غزة... أزمات متراكمة وحلول مؤقتة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: كما هو معلوم يعاني قطاع غزة ومنذ سنين من الحرمان والنقص الحاد في اغلب احتياجاته الانسانية وابسط مقومات توفير الخدمات الضرورية لسكان القطاع بعد ان تولت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" زمام الامور فيها وابعاد حركة "فتح" من حكم غزة واقتصارها على الضفة الغربية، اضافة الى الحصار المحكم الذي قامت به اسرائيل على القطاع نتيجة لخلافها الحاد مع قيادات حماس التي لا تعترف بوجود اسرائيل كدولة فيما تعتبرها الاخيرة حركة ارهابية متطرفة.

وقد دخلت مصر على خط الازمة مع حماس بعد ان نشب بينهما خلاف حاد حول امدادات الطاقة الامر الذي عقد المسألة كثيراً وفاقم من مأساويه الامور الانسانية، خصوصاً مع قدوم فصل الصيف ومدى الحاجة الى الوقود وتعدد استخداماته بين الاحتياجات الانسانية والطبية والغذائية وغيرها.

وقد اشار العديد من الخبراء والمحللين وكبار الساسة الفلسطينيون الى ان الازمة الحالية والتي القت بظلالها على كاهل المواطن الفلسطيني البسيط والناقم كثيراً على ما يحدث الان، انما هي ذات ابعاد واسقاطات سياسية معلومة المغزى والهدف، وقد اشترك في صناعتها العديد من الاطراف التي ساندت اسرائيل في العلن والخفاء.

ويبدوا ان قادم الايام سيشهد المزيد من التداعيات الصعبة والظروف القاسية على اهالي القطاع المنهكين من الحصار وقلة المساعدات الانسانية، خصوصاً وان المنطقة –الشرق الاوسط- في ظل اوضاع غير مستقرة الامر الذي يمهد لإسرائيل الارض الخصبة لمزيد من الاعتداءات والانتهاكات الانسانية.

أزمة الوقود

اذ يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من أزمة نتيجة نقص الوقود وانقطاع الكهرباء بسبب خلاف على امدادات الوقود بين مصر وسلطات حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع، ومع ندرة سيارات الاجرة يتسابق الركاب على المتاح منها في حين طلبت الحكومة من موظفيها الذين يملكون سيارات المساعدة في نقل الركاب، وخفضت خدمة الاسعاف والطواريء في غزة عدد سيارات الاسعاف في الشوارع، وألغى مستشفى واحد على الاقل العمليات الجراحية غير العاجلة لتوفير الكهرباء، وقال عابد محمد (21 عاما) الطالب بالجامعة "زعماؤنا يلهون ونحن نكتوي بنار الفقر والانقسام، عدنا الى القرون الوسطى"، وبدأت مصر مؤخراً الحد من تدفقات الوقود الى غزة عن طريق شبكة انفاق تهريب تحت الحدود، ونفد الوقود من محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة مما تسبب في انقطاع الكهرباء عن نحو ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة، وتصر مصر على ارسال الوقود عبر منفذ كرم ابو سالم الذي تسيطر عليه اسرائيل مشيرة الى تفاهمات دولية قديمة تقصر استخدام معبر رفح على سفر الركاب.

وتعترض حماس على ذلك، اذ ترفض منح اسرائيل فرصة منع الامدادات في أوقات التوتر وتريد تجارة مباشرة مع مصر وهي خطوة من شأنها تعزيز اقتصاد غزة وزيادة شعبية حماس، لكن العلاقات المتوترة بين مصر والحركة الاسلامية التي انتزعت السيطرة على القطاع من حركة فتح بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عام 2007 زادت من تفاقم الازمة، وقال مصدر من السلطة الفلسطينية بقيادة عباس المدعومة من الغرب ان اسرائيل نسقت مع مصر لنقل وقود الى محطة كهرباء غزة غدا الجمعة يمكن ان يكفي لمدة يومين، وقال متحدث اسرائيلي انه سيتم نقل 450 الف لتر، واتهمت مصادر من حماس مصر بخلق أزمة وقود للضغط على الحركة لتنفيذ اتفاق المصالحة مع عباس، وقال محمد عوض نائب رئيس الوزراء في قطاع غزة ان الازمة لها دوافع سياسية وحماس ستتغلب عليه، ورفضت قيادة حماس في القطاع اتفاقا وقعه خالد مشعل زعيم الحركة المقيم في المنفى بسبب خوفها من أن تؤدي اتفاقية المصالحة الى اضعاف قبضتها على القطاع. بحسب رويترز.

