الباص الخشبي... ايقونة بصرية تشكو الاقالة القسرية

نهلة جابر

 

شبكة النبأ: "باصات الخشب " هياكل متهالكة وقديمة وأطراف متهرئة إلا أنها تكابد متقلبات الزمن القاسي لفرض وجودها على شوارع مدينة البصرة في محاولة لإخفاء تجاعيد الزمن والتي يحرص اصحابها على اخضاعها لصيانة مستمرة لإنعاش محركاتها التي تحتضر من شدة الصدأ، ويقال ان الباص الخشبي كان عبارة عن مسرح جوال يتنقل فيه عدد من الاشخاص متقابلين يترصفون يؤدون ضربات بأكفهم يسمون "الخشابة " نسبة الى السيارة التي كانو يستقلونها سيارة الخشب "الباص الخشبي" ، لكن عندما تزور احياء ابي الخصيب غالبا ماتجد الباصات الخشبية التي تمثل هوية ورمزا لتراث وفلكلور البصرة دخل المدينة.

عملت باصات الخشب في نهاية خمسينات القرن الماضي وبقيه فيها الى يومنا هذا تجوب عباب شوارع وازقه المدينة خاصة في شوارع قضاء ابي الخصيب حيث انه وسيله النقل الاولى لا بل المميزة هناك . كانت في بادى الامر سيارة لنقل الاحمال الا ان تطور المدينة يومذاك وحاجه الناس الى وسيلة نقل حولها وبواسطة نجاري البصره المبدعين الى سيارة لنقل الركاب حيث صنع الجسد والابواب والمقاعد من الخشب لذالك سمي بباص الخشب ( الزبير وابي الخصيب ولتنومه ) هي المناطق الاولى التي عمل فيها هذا الباص حيث كان يستخدم لنقل الاشخاص في الداخل بينما يستثمر سطحه والدكة الخلفيه لنقل المحاصيل الزراعيه التي كانت تنقل بواسطته الى سوق العشار .

 بهذا الخصوص التقت شبكة النبأ المعلوماتية الكاتب البصري  والذي قال: عرف اهالي البصرة باصات الخشب بعد الحرب العالمية الثانية اي بعد 1940 – 1941 وان اول باص خشب كان في ابي الخصيب للحاج حسين الحمداني والسائق طه البربوري وهما من سكنة حمدان البلد عام 1944 وكان كراج السيارات بابي الخصيب وفي البصرة ساحة الدواليب عام 1945 وان اقدم باص خشب في الكراج نفسه هو للمرحوم الحاج ميرزا عباس الذي كان يعمل على خط قرية ام النعاج المطيحة خط البصرة وكان اول اسطى ميكانيكي هو الاسطى الحاج جودي في منطقة السيمر قرب بيت لاوي وتابع " السيارات التي كانت تعمل على طرقات البصرة وخطوطها للفترة من عام 1940 -1952 على خطوط ابي الخصيب من عام 1941 – 1945 ، وان اولى هذه السيارات باص خشبي للحاج عبد الباقي الكنعان وكان يعمل على خط كوت الزين – طريق الفاو الترابي وكانت اجرة النقل في معظم الباصات بـ (30 فلسا للشخص الواحد) ، ومن ثم تغيرت الاجرة الى (سبعين فلسا )، وان معظم طرق البصرة كانت ترابية وغير معبدة الا طريق واحد وهو طريق ابي الخصيب والعشار .

احد منتسبي شرطة المرور في البصرة قال ، لدينا تسجيل لأول باص خشب سار على طرقات البصرة ، وقام الحاج جودي بتحويله الى باص كبير وكان اسمه ابو عرام يشبه باصات العمارة والنجف الخشبية الكبيرة التي تستوعب العديد من الركاب والاحمال خاصة على طريق البصرة وعشار وابي الخصيب والزبير في الستينيات الى منتصف السبعينيات لنقل المسافرين من البصرة الى بغداد بـ 400 فلس قبل مجيء سيارات السفريات الحديثة .

