سائقو الدرجات النارية في البصرة... فنتازيا اللعب مع الموت

تحقيق: نهلة جابر

 

شبكة النبأ: في ظاهرة ربما تبدو غريبة على الشعب البصري، في مكان يتجمع به شبيبة مراهقين من مناطق شتى لنواحي ومركز المدينة وهم يستقلون الدراجات النارية السريعة، مثيرين الانتباه بمحركات وضوضاء المحركات على اسفلت وارصفة الشوارع الاربعة ليوم الجمعة من كل اسبوع للتسابق على اداء الالعاب البهلوانية السريعة والتفليق فيدهش بها المشاهدون الذين يأتون اسبوعيا "الجمعة" بالعشرات وتصل احيانا الى المئات.

لم تكن الشوارع الاربع وسط البصرة سوى ممر لعبور السيارات بين 5 ميل والجنينة، لكن اصحاب الدراجات جعلوا من الشارع زاخر بانواع الدرجات المستوردة بشكل ملفت للانظار، مما بلغ من قلق الاهالي الكثير بحيث اشتكي الناس الى الجهات المختصة من فعاليات اصحاب الدرجات، مما اضطر الجهات الامنية الى احتجاز العديد من الدراجات النارية.

ووصل ولع الفتيان بالدرجات النارية الى تشكيل كروبات يدعون فيها الى تأسيس جمعية او مركز يتواصل فيه من لديه القدرة على ركوب المخاطر، اضافة الى تنسيق العمل فيما بينهم لتنظيم الهواية والارتقاء بمستواها الى مشاركات عربية او اجنبية.

ويستطيع الشباب البصري ورغم ترصد الجهات الامنية من اداء الالعاب البهلوانية غير عابئ بالاصوات المدوية الذي تحدثه احراق الكميات الكبيرة من البانزين من محركات دراجاتهم، لكنهم يؤكدون ان التسابق فيما بينهم في تلك المركبات السريعة اصبحت آلة للتسلية وفتازيا الموت بالمجان بين شوارع وطرقات العامة غير ابهين بالقانون والمجتمع.

"زين محمد14 عام" يمتلك دراجة صينية سوبر ياناها هيلوكس والتي اشتراها بما يقارب 900 دولار، يؤكد انها كانت حلم لديه ولدى العديد من الشباب اللذين يجبرون ذويهم على شراء المركبة تحت مسميات عديدة واهمها التنقل من البيت الى المدرسة او سواها.

ويجيد زين الحركات البهلوانية والتفليق من هذه المركبة بحيطة وحذر ومهارة عالية تشد انظار المتفرجين من الاهالي وتشجيعهم، حتى ان الكثير من المشجعين شبهوه بمتسابق اجنبي في اطلاق العنان لتلك الدراجة الجميلة وذاك الولد الصغير.

ويقول اني الاكفأ بين اصحابي، فأنا قادر على رفع مقدمة المركبة لمدة عشر دقائق، بينما تسير السيارات في الشارع الذي افلق فيه.

ويضيف، "انا لم اتعرض الى حادثة منذ ان اشتريت الدراجة ولحد هذه الساعة مما يضعني في خانة المتميزين، فانا اعرف ان اي خطأ يمكن ان يودي الى موتي ام تعرضي للعوق الدائم خصوصا مع قلة تقديم الخدمات الطبية للمصاب.

مديرية المرور العامة في البصرة، وعلى لسان مدير اعلامها عقيد رياض الاسدي، قال ان المديرية الزمت سائقي الدرجات النارية باستحصال هويات واجازات معينة، فضلا عن حمل الاوراق الثبوتية للمركبة اضافة الى ترقيمها من المديرية كي يتم التعرف عليها من قبل الاجهزة الامنية.

وتابع "قانون السير العراقي لم يتضمن في مفرداته الى الحركات البهلوانية على الدرجات النارية بسبب عدم وجود تلك الممارسات في ذاك الوقت، غير ان القوى الامنية في هذا الوقت تقمع هذه الممارسات بحجة وتحت عنوان "تعريض السلامة العامة للخطر وتعريضهم للعاهات الجسدية المستديمة".