وقال سعيد سالم (41 عاما) وهو موظف حكومي "اذا كانت حماس تسمي نفسها حكومة يتعين عليها ايجاد حلول، لو كانت هناك وحدة كانت ستختفي الكثير من هذه المشاكل"، واضاف "ليس هناك وقود لتوليد الكهرباء ولا يوجد غاز للطهي ولا سيارات للذهاب للعمل أو زيارة الاقارب والاصدقاء"، وحث ماكسويل جيلارد منسق الشؤون الانسانية بالامم المتحدة في الاراضي الفلسطينية المحتلة "الاطراف المعنية" على حل مشكلات الامدادات وقال ان المستشفيات وخدمات الاسعاف تواجه صعوبة متزايدة في العمل مع تداعي انظمة المياه والصرف الهشة بالفعل، وأضاف في بيان صدر مؤخراً "هذا النقص المزمن يتجاوز حدود ترشيد الكهرباء والماء في المنازل والذي أصبح سمة سائدة على مدى الاعوام الماضية ليصل الى وضع تصبح فيه الحياة اليومية لسكان غزة أكثر صعوبة"، وأوجدت الازمة سوقا سوداء وصل فيها سعر لتر وقود الديزل الى سبعة شواقل (1.87 دولار) مقابل 2.50 شيقل قبل الازمة.

تخفيف أزمة

فيما سمحت اسرائيل لتسع شاحنات وقود بدخول قطاع غزة لتخفيف أزمة كهرباء حادة تسبب فيها خلاف حول الامدادات نشب بين مصر وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تدير القطاع، والشاحنات التي تحمل 450 ألف لتر من وقود الديزل الصناعي هي الاولى التي تدخل عبر اسرائيل الى محطة الطاقة الوحيدة في غزة منذ نحو عام بعد ان خففت حماس من موقفها الرافض لقبول امدادات من اسرائيل، وقال مسؤول في هيئة الطاقة في قطاع غزة ان هذه الشحنة من الوقود تكفي لتشغيل المحطة التي تخدم ثلثي سكان القطاع لمدة يوم واحد، وسيطرت أزمة الوقود على قطاع غزة طوال الاسابيع الماضية، ونفد الوقود من المحطات ويعاني سكان القطاع البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة من انقطاع متكرر للكهرباء، وصرح مسؤول فلسطيني بأن الاتصالات جارية لضمان وصول شحنة أخرى، وتفجر النزاع بعد اصرار مصر على ان تمر واردات الوقود من معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه اسرائيل على الحدود بين غزة ومصر وبعد الحملة التي شنتها السلطات المصرية على تهريب الامدادات مؤخراً. بحسب رويترز.

وتعترض حماس على هذا الترتيب اذ لا تريد اعطاء اسرائيل القدرة على وقف الامدادات أوقات التوتر، وهي تريد ان تكون هناك تجارة مباشرة مع مصر وهو ما يمكن ان يعزز الاقتصاد الفلسطيني ويزيد شعبية الحركة الاسلامية، وهذه الازمة هي مثال جديد على العلاقات المتذبذبة بين حماس ومصر التي تفضل التعامل مع حركة فتح التي تدير الضفة الغربية المحتلة فقط بعد ان فقدت سيطرتها على قطاع غزة لصالح حماس عام 2007، وقال رائد فتوح رئيس لجنة تنسيق ادخال البضائع لقطاع غزة بالسلطة الفلسطينية ان شحنات الوقود وصلت اليوم بعد اتصالات مكثفة وناجحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومصر واسرائيل، وكانت حماس تعزف في باديء الامر عن قبول شحنات الديزل لكنها قبلت بعد ذلك، واحتشد الاف من انصار حركة حماس في شوارع غزة بعد صلاة الجمعة مطالبين مصر بامدادهم بالوقود، واتهموا عباس واسرائيل بتشديد الحصار في محاولة لانهاء حكم حماس، وقال خليل الحية المسؤول الرفيع في حركة حماس ان النقص في الوقود سببته جماعات تحاول ابتزاز الحركة كي تقدم تنازلات في صراعها مع اسرائيل.

