لرفضها الاعتذار... فرنسا تبقي جرحا غائرا في نفوس الجزائريين

 

شبكة النبأ: يستعد ابناء الجزائر الى احياء الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات ايفيان التي انهت عقود مرة من هيمنة الاستعمار الفرنسي والذي تسبب في مقتل اكثر من مليون جزائري ابان حروب الاستقلال، ويرى العديد من المراقبين ان لتلك الحقبة من الزمن وقع خاص في نفوس ابناء الجزائر الذين يستذكرون حجم المعاناة المؤلمة خصوصا مع رفض فرنسا الاعتراف بمسؤوليتها وتقديم الاعتذار الرسمي لذوي الضحايا وهذا ما قد يتسبب في خلق اجواء توتر بين الدولتين، وفي هذا الشأن فقد قال وزير الدولة الجزائري ورئيس جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم انه سياتي يوم "تعتذر فيه فرنسا" عما اقترفته في الجزائر، وذلك تعليقا على تصريحات ادلى بها في الاونة الاخيرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وكان ساركوزي اقر في تصريحات لصحيفة لوماتن بنيس (جنوب فرنسا) بانه "كانت هناك تجاوزات" خلال حرب الجزائر (1954-1962) من دون الاعتذار عنها. وقال "ارتكبت فظاعات من الجانبين. وهذه التجاوزات والفظاعات يجب ان تكون موضع ادانة لكن فرنسا لا يمكنها ان تعبر عن الندم على شنها هذه الحرب".

وقال بلخادم في تصريحات صحافية على هامش اجتماع بمقر حزبه بالعاصمة الجزائرية "في كل الاحوال وسواء قبل الرئيس ساركوزي او رفض، فانه سياتي يوم تعتذر فيه فرنسا عما اقترفته بحق الجزائر". وحول عناصر "الحركيين" وهم الجزائريون الذين حاربوا مع الجيش الفرنسي في الجزائر اشار بلخادم الى ان ساركوزي "دافع عن جماعته ونحن ندافع عن جماعتنا". واضاف "هو دافع عمن يعتبرهم انصار فرنسا. اما نحن فنعتبرهم خونة في 1962". وشدد بلخادم "لن نغير راينا الان". واقر ساركوزي ايضا في نيس بان السلطات الفرنسية مارست "الظلم" و"تخلت" عن نحو 200 الف حركي وان عليها "دينا" حيالهم من دون ان يتحدث مع ذلك عن "تعويضات" لهم. وعادت حرب تحرير الجزائر الى دائرة الاهتمام هذا العام مع احياء الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر بعد 132 عاما من الاستعمار الفرنسي.

من جانب اخر طالب الامين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين الجزائريين سعيد عبادو مجلس الشعب الجزائري القادم بتبني قانون يجرم الاستعمار الفرنسي لبلاده. وقال عبادو في تصريح لاذاعة الجزائر الدولية "نأمل بالحاح في تبني البرلمان القادم قانونا يجرم الاستعمار الفرنسي".

وسيتم انتخاب البرلمان الجزائري القادم في 10 ايار/مايو 2012. واعتبر عبادو ان تبني هذا القانون الذي كان قدم مشروع بشانه في 13 كانون الثاني/يناير 2010 للبرلمان لكنه بقي على الرف، "واجب وطني" و"رد على قانون الاشادة بالاستعمار الذي تبناه البرلمان الفرنسي في 2005". وتمثل النص الفرنسي المشار اليه في ادخال تعديل على التصويت على قانون بهدف ادراج الطابع "الايجابي" للاستعمار الفرنسي في البرامج المدرسية. لكن مرسوما اصدره الرئيس الفرنسي جاك شيراك الغى التعديل سريعا.