الباحث الاجتماعية د.عواطف كنوش تقول، "انا اعرف ان هولاء الشبان الذين يملأون الشوارع بضجيج دراجتهم النارية ويقومون بعرض الموت المجاني في الطرقات يسخرون ولا يؤمنون بالخطورة التي تنتابهم من جراء حركاتهم لا توجد نوادي او محلات لممارسة هواياتهم بامان، ربما علينا ان نفكر او نضع مشروع وبالتنسيق مع الحكومة المحلية في البصرة لرعايتهم واحتضانهم لما يشكلون من موهبة من الممكن ان ترفع علم العراق عاليا في المحافل الدولية خصوصا في سباقات الدرجات، في دول الخليج نجد ان الدولة تتسابق لتقديم الامثل لابنائها، لما نحن لازلنا نفتقر الى وجود مثل تلك الاندية.

وقالت "لا مكان للخوف في حياة هولاء الشبان، في قلوبهم حب المقامرة الى حد الموت في هواية يمارسونها على شوارع غير مؤهلة لممارسة هواياتهم، منتقدة تقييد الحريات الشخصية ودعوات البعض للحد من فعاليات هولاء الشباب تحت ذريعة الوضع الامني وعدم وجود ميادين للسباقات تحتضن الشباب البصري.

الشاب احمد قاسم 18 سنة، يعترف بانه حزين لان ابوه حطم له دراجة اقتناها بعد مشقة طويلة في العمل "العمالة "، لكنه يشعر بالغبطة والفرح حينما يصفقون له جراء اداء الحركات البهلوانية ويتمنى ان يكون لديه شوارع بعيدة عن المدينة يمارس فيها هوايته بعيد عن عيون واله والاجهزة الامنية.

احد القادة الامنين في محافظة البصرة الذي رفض ذكر اسمه قال "قمعهم امر صعب جدا، بل شبه مستحيل، لديهم القدرة على المناورة والهرب من الاجهزة الامنية، ويجد هذا المسؤول صعوبة في توصيف الحالة التي يتلاعبون بها الشبان، فهو يتردد قبل اعطاء الاوامر بمطاردة هؤلاء الشبان، لانه في حال سقوطه وموته،فأن المسؤولية ستكون من نصيب "رجل الامن البسيط،الذي يحمله المسؤولون نتيجة فشلهم في ايجاد حلول بديلة ".

ويطبق حسرة هذا المسؤول على العديد من الشباب الذين سقطوا عن دراجاتهم النارية وهم بعمر الورد ولطالما تسببوا بحوادث سير اهدرت ارواح المواطنين وكلفوا الدولة اموال طائلة للعلاج، سيما وان الرعب الذي يبثونه في قلوب اصحاب السيارات عندما يمرون بجانبهم مثل البرق، اضافة الى معاركهم الدامية مع مفارز الجيش والشرطة في الشوارع العامة.

هذا ويقوم اصحاب الدرجات بقيادة دراجاتهم بسرعة جنونية تصل الى 120 كم في الساعة ويؤدون حركات بهلوانية في منتهى الخطورة في عرض "يطلق علية الموت بالمجان"، وخلال فترة قصيرة تجد العشرات وقد تجمعوا وهم يلبسون خوذهم يركبون دراجاتهم مثنى وثلاث يستمعون الى اغاني الراب او الروك والاغاني العراقية والعربية ذات الايقاع السريع، في لمح البصرة تراهم يقفزون في الهواء غير ابهين بما يحصل لهم من كسور وجروح خطرة،يكتب على اثرها الموت او العوق او النُقل إلى المستشفى وهم في حالة فقدان للوعي... وكان أحدهم ينظر إليهم وهو يذرف الدموع ظناً منه أن رفيقه قد مات.

المفارقة أن العرض لم ينته بعد هذا الحادث، إذ تأثر بعض البهلوانيين والمشاهدين وغادروا المكان، غير أن البعض أصرّ البعض على الاستمرار، حصل كل هذا من دون حضور القوى الأمنية، التي اكتفت ببلاغ وارد إليها يفيد بأن "عدداً من سائقي الدراجات النارية يقومون بألعاب بهلوانية، وذلك في الشوارع الاربعة، ما يؤدي إلى إزعاج المواطنين وعرقلة السير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/آذار/2012 - 24/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م