وقال الحية ان حماس سترد على بعض اعضاء فتح في قطاع غزة الذين قال انه يعملون مع اسرائيل من اجل اثارة ثورة ضد الجماعة الاسلامية، ورفض مسؤول في حركة فتح طلب عدم الكشف عن هويته هذه الاتهامات وقال ان حماس تريد تحويل الانتباه عن "فشلها في خدمة" شعب غزة، وتفضل حماس الحصول على الوقود عبر معبر رفح بينها وبين مصر لكن القاهرة تعارض فتح المعبر خوفا من ان يعني ذلك انها تعفي اسرائيل من مسؤوليات قانونية. وتستشهد القاهرة بتفاهمات دولية تقصر معبر رفح على عبور المسافرين فقط.

ازمة "سياسية"

في سياق متصل اكد نائب رئيس الوزراء الفلسطيني المقال في غزة محمد عوض الخميس ان ازمة نقص الوقود في القطاع "سياسية" واتهم السلطة الفلسطينية بالمساهمة في خلقها لتأليب الشارع ضد حركة حماس، وقال عوض في مؤتمر صحافي ان "المشكلة سياسية مرتبطة بفرض حصار صهيوني خانق ومنع متطلبات الحياة الكريمة من الوصول إلى اهالي قطاع غزة وهناك قوى اخرى شاركت في ذلك"، واتهم السلطة الفلسطينية خصوصا "بوقف الاموال التي يدفعها الاتحاد الاوروبي لصالح الوقود المستخدم في توليد الكهرباء وتحويلها إلى موازنتها الخاصة لحل ازمتها المالية"، ورأى ان هذه الخطوة "تهدف الى خلق حالة من الغضب في وجه الحكومة في غزة"، وكان الامين العام مجلس الوزراء الفلسطيني المقال محمد عسقول اتهم جهاز المخابرات المصري بعرقلة توريد الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء في غزة، ودعا عوض الجامعة العربية الى "التدخل لحل الازمة والعمل على كسر الحصار"، مؤكدا ان "امداد غزة بالوقود العربي يكسر الحصار الظالم المفروض منذ نحو ست سنوات"، واضاف ان "الوقود الاسرائيلي يكرس الارتباط بالاحتلال ويقوي سيطرته ويزيد من المعاناة على كاهل المواطن الفلسطيني لارتفاع اسعاره بشكل كبير"، واكد عوض "نسعى بشكل يومي وعلى مدار الساعة لحل هذه المشكلة واجرينا اتصالات مع دول استعدت لمد قطاع غزة بالوقود مما يساهم في حل مشكلة الكهرباء في غزة"، وتوقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة التي تؤمن ثلث احتياجات القطاع عن العمل منتصف شباط/فبراير لعدم توفر الوقود، وتفرض اسرائيل حصارا على قطاع غزة بعد اسر احد جنودها في حزيران/يونيو 2006، ثم شددت هذا الحصار بعد سيطرة حماس على القطاع في حزيران/يونيو 2007، وافرج عن الجندي جلعاد شاليط في تشرين الاول/اكتوبر 2011 مقابل اطلاق سراح حوالى الف معتقل فلسطيني. بحسب رويترز.

سكان ساخطون

من جهتها تواجه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) استياء متناميا في معقلها في غزة بسبب رفع الضرائب مرة أخرة وسوء ادارة أزمة الكهرباء التي انقطعت لفترات طويلة في القطاع، ويقول تجار يستوردون سلعا من اسرائيل والضفة الغربية ان سلطات حماس فرضت رسوما اضافية الى جانب الضرائب المعتادة التي تجمع مما يعرض تجارتهم للخطر ويهدد مصدر رزق الاف العمال، وتقول حماس ان زيادة الرسوم تهدف لحماية المنتجات المحلية ولكن محللين محليين يعتقدون أن الحركة اضطرت لفرض رسوم اضافية بسبب تراجع التمويل من حلفاء خارجيين أبرزهم ايران، ومهما كان السبب فان سكان غزة يستشيطون غضبا وزادت أزمة الكهرباء الناجمة عن انخفاض كميات الوقود التي تهرب الى الاراضي الفلسطينية من مصر من مشاعر الاستياء بين سكان القطاع وعددهم 1.7 مليون نسمة، وقالت أم عبد الكريم وهي ربة منزل من غزة "لا يوجد عندنا ما لدى البشر، لا كهرباء ولا مياه وزوجي يحكي لي عن ضرائب جديدة في كل يوم"، وتابعت "اللي ما بيقدر يخدم شعبه وناسه فليترك". بحسب رويترز.

