرات وتقارير تفصيلية عن المناطق التي يهرب منها النفط تجاه ايران والتي تذهب الى منافذ على الخليج عبر بندر عباس وبندر خميني وتباع بأسعار اقل من الاسعار العالمية". واكد ان "هناك كميات تعبر الى افغانستان عن طريق ايران".

واوضح ان "موضوع المبالغ التي استحصالها اقليم كردستان من خلال التهريب تشكل اكثر من خمسة اضعاف الكلفة المقدرة لتطوير الحقول". وتابع ان "الاقليم فعليا استرد التكاليف قبل عدة سنوات، وليس من الصحيح ان يطالب الان بهذه التكاليف". وكان عادل مراد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني قال في مقابلة صحافية في 20 اذار/مارس الماضي "زار قبل فترة نائب رئيس الجمهورية الافغاني بغداد وابلغ (رئيس الوزراء) نوري المالكي انه يقدم شكره للأكراد وان الافغان سيقضون شتاء جيدا وبدون مشاكل مع الوقود". وتابع "اجابه المالكي: ماذا تعني بهذا؟ فاخبره المسؤول الافغاني ان الاكراد يبيعون لهم النفط بأسعار رخيصة جدا، بعدها عبر المالكي عن استغرابه وقال: اي نفط تقصد؟ فابلغه المسؤول الافغاني انهم يشترون النفط من الاكراد"، مشيرا الى ان المالكي لم يكن لديه اي علم بهذه المسالة.

وجاء الحديث عن تهريب النفط من اقليم كردستان بعد يوم من اعلان وزارة النفط في حكومة الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي انها قررت وقف الصادرات النفطية "حتى اشعار آخر" بسبب خلاف مالي مع بغداد. وتطالب الوزارة الحكومة المركزية منذ نحو عام بأموال مخصصة للشركات العاملة في الاقليم الكردي. واكد لعيبي ان "ايقاف دفع مستحقات الشركات الاجنبية يأتي بسبب عدم تعاون الاقليم في عمليات تدقيق تكاليف التطوير". واوضح ان "الحكومة تعهدت بدفع تكاليف الاقليم بعد ان يتم التدقيق بها من قبل لجنة مشتركة من ديوان الرقابة وعضوية ممثلين عن وزارة النفط ووزارة الثروات والموارد الطبيعية ووزارة المالية". وتابع ان "الاجراء لم يستكمل بسبب عدم تعاون وزارة الموارد على استكمال اجراءات التدقيق، ورغم ذلك سلمت الحكومة المركزية اكثر من 500 مليون دولار كسلفة لحين استكمال عمليات التدقيق". ويصدر اقليم كردستان يوميا بين 65 و70 الف برميل، بحسب ارقام رسمية. بحسب فرنس برس.

وقال الشهرستاني ان حكومة اقليم كردستان اوقفت تصدير النفط تدريجيا حيث "قلصت الكميات خلال الاشهر الماضية من 175 الف برميل في منتصف 2011 الى 70 الف برميل خلال الايام الماضية ثم تم ايقاف التصدير تماما. وذكر ان "مجموع قيمة النفط الذي لم يصدر خلال عام 2011 هو ثلاثة مليارات و547 مليون دولار"، وان "قيمة النفط غير المسلم من قبل الاقليم في عام 2010 هي مليارين و102 مليونين". واشار الى ان "هناك اموالا كبيرة سوف تسبب عجزا في الموازنة ان لم تسلم، ولا بد للحكومة ان تنظر بالإجراءات المطلوبة لحماية ثروات العراقيين". وقال الشهرستاني "على وزارة المالية ان تستقطع هذه المبالغ (من موازنة الاقليم)".

وتبلغ حصة اقليم كردستان 17 بالمئة من موازنة الحكومة الاتحادية البالغة نحو 100 مليار دولار والتي تأتي معظم عائداتها من مبيعات النفط. يذكر ان العراق ينتج اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط، يصدر منها اكثر من مليونين. ويشكل النفط 94 بالمئة من عائدات البلاد. ويملك العراق ثالث احتياطي من النفط في العالم يقدر بنحو 115 مليار برميل بعد السعودية وايران.