واعرب الامين العام لمنظمة المجاهدين ايضا عن اسفه "لرفض فرنسا اعادة الارشيف الوطني (الجزائري) ما يشكل انتهاكا للقوانين الدولية". واضاف ان "المنظمة الوطنية للمجاهدين على استعداد للجوء الى المجتمع المدني الدولي بالتعاون مع السلطات الجزائرية، من اجل استعادة هذا الارشيف". وحول التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية طلب عبادو بتشكيل لجنة مشتركة جزائرية فرنسية لتحديد الاضرار البشرية والبيئية التي سببتها تلك التجارب مؤكدا ان "فرنسا ملزمة بدفع تعويضات للدولة الجزائرية". ويقول باحثون جزائريون ان فرنسا اجرت 17 تجربة نووية في الجزائر منها اربعة في ريغان بين 1960 وتاريخ الانسحاب النهائي للجيش الفرنسي من المنطقة في 1967. بحسب فرنس برس.

واضاف عبادو انه سيتم اقتراح انشاء "مجلس اعلى للذاكرة" وقناة تلفزيون او اذاعة تهتم بتاريخ الجزائر وثقافتها. وياتي مؤتمر المنظمة هذا العام متزامنا مع الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات ايفيان في 18 آذار/مارس 1962 التي انهت حرب الجزائر ومهدت لاستقلالها في تموز/يوليو 1962 بعد 132 عاما من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي.

فرنسا وذكرى لاستقلال

الى جانب ذلك قال دبلوماسي فرنسي انه "يجب تفادي النفخ في الجمر" في تلخيص معبر عن رغبة فرنسا في التعامل مع الذكرى الخمسين لاتفاقيات ايفيان واستقلال الجزائر دون ضجة وفي اجواء تريدها ان تتسم ب"روح الاعتدال". وعبر الفرنسيون عن ارتياحهم لتقاسم السلطات الجزائرية الشعور ذاته لتفادي اثارة العواطف في علاقات صعبة طبعتها 132 سنة من الاستعمار انتهت بعد حرب تحرير دامية استمرت سبع سنوات ونصف السنة وسقط فيها مليون ونصف مليون قتيل جزائري بحسب المصادر الجزائرية و400 الف قتيل أغلبهم من الجزائريين بحسب المصادر الفرنسية.

وذكر وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه مؤخرا ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وافقه الراي السنة الماضية حول ضرورة "النظر الى المستقبل" والتعامل مع الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر "بروح من الاعتدال ومحاولة تفادي التطرف مهما كان مصدره". وتم التأكيد على هذه الروح خلال عدة لقاءات ثنائية. كما ساهمت المواعيد الانتخابية في البلدين في هذه الارادة في ضبط النفس. فالفرنسيون على موعد مع انتخابات رئاسية في 22 نيسان/ابريل و6 ايار/مايو والجزائريون سيصوتون لانتخاب برلمان جديد في 10 ايار/مايو.

وقال دبلوماسي فرنسي "ان تركيزنا منصب على تفادي اي تجاوز في هذه الظروف الملائمة للمزايدات التي يمكن استغلالها" لتوتير الاجواء، مضيفا "حتى الان تمكنا من السيطرة على الوضع". وخلال حملته الانتخابية، ذكر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بانه لا ينبغي توقع ان تعبر فرنسا عن الندم عما فعلته في الجزائر. وقال بوضوح "لقد ارتكبت فظاعات من الجانبين. وهذه التجاوزات والفظاعات يجب ان تتم ادانتها، لكن فرنسا لا يمكنها ان تندم على شن تلك الحرب".

