دور العلماء بين الدين والسياسة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ: يعاني المسلمون في عالم اليوم من الجهل والتخلف، والتراجع بمسافات كبيرة عن الركب العالمي المتطور، مع أن المسلمين يمتلكون جميع المقومات المعاصرة والاستقرار والتطور، ويتضح ذلك في الجانب المادي حيث تتوافر ثروات وموارد هائلة للمسلمين سواء كانت طبيعية او سواها، كذلك هناك ثروة فكرية وعلمية تتمثل بالعقول النيرة والكفاءات الكبيرة المتناثرة بين المسلمين، ولكن مع الفوضى والجهل في التعامل مع هذين العنصرين (الثروات والكفاءات) فقد المسلمون فرص التطور ومواكبة العصر.

أهمية التثقيف والتوعية

لا يمكن أن ينهض المسلمون مجددا ويستعدوا دورهم العلمي والديني الريادي ما لم يتحقق شرط التوعية والتثقيف ونشر الوعي السياسي بين الجميع لاسيما النخب، ليمتد هذا الفهم أفقيا الى عموم الناس البسطاء، عبر جهود منظمة كبيرة تتكفلها الجهات الرسمية (الحكومات)، بمساعدة المؤسسات الخيرية الاهلية التي تعنى بالتثقيف ونشر الوعي بأنواعه كافة بين الناس. يقول الامام الشيرازي، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال، بكتابه الثمين الموسوم بـ (الفهم السياسي): (من أهم مقومات الفهم السياسي هو: التثقيف والتوعية، وهي إحدى الأسس الرئيسية لنهضة الأمة الإسلامية، وترسيخ مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل تام وصحيح).

ولكن تحصيل العلم والفهم لا يأتي اعتباطا، ولا يتحقق من دون بذل الجهود المطلوبة في هذا المجال، ولذلك ينبغي أن تكون هناك خطط علمية متخصصة، يضعها خبراء في نشر الوعي السياسي بين النخب وقادتها وبين عامة الناس ايضا، فالجميع مفكرون ورجال دين وعلماء وغيرهم، يحتاجون الى فهم السياسة بكل ما تنطوي عليه من خفايا وظواهر، لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص بكتابه المذكور نفسه: (إذا أردنا المعرفة والحصول على الفهم السياسي، فعلينا بالجهاد الفكري والجهاد العلمي ضد الجهل، وبكل الوسائل المتاحة المشروعة، بالقلم واللسان، وبمختلف الوسائل العصرية؛ لتصل تعاليم الإسلام وأهدافه الإنسانية إلى كل قرية قرية ، قريبة أو بعيدة، وكل بيت بيت، صغير وكبير، وكل فرد فرد، فتبدأ الأمة بالنهضة من جديد بامتلاكها الحجة من جرّاء رشدها وفهمها السياسي).

العلاقة بين الدين والسياسة

إن أهمية ولزوم فهم السياسة يتأتى من الترابط والتداخل بين الاحكام الشرعية والعبادات وبين السياسة ايضا، لهذا لابد من فهم الامور والمفاهيم السياسية المختلفة من اجل ادارة حياة الرعية بالصورة الصحيحة، فالسياسة وحياة الناس والدين كلهم يدخلون في تشكيل حياة المجتمع، لذا لابد من تحقيق الفهم الصحيح للسياسة، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (نعم السياسة تعتبر من واقع الإسلام؛ باعتباره الدين الذي يريد من الأحكام الشرعية والعبادات أن تظهر على مختلف جوانب حياة المسلم وأفعاله وأفكاره، وأنه دين للدنيا والآخرة، فإن كل فعل من الأفعال قد جاء حكمه وبيانه في الكتاب والسنة، وقد أثبتنا عدم انفصال السياسة عن الدين من النصوص الشرعية - الكتاب والسنة-).