وفازت حماس في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الاراضي الفلسطينية في عام 2006 وسرعان ما نشب خلاف بين الحركة والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسيطرت حماس على غزة بعد 18 شهرا من ذلك اثر معارك مع قوات عباس التي تبسط سيطرتها على الضفة الغربية القريبة، وتفرض اسرائيل حصارا بريا وجويا وبحريا على غزة لمنع وصول مواد يمكن أن تستخدم في أغراض عسكرية لحماس ولكن لم يمنع ذلك الحركة من تدعيم سلطاتها في القطاع، ويأتي الغضب الشعبي ازاء انقطاع الكهرباء وزيادة الضرائب في وقت حرج لحماس التي تسعى جاهدة للتغلب على انقسامات داخلية غير مسبوقة بشأن مساعي التقارب مع عباس وانهاء الخلاف القائم بينهما منذ فترة طويلة، وقال أبو علي (47 عاما) وهو عامل بناء عاطل "قادتنا غير قادرين يوفروا لنا حياة جيدة وغير قادرين حتى يتصالحوا فما المنفعة العائدة منهم"، وفي مظهر نادر لتحد عام رفضت مجموعة من التجار دفع رسوم استيراد اضافية تاركة 22 شاحنة محملة بالبضائع قابعة عند معبر كيرم شالوم الحدودي الذي تسيطر عليه اسرائيل لمدة ثلاثة أسابيع، ونقلت البضائع منذ ذلك الحين الى غزة ولكن لن يصل بعضها على الاقل لارفف المتاجر أبدا. وقال صلاح المقادمة رجل الاعمال "لن أدفع هذه الضرائب، خليهم ييجوا ويكبوها على الارض" بعدما أغضبه مطالبته بسداد 20 ألف شيقل عن كل من الشاحنات الثلاث التي تحمل كولا أردنية تعرف باسم نايس، وأضاف "اذا أضفت هذه الضرائب على الاسعار الحقيقية فلن يشتريها أصحاب المحلات لانهم لن يستطيعوا أن يبيعوها"، وفي البداية حاولت حماس فرض رسوم اضافية علي 17 نوعا من السلع من بينها ملابس النساء والاطفال والبسكويت والعصائر والاثاث والبن، ثم قلصت القائمة الى أربع سلع وهي تعيد تقييم بقية الرسوم ومن ثم طلبت من المستوردين دفع 500 شيقل عن كل ألف لتر من المشروبات الغازية المستوردة و2500 شيقل عن كل طن من رقائق البطاطس و750 شيقلا على كل طن من الاثاث المكتبي وتتباين الرسوم على الملابس، وقال ابراهيم جابر وكيل وزارة الاقتصاد بحكومة حماس في غزة "هذه رسوم صغيرة ورمزية ولا تؤثر على الاسعار"، وقال ان الحكومة تحتاج سيولة لمشروعات مهمة ومضى قائلا "الحكومة لديها مسؤوليات جسام في التعليم والصحة والامن والقضاء والبنى التحتية، بمعنى أن كل شيء يعود للمواطن في النهاية".

وتأتي الرسوم الاخيرة عقب فرض رسوم علي أربع سلع يكثر عليها الطلب تهرب من مصر عبر شبكة من الانفاق اذ رفعت الرسوم على طن الاسمنت بواقع 20 شيقلا ولتر الوقود 1.4 شيقل وطن الصلب 450 شيقلا وطن الحصى عشرة شيقلات، وقال أبو اسلام صاحب أحد الانفاق "أصحاب الانفاق احتجوا ليوم واحد ولكن في النهاية عادوا للعمل لان حكومة حماس رفضت مطالبهم بالغاء الضرائب"، لكنه أضاف أن عددا من التجار ألغوا شحنات، وتشير المطالب المالية الى أن حماس التي يقاطعها الغرب لرفضها الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف تواجه صعوبة في تلبية احتياجات القطاع، وتفيد ميزانية عام 2011 أن حماس قدرت ميزانية القطاع عند 769 مليون دولار وتوقعت ايرادات محلية 150 مليون دولار، وتسد التبرعات الاجنبية من عدد من الحلفاء جزءا كبيرا من العجز ويعتقد أن ايران المساهم الرئيسي في سد العجز، ويقول دبلوماسيون ان ايران قطعت التمويل ردا على رفض حماس مساندة الرئيس السوري بشار الاسد في الشهر الماض ودعمها الانتفاضة ضده علنية.

