مهن ومقامات... خواتم وسبح ورئاسة وزراء!

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الوظيفة الحالية: رئيس مجلس وزراء العراق... الوظيفة السابقة: بائع خواتم وسبح في السيدة زينب كما يزعم المعارضون والحاقدون والكارهون لرئيس مجلس الوزراء.

سيجتمع قادة العرب او من يمثلهم في بغداد، سيأتون من خلفيات وظيفية ومهنية واكاديمية متنوعة، منهم الطبيب والمهندس والاداري والاقتصادي، وحتى امراء الخليج لهم شهاداتهم التي يحملونها من جامعات مرموقة، فلقب (سمو المير) لا يكفي وحده.

العراقيون غير معنيين بما كانه الرئيس الفلاني او الامير العلاني، وكيف اصبح في الوقت الحاضر، العراقيون منقسمون، كيف كان نوري المالكي وكيف اصبح، وهم غير معنيين ايضا ببقية القادة السياسيين العراقيين ان كان الباقون حمالين او عمال نظافة او سماسرة عاهرات، فقط وحده المالكي يستأثر بالاهتمام حول مهنته المزعومة والتي روجت لها الكثير من مواقع الانترنت عبر فبركة احد الصور، والعراقيون ليسوا معنيين باكتشاف هذه الفبركة وانكشافها، انه زعم يصدقوه كل يوم وكفى.

ماهي علاقة المهنة بالمكانة الاجتماعية؟

يطلق على المعلم والمدرس في العراق لقب (استاذ) وقد اتسعت هذه التسمية لتشمل الكثير من موظفي الدولة.. وحمل هذا اللقب ايضا عدي صدام حسين وكان مكتفيا به، فحين يقال (الاستاذ) ينصرف الذهن تلقائيا الى عدي.. والاستاذ ترجمة غير موفقة لكلمة master الانكليزية والتي تعني حمل شهادة تفوق الماجستير والدكتوراة في مصطلحاتنا الاكاديمية.

تراجعت مكانة المعلم والمدرس في تسعينيات العراق من القرن الماضي بسبب الحصار الاقتصادي وتدني الدخل الشهري لهذه الشريحة الواسعة، وتراجعت مكانته الاجتماعية بسبب من مزاولته اعمالا لا تتناسب مع تلك المكانة، فهو اصبح سائق تاكسي وبائع سكاير وبائع ملابس مستعملة وغيرها من مهن كانت بالكاد تستجيب لمتطلبات معيشته اليومية.

وتقدمت مهن اخرى الى الواجهة واصبح مزاولوها يتصدرون المشهد الاجتماعي الحافل بالتناقضات.. واصبح السؤال عن المهنة غير مهم بقدر السؤال عن الدخل اليومي او الشهري..

دكتور، لقب يطلق على كل طبيب منذ سنواته الاولى لدراسة الطب، ويبقى مستمرا معه سواءا حصل على شهادة الدكتوراة فعلا او بقي مكتفيا بالشهادة الاولية، وحتى الممرض في منطقتي يناديه الكثير من الناس بلقب دكتور.

ولا يعرف هذا اللقب الا للاطباء حصرا في الكثير من الاوساط الاجتماعية للعراقيين.. دكتور، حين تقولها حتى لو كنت تعني شخصا يحمل مثل هذا التخصص في مجال الادب او السياسة او الاقتصاد فالذهن ينصرف الى الطبيب.

حافظت مهنة الطب على مكانتها الاجتماعية بسبب مردودها المادي، خصوصا اذا كانت لدى الطبيب عيادة خاصة به يستقبل فيها مرضاه.. وهي مهنة ابتعدت كثيرا عن اهدافها واخلاقياتها التي يفترض انها وجدت لاجلها.. ويشكو الجميع الان من جشع الاطباء وعدم انسانيتهم في التعامل مع المرضى من الجانب المادي.

في حادثة شهيرة من العهد النبوي الشريف، ياخذ رسول الله (ص) يد احد الحطابين ويقبلها وهو يقول: تلك يد يحبها الله ورسوله.. انها اليد التي تعمل.

وكنا نقرأ في مراحلنا الدراسية الاولى ان اليد العليا خير من اليد السفلى.. وكانت لها معاني متعددة كما شرحها المعلمون الاوائل، واعتقد ان اليد العليا تعني اليد الباطشة، من البطش، ليس بمعناه المادي المساوي للعنف المتعدي على الاخرين، بل معناه المعنوي، اي انها تبطش بالفقر والبطالة والمرض والتخلف، اي انها اليد التي تعمل، عكس اليد السفلى التي لا تعرف كيف تبطش بعوامل تخلف الانسان وتراجعه وبطالته وفقره.

واليد العليا تبقى في مكانها عالية، طالما هي يد عاملة، لانها عالمة بفوائد العمل ومكانته.. في الاسلام لا ينظر الى المرء من خلال عمله طالما ان هذا العمل مشروع لا ينتهك حرمة من المحرمات التي نهى عنها القران او السنة.. فأي عمل فيه جانبان جانب تقديم الخدمة للاخرين وجانب الفائدة المادية لاشباع الحاجات الاساسية.

من المهن التي ينظر العراقيون اليها باحتقار، مهنة الحائك، وبائع الخضار، ومهنة التمريض بالنسبة للمراة، واعمال التنظيف، والنظرة الدونية الى الحمالين، وغيرها، وهم يشتركون مع الكثير من المجتمعات العربية بهذه النظرة ربما لاشتراكهم في هذا الارث البدوي الذي ينظر الى جميع المهن نظرة احتقار وازدراء.. هي ربما النظرة نفسها التي تعلّي من قيم اللصوصية والنهب والسلب في مجتمعنا حيث القبول الاجتماعي للكثير من المفسدين ولصوص المال العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آذار/2012 - 8/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م