أمن العراق الاستراتيجي وخلايا الارهاب النائمة... حرب معلوماتية معقدة

عبد الامير الركابي

 

شبكة النبأ: تزداد التحديات الامنية في العراق مع ازدياد حدة العنف التي تأتي بالتزامن مع  اقتراب موعد استضافة قمة الجامعة العربية المقرر عقدها في اواخر شهر اذر مارس، برزت تلك التحديات بعد حدوث العديد من الهجمات الارهابية التي طالت الابرياء من ابناء الشعب العراقي والقوات الامنية والتي تبنها تنظيم القاعدة ومنها هجوم الانبار الاخير الذي استهدف بعض القادة ورجال الامن في عملية وصفت بانهما خرق امني خطير، ويرى بعض المراقبين ان العملية الأخيرة كانت رسالة واضحة من التنظيم مفادها انه لازال يعمل في العراق وانه قادر الى الوصول الى اي هدف وبشتى الامكانات هذا مع تأكيد نظرية اختراق الاجهزة الامنية وتنامي الحقد السياسي لدى بعض الاطراف التي تعمل كأجندة لدول تدعم الارهاب ، وعلى خلفية هذا الخرق الامني الكبير قال مسؤولون ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عزل اثنين من كبار مسؤولي الامن في محافظة الانبار الغربية بعد ان قتل متشددون تنكروا في زي شرطة ما لا يقل عن 27 من قوات الامن. وأثار الهجوم في الانبار التي كانت في وقت من الاوقات أكثر محافظات البلاد عنفا القلق من ان جناح تنظيم القاعدة في العراق ربما يستعيد موطئ قدم هناك بعد انسحاب القوات الامريكية في ديسمبر كانون الاول الماضي. وتنقل متشددون يرتدون زي الشرطة ويستقلون عربات وحدات الشرطة الخاصة من نقطة تفتيش الى اخرى داخل وحول بلدة حديثة وأعدموا افراد الشرطة الذين يحرسونها. وأخرجوا أيضا اثنين من ضباط الشرطة من منزليهما وقتلوهما. وقال محمد فتحي المتحدث باسم محافظ الانبار ومزهر حسن الملا عضو لجنة الامن بمجلس المحافظة ان المالكي أقر عزل قائد شرطة الانبار وقائد مركز عمليات الجيش في المحافظة. وقال الملا ان مجلس المحافظة عقد اجتماعا طرح فيه توصية للمالكي بإقالة قائد شرطة الانبار بعد الحادث وبعد اختراقات امنية اخرى وقعت قبل ذلك. وأضاف أن رئيس الوزراء وافق على عزل قائد الشرطة. وقال الملا ان اللواء هادي رزيج قائد شرطة الانبار سيبقى في منصبه الى ان يتم تعيين بديل له. وقال فتحي المتحدث باسم محافظ الانبار ان المالكي أقر ايضا طلب مجلس المحافظة بعزل قائد مركز عمليات الجيش اللواء عبد العزيز العبيدي. بحسب رويترز.

ويحرص رئيس الوزراء العراقي على اظهار ان قواته تحكم قبضتها على الامن قبل قمة عربية مزمعة في وقت لاحق هذا الشهر. وتعارض القاعدة وجماعات متشددة سنية أخرى الحكومة التي يتزعمها الشيعة في بغداد ويقولون انهم سيواصلون القتال رغم انسحاب القوات الامريكية العام الماضي. واستهدفت تلك الجماعات قوات الامن بشكل خاص. وكانت محافظة الانبار معقلا للقاعدة وأشد محافظات العراق عنفا في الفترة بين عامي 2004 و 2006 وبدأت سيطرة السلطات عليها في عام 2007 عندما انضم زعماء قبائل ومسلحون سابقون الى القوات الامريكية وانقلبوا على المتشددين. غير ان المحافظة شهدت عودة لظهور الهجمات الكبيرة حيث قتل عشرة اشخاص في يناير كانون الثاني عندما اقتحم مسلحون يرتدون أحزمة ناسفة مبنى للشرطة في الرمادي عاصمة المحافظة.

وتبنى تنظيم "دولة العراق الاسلامية" الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، في بيان 43 هجوما في بغداد بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير قتل واصيب فيها العشرات. ونشرت مواقع ومنتديات اسلامية بيانا صادرا عن "دول العراق الاسلامية" يعلن تبني التنظيم لهجمات في بغداد بين العاشر من كانون الثاني/يناير والعاشر من شباط/فبراير. ومن هذه الهجمات "تفجير سيارة مفخخة على موكب تشييع في منطقة الزعفرانية" في 27 كانون الثاني/يناير، ما ادى الى مقتل 31 شخصا. وتبنى التنظيم ايضا عملية قتل مديرة سجن النساء في الكاظمية ساجدة حسن صالح، ومحاولة اغتيال النائب عن قائمة "العراقية" قيس الشذر. وكان تنظيم "دولة العراق الاسلامية" تبنى في 24 شباط/فبراير سلسلة الهجمات التي استهدفت مناطق متفرقة من العراق وادت الى مقتل ما لا يقل عن 42 شخصا واصابة اكثر من 260 اخرين بجروح.