بغداد تحذر

من جهة اخرى اشار الشهرستاني الى ان سلطات اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي لم تف بوعودها حيال مستوى التصدير، قائلا ان هذا الامر يمثل "خرقا للالتزام المنصوص عليه في 2012". واوضح ان هذا الالتزام يقضي "بان تسلم المنطقة الكردية نحو 175 الف برميل في اليوم، والا فان المسؤولين فيها سيتحملون العواقب حيث انه يجب ان يكون هناك تعويضا ماليا لوزارة المالية". وتابع "عليهم ان يسلموا كل النفط المنتج في منطقتهم الى وزارة النفط فورا اذا رغبوا في الحصول على حصتهم من الموازنة".

الا ان وزارة النفط في الحكومة المحلية اعلنت بالفعل في بيان نشر على موقع حكومة اقليم كردستان انه "بعد مشاورات مع الشركات المنتجة، قررت الوزارة وقف الصادرات حتى اشعار آخر". واضافت "لم نتلق دفعات مالية منذ عشرة اشهر، وليس هناك اي مؤشر صادر عن السلطات الفدرالية على ان هذه الدفعات ستصل". وتابعت "نامل ان يكون هذا اجراء مؤقت وان يدرك سريعا المسؤولون عن عدم دفع الاموال في الحكومة المركزية بان فشلهم في الالتزام بالاتفاقات لا يصب في صالح الشعب العراقي". واعلنت الوزارة انها لم تتلق اموالا خاصة بالشركات العاملة في الاقليم "منذ ايار/مايو 2011". واشارت الى انه عندما "تحل هذه القضية بطريقة مرضية سنبذل كل ما بوسعنا لزيادة الصادرات الى اكثر من 175 الف برميل في اليوم كما تنص موازنة 2012". وكانت سلطات اقليم كردستان اعلنت في ايار/مايو 2011 ان العراق دفع اموالا للمقاولين العاملين في الاقليم في اطار "اتفاق مؤقت حول تحصيل العائدات"، وكانت هذه المرة الاخيرة التي يعلن فيها عن تحصيل عائدات. ووقع الاقليم نحو 40 عقدا مع شركات عالمية من دون السعي الى الحصول على موافقة وزارة النفط في الحكومة المركزية، التي ترفض توقيع عقود مع شركات وافقت على التعامل مع اقليم كردستان من دون استشارتها.

في السياق ذاته حذر نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني شركة توتال الفرنسية من ان الحكومة العراقية ستعتبر اي عقد تبرمه مع اقليم كردستان العراق خرقا للقانون. وقال الشهرستاني ان "وزير النفط والوزارة ابلغا مسؤولي توتال وبعبارات واضحة انه سيجري التعامل معهم بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع الشركات الاخرى". واوضح وزير النفط السابق "اذا وقعوا عقدا لتطوير حقل في العراق، في اي مكان من البلاد ومن دون موافقة الحكومة العراقية، فسنعتبر انهم خرقوا القانون العراقي وسيجري التعامل معهم وفقا لذلك". بحسب فرنس برس.

وجاءت تصريحات الشهرستاني بعد اعلان رئيس توتال كريستوف دو مارجوري ان شركته تجري محادثات حول صفقات محتملة مع اقليم كردستان العراق. وتعتبر بغداد اي عقود موقعة من قبل اقليم كردستان وغير مصادق عليها من قبل وزارة النفط في الحكومة المركزية، غير قانونية.

ووقعت حكومة اقليم كردستان العراق حوالى 40 عقدا مع شركات اجنبية من دون مصادقة وزارة النفط عليها. وتملك توتال 25 في المئة من حصة كونسورسيوم قادته شركة النفط الوطنية الصينية (سي ان بي سي) (50 في المئة) وفاز في 2009 بترخيص تطوير حقل حلفاية (جنوب العراق) الذي يبلغ احتياطه 4,09 مليارات برميل.

عمل تخريبي

من جانب اخر اعلنت مصادر رسمية عراقية استئناف ضخ النفط عبر تركيا بعد ان توقف التصدير لساعات اثر تعرض انابيب النقل الى عمل تخريبي. وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد ان "انفجارا وقع في انبوب نقل النفط العراقي داخل الاراضي التركية". واكد ان "تصدير النفط عبر تركيا توقف بعد وقوع الحادث مباشرة". وفي وقت لاحق، اعلن جهاد انه "تم استئناف ضخ النفط بعد السيطرة على الحريق وبنفس المعدلات". وفي ديار بكر اعلنت السلطات التركية في بيان ان ثلاثة انفجارات سببت اضرارا في انبوب ينقل نفط العراق الى تركيا، محملة المتمردين الاكراد مسؤولية هذا "التخريب". وقال البيان ان حريقا اندلع بعد الانفجارات وادى الى اغلاق الانبوب لكن تمت السيطرة عليه واكد البيان ان السلطات بدأت عملية لاعتقال منفذي التفجيرات. بحسب فرنس برس.