وحال الشقاق بين حماس وعباس دون اجراء انتخابات على مدار ستة أعوام ومن الصعب قياس مستوى التأييد لحماس في غزة غير أن التجار في غزة يقولون انه مهما كان انتماؤهم السياسي فان الرسوم الجديدة تهدد بتضييق الخناق على الاقتصاد الذي يتعافي ببطء من حرب 2008-2009 التي شنتها اسرائيل على القطاع، ولا يسع أي شخص في غزة التهرب من الضرائب الجديدة لان جميع الطرق المؤدية للحدود تحت رقابة ضباط حماس الذين يفتشون كل شاحنة وعربة يجرها حمار، ويقول مسؤولون غربيون ان حاجة حماس لايرادات الضرائب هي محور صراع السلطة الحالي، وتعتمد حماس الى حد كبير على الوقود الذي يهرب لغزة من مصر المجاورة ولكن القاهرة منعت هذه التجارة في فبراير شباط لانزعاجها فيما يبدو من تهريب وقود الديزل الذي تدعمه من أجل مواطنيها الى غزة، ويقول منتقدو حماس ان الحركة رفضت تنويع مورديها لان بوسعها فرض رسوم باهظة على الوقود المصري المهرب بينما الوقود الذي يستورد بشكل قانوني عبر اسرائيل تتولاه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتفرض رسوما عليه تحرم حماس من فرض أي رسوم اضافية.

وقالت مسؤولة بمنظمة غير حكومية رفضت نشر اسمها بسبب حساسية تعاملاتها مع حماس، "سبب هذه الازمة سخيف ويتعلق باصرار حماس على عدم الشراء من السلطة الفلسيطنية عن طريق اسرائيل"، وتابعت "حين تجري عملية الشراء عبر الانفاق تفرض حماس نظامها الضريبي ومن ثم تحصل على ايرادات"، ولم تنزل احتجاجات على انقطاع الكهرباء الى الشوارع لان حماس تمنع المظاهرات ولكن الغضب جلي على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر بسيل من الشكاوي من انقطاع الكهرباء لفترة تصل الى 18 ساعة في اليوم، وكتب مصطفى ابراهيم وهو كاتب من غزة على مدونته أن الناس محرومون من أبسط حقوقهم في الحرية والكرامة و تناقلت عدة مواقع فلسطينية ما نشره، وأضاف "غزة طنجرة (اناء) ضغط قابلة للانفجار".

مصر وقطع الكهرباء عن اسرائيل

الى ذلك قد تواجه اسرائيل صيفا مشوبا بانقطاعات التيار الكهربي وهي تحاول جاهدة البحث عن بدائل لامدادات الغاز التي فقدتها بسبب الهجمات التخريبية التي استهدفت خط الانابيب الممتد اليها عبر شبه جزيرة سيناء المصرية، وكان خط الانابيب الذي يغذي اسرائيل بالغاز من أول ضحايا الثورة التي اندلعت في مصر في يناير كانون الثاني من العام الماضي، وقال وزير الطاقة الاسرائيلي عوزي لانداو يوم 15 فبراير شباط حين كان مكتبه يطرح مليون ونصف مصباح موفر للطاقة في متاجر الالكترونيات في عموم البلاد "اسرائيل تواجه خطرا حقيقيا بانقطاع التيار الكهربي، قد لا نستطيع الحفاظ على امدادات الكهرباء"، وكانت هذه أحدث محاولة لخفض استهلاك الطاقة قبل ارتفاع الطلب الى مستويات الذروة في فصل الصيف وهي جزء من خطة طويلة الاجل لزيادة كفاءة استهلاك الطاقة أصبحت الان أكثر الحاحا من ذي قبل، وطرحت وزارة لانداو 50 ألف ثلاجة جديدة بسعر مخفض، وفي الشهر المقبل ستطرح عشرة الاف مكيف للهواء وبعدها غسالات وسخانات موفرة للطاقة. بحسب رويترز.

وتابع الاسرائيليون بقلق الثورات الشعبية التي اجتاحت الشرق الاوسط وأطاحت بعدد من أبرز القادة العرب، وربما كان التطور الاكثر ازعاجا هو الاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك الذي دعم اتفاقية السلام الموقعة مع اسرائيل عام 1979 والتي أصبحت حجر زاوية في الدبلوماسية الاسرائيلية، وكان أهم المشروعات الاقتصادية التي خرجت من رحم الاتفاقية اتفاق تصدير الغاز لاسرائيل الموقع عام 2005 الذي ضمن لها مصدرا موثوقا للطاقة وأصبح احدى ركائز العلاقة الاقليمية، وأوضح قادة اسرائيل أن ضمان استمرار الاتفاق من أولويات السياسة الاسرائيلية، وتعرض خط الانابيب العريش-عسقلان لما يزيد عن عشرة تفجيرات منذ بداية الاضطرابات في مصر، ويمتد الخط لمسافة 100 كيلومتر (60 ميلا) ومعظمه تحت المياه ليربط بين العريش المصرية ومرفأ عسقلان في اسرائيل، ويشكل الغاز الطبيعي الذي ينقله الخط 40 في المئة من امدادات اسرائيل، ومع الانقطاعات المتكررة اضطرت اسرائيل للعودة الى الوقود الاحفوري الاقل نظافة والاعلى كلفة كالديزل وزيت الوقود فضلا عن استنفاد حقل الغاز الوحيد العامل في البلاد.

