ظليمة الدستور العراقي والديمقراطية التوافقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: جدل بيزنطي لا ينتهي، متجدد دائما وابدا في كل يوم من ايام الفعل السياسي العراقي، على وقع التصريحات، بين طرف واخر.. الجميع يتحدث عن الدستور، الخروقات الدستورية، انتهاك الدستور، الالتفاف على الدستور، الجميع متهم بتلك الاتهامات ماعدا الجهة التي تنصّب نفسها حامية له ومدافعة عنه.. الجميع ضد الجميع، والجميع ضد انفسهم.

مسعود بارزاني ينفجر غيضا ضد الحكومة المركزية وضد ما أسماه بعدم تطبيق الدستور، وهو يطالب بتفعيل اتفاقية اربيل، القائمة العراقية بدورها تتحدث عن اتفاقية اربيل وانتهاك الدستور والحكومة غير الشرعية، وترهن مشاركتها في المؤتمر الوطني بتنفيذ اتفاقية اربيل.

دولة القانون، ورئيسه ورئيس مجلس الوزراء يتعهد بتنفيذ جميع مطالب الكتل السياسية اذا كانت دستورية.. لا شيء رشح من اتفاقية اربيل غير بعض النقاط، على الاقل واحدة منها وهي منصب رئيس السياسات الاستراتيجية الذي كان من المفترض استحداثه لرئيس القائمة العراقية اياد علاوي، اقول على الاقل تلك النقطة تعد مخالفة صريحة للدستور.

اما عن بقية النقاط فلا احد يعرف الكثير عنها رغم التهديد احيانا بكشفها لوسائل الاعلام، لكنه تهديد لا يرقى الى مستوى التنفيذ الفعلي ويبقى الحديث عن بنودها عند مستويات التهديد المتكرر.

حين تم الاقتراع على الدستور العراقي في الخامس عشر من تشرين الاول 2005 بنسبة 63 بالمائة من عدد الناخبين المسجلين اعتبره البعض ملحمة رغم الكثير من النواقص والقنابل الموقوتة فيه.

وهو ما حذر منه فريق من الباحثين قبل ذلك بشهور قليلة بتقرير لهم صدر تحت عنوان (ديناميكيات النزاع في العراق – تقييم استراتيجي) وشارك فيه البروفسور راي كيلي، والدكتور اليخاندرو كولاس، وتيم هيث، والدكتور هشام داوود.. جاء في التقرير...

تنطوي عملية صياغة الدستور الجديد على العديد من محركات النزاع:

اولا: مبدأ الاغلبية (موقف الشيعة العرب) مقابل مبدأ التوافقية (موقف الاكراد والسنة والليبراليين).

ثانيا: الفيدرالية الاثنية مقابل المركزية الاحادية (الاكراد مقابل الاخرين) او الفيدرالية الادارية ضد الفيدرالية الاثنية المحدودة (تكتل التحالف الشيعي الاسلامي المتحد مقابل الاخرين).

ثالثا: اللامركزية مقابل المركزية (البصرة مقابل الاخرين).

رابعا: الاسلامية مقابل العلمانية (الاسلاميون مقابل العلمانيين العرب والقوميين الاكراد).

خامسا: الاقتصاد الموجه ضد اقتصاد السوق.

سادسا: هوية العراق (المتعددة الاثنيات ام العربية).

سابعا: النزعات المحافظة ضد الحريات الشخصية.

اغلب محركات النزاع هذه التي ذكرها التقرير تبرز بين وقت واخر عند كل منعطف من منعطفات الممارسة السياسية اليومية للفاعلين السياسيين، فالتوافقية سائدة في جميع التفاصيل، ولا يمكن تجاوزها،، واذا حاول رئيس الوزراء ذلك بناءا على ما تفرزه متغيرات الواقع السياسي اصطف ضده (الاكراد والسنة)، واذا حاولت الحكومة تطبيق قوانين نافذة على الجميع برزت قضية الاقاليم والفيدرالية (جغرافية او مذهبية)، واذا ما اريد التصويت على قانون النفط والغاز، برزت قضية العائدات والحصص النفطية، وغيرها الكثير من القضايا التي تتفجر كل يوم في ساحات التصارع السياسي.

جميع المعارضين والمتحدثين عن الانتهاكات الدستورية او الخروقات، لا ينطلقون من فهم محدد وواضح وصارم لمواد الدستور بقدر انطلاقهم من فهم ملتبس للديمقراطية التوافقية، التي تطبق في عدد من بلدان العالم، مثل لبنان بين العامين (1943- 1975) وفي ماليزيا (1955 – 1969) وايضا طبقت وفشلت في بلدان اخرى في قبرص (1960 – 1963) وفي نيجيريا (1957 – 1966) ويعود ذلك الى عوامل ملتبسة واخرى غير مؤاتية.

يعرف ارنست ليبهارت الديمقراطية التوافقية استنادا الى اربع عناصر:

العنصر الاول والاهم هو الحكم من خلال ائتلاف واسع من الزعماء السياسيين من كافة القطاعات الهامة في المجتمع التعددي.. ومن الممكن ان يتخذ ذلك عدة اشكال متنوعة، منها حكومة ائتلافية موسعة في النظام البرلماني، مجلس موسع او لجنة موسعة ذات وظائف استشارية هامة، او ائتلاف واسع للرئيس وسواه من كبار اصحاب المناصب العليا في نظام رئاسي.

العنصر الثاني: الفيتو المتبادل او حكم الاغلبية المتراضية التي تستعمل كحماية اضافية لمصالح الاقلية الحيوية.

العنصر الثالث: النسبية كمعيار اساسي للتمثيل السياسي، والتعيينات في مجالات الخدمة المدنية وتخصيص الاموال العامة.

العنصر الرابع: درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في ادارة شؤونه الداخلية الخاصة.

لا يعني وجود هذه العناصر ان الديمقراطية التوافقية يمكن ان تنجح في كل بلد يخضع لشروطها، ان العنصر الابرز فيها والذي غاب عن نظر الكاتب، لأنه يتحدث من موقع التراكم الطويل للمعطى الديمقراطي للبلدان الغربية، والامثلة التي يعددها في كتابه، والتي هي محل تبجيل للديمقراطية التوافقية، هي امثلة من صميم المجتمعات الغربية، قلت ان العنصر الغائب في هذه المعادلة هو مقدار الوعي الذي يتمتع به الفاعلون السياسيون لنجاح تلك الديمقراطية.. وهو وعي لم يرتق بعد الى ابتداع شروط محلية من البيئة السياسية العراقية المتخمة بالنزاعات والصراعات الظاهرة للعيان او الكامنة في بنية هذه البيئة السياسية.

راينا ذلك في المحاولات المتكررة للقادة الاكراد لابتزاز الاخرين استنادا الى تلك الديمقراطية، ولاحظنا ذلك في اصرار القائمة العراقية على المزيد من التنازلات غير الدستورية من قبل الاخرين بما يخدم مواقعهم السياسية، وراينا ذلك عند دولة القانون نحو النزوع المتزايد الى المركزية في ادارة الدولة العراقية... الجميع دون استثناء يخرق الدستور ويتخذه مخلب قط في صراعه مع الاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/نيسان/2012 - 12/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م