وكان مصدر رفيع المستوى في شركة نفط الشمال في العراق اكد "توقف تصدير النفط العراقي عبر تركيا بسبب تعرض انبوب نقل النفط العراقي التركي الى عمل تخريبي". واضاف "سيتم استئناف تصدير النفط عبر تحويل خط التصدير الى الانابيب البديلة الى ان يتم اصلاح العطل". وتتراوح كميات النفط المصدرة بين 400 و450 الف برميل يوميا، وفقا للمصدر المسؤول ذاته. واشار المسؤول الى ان شركة نفط الشمال "تواصل الانتاج بمعدل 630 الى 670 برميل يوميا وسيتم نقل الكميات المنتجة الى محطات التخزين في بيجي (200 كلم شمال بغداد) ليتم تصديرها لاحقا". وغالبا ما تتعرض انابيب النفط شمال بغداد لعمليات تخريب، الى جانب اعمال السرقة. ويربط انبوب النفط الذي يبلغ طوله 970 كيلومترا كركوك في المنطقة النفطية شمال العراق، بمرفأ جيهان التركي الذي يصدر العراق عبره قسما من نفطه.

تصعيد وتهديد

في السياق ذاته جدد رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في مقابلة صحافية اتهامه لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالدكتاتورية، ملمحا الى امكانية طرح مسالة سحب الثقة منه. وقال الزعيم الكردي في المقابلة مع صحيفة "الحياة" ان "العراق يتجه الى كارثة، الى عودة الديكتاتورية، والاستئثار بالسلطة في كل مرافق الدولة"، في اشارة الى المالكي من دون ان يسميه. وراى انه يجري حاليا "تهميش الجميع، وكأنه تم اسقاط النظام الجديد في العراق على يد شخص، فيما الباقون يعيشون على مكرمات القائد الجديد".

وقال بارزاني انه " سأدعو الى اجتماع كل القادة العراقيين لدراسة الوضع بمسؤولية، وليس للمجاملة او ايجاد حلول وقتية او مسكنات للأزمة". وتابع "اما حلول جذرية، واما كل واحد يعرف طريقه يجب ان يكون اللقاء جديا وحاسما، واذا لم يستجيبوا، فثمة حديث آخر". وفي جوابه عن سؤال حول احتمال رفض المالكي حضور الاجتماع اذا تم وضع شروط، قال بارزاني "نريد اجتماعا لتفكيك الازمة، لإصلاح الوضع، الاجتماع ليس لمجرد الاجتماع، اذا رفض المالكي حضور الاجتماع لحل المشكلة، فنحن نرفض بقاءه في الحكم". واوضح انه يجب "اما معالجة الوضع واما مواجهة وضع لا يمكن القبول به وفيه شخص واحد يستحوذ على كل مرافق الدولة ويتصرف وفق ارادته ويهمش الآخرين ثم يبقى رئيسا للوزراء، هذا غير مقبول على الاطلاق".

وردا على تصريحات بارزاني قال علي الموسوي المستشار الاعلامي للمالكي ان "التصريحات المتكررة لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بخصوص تفرد المالكي بالسلطة تمثل تصعيدا غير مفهوم وهي مرفوضة شعبيا". واضاف "هناك تصعيد غير مفهوم من السيد مسعود البارزاني ومرفوض ولا يقبل به احد لا من للشعب العراقي ولا من غيره". وشدد على ان "العديد من القيادات الكردية تتصل بنا وتبلغنا عن رفضها لمثل هذا التوجه الذي قد تستفيد منه اطراف اخرى لا تحمل نوايا طيبة للشعب العراقي او للشعب الكردي". بحسب فرنس برس

وكان الزعيم الكردي انتقد ايضا في اذار/مارس الماضي بشدة المالكي متهما اياه باحتكار السلطة وبناء جيش يأتمر بأوامره. وقال بارزاني ان الشراكة التي سمحت بتشكيل حكومة وحدة وطنية ضمت حزبه وحزب المالكي اثر الانتخابات التشريعية في 2010 اضحت "غير قائمة تماما وفقدت كل معنى لها". ويشكل النواب الاكراد نحو خمس البرلمان العراقي ويشغل الائتلاف الكردي المكون من حزبين خمس حقائب وزارية في الحكومة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/نيسان/2012 - 20/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م