واكد الدبلوماسي الفرنسي انه يجري الاستعداد للذكرى "دون احيائها او اجراء مراسم كبرى" وتم ترك المجال للمجتمع المدني وللباحثين والمؤرخين "لمعالجة المسائل المرتبطة بالذاكرة". وعينت باريس السفير اوبير كولين دو فارديير الذي عمل مرتين في الجزائر، لاعداد قائمة التظاهرات المبرمجة في باريس وفي المناطق الاخرى، وكذلك القيام بالاتصال بالجزائر. وتنتظر باريس ان تمر الانتخابات "لتنظر الى الامور بشكل اسهل" بحسب دبلوماسي، وفي انتظار ذلك "نحن في نوع من الترقب الحذر". وتذكر هذه العبارة بعبارة اخرى في الجزائر استخدمها كاتب الافتتاحية في صحيفة "لوكوتيديان دورون" كمال بن داود عندما قال "من الافضل الاحتفال بالشموع على الاحتفال بالمشاعل". وبالنسبة للمؤرخ الفرنسي المتخصص في تاريخ الجزائر بنجامين ستورا فانه "يجب محاولة تمرير هذه الذكرى باسرع وقت ممكن من الجانب الفرنسي. فمع اقتراب الانتخابات نريد ان يصوت فيها الجميع لكن التحدي الاكبر هو كيف لا نصدم احدا".

لكن وبخلاف الجزائر التي لا ينتطر فيها رجل الشارع "شيئا بعينه" بحسب الاستاذ الجامعي رشيد تلمساني، فان صمت السلطات الفرنسية يتناقض مع الغليان في المجتمع المدني والجمعيات من خلال الندوات والمعارض والكتب والافلام حول الموضوع. وبمناسة مرور خمسين سنة على توقيع اتفاقيات ايفيان في 18 اذار/مارس 1962 التي ادت الى استقلال الجزائر في 5 تموز/يوليو، تبث القناة الفرنسية الثانية في 11اذار/مارس في الجزء الاول من السهرة فيلما وثائقيا بعنوان "حرب الجزائر، التمزق"، الغني بصور الارشيف التي تبث لاول مرة.

ويشير بنجامين ستورا الى "احياء صامت على مستوى الدولتين في مقابل الطلب الكبير من المجتمع والشبان لمعرفة التاريخ وكل ما حدث". ويستدل المؤرخ على ذلك بالجمهور الكبير الذي يحضر محاضراته في فرنسا. ويضيف "رغم ان فرنسا هزمت في حرب الجزائر الا ان الاهتمام اكبر في فرنسا بالحدث بينما يوجد كلام اقل في الجزائر. لعل الاهتمام سيتزايد في المستقبل".

وفي مقابلة صحافية نشرتها "نيس ماتان" قال الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي "لقد جئت إلى مدينة نيس قبل أيام قليلة من الذكرى الخمسين لاتفاقيات "إيفيان" التي وضعت حدا نهائيا لسبع سنوات من النزاع بين الجزائر وفرنسا" وتطرق نيكولا ساركوزي إلى أوضاع "الحركى" -وهم الجزائريون الذين خدموا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير - ووصفها بالصعبة. "طبعا الحركى وفرنسيو الجزائر وقعوا ضحايا هذه الفترة من التاريخ، لكن يجب أن لا ننسى أن الجزائريين الآخريين عانوا هم أيضا من هذه الحرب"، مضيفا أن "الحرب بين الجزائر وفرنسا جزء من تاريخنا المشترك ولا يمكن لأحد أن يمحيه" بحسب فرنس برس.

وأضاف الرئيس المرشح "لقد وضعناهم الحركى وفرنسيي الجزائر في أحياء شعبية وطلبنا منهم أن يصمتوا ولا يتحدثوا عن ظروفهم الاجتماعية والمعيشية ولا عن ذكرياتهم, لذا أنا هنا لأقول لهم أن تاريخهم هو جزء من تاريخ بلادنا وعلينا احترام ذاكرتهم" وبخصوص الوعود التي قطعها ساركوزي لهاتين الفئتين من الشعب الفرنسي، في خطاب ألقاه في مدينة تولون –جنوبي فرنسا- في 2007، منها اعتراف الدولة الفرنسية رسميا بمعاناتهم إبان الحرب، صرح ساركوزي إنه "لا يزال متمسكا بمحتوى هذا الخطاب ولن يغير منه كلمة واحدة، مشيرا أن فرنسا كانت قوة استعمارية وأن الحركى وفرنسيي الجزائر وقعوا ضحية نهاية هذا الاستعمار، داعيا كل فرنسي إلى أخذ معاناتهم بعين الاعتبار"