وتضررت الشركات المستثمرة في المشروع الاسرائيلي المصري وتطلب حاليا تعويضات من الحكومة المصرية قدرها مليارات الدولارات، ووقع الهجوم الاول على خط الغاز في الخامس من فبراير 2011 حين فقدت السلطات المصرية سيطرتها على المظاهرات التي اجتاحت الشوارع وقبل نحو أسبوع من الاطاحة بمبارك، وتوقف تدفق الغاز لاكثر من 200 يوم من العام الماضي مما كلف الاقتصاد الاسرائيلي ما يقرب من 2.5 مليون دولار يوميا في صيف كان معتدلا نسبي، وزاد استخدام الديزل بنسبة 200 في المئة وزيت الوقود أكثر من 100 في المئة حسب بيانات وزارة الطاقة، وفي الفترات التي استؤنف فيها تدفق الغاز كانت الامدادات أقل من الطاقة الكاملة، ووقع أحدث هجوم على الخط في الخامس من فبراير 2012، وقال لانداو الذي يشرف على الاتفاق مع مصر بصفته وزيرا للطاقة في مقابلة "نحن مهتمون بالتأكيد بالحفاظ على الاتفاق بقدر ما نستطيع، نريد شراء الغاز منهم لكن كلما جرت محاولات للبدء من جديد يتم تفجير الخط مرة أخرى"، ويقول مصريون وشيوخ قبائل ان الذين نفذوا الهجمات مسلحون اسلاميون يعارضون بيع الغاز الى اسرائيل ونظرا لانهم يتمتعون بدعم شعبي فسيواصلون هجماتهم التخريبية على الارجح.

ويستهدف المسلحون خط الانابيب بالقرب من مدينة العريش على ساحل سيناء الشمالي وغالبا ما يصلون الى المنطقة في شاحنات ويزرعون المتفجرات ثم يفجرونها عن بعد. وساعد في نجاحهم ارتخاء الامن في سيناء بعد سقوط مبارك بعدما تقلص وجود الشرطة في أنحاء البلاد، وتقول الحكومة المصرية انها تقوم بحملة ضد المخربين وتستعين بدوريات أمنية من القبائل البدوية في المنطقة، وقال محافظ شمال سيناء عبد الوهاب مبروك ان السلطات ستقيم أسيجة وأبراج مراقبة وحواجز من الحديد المسلح بمحاذاة الخط، وقال لانداو "الامر برمته يتوقف على استقرار الحكم في مصر وكيف سيتحكم فيما يحدث في سيناء، لكن من يعرف ماذا سيحدث وفي أي اتجاه ستسير الامور، نأمل جميعا أن يصبح الاتجاه في مصر ايجابيا"، وقامت شركة غاز شرق المتوسط ببناء خط الانابيب وتشغيله، والمساهمون فيها هم الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وعملاق الطاقة التايلاندي بي.تي.تي ورجل الاعمال الامريكي سام زيل وشركة مرحاب الاسرائيلية وشركة امبال أمريكان اسرائيل، وفي عام 2010 نقلت غاز شرق المتوسط 2.5 مليار متر مكعب من الغاز للعملاء في اسرائيل، لكن كان من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم الى أكثر من مثليه خلال فترة الاتفاق التي تبلغ 20 عام، ولا تعرف بالتحديد قيمة صادرات الغاز المصرية الى اسرائيل.

