مستقبل الإسلاميين في مصر

د. أحمد راسم النفيس

إنهم (الجماعتيون) أي الذين يبلورون إسلامهم في صورة جماعة أو تنظيم يرى أنه يمثل الفهم الصحيح للإسلام في مواجهة المجتمع الذي يراد إعادته إلى صحيح الدين إما عبر الانخراط في (جماعة) والإذعان المطلق لها ولخياراتها وإملاءاتها وتبني ما تطرحه من مفاهيم والتصويت لها ولحزبها في الصناديق.

إنها واحدة من أخطر البدع التي جرى اختراعها على مدى تاريخنا الإسلامي رغم أن الجماعاتيين لا يكفون عن تسفيه وتسخيف كل من لا يؤمنون بآرائهم ومعتقداتهم خاصة الشيعة ويرون فيهم بدعة تسعى لتدمير الإسلام من داخله.

يؤمن الشيعة بإمامة أهل البيت وهو مفهوم يستند إلى النصوص القرآنية والسنة النبوية وإلى حقيقة أن الإمام علي بن أبي طالب أخا رسول الله وزوج ابنته الزهراء أي أن إمامته موصولة بخط النبوة من دون انقطاع في حين يؤمن الإخوان بإمامة حسن البنا الذي جاء إلى هذا العالم قبل قرن واحد من الزمان وهم يرون فيه أعجوبة الزمان وأحد أهم وأخطر الاكتشافات التي غيرت مصير العالم أي كاد البنا أن يكون رسولا!!.

ولأن الجماعاتيين فتحوا للدنيا باب الاختراع في الدين فقد توالى ظهور الجماعات وتكاثر الجماعاتيين الذين رأوا في الإخوان جماعة مبتدعة ومن أهمهم السلفيون والجهاديون الذين يؤمنون بانحراف الجماعة عن صحيح الدين نظرا (لتمسكها) بالعقيدة الأشعرية بينما يقول الواقع أن الإخوان ليسوا سوى مجموعة من التكنوقراط الذين لا يعرفون شيئا عن الأشعرية ولا غيرها كما أن حظ غيرهم من المعارف العقائدية والفقهية ليس أفضل منهم بكثير.

قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

(ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم). عن رسول الله ص رواه البخاري.

الآن بسطت الدنيا وفتحت أبوابها للجماعاتيين بل وجاء الأمريكان يعلنون توبتهم عن الوقوف ضدهم ويخطبون ودهم بعد أن اثبتوا قدرة فائقة على الاستيلاء على الصناديق واستيلادها حماما ومناديل وسلطة برلمانية وجمعية تأسيسية وربما سلطة رئاسية ومن الطبيعي أن يتحقق النصف الثاني من نبوءة رسولنا الأكرم (فتنافسوها فتهلككم) خاصة وألا رأس حقيقي يجمع هؤلاء بل زعماء اللحظة وقيادات ليس لهم صفات ثابتة ولا محددة وجموع بشرية غير واعية تريد (الإسلامات) الذي تقدمه هذه الجماعات والذي يظنونه شيئا واحدا.

لا يرى كثير من الناس فارقا جوهريا بين (إسلام الشاطر) ليبرو الإسماعيلي وإسلام (خيرت الشاطر) ليبرو معارض السلع المعمرة مؤسس اقتصاد (حلق حوش) وهو ما يؤهله من وجهة نظر الإخوان لبناء نهضة حضارية عظيمة واقتصاد قوي يضاهي في عظمته الأهرامات والمهم هو تزكية الكابتن برادلي والكابتن ماكين وإعجابهم بطريقة اللعب والتلاعب ويا لخيبة العقول!!.

من ناحية التأسيس فالدور الذي ترسمه لنفسها ممارسات تلك الجماعات لا يختلف شيئا عن ممارسات الحزب الضرورة القائد (البعث العربي الاشتراكي) أو (الاتحاد الاشتراكي العربي) أو (الحزب الوطني الديموقراطي): طليعة الأمة وقاطرة المسيرة والمعبر الأوحد عن طموحاتها وتطلعاتها نحو الوحدة والتحرر القومي أو الوطني ومن ثم فإن واجب سائر القوى هو الاصطفاف خلف القاطرة والانعطاف يمينا ويسارا مع انعطافاتها والقبول بكل قراراتها وهي تجربة أثبتت فشلا ذريعا وخلفت دمارا هائلا في بقية الأمة وهي التي أنتجت لنا مبارك وعصره وعمر وسليمانه وهاهم الجماعاتيون يرون أنفسهم مؤهلين لاستنساخ نفس التجربة الفاشلة هذه المرة بخيرتها وفتوحها وعوا عوا عوا...