حصيلة العنف

من جهة اخرى اعلنت الحكومة العراقية ان عدد القتلى الذين سقطوا في العراق بين 2004 و2011 بلغ نحو سبعين الف شخص وهو ادنى معدل للقتلى مقارنة مع مصادر اخرى حكومية واجنبية. وقال المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ في بيان ان "عدد الضحايا الذين سقطوا منذ الخامس من نيسان/ابريل 2004 ولغاية 31 كانون الاول/ديسمبر 2011 بلغ 69 الفا و163 شهيدا و239 الفا و133 جريحا". واوضح ان عدد الضحايا جاء "بناء على تقارير الجهات الحكومية المكلفة بمتابعة هذا الامر وهي وزارة الصحة باعتبارها الجهة الاقرب الى الواقع، ومجلس الامن الوطني". وذكر الدباغ ان هذه الارقام تمثل "اجمالي عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة اعمال الارهاب والعنف والاعمال العسكرية". واشار الى ان "اعلى عدد للشهداء في العراق كان العام 2006 حيث بلغ 21 الفا و539 شهيدا و39 الفا و329 جريحا"، حيث شهد العراق في هذا العام ذروة العنف الطائفي اثر تفجير القبة الذهبية لضريح الامامين العسكريين في سامراء. وبحسب الدباغ، فان العام 2011 سجل ادنى معدل للضحايا حيث بلغ عدد القتلى خلاله 2777. وسجلت محافظة بغداد خلال الفترة (2004-2011) "اعلى عدد من الشهداء بلغ 23 الفا و898 شهيدا بينما تأتي محافظة ديالى كاكبر نسبة من الشهداء مقارنة بعدد النفوس تليها الأنبار ثم نينوى ثم بغداد". ويثير تقدير عدد الضحايا العراقيين منذ الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في اذار/مارس 2003 جدلا، كما يختلف بشكل لافت تبعا للمصادر اذ يتراوح بين اقل من مئة الف ومئات الاف الضحايا. ويتناقض العدد الاجمالي للضحايا الذي اورده المتحدث باسم الحكومة مع اعداد اخرى لضحايا العنف في العراق سبق وان قدمتها مصادر حكومية اخرى واجنبية. بحسب فرانس برس.

ففي تقرير نشر في تشرين الاول/اكتوبر 2009، تحدثت وزارة حقوق الانسان العراقية في تقرير رسمي نشرته عن مقتل 85 الفا و694 شخصا نتيجة اعمال العنف بين عامي 2004 و2008.

وبحسب الجيش الاميركي، قتل نحو 77 الف عراقي بين كانون الثاني/يناير 2004 واب/اغسطس 2008، بينهم نحو 63 الف مدني والباقون من العسكريين. وافادت وثائق نشرها موقع ويكيليكس العام 2010 ان عدد القتلى منذ بداية الغزو بلغ 109 آلاف. واكدت دراسة مثيرة للجدل نشرتها مجلة "ذي لانسيت" البريطانية العام 2006 ان الحرب اسفرت عن مقتل 655 الف عراقي، وهو رقم تخطى سائر باقي التقديرات.

وتراجعت اعمال العنف واعداد الضحايا في البلاد خلال الفترة الاخيرة. فقد قتل خلال النصف الثاني من 2010 ما لا يقل عن 2025 عراقيا، فيما انخفض العدد الى 1554 خلال الفترة ذاتها من 2011، وفقا لمصادر رسمية. وقتل 151 شخصا جراء اعمال العنف التي وقعت في العراق خلال كانون الثاني/يناير، بينما قتل 259 شخصا خلال الشهر ذاته من العام 2011.

في هذا الوقت، قتل ثمانية عراقيين في سياق متصل قتل 39 شخصا على الاقل واصيب اكثر من 250 آخرين بجروح في سلسلة هجمات في مناطق مختلفة من العراق، قبل اسابيع قليلة من انعقاد القمة العربية في بغداد نهاية آذار/مارس. وقال رئيس البرلمان اسامة النجيفي في بيان ان التفجيرات "تهدف الى اذكاء نار الفتنة بين ابناء الشعب العراقي وترمي الى افشال عقد القمة العربية والمؤتمر الوطني العام". ورأى انها "تعطي اشارة واضحة الى ضلوع جهات خارجية تحاول تصدير مشاكلها الداخلية الى العراق".

الارهاب يهاجر

من جانب اخر اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تصريحات صحافية ان تنظيم القاعدة "بدا يهاجر" من العراق الى سوريا التي اصبحت بحسب قوله "في قلب المشكلة الارهابية". وقال المالكي في مقابلة مع صحيفة "عكاظ" السعودية "بالأمس كانت سوريا تعتبر نفسها خارج دائرة المشكلة الارهابية واليوم هي في قلب المشكلة الارهابية". واضاف ان "القاعدة بدأت تهاجر الان من العراق الى سوريا، وربما تهاجر من سوريا الى بلد آخر، والى ليبيا والى مصر والى اية منطقة يختل فيها النظام وتختل فيها منطقة السيطرة". بحسب فرنس برس.

واعلنت السلطات العراقية انها اتخذت اجراءات جديدة لتشديد الرقابة على الحدود مع سوريا بهدف منع اي نشاط يناقض سياسة العراق "في عدم التدخل بشؤون الدول الاخرى". وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء ان نوري المالكي تراس "اجتماعا لخلية الازمة" بحضور كبار المسؤولين الامنيين حيث جرت "مناقشة موضوع الرقابة على الحدود بشكل عام ولا سيما الحدود مع سوريا". واضاف البيان الذي نشر على موقع رئاسة الوزراء انه "جرى اتخاذ جملة من الاجراءات لتشديد الرقابة على الحدود". واوضح ان هذه الاجراءات تهدف الى "منع حصول حالات اختراق او تسلل وسد كافة الثغرات المحتملة التي يحاول الارهابيون الدخول من خلالها لارتكاب جرائمهم". وقد شدد المالكي بحسب البيان على "ضرورة اتخاذ اقصى درجات الانضباط خصوصا على الحدود مع سوريا لمنع اي نشاط يمكن ان يؤثر على امن البلاد او يخالف السياسة العامة للعراق بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/آذار/2012 - 16/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م