سيد ياسر الموسوي اضاف معلومة اخرى عن باص الخشب وقال: إن الباصات الخشبية دخلت الى العراق عبر موانئ البصرة ويقال ان التجار الهنود في ادخلوها الى البصرة أواخر العقد الخامس من القرن الماضي وكانت مصممة لغرض نقل الحمولات والبضائع لكنها سرعان ما خضعت لسلسلة من التحويرات لجعلها تستوعب الاناس، واشار ايضا إلى وجود أكثر من موديل من الباصات الخشبية جميعها مصنعة من قبل شركة شيفروليت الأمريكية وهي ذات مواصفات متشابهة باستثناء بعض الاختلافات في قوة محركاتها التي غالباً ما تكون ذات 6 سرعات .

مستشار محافظ البصرة للاثار والسياحة هاشم عزام تحدث لشبكة النبأ قائلاً: يصنع جسد الباص الخارجي من أخشاب الجاوي والصاج وخشب التغليف"المعاكس" الذي يستخدم لتغليف الجوانب الخارجية ، سيما وان الباص يتكون من ثلاث أجزاء الجزاء الاول الذي يحتوي على( قمارة القيادة) إضافة إلى مقعدين إمامين اما الجزء الثاني فهو الجزء الاوسط الذي يحتوي على 6 مقاعد متقابله ولعل هذه المقاعد ساعدت كثيرا في تطوير العلاقات الاجتماعية بين راكبيه يومذاك عندما كان الباص يقطع مسافات طويلة بين مناطق البصرة.

واضاف: في سوق البصرة القديمة بقي مراب واحد يمكن ان تشاهد فيه الباص الخشبي والذي ينطلق منه قاصد مناطق حمدان والمطيحه والخورة وغيرها من مناطق ريف البصرة الجميل وهناك مقهى خاص يتجمع فيه سائقي الباصات وسترسل قائلاً: في الجنوب ظواهر عديدة لها سمات وخصائص متميزة تميزهم عن باقي المحافظات ، فالتنقل بالباصات الخشبية القديمة التي مر على صنعها أكثر من سبعين سنة ظاهرة ملفتة للنظر. لا تريد ان تفارق المجتمع رغم التطور الحاصل في بقية السيارات الحديثة .. فسيارات الباص الخشبي رغم انحسارها من بعض المواقع كالجمهورية والأصمعي وأبي الخصيب لكنها تفرض حضورها الواضح في شوارع اخرى ولكنها كما اشار الى انها في دورها للانقراض . وناشد عزام الحكومة المحلية في البصرة بايجاد متحف خاص لها لغرض تذكير الاجيال القادمة بالموروثات البصرية ووسائط النقل للاجداد مستقبلا.

الحاجة ام فهد مواطنة بصرية من قضاء ابي الخصيب تحدثت عن ذكريات باص الخشب فقالت ، " الباصات الخشبية تمثل التلاقي واللمة وسرد الحكايات والتداول في امور البيت وارتفاع الاسعار للسوق والخضار وغيرها من الامور البسيطة ، نحن لانعرف السياسة ونجهلها ، والباص يجمعنا فترة من الزمن نتشاوف ونتعارف وبالتالي كلنا ابناء جلدة واحدة .

هذا وعلى الرغم أن الباصات الخشبية تتسع لـ 14 راكباً إلا أنها غالبا ما تحمل ضعف هذا العدد في مشهد يثير الدهشة والاستغراب وامتعاض رجال المرور هو مشهد تشبث الركاب بجوانب السيارة أو الجلوس جماعياً على سقفها للوصول الى المكان الذي يعتزمون الذهاب إليه مقابل أجر زهيد نسبياً .

وتشير الاراء الى أن معظم أصحاب الباصات الخشبية الذين اعتزلوا العمل في المرآب العام لنقل الركاب لم يقدموا على بيع سياراتهم، إنما احتفظوا بها ومنهم من استغلها في بيع الوقود في السوق السوداء بسبب كبر خزانات وقودها إذ يشترون البنزين من محطات تعبئة الوقود بأسعار مدعومة ومن ثم يبيعونه في مناطق تشهد شحة مقابل أسعار تجارية مرتفعة. ومع اتساع رقعة التحديات التي تحاصرها يبدو أن الباصات الخشبية بدأت تدخل المرحلة الأخيرة من رحلتها مع الزمن، وهي رحلة تستحق أن يحتضنها تراث البصرة ويخلدها مثلما خلد بيوت الشناشيل والزوارق النهرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آذار/2012 - 12/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م