لا يتعلق الأمر بسخرية من هؤلاء الأشخاص (الآتين من العصر الحجري) بل بتأمل في مسلكهم (الوصائي) وعدم استيعابهم للتحول الفكري الذي استجد وتمكن من عقول الناس وهو تحول قاد لاندلاع الثورة على الديكتاتور وقاد لإسقاط الديكتاتورية الأبوية للمخلوع وهو تحول مازال متواصلا ولن يتوقف مهما حاول هؤلاء الآباء الصغار تدجينه وتعليبه تحت أي شعار مذهبي أو ديني يدعي احتكار حق تمثيل الإسلام والتعبير عنه.

الأزمة ذاتها تتفاعل داخل هذه الجماعات والتشكيلات إذ أن بعض القادة (التاريخيين) لهذه التنظيمات قد وجدوا أنفسهم مضطرين للانسحاب من صدارة المشهد بعد أن حوسبوا على أدائهم وعلى قراراتهم الانتحارية الخاطئة مثل الجماعة الإسلامية ولا حاجة بنا لمتابعة تفاصيل ما ينشر عن انشقاقات جماعة الإخوان وكلهم يدعي أنه صاحب الوكالة الشرعية عن جموع المنضوين تحت لواء الجماعة أو الفكرة.

القرضاوي يدعي أنه وكيل الله (لن أتخلى عن المهمة التي وكَّلني الله بها فأنا أعتبر نفسي موكلاً من الله تعالى ولن أنسحب من هذه المهمة أبداً) أما أبو الفتوح فهو (واثق أن أصوات الإخوان ستذهب لصالحه باعتباره الوكيل الشرعي لتلك الأصوات، وأنه لا يوجد لدى كوادر وشباب الإخوان بديل عنه، باعتباره أحد القيادات المؤسسة للجماعة).

أما عن الشاطر مرشح الجماعة الوحيدة ونائب خليفة آخر الأنبياء والمرسلين فهو لا يحتاج لتذكير الناس بوكالته الإلهية المستقاة من وراثة جماعة لم يبق لها علاقة بالنبي المؤسس غير الإسم وهكذا يبقى حبل ادعاء الكرامة الإلهية والعصمة النبوية مفتوحا لكل من هب ودب وسماه أشباه الناس (إسلاميا) تمييزا وتفضيلا له عن سائر المسلمين!!.

إنه ببساطة الكذب على الله ورسوله ومن كان الله خصمه أدحض حجته (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فصلت (16).

الطريف في الأمر أن السيد أبو الفتوح يقر ضمنا أن مباركة أمريكا شرط من شروط التقدم للترشح وأنه لفرط شجاعته لم ينتظر هذه المباركة كما انتظرها (بقية الإخوة) حيث يقول (أن تقدمه للرئاسة كان من قبيل "الفريضة الوطنية"، التي جعلته يقدم على الخطوة ولا ينتظر المباركة الأمريكية لإعلان ترشحه).

إنه اتهام خطير وشائن لسائر من يزعمون امتلاك الوكالة الإلهية المقدسة كما أن من حقنا أن نسأل الأخ أبو الفتوح عن سر تمسك السيد ويليام بيرنز بترشيحه وما هو الفارق بين المباركة الأمريكية المسبقة وتلك اللاحقة إن كانت حقا لاحقة وليست مسبقة؟!.

يبقى مصير هذه الجماعات محصورا بين أمرين لا ثالث لهما.

أما مواصلة السير نحو التدمير الذاتي بسبب الصراع على ادعاء الوكالة الإلهية المقدسة (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) إذ أن للكون إله واحد ووكالة إلهية واحدة، هذا لو كان الصراع الرئاسي صراعا بين آلهة الأرض وآلهة السماء أو بين آلهة الأرض (أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ)!!.

الثاني: هو أن يأخذ هؤلاء مصر معهم إلى الهاوية حيث يعتبرها جماعة الوكلاء مجرد رهينة إما أن يقبل الناس باستمرار خطفها أو قتلها وإلقاء جثتها في قبر جماعي كما فعل أصدقاؤهم ثوار الناتو في سوريا وليبيا.

تكون مصر أو لا تكون إلى أبد الدهر لو سقطت نهائيا بيد جماعة وكلاء آلهة الأرض!!.

www.elnafis.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/نيسان/2012 - 17/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م