وتساءل ساركوزي: ماهي مسؤولية فرنسا؟ هل لكونها كانت في السابق دولة استعمارية أم لكونها اختارت أن تنهي الحقبة الاستعمارية في الجزائر مثل غيرها من القوى الاستعمارية الأخرى في العالم. وأضاف ساركوزي: "لا يمكن أن نتهم فرنسا بجميع الذنوب، فهي تعترف فقط بتاريخها, لا أقل ولا أكثر" من جهة أخرى، أكد ساركوزي مجددا رفض فرنسا تقديم الاعتذار للجزائر بسبب الحرب، موضحا أن العمليات العسكرية التي قامت بها في هذا البلد، كانت قرار الجمهورية الفرنسية وتحت إشراف حكومات شرعية وديمقراطية متعاقبة. "نعم كان هناك تجاوزات كبيرة من الطرفين. نعم ينبغي التنديد بها، لكن لا ينبغي لفرنسا أن تعتذر"

كما دعا ساركوزي فرنسيي الجزائر إلى عدم التصويت لصالح حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه مارين لوبان ، مؤكدا أنه يعرف جيدا مشاكلهم ومعاناتهم الماضية والحاضرة، وموضحا أن التصويت لصالح هذا الحزب لن يؤدي إلى نتائج إيجابية وقال ساركوزي: "الجبهة الوطنية لن تحميهم من الأزمة ولن تخلق لهم فرص عمل جديدة. التصويت لصالح هذا الحزب يعني إضعاف فرنسا وترك المجال واسعا أمام الحزب الاشتراكي ليصل إلى سدة الحكم

مشروع لحماية الحركى الجزائريين

في سياق متصل صوت مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة العليا بالبرلمان الفرنسي) على مشروع قانون تقدم به اليمين الحاكم ويهدف إلى تجريم إهانة "الحركى" وهم الجزائريون الذين خدموا فرنسا خلال حرب التحرير الجزائرية، والذي يعتبر من الملفات الحساسة العالقة بين البلدين بعد 50 عاما على حصول الجزائريين على استقلالهم. وصوت النواب بالأغلبية الساحقة – باستثناء الشيوعيين الذين غابوا عن الجلسة - على هذا المشروع الذي يشمل كذلك الجمعيات المدافعة عن الحركى بفرنسا – وكان المشروع قد تقدم به حزب الرئيس الفرنسي الحاكم "الاتحاد من أجل حركة شعبية" على أن يعرض لاحقا على الجمعية العامة (الغرفة السفلى بالبرلمان الفرنسي) ليدخل حيز التنفيذ في حال تم التصويت عليه نهائيا. ويبقى ملف الحركى من الملفات الحساسة سواء في الجزائر التي تركوها مرغمين غداة اتفاقيات إفيان التي أبرمت في 18 آذار/مارس 1962 أو في فرنسا التي يعيش فيها نحو 500 ألف منهم. ومع غياب قانون يضمن حقوقهم، خاصة أنهم عرضة لاعتداءات وإهانات حتى من قبل شخصيات رسمية في أعلى هرم السلطة، كالرئيس السابق لمنطقة لانغيدوك روسيون بجنوب شرق فرنسا جورج فريش الذي نعتهم علانية في 11 شباط/فبراير 2006 بـ"أشباه الرجال" وأفلت مع ذلك من القضاء الفرنسي رغم رفع جمعيات حقوق الإنسان وأخرى خاصة بالحركى دعاوى ضده بتهم "الإهانة والحث على الكراهية".

