ثقافة الاستهلاك ومثقفوها

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك إنسان منتِج وآخر مستهلِك، الأول يدعم ديمومة الحياة على نحو أفضل، والثاني يشكّل عبءاً عليها، وهناك ثقافة ذات نزعة استهلاكية، يديمها وينتمي إليها المثقف العبء، في حين توجد غيرها ثقافة منتِجة، يدعمها وينتمي إليها المثقف المنتِج، ثقافتان متشابهات بالاسم فقط، لأن التناقض بينهما في الاهداف والمضامين والافكار والنتائج كبير جدا، فالثقافة المنتِجة تمنح الحياة مدادها، أما الثقافة المستهلِكة، فإنها تأكل من جرف الحياة وتُسهم في تدميرها.

الأمم الحيّة تدعمها ثقافات منتجة ومثقفون منتجون، يقودنا هذا الى التساؤل عن طبيعة ثقافتنا ومثقفينا، هل ثقافتنا منتِجة ومثقفونا منتجون؟. وقائع الحال تشير الى وفرة في المثقفين المستهلكين لدينا، المثقف لدينا ينحو الى الاجترار، ويفضل القوالب الجاهزة في الافكار والانشطة الاخرى التي تتداخل مع المنتج الثقافي أيا كان نوعه، نحن نفتقر في الغالب الى المثقف المنتِج المجدد الذي يُبعد نفسه عن الاتكال على الافكار والنظريات الوافدة، هذه ليست دعوة للانغلاق، لكنها في الوقت نفسه دعوة لاحترام الذات، وتحريك مكامن الابداع والاكتشاف والتجديد الذي تنطوي عليه جذورنا الثقافية حتما، إن مثقفينا من الكسل والخمول لدرجة أنهم عاجزون بصورة شبه تامة عن الابتكار والتجديد، لذا تحولت ثقافتنا الى حالة من السكون والخمول والاجترار الممل حقا، ولعل هذا الواقع الاستهلاكي المستديم، هو الذي رسخ مفهوم او مقولة (مصر تكتب وبيروت تطبع والعراق يقرأ)، نعم لا ضير في القراءة، بل هي من سمات الشعوب المتحضرة، ولكن ما فائدة أن تقرأ بطريقة الاستهلاك غير المنتج؟!.

وربما نتذكر كيف شاعت بين العراقيين مطبوعات (ترفيهية مسليّة)، في النصف الثاني من القرن الماضي، كلها كانت تفد إلينا من مصر وبيروت وسواهما، نحن نتذكر مثلا مجلة الموعد او الشبكة من مصر، واليقظة والنهضة والمجالس من دول الخليج، وغيرها من المطبوعات الاستهلاكية التي كانت تجد رواجا على حساب المطبوعات المنتجة، لقد تنامت لدينا الثقافة الاستهلاكية بسبب خمول المثقفين وفشلهم في خلق ثقافة منتجة، وانعكس هذا الامر على حركة الحياة العراقية عموما، وتراجع دور الثقافة في تطوير البنية الفكرية والسياسية والاقتصادية للعراقيين، لأننا كنا دائما في حالة انتظار وترقب للافكار الوافدة، وعندما تصل إلينا عبر قنوات لها اهدافها السياسية او الاقتصادية، كنا كمفكرين او مثقفين، نعيد ترتيبها في صيغة اجترار لا تنطوي على الابتكار الذاتي، فنبقى ندور في حلقة الخمول والركون الى الكسل الفكري، باعتمادنا على ما يرد إلينا، لذا نشأ لدينا المثقف المستهلِك الذي يفتقر الى نزعة التجديد، وطالما أن المثقفين هم وسيلة الثقافة وغايتها، فقد تنامت لدينا ايضا ثقافة خجول مترددة، تنحو الى الاستهلاك أكثر من سواه، فانحرفت بمساراتها في مسالك لا تصب في صالح الوعي العام.

في المرحلة الجديدة التي نجتازها راهنا، ظهرت بوادر اختلاف وتضارب وتحريك لبرك الثقافة الساكنة والمستهلكة في آن، وظهر مثقفون يطرحون افكارهم عبر منافذ التوصيل الألكترونية او الندوات والدوريات وسواها، لكن العبء لا يزال ثقيلا، بسبب الفصل النمطي الموروث بين الادب والثقافة والفكر من جهة، وبين التنامي الافقي في الوعي، والعجز عن الوصول الى أكبر عدد من العقول، لذا مطلوب تدعيم ثقافة الانتاج الفكري المتجدد، ومطلوب حضور المثقف المبتكر المجدد والجريء في آن، وعلينا أن نغادر حلبة الترقب والانتظار والركون الى أفكار ونظريات الآخر، والكف عن اعتمادها كمصدر وحيد لتنمية الوعي الفردي او العام، نحن بحاجة الى تدعيم ثقافة منتجة كبديل حتمي لثقافة الاستهلاك، يمكننا الوصول الى هذا الهدف بالمثقف المبتكِر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/آذار/2012 - 6/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م