(الإيْمُو): إنْحِرَافٌ فِكْرِيّ أمّ صَرْعَةٌ مُنْحَرِفَة؟

محمّد جواد سنبه

(الإيمو): كلمة انكليزية تعني العاطفة أو الاحساس المرهف. وأخذت تطلق على صنف من الشباب الذين يلبسون ملابس سوداء أو داكنة، ويرتدون القمصان (التي شيرت) التي عليها رسوم غريبة، كالجماجم البشريّة والحيوانيّة، وصور مختلفة لمخلوقات عجيبة تثير الاستغراب. ويرتدون بناطيل ضيّقة وأحذية غريبة وأحزمة أغرب. إضافة إلى وضع الأقراط في الاذنين، والوشم على الجسم، ووضع الحلقات المعدنية على الشفاه والحاجبين.

كما أنّ قصّات الشعر واستخدام ألوان خاصّة لصبغه، تعتبر من مكمّلات اكسسوارات (الإيمو). ومنظر(الإيمو) بالاجمال شاذّ، عمّا هو سائد في المجتمع العراقي. كما أنّ (الإيمو) تجمعهم سلوكيّات غريبة، مثل الاستماع للموسيقى الصاخبة الحزينة، وصداقاتهم تدعو الى الاباحية وهم يعتبرون انفسهم متمردين على القيم الاجتماعيّة، التي يعتقدون بأنّها بالية ولا تتماشى مع الحداثة، وفيها الكثير من التطرف، مستشهدين بالعنف الطائفي الذي اجتاح المجتمع العراقي.

والمهم في الموضوع أنّ (الإيمو) صرعة لها جذورها في المجتمعات الغربيّة، فهي ليست افرازاً لتمرّد الشباب على قيم المجتمع، بقدر ما هي تقليد لصرعة غربيّة وصلت إلى شبابنا، عبر وسائل الإتّصال والإعلام المختلفة. إذن محور الموضوع هو اقتباس صرعة غربيّة من قبل بعض الشباب ومحاولة تقليدها في المجتمع العراقي. والدليل عل ذلك ان (الإيمو) لم يقدّموا رؤية فكريّة أو نشاط ثقافي، يعبران بهما عن وجهة نظرهم المعتقديّة. كما لم يقدموا أيّ منشور يتناول هذا الجانب.

وبينما المجتمع العراقي يعيش حالة الخوف من الوضع الأمني غير المريح، ظهرت اشاعات مفادها أنّ هناك مجموعات تستهدف (الإيمو) وتقوم بقتلهم بطريقة وحشيّة. هذه الاشاعة نبّهت وسائل الإعلام، فعالجت كلّ منها الموضوع على ضوء سياسته الإعلاميّة. فمنها من اتّهم جهة معينة بالقيام بهذه الجرائم، والقسم الآخر أخذ يبحث عن مصدر هذه الاشاعة، ومن يقف ورائها.

وتعدى الموضوع مماحكات وسائل الاعلام، فانتقلت القضية الى مجلس النواب، فناقش هذا الموضوع بجلسة يوم 8/3/2012، وانقسمت آراء السادة النواب، كما انقسمت آراء وسائل الإعلام. فمن النواب من صوّب سهام الاتّهام، إلى جهات يختلف معها في الرؤية السياسية. والقسم الآخر اعتبر الموضوع يتحرّك في اطار حقوق الانسان، والحريات التي كفلها الدستور العراقي، وان الموضوع لا يصل إلى كونه ظاهرة كبيرة.

(الإيمو)، حالات محصورة في نطاق جغرافي ضيّق، في وسط وجنوب العراق، والدلائل تشير بأنّ هذه الحالات، أكثر انتشاراً في شمال العراق. وإنّ مُروّجي هذه الأفكار، يستخدمون الانترنت لكسب الأصدقاء، الذين هم في سنّ المراهقة أو أكثر من هذه السنّ بقليل. والسؤال الذي يتبادر إلى الذّهن: هل (الإيمو) ظهر بشكل مفاجئ في المجتمع، أمّ أنّ الحالة بدأت بسيطة، ثم تكاثرت بحكم التقليد أو الاقناع أو غير ذلك من الأسباب؟. بعض المصادر تقول أنّ عمر هذه الحالة، لا يتعدى سنتين سابقتين من الآن.

إنّ تحديد عمر ظهور فجر (الإيمو) في العراق، يضعنا أمام جملة من الاستفسارات هي:

1. ما هو دور وزارة الثقافة إزاء هذه الحالة المستهجنة، التي أقل ما توصف به، أنّها تنافي تقاليد المجتمع. فضلاً عن تعارضها مع قيم الإسلام الذي يأبى أنْ يكون ابناؤه، حفنة من المخنثين والشّاذّين جنسياً والمنحرفين أخلاقياً. يأبى الإسلام أنْ يكون بعض أعضاء مجتمعه، انهزاميين ولا دور لهم في رسم معالم الحياة، بمستوياتها الشخصيّة والمجتمعيّة.