ورحبت العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق الحركى بنص هذا القانون الذي من شأنه أن يرد "الاعتبار للحركى الذين ينظر إليهم دوما باحتقار وعلى أنهم خونة" حسب قول رئيس جمعية تنسيقية الحركى بفرنسا حسان عرفي في اتصال مع فرانس24، والذي يضيف "لا يمكننا إنكار محاسن هذا القانون لكننا كنا ننتظر أكثر من نيكولا ساركوزي الذي وعدنا في 2007 بالاعتراف بمسؤولية بلاده في إهمال الحركى والمجازر التي ارتكبت في حقهم في حال أصبح رئيسا".

وعد يريد اليمين الحاكم تداركه قبل الانتخابات الرئاسية، كما تقول رئيسة جمعية الحركى وحقوق الإنسان فطيمة بسنانسي "الحركى وأهاليهم ينتظرون هذا القانون منذ سنوات ويجب عليهم الانتظار أكثر حتى مصادقة الجمعية العامة عليه نهائيا". وتأسف للصيغة التي جاء بها نص هذا القانون والتي لم تعدل كثيرا عما كانت عليه في 2005، والتي "بفضلها تمكن جورج فريش من الإفلات من العقاب". بحسب فرنس برس.

وتتساءل السيدة بسنانسي عن أسباب طرح هذا القانون في هذا الوقت بالذات اي قبل الانتخابات الرئاسية، وتعتبر أنه من "الفضيحة أن يستغل ساركوزي وحزبه الحركى لأغراض انتخابية". ويبقى مناخ العلاقات الفرنسية - الجزائرية متوترا بسبب ملف الاستعمار حيث يتمسك الجزائريون الذين يحيون هذا العام الذكرى الخمسين لاستقلالهم بمطلب الاعتذار من مستعمرهم القديم بينما ترفض فرنسا ذلك وتتمسك هي الأخرى بقانونها في 23 فبراير 2005 الممجد للاستعمار ولإيجابياته.

من هم الأقدام السود

الاقدام السود تعبير فرنسي يشير الى المستوطنين الفرنسيين المولودين او الذين عاشوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار، وبقي منهم حوالي 200 الف في الجزائر متعلقين بمسقط الراس خلافا للاعتقاد السائد بأن كل الأوروبيين هربوا جماعيا من الجزائر بدءا من صيف 1962، خوفا من الاعتداء عليهم. وقال غي بونيفاسيو المولود سنة 1940 في وهران كبرى مدن الغرب الجزائري "بعد استقلال الجزائر اصبحنا أجانب في بلدنا، ومغتربين نحمل بطاقات اقامة".

ونصت "اتفاقيات ايفيان" لانهاء الاحتلال الفرنسي الموقعة بين الحكومة المؤقتة الجزائرية والحكومة الفرنسية في 18 اذار/مارس 1962، ان على الفرنسيين والأوروبيين بصفة عامة الاختيار في غضون ثلاث سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية او الاحتفاظ بجنسيتهم الفرنسية واعتبارهم اجانب. وكان قادة جبهة التحرير الجزائرية يرفضون الجنسية المزدوجة للمستوطنين. وكان يفترض ان يبقى هذا المحاسب بعد اكمال دراسته في فرنسا، الا انه عاد الى الجزائر سنة 1968 للعيش مع اسرته. واوضح بونيفاسيو "أقيم حاليا في قصر صغير تم بناؤه على ارض عائلتي. ورغم طمع البعض في الاستيلاء عليه الا ان عائلتي حافظت على كل املاكها". واضاف "كل شيء مر على ما يرام حتى سنة 1973 بعد تاميم الشركات الفرنسية وسياسة التعريب، ما ادى الى انكماش التعاون الجزائري الفرنسي. حتى ان شقيقتي التي كانت مديرة مدرسة اضطرت للمغادرة نحو ساحل العاج". ومع ان اسرته لم تدعم الثوار الجزائريين، فان اباه اخفى في قبو محله في وهران جزائريين كانوا عرضة للاغتيال من طرف عناصر منظمة الجيش السري التي عارضت استقلال الجزائر الى آخر لحظة حاملة شعار "الجزائر فرنسية". ويؤكد بونيفاسيو "لم نطبق ابدا تعليمات الجيش السري، لا باعطاء المال او بالدخول في اضراب".

