العراقيون بين رجل الدولة ورجل الأزمة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من هو رجل الدولة؟ وهل هناك فارق بينه وبين رجل الأزمة؟ وأين تكمن حاجة العراقيين في مرحلة التغيير الراهنة، في أي من الرجلين؟، هل نحتاج الى رجل دولة أم رجل أزمة، ونحن نحاول أن نؤسس لمرحلة جديدة ونبني عراقا ينتمي الى الركب العالمي المعاصر؟.

أسئلة كثيرة تتوالد من بعضها في هذا المجال، وقبل الاجابة لنعرف أولا بماذا يتّصف رجل الدولة؟، إنه باختصار شديد ذلك الرجل الذي يضع في مقدمة حساباته وخياراته، مصلحة الدولة، لذلك فهو يؤمن بأن حاضره الفردي ومستقبله، يرتبط عضويا مع حاضر ومستقبل الدولة، وأن أي خلل أو اعتلال يصيب الدولة، سينعكس عليه وعلى أبنائه وذويه والمقربين منه من دون أدنى شك، لذلك ينطلق رجل الدولة في عموم أنشطته الفكرية والعملية، من مبدأ الحرص على الدولة وسلامتها، ضمانا لسلامته هو ومعيته، ناهيك عن رؤيته التي تمتد الى الأزمان القادمة، حيث ستعيش الاجيال القادمة في دولة مرفهة مستقرة متطورة ومتوازنة، صنعها وأسهم في بنائها وتطويرها، رجال دولة يستحقون الاحترام والتقدير والاستذكار الذي يشيد بأدوارهم الخلاقة، بصفتهم أسهموا في بناء دولة متحضّرة وشعب يستحق الحياة.  

أما رجل الأزمة، فهو على العكس تماما من رجل الدولة، إنه يرى في اختلاق الازمات وجودا ذاتيا له، وكأنه لا يستطيع العيش إلا في ظل الازمات والتوترات المتواصلة، بمعنى يمكن توصيفه كالسمكة التي تموت لو غادرت الماء، هكذا هو تماما، يموت لو انه يعيش في حياة بلا أزمات، لذا نلاحظ أن شخصية رجل الازمات معبأة بالافكار المتضاربة والمتناقضة، بل والمتصارعة ايضا، إنه عبارة عن كتلة تناقضات لا يمكن لها أن تتواءم أو تستقر أو تتفاهم مع الآخرين، أو تلتقي معهم في مسار واحد، لذلك غالبا ما يلجأ مثل هؤلاء الرجال الى صنع الازمات، لأنها الجو الوحيد الذي يلائم تواصلهم مع الآخرين، بمعنى أوضح إنهم مجموعة من المرضى، يعتاشون على تعكير الاجواء بحيث ينطبق عليهم تماما التوصيف الذي يقول (إنهم أولئك الذين يصطادون في المياه العكرة) وهكذا فإن صفاء الاجواء وسير الحياة بوتيرة متناغمة وجيدة لا يروق لهم، لأن سبل الفساد ستنقطع بهم.

وبهذا يكون رجل الأزمة محط تعكير دائم لأجواء النقاء والعمل السليم، كما انه يُسهم دائما بوضع العصي في دواليب التقدم الى أمام، فنجاح الدولة يعني فضح هؤلاء وكشفهم ومن ثم طردهم خارج عملية البناء، في أي مجال من مجالات الحياة، لذلك نلاحظ تمسك هؤلاء في بعضهم بقوة، بحيث يشكلون كتلة موّحدة تستميت من أجل بث الازمات على نحو متواصل، في عموم مفاصل الدولة والمجتمع، من اجل خلق الاجواء التي تغطي على انتهاكاتهم وتجاوزاتهم على حقوق الناس، كما يحدث الآن في حالة استشراء الفساد المالي والاداري بمفاصل الدولة مثلا، فمن يتعاطى عمليات الفساد هذه ليس فردا ولا مجموعة واحدة، إنهم أفراد ومجاميع تتكاتف فيما بينها، لتنشر الازمات والتوترات هنا وهناك، لكي يتاح لها تحقيق مآربها السيئة.

لذا بناء العراق يحتاج الى رجال دولة يتزايدون وتتضاعف اعدادهم على حساب رجال الأزمة، يتحقق هذا الهدف عندما نأتي بالكفاءات ونمنحها دورها الحقيقي في بناء البلد، كذلك عندما يتخذ رجال الدولة الخطوات الحقيقية التي تكفل القضاء على البطالة المقنّعة او الماثلة في الشارع، ورفع مؤهلات العاملين في مؤسسات الدولة، للحد من معرقلات بناء الدولة العراقية المعاصرة، نحتاج ايضا الى بؤر تفكير مشعّة ومنتجة، تنشر الافكار السليمة بين الجميع، فالعمل المادي وحده لا يكفي، لابد أن يكون هناك تآزر بين المعرفة والعمل الجاد.

نحتاج الى رجال دولة، كبدلاء لرجال الأزمة، حتى يتناقص هؤلاء، بل حتى نصل الى درجة القضاء التام على رجال الازمات والفساد، أما السبيل الى ذلك، فهم رجال الدولة أنفسهم، إذ بإمكانهم (الآن وفي أي وقت) وضع الرؤى والخطوات والتشريعات اللازمة التي تطرد رجال الازمات خارج حلبة الحياة العراقية الجديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/آذار/2012 - 16/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م