حرائر الثورة والحسم

عبدالعزيز حسن آل زايد

حرائر الثورة يختلفن عن فتيات الدلال، المخملية ليست من طبائعهن والفرق شاسع وكبير، بهؤلاء الحرائر تتغير المعادلات وتتبدل الأزمنة وتقلب العروش على أصحابها، بهؤلاء تتخطى الأمة أزمتها ويُقتلع الفساد برمته، هن لسن مربيات لجيل قادم يرفع هامة العزة فحسب، بل طاقة غضة تحول عتمة الجور إلى ضياء العدالة والنور.

حرائر الثورة يرفضن التبعية المقيتة المزرية، ولنأخذ من أبها مثلاً، حققت الفتاة هناك رقماً صعباً لم تحققه فتيات الأمس، بدأ للمرأة صوتاً ولأزمتها شأناً، لا تعلق قضاياها في رفوف نسيان ولا برميل قمامة كما هو العهد سابقاً !!

حرائر النهوض أمسى لهن قضية، فالغرق في جزئيات تخديرية وقضايا جدلية ليس من شأوها، بل تسعى أن يكون لها دوراً بإزاء شقائقهن الرجال، القرآن لم يضع سداً للتفريق (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)، فهو يحارب التهميش والوأد المادي والمعنوي، فالجنة تحت أقدامهن، والبر في نصيبهن يضاعف ثلاثاً قبالة الرجل.

الدونية التي تُزدرى بها الحرائر لم يعد لها نصيباً، وقوله (كرمك الله) عند ذكرها أمسى في طي النسيان، فمكانتها مرموقة إذ تبخرت السوداوية الجاهلية، ورأيها أصبح حاضراً ومهماً رغم طرح الرجال، ألم تكن بيعة العقبة (بيعة النساء)؟! رغم رجاحة كفة الرجال من حيث العدد، إننا وجدنا القرآن يخصص سورة طويلة باسمها (سورة النساء) ولم نجد للرجال سورة، إن وجدت سورة باسم رجل، فإن (سورة مريم) تنافسها، لم تكف آيات الذكر من حديثها عن الشامخات: كآسية وكلثم وبلقيس(ملكة سبأ) والتائبة الصالحة (زليخا)، فحراك المرأة مقدس وينزل الله فيه قرآناً و(المجادلة) سورة واضحة الدلالة والمغزى.

مرحى لحرائر النصر، فعلى عاتقهن مسؤولية الكبار، فإن خبت جذوة الرجال، فإن زينب اليوم توقد الشموع وتشعل الهمم، إذا انكسر الرجل، فإن المرأة تحمل الراية وتحتل الصدارة، إن أحجم الشعراء سنشاهد ألف آيات تزلزل عروش الطغيان.

إننا نعيش الذكرى السعيدة الخالدة لولادة السيدة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام)، فهي الوقود لكل الحرائر، وهي الإلهام لكل الثورات، واقتفاء الأثر يبدأ من بواكير العمر، فالفتاة التي تركض خلف الملذات والأهواء، عليها أن تقف أمام عظمة هذه السيدة لتكتسب منها طريق الصحوة وتشحذ بحياتها المنورة أزاهير العطاء الفتي، فلا مجال للفراغ المغلف بالتسلية والخمول، فالقدوة زينب وكفى بها رمزاً شامخاً لقيادة الثورات الباسلة، زينب صرخة وقدوة للرجال قبل النساء، وللكبار قبل الصغار، فمتى سيتكهرب شباب اليوم بتلك المرأة البطل التي أرغمت أنوف الجبابرة؟!

 صمودها القاهر أسقط أنظمة الظلم والعدوان، تحديها المسلول سيف صامد وموجة عاتية أربكت كل زنيم : (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا).

في كل زمن نشاهد فتيات الرسالة يرسمن طريق المقاومة، بالشهادة الخالدة تارة وبالمواقف الصلبة تارات أخرى، فتلك خديجة، وهذه فاطمة، وعلى النهج زينب ورقية وأم كلثوم، ثم تمتد القوافل المخلصة لتصل إلى: بنت الهدى، وخولة، وعلياء، وآيات القرمزي وغيرهن، فتيات رساليات حملن مشعل الحرية والكرامة والصمود، فلم يكن السفور والتبرج مسرحاً لظهورهن، بل كان العفاف والعطاء بصمة حاضرة أربكت من تتشدق بالتحرر الزائف.

إنهن فتيات الإيمان والهدى، ونهوض الأمة لا يكون بمعزل عن شموع الفداء والتضحية، لقد خلد لنا التاريخ أخوات نفخر بذكر أسمائهن، وسيخلد لنا أخريات يحسمن القضية ويسلكن ذات الطريق.

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آذار/2012 - 30/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م