وأخذت أمبال بالاضافة الى بي.تي.تي ورجل الاعمال زيل اجراءات قانونية ضد الحكومة المصرية مطالبين بتعويض قدره ثمانية مليارات دولار لعدم تأمين استثماراتهم، وتوصلت اسرائيل الى عدة اكتشافات بحرية ضخمة للغاز الطبيعي خلال السنوات الثلاثة الماضية ستضمن اكتفاءها من الطاقة خلال العقود القادمة وقد تمكنها من التصدير، لكن لن يتم تشغيل أول حقل من هذه الحقول قبل الربع الثاني من عام 2013، ولتعويض النقص خلال أزمة الطاقة تم تسريع وتيرة الانتاج من حقل يام تطيس وهو الحقل الوحيد المنتج للغاز في البلاد وتشغله شركة نوبل انرجي التي تتخذ من تكساس مقر، وأصبحت احتياطيات الحقل الضئيلة أصلا على وشك النفاد، وتأخذ اسرائيل أيضا بعض الاجراءات الصعبة لسد الفجوة، فقد وقعت اتفاقا مع شركة ميكوبيري للانشاءات البحرية الايطالية للتعجيل بانشاء مرفأ للغاز الطبيعي المسال بتكلفة 500 مليون شيقل (135 مليون دولار)، وستكون هذه المحطة العائمة على بعد عشرة كيلومترات من الساحل الاسرائيلي على البحر المتوسط قادرة على استقبال حوالي 2.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوي، وتخطط اسرائيل أيضا لاستيراد أسطول من نحو عشرة مولدات محمولة لتركيبها على متن الشاحنات أو السفن، وكل منها ينتج 25 ميجاوات من الكهرباء وفي حالات الطوارئ يمكن ارسالها الى المناطق المحتاجة.

وبعد أن أدركت الحكومة متأخرة مخاطر امتلاك احتياطيات ضئيلة من الكهرباء تتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة من اجمالي الانتاج فقد اختارت الاستثمار بكثافة في البنية التحتية من أجل المستقبل، وهذا أحد الاسباب التي تجعل وزارة الطاقة تسعى جاهدة لبناء كابل كهرباء تحت البحر بتكلفة 500 مليون يورو (660 مليون دولار) لربطها بقبرص ومنها الى بقية أوروب، وسيمتد الجزء الواصل بين اسرائيل وقبرص لمسافة 270 كيلومترا تقريبا وسيسمح بتدفق 2000 ميجاوات في الاتجاهين، وستتمكن اسرائيل من بيع الكهرباء حين يزيد الانتاج وتعويض العجز عند تراجع الاحتياطيات، ويقول الباحث ألكسندر مورينسون في دراسة حديثة لمركز بيجن- السادات للدراسات الاستراتيجية الواقع بالقرب من تل أبيب انه رغم وجود أسباب قوية تدفع اسرائيل ومصر لمواصلة اتفاق الغاز فان النتيجة النهائية ستتوقف على العلاقات الاوسع نطاقا بين البلدين، ويحمل المركز اسم الزعيمين الاسرائيلي مناحيم بيجن والمصري أنور السادات اللذين وقعا اتفاقية السلام قبل عقود، ويقول مورينسون "في المدى الطويل يجب على اسرائيل أن تطور مصادر الغاز المحلية والابتعاد عن هذا المصدر الذي لا يمكن الاعتماد عليه".

الاخوان المسلمون وانهاء الحصار

من جانب اخر يسعى الاخوان المسلمون الى فتح الحدود المصرية مع قطاع غزة للتجارة وهو تغير سيحول حياة الفلسطينيين هناك لكنه سيواجه مقاومة من السلطات المصرية الرافضة لتغيير سياسة مستقرة منذ فترة طويلة، ويبحث الاسلاميون الذين يشكلون أكبر حزب سياسي في البرلمان الجديد عن سبل لتخفيف تأثير القيود التي تفرضها اسرائيل ومصر على كل شيء يدخل أو يخرج من القطاع الذي تديره حركة المقاومة الاسلامية (حماس) المرتبطة فكريا بجماعة الاخوان المسلمين، ومارس الاخوان المسلمون في الاونة الاخيرة ضغوطا على الحكومة المصرية من أجل التوصل الى اتفاق بتزويد محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بالوقود في اطار سعيهم لتخفيف حدة الانقطاع المستمر في الكهرباء بالقطاع.ولكن معاناة القطاع من انقطاع الكهرباء استمرت بعد مرور عدة أسابيع على اعلان اتفاق الوقود مما يظهر أن الحديث عن تغير السياسة أسهل من تغييرها فعليا في القاهرة حيث لا تزال بقايا نظام الرئيس السابق حسني مبارك تدير الحكومة الى حد كبير، ووصف جمال حشمت نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب والقيادي في جماعة الاخوان المسلمين تعامل الحكومة بأنه "استمرار لنهج مبارك في التعامل مع القضية الفسلطينية". بحسب رويترز.