2. إنّ وزارة الثقافة صرفت عام 2011، (12) مليار دينار عراقي لمساعدة المثقفين. حيث ذكر ذلك الاستاذ وزير الثقافة الدكتور سعدون الدليمي، في الاجتماع الخاص بتقييم عمل الوزارات، بعد فترة المئة يوم، التي امهلها السيد رئيس الوزراء، لتقييم عمل الوزارات. حتى أنّ السيد رئيس الوزراء عندما سمع من السيد الوزير، أنّ وزارة الثقافة صرفت المبلغ المذكور أعلاه، أبدى ملاحظته وقال للسيد وزير الثقافة: إنّ كل ميزانية وزارة الثقافة 14 مليار دينار، وتصرفون منها 12 مليار منحاً للمثقفين؟. أجاب السيد الوزير أنّها صُرفت بموجب موافقات رسمية، لتحسين ظروف المثقفين العراقيين. لو حسبنا المبالغ التي وزعت بواقع مليون الى مليون ونصف دينار لكلّ مثقف، أيّ أنّ المعدل يكون بواقع 1250000 دينار لكلّ مثقف. يظهر لنا من ذلك أنّ عدد المستفيدين من هذه المنحة 9600 مثقفاً. ولعمري أنّ هذا العدد من المثقفين، يغطي مثقفاً واحداً لكل 1875 شخص عراقي (على اعتبار نفوس الشعب العراقي 18 مليون نسمة)، وهذه النسبة لا تصل إليها الدول المتقدمة في العالم. ومن ثم اذا كنّا نملك هذا العدد من المثقفين، فأين نتاجاتهم وتأثيرهم على أرض الواقع؟.

3. إضافة لوزارة الثقافة توجد لدينا وزارة الشّباب والرياضة، فأين دور الوزارة الأخيرة، في تطوير الشّباب وتنمية قدراتهم الفكريّة وتنضيج سلوكياتهم الإجتماعيّة؟.

4. الضرورة الملّحة تفرض على وزارتي الثقافة والشّباب، تخصيص جزء من امكانياتهما، لمتابعة سلوكيات الشّباب وتشخيص السلبيات ودراستها بشكل علمي، خصوصاً أنّ الجامعات العراقيّة تمتلك من الكفاءآت الأكاديميّة الممتازة، في مجال علم الاجتماع.

5. مؤشر (الإيمو) يزيح الستار أمام الحكومة العراقيّة، للتفكير جدّياً للاهتمام بالواقع المعيشي للشّباب، وتأمين فرص العمل التي عن طريقها يتمكنون من تحقيق طموحاتهم المشروعة، وغرس الأمل في نفوسهم.

6. كما أنّ المرجعيّة الدّينيّة، تتحمّل المسؤوليّة في عدم الاهتمام الكافي بشريحة الشّباب، علماً أنّ الإسلام الحنيف، يمتلك من القّيم النبيلة، والمبادئ السامية، والافكار الناضجة، التي تعالج بشكل حاسم جميع الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة. فهذا الزّاد الفكريّ يكفي لإمداد العالم كلّه،ّ بقيم الخير والصلاح، والبناء والمودّة والتّسامح والإحترام. كما لو أنّ الأنظار التفتت، إلى ترشيد الأموال التي يصرفها، منظمو المواكب الحسينيّة في طبخ (التمن والقيمة)، في مناسبات أهل البيت عليهم السلام عموماً، و في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام خصوصاً، و تمّ توفير 10% من هذه الأموال، وتخصيصها لخدمة الأنشطة الثقافيّة الهادفة، التي تسهم في إنضاج الوعي الفكري والسلوكي، وتنمية روح المسؤوليّة والمبادئ الأخلاقيّة بيّن الشّباب، لأصبحت النتائج بالتأكيد جيدة جداً.

7. إنّ وزارة التربية، تتحمّل جزءاً من مهمة متابعة سلوك طلاّب المدارس، وعقد الندوات الإرشاديّة والتوجيهيّة. وتفعيل عمل مجالس الآباء لوضع رؤية مشتركة، واجراء تنسيق مباشر بين إدارة المدرسة وأولياء أمور التّلاميذ، لرصد جميع الحالات السلبيّة ومعالجتها، وتأشير الحالات الإيجابية وتطويرها.

على جميع المربين والمثقفين والمسؤولين، عدم الإبتئاس من ظهور سلوك (الإيمو)، ومعالجته بصورة صحيحة وناجحة، والاستعداد لمواجهة حالات ربّما أكثر تعقيداً، بسبب حالة الإنفتاح والتواصل، بيّن مكونات المجتمع العراقي، وبيّن العالم الخارجي بأسره خيره وشرّه. لكن بشرط أنْ تكون معالجة حالة (الإيمو)، منطلق البداية لبناء معالم مجتمعنا على أسس رصينة، ليقف بوجه جميع التّحديات السلبيّة مستقبلاً. والله تعالى من وراء القصد.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/آذار/2012 - 17/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م