ولابد أن يتنبّه المعنيون (حكوميون أو غيرهم) بأن نشر الوعي السياسي لا يتعلق بطبقة او شريحة دون سواها، فالجميع ينبغي أن يكونوا على اطلاع جيد بالسياسة، لاسيما طلبة العلوم الدينية، حيث يعتمد عموم الناس على رجال الدين بأمورهم الحياتية والبت بالكثير منها، ناهيك عن المسؤولية الكبيرة في حماية مصالح المسلمين من اعدائهم في الخارج كالمستعمرين واطماعهم في سرقة خيرات وثروات المسلمين، او اعداء الداخل كما نلاحظ بالنسبة للحكومات المستبدة والانظمة السياسية الفردية او الاحادية المنهج، لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص:

(يلزم على طلبة العلوم الدينية ـ كما يلزم على غيرهم ـ التحلي بالفهم السياسي، وإننا إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة وعرفنا ما فيهما من أحكام ولوازم حياتية، فسنعرف السياسة بشكل واضح، فلا تنطلي علينا ألاعيب المستعمرين والحكام الظلمة، وإلى جانب ذلك نحتاج أيضاً إلى قراءة مختلف الكتب السياسية، ومعرفة محتواها، ومتابعة الأحداث التي تجري من حولنا في بلادنا وفي جميع أنحاء العالم، من منشئها إلى هدفها).

رجال الدين والوعي السياسي

هناك خلل في نظرة رجال الدين الى السياسة، فهم يتصورون بأن مهمتهم ترتبط بقضايا الآخرة فقط، وهو تصور غير صحيح، لأن حياة الناس وتداخلاتها وتنوعها تتطلب رعاية وتوجيها وحماية من الحكام المستبدين، والدول الكبرى الطامعة بثروات المسلمين، أي أن حياة الانسان اليومية المتعارف عليها معرضة للعمل الصحيح والخاطئ، وأن رجل الدين عليه أن يتابع ويصحح اخطاء الناس، ناهيك عن دوره في حماية حقوقهم كالحريات وما شابه، وهذا يتطلب فهما ووعيا سياسيا جيدا، وهذا الامر يمكن تحقيقه، من خلال الايمان بالدور السياسي لرجل الدين، وعدم ترك الامور على الغارب، بحجة الابتعاد عن العمل السياسي، وهو اعتقاد سائد أدى الى اخطاء كبيرة، وقلل من دور رجل الدين في ادارة الشؤون السياسية للناس، مع أنها تتداخل مع حياتهم اليومية واحداثها المتنوعة، بالإضافة الى مستقبلهم ايضا، لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه المذكور نفسه:

(إن الحصول على الفهم السياسي لا يحتاج إلى جهد كثير، ولكن المسلمين ـ على الأخص رجال الدين ـ تركوا العمل بها واعتبروا السياسة من شؤون الدولة المتسلطة وليست من شؤون الدين، وهذا من أهم أسباب عدم وجود الفهم السياسي بالمقدار الكافي في أوساط المسلمين، حيث تصور البعض أن السياسة هي شأن الطغاة حفاظاً على الحياة الدنيا، متناسين أنهم مسؤولون في الآخرة عن الناس الذين يعتبرون رجال الدين والعلماء أسوة وقدوة لهم).

هكذا يتضح بجلاء دور العالم او رجل الدين، فهو معني بحياة الناس الراهنة مثلما معني بتوجيههم بخصوص الاخرة والاعمال الصالحة، ولا يصح الفصل بين الدورين، لأنهما مرتبطان ببعضهما، فالحياة الاولى تؤدي الى الاخرى، واعمال الانسان الدنيوية محاسب عليها في الدار الاخرى، لذلك فإن الحوزات العلمية، ورجل الدين له دوره في شؤون الناس وحماية حقوقهم، وهو الامر الذي يفرض عليه فهما جيدا للسياسة، حيث يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد. (اذن يلزم على جميع المسلمين وخاصة الحوزات العلمية والعلماء التحلي بالفهم السياسي وذلك للحفاظ على الأمة من الضياع ومن مخططات الأعداء).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/نيسان/2012 - 18/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م