وقالت مصادر في حماس وأعضاء في البرلمان المصري من الاخوان المسلمين على اطلاع بتفاصيل الاتفاق ان الوقود لم يصل بعد الى غزة بسبب خلاف حول كيفية توصيله للقطاع. وتريد حماس أن يصل الوقود عبر حدود القطاع مع مصر وهي سابقة من الممكن أن تؤدي الى تبادل تجاري أوسع من خلال الحدود الوحيدة مع القطاع التي لا تسيطر عليها اسرائيل، وقالت المصادر من حماس والاخوان المسلمون ان مصر أيدت في البداية هذا لكنها قالت في وقت لاحق ان الوقود يجب أن يمر من خلال اسرائيل، ولم يتسن الاتصال بمصدر من وزارة البترول المصرية للتعليق، ويخضع قطاع غزة الذي يعيش فيه 1.7 مليون نسمة لحصار صارم منذ أن سيطرت عليه حماس في عام 2007. وخففت اسرائيل في عام 2010 بضغوط دولية القيود على واردات غزة ولكن معظم الشركات في القطاع لا تستطيع التصدير، وتشير الاحتجاجات التي نظمتها حماس على الحدود هذا الاسبوع بسبب أزمة الكهرباء الى نفاد الصبر المتنامي من القيود التي يشعر الفلسطينيون بضرورة انتهائها بانتهاء حكم مبارك، وقام المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية برئاسة المشير حسين طنطاوي بتخفيف القيود على عبور المسافرين من والى القطاع العام الماضي لكن التغيير لا يرقى الى ما يطالب به الفلسطينيون، وقال محمود عاشور المسؤول المحلي في قطاع غزة في مؤتمر جماهيري بالقطاع عبر مكبرات للصوت ان المشير والحكومة المصرية والعالم كله يقف صامتا بينما لا تزال غزة تحت الحصار.

وتمر التجارة مع القطاع عبر أنفاق أسفل الحدود مع مصر نتيجة للحصار. وخيمت على السنوات الاخيرة في عهد مبارك شكوك تقترب من حد العداء الصريح تجاه حماس القريبة من جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة في عهده، وقال محمود غزلان المتحدث باسم الاخوان المسلمين "أريد أن يفتح المعبر تماما وأن كل من يريد أن يسافر يأتي الى مصر"، ومضى يقول "نحن نؤيد فتح المعبر للاستيراد والتصدير"، وتريد حماس الشيء نفسه. وقال محمود الزهار القيادي بحماس لرويترز "لسنا سعداء بالأنفاق"، والمبرر الاول لفتح الحدود بالنسبة لجماعة الاخوان مبرر أخلاقي، فحصار غزة واحدة من القضايا الاكثر إثارة للمشاعر في العالم العربي، وستكون هناك منافع اقتصادية لشمال سيناء التي تعد واحدة من أكثر المناطق فقرا في مصر، وبالنسبة لاسرائيل لا تثير هذه الفكرة أي قلق على ما يبدو، وقال دبلوماسي اسرائيلي "وزير الخارجية الاسرائيلي أشار الى أننا نبذل كل ما بوسعنا لمساعدة قطاع غزة على وقف اعتماده على اسرائيل في أي شيء"، وأضاف أن هناك حاجة للتفتيش على الجانب المصري لمنع وصول الاسلحة الى غزة مشيرا الى ان اتفاق الوقود لا يثير أي انزعاج.

وتأثر الموقف المصري منذ فترة طويلة بالخوف من أن تتنصل اسرائيل من أي مسؤولية عن قطاع غزة في حالة فتح الحدود مع سيناء، ومع صعود حماس في غزة أصبحت القاهرة مدفوعة أيضا بالقلق من احتمال امتداد العمليات المسلحة الفلسطينية عبر الحدود، وقال دبلوماسي مطلع على السياسة تجاه غزة ان قلق القاهرة الان ينحصر في أن الاستجابة لمطالب حماس سيضعف التأثير المصري على الجماعة ويقوض الجهود الرامية الى دفعها نحو المصالحة مع السلطة الفلسطينية، ويخشى بعض الفلسطينيين أيضا من أن فتح الحدود مع مصر سيتيح لاسرائيل التنصل من مسؤوليتها تجاه غزة يعزز أيضا الانقسام مع السلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقرا له، ولا يتوقع الزهار حدوث أي تغيير جاد في السياسة قبل انتخابات الرئاسة في مصر واستكمال نقل السلطة من الجيش الى رئيس منتخب بنهاية يونيو حزيران القادم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/نيسان/2012 - 10/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م