وبحسب الصحافي بيار دوم صاحب كتاب "لا حقيبة ولا نعش، الاقدام السود الذين ظلوا في الجزائر"، فانه "منذ نصف قرن عندما نتحدث في فرنسا عن رحيل فرنسيي الجزائر تتبادر الى الذهن فكرتان هما انهم غادروا كلهم الجزائر سنة 1962 وانه لم يكن لديهم الخيار فاما الحقيبة (الرحيل) او النعش (الموت)، والحقيقة ان ذلك خاطئ". واوضح دوم انه "من بين مليون ممن يعرفون بالاقدام السود حسب احصاء سنة 1960، فان 200 الف منهم لم يغادروا التراب الجزائري في اول كانون الثاني/يناير 1963". واوضح بيار دوم "من 200 الف سنة 1963 تراجع عددهم الى 100 الف في 1965 ثم 50 الفا في نهاية الستينات، وبضعة الاف في التسعينات ولم يبق منهم سوى بضع مئات اليوم". بحسب فرنس برس.

وشانتال لو فافر واحدة من هؤلاء وبمسار غير عادي، فقد قررت الهجرة الى اسبانيا مع عائلتها متجاهلة فرنسا، وهي المولودة بالجزائر العاصمة سنة 1945. وقالت "عدت الى الجزائر لأول مرة في 1987 للسياحة في الصحراء، فاغتنمت الفرصة لزيارة الحي الذي قضيت فيه طفولتي في الجزائر العاصمة فانتابتني عاطفة قوية". وبعد عطل كثيرة قضتها في بيت احد اقاربها في البليدة (50 كلم جنوب غرب الجزائر)، قررت الاقامة هناك سنة 1993 في اوج النزاع مع الاسلاميين. واوضحت "عندما عدت لم أكن ابحث عن الجزائر التي تركتها سنة 1962، كنت اريد فقط الاندماج". وفي البليدة، اعادت تشغيل مطبعة كانت ملكا لعائلتها منذ تأسيسها في 1867 من طرف جدها الكسندر موغان الذي تحمل اسمه. وأضافت "العمال والادارة الجزائرية ساعدوني كثيرا، فانا اليوم اشعر انني في بلدي، وساواصل تطوير مطبعة موغان التي بقيت ملكا لعائلتي". لكن عددا من الاقدام السود الذين بقوا في الجزائر بعد الاستقلال غادروا في وقت لاحق.

وقال لوران بونان العسكري السابق البالغ 83 سنة "انوي البقاء هنا حتى الممات". وشارك بونان في حرب الهند الصينية (فيتنام) قبل ان يتم نقله الى الجزائر في 1957 في قيادة اركان الجنرال سالان (قائد القوات الفرنسية في الجزائر). وبعد سنة من ذلك تزوج من جزائرية. وبعد استقلال الجزائر تم نقله الى المانيا وانهيت خدمته بعد حادث سير. ويقول بونان "عدت الى الجزائر في ايار/مايو 1964". أما جون بيار هنري المولود في 1935 في وهران، فهو راهب في ابرشية الجزائر، وينتمي الى الجيل الثالث من الاقدام السود ويقول "لم افكر يوما في مغادرة هذا البلد". وتخرج الراهب من جامعة ليون قبل تعيينه في ابرشية الجزائر في 1967. ويعترف "لم اناضل يوما في حياتي لكني كنت اعتبر انه من الافضل ان تبقى الجزائر فرنسية لأن ذلك كان في مصلحتها, كان بلدا يجب اعادة بنائه، ونحن بقينا هنا من أجل ذلك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/آذار/2012 - 24/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م